التعريض الضوئي الصحيح
كي نتوصل إلى تعريف أكثر تحديداً لمفهوم “التعريض الصحيح”, دعونا ننظر إلى المخططات الموضحة على الشكل (4) والمسماه “المنحنى الخصائصي للمواد الحساسة”.
على المحور الأفقي للمخطط تظهر قيم التعريض الضوئي (H), وعلى المحور العمودي- الكثافة الضوئية للمادة الحساسة أو كما تعودنا على تسميتها بدرجة الغمقان (الدكنة).الصيغة الرياضية للتعريض تمثل حاصل ضرب الإضاءة الساقطة على سطح الطبقة الحساسة (لوكس) بزمن تأثيرها (ثانية).
H = E*t
أما الكثافة الضوئية فهي الغوريتم العلاقة بين كمية الضوء المارة من نقطة ما في الطبقة الحساسة إلى كمية الضوء الساقطة على هذه النقطة.
شكل(4) . المنحنى الخصائصي لفيلم الأبيض والأسود
من شكل المنحنى الخصائصي نستنتج بعض العوامل الهامة, الضرورية للحصول على لقطة ذات تعريض جيد:
أولاً- العلاقة المتبادلة الصحيحة بين درجة إشراق المشهد على الطبيعة, ودرجة دكنته على الفيلم, تكون ممكنة فقط في منطقة المنحنى ذات التناسب الخطي (المنطقة الواقعة بين النقطتين A و B), هذه المنطقة تسمى مجال النقل التناسبي (التعريض الصحيح). في حين تتشوه العلاقة التناسبية عندما يقع التعريض في مجال التعريض الناقص under-expose , حيث تضيع تفاصيل كثيرة, أو عندما يقع في مجال التعريض الزائد over-expose , حيث تصبح جميع التفاصيل داكنة جداً ومن الصعب تمييزها عن بعضها.
ثانياً- عند تصوير المشهد المتباين جداً, الحاوي على اختلافات كبيرة في درجة السطوع بين المناطق الأكثر إشراقاً والأكثر قتامةً, يستحيل الحفاظ على النقل الصحيح للألوان والتدرجات. حتى عند التعريض الصحيح بالنسبة لمناطق السطوع المتوسطة في المشهد. ذلك أن المناطق المشرقة جداً (الضوء) سوف تقع في مجال التعريض الزائد, في حين أن المناطق المعتمة جداً (الظلال) سوف تنزاح إلى مجال التعريض الناقص, وكلاهما سيخسران الكثير من التفاصيل. مثل هذه المشاهد نصادفها كثيراً, على سبيل المثال, التصوير في منصة المطار المظللة مع خلفية مضاءة بأشعة الشمس المباشرة, أو ببساطة مصابيح الشوارع المضاءة ليلاً. كذلك نصادف مشاهد التباين العالي عند التصوير في الأماكن الداخلية (عند التصوير الرياضي في الملاعب أو تصوير المشاهد المسرحية).
ثالثاً- بما أن شكل المنحنى الخصائصي يعتمد على ظروف معالجة الفيلم, فإن أي تغيير في هذه الظروف سيؤدي حتماً إلى تغيير في النتائج, أي في شكل الصورة. على سبيل المثال, تؤدي عملية التظهير “التصحيحية” لأفلام الأبيض والأسود إلى توسيع مجال التعريض الصحيح, حيث أنها تعمل على تحسين تباين المشهد. في حين أن زيادة زمن تحميض الأفلام (في المحلول المظهر), أو زيادة درجة حرارة المظهر وهي العمليات المسماة (التظهير الزائد), تعمل على إزاحة درجة الدكنة نحو اليمين (منطقة التعريض الزائد), ويفقد المشهد حيويته.
نصل الآن إلى جوهر الموضوع أو ما العمل لضمان نجاح الصورة؟ أو بمعنى آخر ما هو المطلوب لضمان “التعريض الصحيح” للفيلم المفترض وعند عملية تظهير نموذجية؟
المطلوب شرط واحد فقط: أن تكون درجة السطوع الوسطية للمشهد واقعة في منتصف مجال النقل التناسبي (الجزء المتناسب خطياً في المنحنى). في هذه الحالة يكون هناك مجال كافٍ على جانبي النقطة الوسطية لاستيعاب درجات السطوع المتطرفة (الضوء والظلال). ويكون المشهد في أحسن حالاته. الشرط السابق, وإن بدا منطقياً, إلا أنه يحمل بعض الثغرات:
أولاً- درجة سطوع العناصر الأهم في المشهد, وهي العناصر الجاذبة لإهتمام الناظر, ليست دائماً هي الدرجة الوسطية. على سبيل المثال, العروس في الملابس البيضاء تحمل درجة سطوع أعلى من جميع عناصر المشهد الأخرى, كذلك فإن القط الأسود, العنصر الرئيس في مشهد آخر, يحمل درجة سطوع أقل بكثير من جميع العناصر المحيطة. وهذه الحالات وغيرها الكثير, بمقدورها خداع أجهزة قياس الضوء, حتى الذكية منها.
ثانياً- ما الذي يمكن اعتباره “سطوع وسطي” للعناصر في المشهد, ما دام هذا المفهوم غير محدد بدقة, وليست هناك من قيمة موحدة تستعملها أجهزة قياس الضوء تصلح بأن تكون نقطة “بداية الإحداثيات”.
لقد جرت محاولات عديدة لاختيار نقطة بداية الإحداثيات وتنظيمها عالمياً, وكانت الأنجح منها, تلك التي اعتمدت على مقارنة الخصائص الحقيقية لمجموعة كبيرة من المشاهد الحقيقية. حيث بينت الإحصائيات أن الغالبية العظمى من المشاهد تعكس (في المتوسط) 18% من الضوء الساقط عليها. طبعاً المشاهد تحتوي على مناطق إضاءة شديدة ومناطق ظلال شديدة, ولكن بحساب المتوسط لجميع المشهد, تبقى نسبة ال18% هي الأعمّ. من هنا ظهر توافق عام على أن “الموضوع الذي له نسبة معامل انعكاس 18% ينبغي أن يقع في نقطة على منتصف المنحنى الخصائصي, وجميع المناطق الأكثر إشراقاً منه أو ظلالاً يجب أن تتموضع على جانبي هذه النقطة”. وهو التوافق الذي أدى إلى ظهور ما يسمى “البطاقة الرمادية”, التي يستعملها المحترفون لتحديد السطوع الوسطي. سنتناول شرح البطاقة الرمادية عند تطرقنا لنظرية “مناطق التعريض”, التي وضعها المصور الأمريكي آنسل أدامز .