Dib Sulaiman إلى ملتقى عشاق حمص
*القليل عن ديك الجن الحمصي….
(مقتبس بتصرف).
على ضفاف نهرالعاصي وفي أحد أحيائها القديمة, باب الدريب تحديدا (131 للهجرة ) ولد ا عبدالسلام بن رغبان ( ديك الجن الحمصي كما تسميه الكتب القديمة ).
نشأ ابن رغبان وشب في هذه المدينة ولا تمضي السنون حتى يتحول الى علم من اعلام الادب،ولسنا بصدد الحكاية الادبية او التاريخية لديك الجن الحمصي بل بصدد حكاية فاجعة ذكرها الاصفهاني في (الاغاني) وابن عساكر في (تأريخ دمشق) وصاحب الكشكول وابن خلكان في الاعيان ،وذهب المصنفون في تحليل شخصيتها المضطربة العصابية وقيل مجنون وقيل غير ذلك الكثير…
عشق ديك الجن فتاة نصرانية بارعة الجمال تدعى ورد ( ورد الناعمة)
وكانت تساعد والدها في دكانه الذي كان يبيع فيه القماش وقد رآها ديك الجن وافتتن بها ولهذا كان ينظم فيها الشعر ويتغزل فيها,وكان يراسلها سرا، وقد بادلته شيئا من الحب ولكنهما لم يلتقيا قط ولم تعرفه أبدا حتى جاءت ليلة كان ديك الجن يتنزه فيها مع صديقه الوفي( بكر) الذي كان لايفارقه ابدا حيث دخلا ارضاً تابعة لأحد الأديرة عن غير قصد او وعي منهما .. سمعا بين ظلال الأشجار اصوات صبايا يتسامرن ويتراقصن ويغنين .. فاقتربا من الجمع .. واصغيا السمع حتى خرجت تنهيدة من ديك الجن لجمال الصوت الذي سمع . . فانكشف امرهما , وكان ديك الجن قد عرف ان بينهن ورد ولم تعرفه .
اقتربت الصبايا منهما ..وههددتهما احداهن بان تصرخ فتجمع عليه اهل الدير لينالا عقاب كشف سترهن والتعدّي على حرمة الجمع في مكان مخصص للدير واهله فقط، هنا قال لها ديك الجن وقد فتن بجمالها ، اوتدرين لمن الابيات التي كنتِ تتغنين بها منذ قليل .. قالت هذه لشاعر يدعى ( ديك الجنّ) فقال لها أنا ديك الجن … فلم تصدقه قائلة ان ديك الجن اكثر شهامة ومروءة مما قمت به ولا يعقل ان تكون انت .. واذا كنت انت حقا فاتني بابيات تثبت ذلك من وحي افكارك الان فنظر اليها وقال:
قولـي لطيفـك ينثنـي
عن مضجعي وقت المنام
كي استريـح وتنطفـي
نار تؤجج فـي العظـام
دنـف تقلبـه الأكــف
على فراش من سقـام
أما أنـا فكمـا علمـتِ
فهل لوصلك من دوام؟
سرت الحسناء .. لكنها لم تصدق بعد .. وقالت له باستطاعة اي هاوٍ قول ذلك مرة واحدة او حفظ الأبيات .. فهلاّ غيرت القافية ..
قال :
قولـي لطيفـك ينثنـي
عن مضجعي وقت الرقاد
كي استريـح وتنطفـي
نار تؤجج فـي الفـؤاد
دنـف تقلبـه الأكـف
على فراش مـن قتـاد
أما أنـا فكمـاعلمـتِ
فهل لوصلك من معاد ؟
بدات الحسناء عندها تتيقن ولكنها طلبت منه تكرار تغيير القافية ..فقال :
قولـي لطيفـك ينثـنـي
عن مضجعي وقت الهجوع
كـي استريـح وتنطفـي
نار تؤجج فـي الضلـوع
دنـف تقلبـه الأكــف
على فراش مـن دمـوع
أمـا أنـا فكمـاعلمـتِ
فهل لوصلك من رجوع ؟
… وكرر ذلك مرة رابعة .. ايضاً .. فأعجبت الحسناء بشاعريته .. وقد كان اسمه قد سبقه اليها فوقعت في غرامه كما هام بها …. وبارك لهما هذا الحب صديقه بكر .. الذي كان من أشد المخلصين له …
تزوج … ديك الجن الحمصي .. و ورد الناعمة
وكانت حياتهما حب و وفاء .. كما وسعد بكر بن رستم صديق ديك الجن و رفيق صباه لسعادتهما .. وكان ديك الجن ايضا يثق بصديقه ويسر له بكل صغيرة وكبيرة ..
