Mohammad Kujjah
٢٣ أغسطس ·
*** ( ابن الوردي والطاعون الأسود عام 1348 م ) ***
1 – شهدت تلك الفترة من التاريخ البشري أسوأ جائحة لوباء الطاعون ، شملت العالم بقاراته الثلاث : آسيا وأفريقيا وأوروبا. وذلك قبل اكتشاف القارة الامريكية وأستراليا.
استمرت موجة الوباء القاتل من سنة 1347 حتى 1352 ، وفتكت بربع سكان العالم وقتها : 100 مليون فتك بهم الوباء من أصل 450 مليون عدد سكان العالم في حينه .
وكانت اوربا هي التي دفعت الثمن الباهظ من سكانها ، وتراوحت نسبة الموت من السكان في الدول بين 20% الى 80% .
2 – كان ابن الوردي شاعر بلاد الشام في عصره ، وهو عمر بن المظفر البكري القرشي 689 _ 749 للهجرة . 1291 _ 1348 للميلاد ، وهوالمعري مولدا والحلبي إقامة ووفاة ، ينتهي نسبه الى الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق .
وهو احد الشعراء الثلاثة الكبار في العصر المملوكي : صفي الدين الحلي في بغداد ، وابن نباتة في القاهرة ، وابن الوردي في حلب .
عمل في القضاء والتدريس والتأليف في موضوعات الأدب والشعر واللغة والنحو والتاريخ والفقه والتصوف . وله ديوان شعر مطبوع حققه الصديق الدكتور ” احمد فوزي الهيب ” ولدي نسخة بإهداء ثمين منه
3 – واكب ابن الوردي حركة انتشار الوباء عبر البلدان في عصره ، وكتب في ذلك رسالة سماها ” النبا عن الوبا ” وهو يرصد رحلة الطاعون من الصين شرقا باتجاه الغرب ، مع ذكر البلدان والمدن نثرا وشعرا ، ومن ذلك قوله :
( طاعون روع وأمات وابتدأ خبره من الظلمات ، ما صين عن الصين ، سل هنديا في الهند ، وهجم على بلاد العجم ، وقرم القرم ، وجر الجرائر الى قبرص والجزائر، وقهر خلقا في القاهرة ، وسكن حركة الاسكندرية:
اسكندرية ذا الوبا سبع يمد اليك ضبعه
ثم تيمم الصعيد ، وابرق على برقة ، وغزا غزة ، وعك عكا والقدس، وبلغ بيروت ، ثم سدد الرشق الى دمشق :
اصلح الله دمشقا وحماها عن مسبه
وركب الى بعلبك ثم حمص وحماة :
يا ايها الطاعون ان حماة من خيرالبلاد ومن اعز حصونها
ثم دخل المعرة وسرمين والباب وحارم وانطاكية .)
4 – (ثم طلب حلب :
ان الوبا قد غلبا وقد بدا في حلبا
الله اكبر من وباء قد سبا ويصول في العقلاء كالمجنون
فلو رايت الاعيان في حلب وهم يطالعون من كنب الطب الغوامض ، ويكثرون في علاجه من اكل النواشف والحوامض
ولو شاهدت كثرة النعوش وحملة الموتى ، وسمعت بكل بيت نعيا وصوتا .
فمتى راى الإنسان في فمه دما
أيس الحياة ومل منه الأقربا
فهذا يوصي باولاده وهذا يودع جيرانه
وهذا يهيء اشغاله وهذا يجهز اكفانه )
5 – اشتهر ابن الوردي بقصيدته التربوية المعروفة باسم ” لامية ابن الوردي ، ومنها :
(لا تقل اصلي وفصلي ابدا انما اصل الفتى ما قد حصل
لا تقل قد ذهبت اربابه كل من سار على الدرب وصل
و له مواقف اجتماعية لاذعة ، ومنها قوله في الفساد المنتشر في مؤسسة الاوقاف :
لقد قالت لنا حلب مقالا وقد عزم المشد على الرواح
إذا عمّ الفساد جمؤع وقفي فكيف اكون بادية الصلاح
ومنها قوله في الوالي ” لؤلؤ” الذي تم عزله بسبب مظالمه :
ألؤلؤ قد ظلمت الناس لكن بقدر طلوعك اتفق النزول
كبرت فكنت في تاج فلما صغرت سُحقت سنة كل لولو )
6 – توفي ابن الوردي في حلب ضمن من جرفهم وباء الطاعون الاسود المفترس ، وذلك يوم 27 ذي الحجة 749 للهجرة ، الموافق 7 ايار ” مايو ” 1348 للميلاد .
وقد حصد الطاعون ثلث سكان مدينة حلب في ذلك الوقت .