ذات الرسام السوري تنتفض في “صرخة لون”
خليل مبروك-إسطنبول
أرهقت ظروف القتال المستمر في سوريا منذ ست سنوات ريشة الرسام حسن رسلان، وصبغت ألوانها بثوب من المعاناة التي يتجرعها السوريون في وطنهم المدمر وغربتهم الإجبارية على السواء.
في كليس (جنوب تركيا)، يمسك رسلان ريشته وألوان الزيت التي اعتاد استخدامها طوال ربع قرن من عمره الفني، ليرسم على المساحات البيضاء ذاتها، لكن لوحاته تخرج مختلفة عن تلك التي كان يبدعها في مسقط رأسه بمدينة حلب.
يصف الفنان ما جرى بالقول إن الحرب أثرت نفسيا على الفنانين بشكل كبير جدا، “حين أبدأ الرسم أجد نفسي لاشعوريا أرسم صورة طفل مشرد وعجوز خائف وبنت تبكي، لا يمكن الآن أن أرسم لوحة عن الطبيعة أو عن الجمال، وذهني يستجمع كل الصور الحزينة التي تكتظ بها بلدي”.
صرخة لون
حسن رسلان واحد من 13 فنانا سوريا شاركوا في معرض “صرخة لون” الذي نظمه “ملتقى المبدعين السوريين” برعاية “اتحاد منظمات المجتمع المدني السورية” في مدينة إسطنبول، الذي تواصل بين يومي السبت والاثنين الماضيين.
ويجسد المعرض الذي زارته أعداد كبيرة من الزوار اهتمامات الفنانين السوريين بتركيا ومصادر إلهامهم، بينما عبر اسمه عما يخالجهم من مشاعر يمتزج فيها الحب والحزن والأمل والخوف، برسائلهم الوجدانية والإنسانية.
ويعبر الأمين العام لاتحاد منظمات المجتمع المدني السورية خضر السطري عن أمله أن يصبح ملتقى المبدعين السوريين الذي رعى معرض “صرخة لون” واحة حقيقية تحتضن الفنان السوري بوصفه أول ملتقى سوري على مستوى الرسم والفن.
ويقول السطري للجزيرة نت إن قيمة المعرض تنبع من أهمية فن الرسم كرسالة تختصر عشرات المقالات الصحفية والتقارير المتلفزة، “بل إن لوحة واحدة يمكن أن تختصر قضية عمرها سنوات”.
ويلفت السطري الانتباه إلى عمق تأثر الفنان السوري المهجّر بأحداث وطنه وتداعيات الاغتراب، قائلا إن بعض الفنانين يعملون في مهن مجهدة كالبناء، ويمضون 12 ساعة في أعمالهم، لكنهم لا يتوانون عن ممارسة الرسم بعد العمل للتعبير عما في ذواتهم.
تظهر إحدى لوحات المعرض مدى تأثر الفنان السوري بأحداث وطنه، ففيها تبدو سوريا بمعالمها التي لا تخطئها عين كمدينة تشتعل فيها النار وتسيل على أرضها الدماء وتحلق الغربان في سمائها، بينما تجلس عائلة تضم الشاب والمرأة والطفل والعجوز خلف إحدى الجدران بانتظار المصير المجهول.
تحديات
ويمثل الفنان أحمد كيبار، وهو من منطقة عفرين في حلب، نموذجا لتقلب أحوال الفنان السوري؛ فقد هجر هواية الرسم سنوات عديدة، لكن الحرب وتجربة اللجوء وما رافقهما من معاناة وأحداث خلقت في داخله تقلبات كثيرة دفعته للعودة للرسم ليعبر باللون عن انتفاضته على واقعه.
ويشير للجزيرة نت إلى أن الفنان السوري المغترب يواجه تحدي صعوبة المعيشة والبحث عن قوت أولاده وغياب الاستقرار الحياتي، ويشتكي في الوقت ذاته من غياب البيئة الحاضنة للفنانين السوريين المهجرين أو ضعفها.
أما الفنان التشكيلي عماد سعود غنايمي فيقول إنه لا يوجد حاليا من يحتضن الفنان السوري، وإن آفاق وجود مثل تلك الجهة غير واقعية مستقبلا؛ “فما دمنا على أرض غريبة سيبقى كل فنان يحاول أن يجد نفسه بنفسه”.
ويشير غنايمي، وهو خريج كلية الفنون الجميلة من جامعة دمشق، وينحدر من عائلة معروفة في الوسط التشكيلي بسوريا، إلى أن الفنانين السوريين يواجهون أيضا تحديات تتعلق بتوفير العمل الذي يعيلهم.
وقال للجزيرة نت إن الفنان يعيش ذاته أينما كان، مضيفا “في سوريا كنا نرسم عن الفساد وعدم تكافؤ الفرص، أما في غربتنا فصرنا نعاني ظروفا أخرى كالحاجة لإيجاد الذات في المجتمع الجديد والاندماج فيه، وهذا ما صرنا نرسمه أيضا”.
أما الرسامة علا السباعي، من حمص، فأوضحت أن الفنان هو إنسان يعكس برسومه ما بداخله من أفكار وأحاسيس، بغض النظر عن المكان الذي يقيم فيه وتغير الظروف من حوله.
وقالت للجزيرة نت إن على الفنان أن يهتم بالإنسانية وقضاياها بالمجمل، مشيرة إلى أن الرسام السوري عبر عن قضايا بلده وهمومها، لكنه في الوقت ذاته يرسم عن قضايا أخرى كالعراق وبورما ليلفت نظر العالم لقضايا الإنسان في كل مكان.