لم يعجب هذا الوضع ابو الطيب ( ابن عم ديك الجن) .. فبدأ يتردد على بيته ويتودد من ورد في غياب زوجها بحجة سؤالها ان كانت تحتاج شيئاً .. وهي تصده وتصون غياب ديك الجن ، فبدأ يخيط لهما مكيدة .. ينتقم بها من ابن عمه خاصة وانه كان يخاف ان تذيع ورد سرّ مراوداته لها ومحاولاته للنيل منها فيفتضح امره ..
كان ديك الجن متلافاً للمال ومبذرا فقد انفق كل ما ورث عن ابيه وجده من مال وعقار …. واستدان مبلغاً من ابن عمه أبي الطيب قبل زواجه من ورد، فوجد أبو الطيب ضالته بهذا الأمر وبدأ مضايقاته لــ ديك الجنّ بحجةالمال وحاجته له والإصرار عليه في اقرب وقت فقرر ديك الجن السفر الى سلمية (شرق حمص )لمقابلة أميرها( احمد بن علي ) الذي كان يوده لعله يحضر ما يسد به حاجة ابن عمه ويقضي عنه دينه واوصى ديك الجن صديقه بكر خيراً بــ ورد .. وودعها وسار مع القافلة وما ان تاكد ابو الطيب من مغادرة القافلة لــ حمص حتى ذهب بذريعة الإطمئنان عن زوجة ابن عمه الى بيته وعاود عليها عروضه السخية بالمال .. والهدايا ..لكنها صدته ايضا واسمعته من الكلام ما يليق به فزاد ذلك من قهر أبي الطيب الذي لم يعد يفكر الاّ بطريقة للإنتقام من ورد .. ….
علم ابو الطيب ان القافلة في طريقها عائدة من سلمية الى حمص ..فارسل خبراًمفاجئاً لــ ورد مع نفر من مقربين له .. ان ديك الجن تعرض في الطريق هو والقافلةلقطاع طرق وقتلوه .. وان رهطاً من المدينة ذهبوا لاحضاره للدفن … كان وقع الخبر صاعقاً على روح ورد ،وكي يستكمل مخططه ومع اقتراب وصول ديك الجن للحي ارسل مسرعا في طلب بكر الذي صدق الخبر بموت صديقه وصعقته الصدمة أيضاً لكن ابا الطيب قال له ان ورد في حالة من الحزن والكمد الشديدين وليس لها من شخص تثق به سواك فانت الصديق الوفي للمرحوم ابن عمّي اذهب اليها وهدىء من روعها وحزنهاريثما تصل الجنازة ونتدبر الأمر …ذهب بكر الى بيت صديقه وهو لا يكاد يرى طريقه .. وصل الى ورد يبكي معها حيناً ويهدئ لوعتها حينا آخر ..ومع وصول ديك الجن كان اول من استقبله ابن عمه ابو الطيب .. فقال له .. ان زوجتك لم ترع غيابك يا ابن عمي .. وقد قضت كل وقت رحلتك تسامر صديقك في بيتك وتخونك معه والامر تفشّى في حمص واصبح فضيحة لنا جميعاً .. وهما الآن معا .. …اسرع ديك الجن لبيته فوجد صديقه بكر و ورد والدموع في عينيهما .. … فتدارك سيفه .. وهوى عليهما معا .. فقتلهما .. .. … جلس الى جوارهما وهماينزفان دما .. وقد فارقا الحياة .. يبكي مرّة .. ويتشفّى منهما اخرى .. اعماه القهر والغيرة وقال اروع قصيدة عرفها الشعر في رثاء حبيب ….
يا طلعة طلـع الحمـام عليهـا
وجنى لها ثمر الـردى بيديهـا
رويت من دمها الثرىولطالمـا
روى الهوى شفتي من شفتيهـا
قد بات سيفي في مجال وشاحها ومدامعي تجري علـى خدّيهـا
فوحق نعليها وما وطىء الحصى
شيء اعزّ علـيّ مـن نعليهـا
ما كان قتليها لأنـي لـم اكـن
أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها
وانفت من نظر الحسود إليها
.. وعاش ديك الجن بعد دفنهما كميت ..ولم تمض الليالي والايام حتى استدعاه ابن عمه ابو الطيب وهو يحتضر وأسرّ له بالمكيده …وان صديقه لم يخنه .. وحبيبته اطهر من مياه العاصي .. وانه راودهاعشرات المرات ولم تضعف وصدته عنها شر صدّ … فانفطر قلبه من هول الخبر واوشك على الجنون .. وبدأ يخلط كأس خمره بحفنة من تراب قبر ورد .. وكاسا اخرى بحفنة من تراب قبر بكر .ولايذوق طعاما او يهنأ بمنام . يضع كاس ورد عن يمينه .. وكاس بكر عن شماله ويبكي هائما في بساتين حمص (الميماس) وينظم اشد القصائد الما وحزنا حتى ذهب عقله….. ووجد ميتا قرب قبريهما…