رحل في دمشق، الجمعة، المؤلف والباحث الآثاري السوري بشير زهدي، عن عمر يناهز 93 عاماً.
ولد محمد بشير زهدي الذي يعد رائداً من رواد علم الآثار في سوريا، في جادة أحمد كرد علي، في العاصمة السورية دمشق، عام 1927، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارسها، ثم تخرّج من مدرسة التجارة، عام 1944، ونال إجازة في الحقوق، من جامعة دمشق، عام 1951. إلا أن شغفه بالأثر التاريخي والجماليات المرتبطة به، قاده للذهاب إلى فرنسا لدراسة علم الآثار، فعاد من هناك بشهادة من معهد اللوفر في باريس، عام 1955، عن تاريخ الشرق القديم وعلم المتاحف الذي كان واحداً من البارزين فيه، فمنحته فرنسا وسام الجمهورية الفرنسية بدرجة ضابط.
وأسهم الارتباط ما بين علم الآثار والفن التشكيلي والأدب، إلى أن يتجه زهدي لدراسة الأدب نفسه، أيضا، بصفته تذوقاً جماليا، كما قال في أحد اللقاءات المتلفزة معه، فحصل على شهادة في الآداب، من جامعة السوربون عام 1954. ثم عاد 1955، إلى سوريا فعين أميناً على متحف الآثار الكلاسيكية، إضافة إلى ممارسته التدريس وإلقاء المحاضرات، في جامعة دمشق، وكلية الفنون الجميلة، في تاريخ الفن وعلم الجمال، وهي من الموضوعات التي وضع فيها، قرابة عشرين كتاباً.
وقلدته إيطاليا، وساماً بدرجة فارس، لقاء إسهاماته البحثية في الكشف عن جماليات تاريخ الشرق القديم، خاصة أنه على دراية واسعة باللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية، مما زاد في حجم المصادر التي اعتمد عليها في دراسة الشرق القديم، فأخرج أحد أهم كتبه، وهو (الامبراطور فيليب العربي) الذي أصبح إمبراطوراً على روما، ما بين عامي 242 و249 للميلاد، وهو ابن أحد شيوخ القبائل العربية التي سكنت منطقة (اللجاة) جنوبي سوريا، والتي تعتبر واجهة الحضور العربي الأوسع، في المنطقة، منذ قديم الأزمان، حيث كانت المكان الذي عثر فيه على نقوش باللغة العربية، تعود إلى ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين.
شغف بالحضارة العربية
الكشف عن التأثير العربي، في الحضارات القديمة، لم يتوقف عند زهدي، بكتابه عن فيليب العربي، بل وضع كتابا عن المكان الأكثر رحابة للعثور على تمازج الحضارة العربية بالرومانية، في سوريا، وهي منطقة (حوران) الجنوبية، أيضا، في كتابه (حوران، موطن الفعاليات الحضارية وأضخم المباني التاريخية). وكذلك كشف عن أثر الحضارة العربية الواسع في كتابه (الرصافة، لؤلؤة بادية الشام) وكتاب (دمشق، المدينة العربية المتجددة الشباب) وكان شديد الاهتمام بالبادية السورية التي تعرف ببادية الشام، وهي إحدى مواطن الانتشار العربي قديما في سوريا، وقدم بحثاً في هذا الخصوص، بالتعاون مع المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، والصندوق الوطني البلجيكي، بندوة حملت اسم (سورية الوسطى من البحر إلى البادية).
من كتبه
ومن كتبه: (الفن الهلنستي والروماني في سوريا) وكتاب (الفن السوري في العصر الهلنستي والروماني) و (علم الجمال والنقد) و(معلولا) و(محاضرات في تاريخ الفن) و(دراسات في التاريخ والآثار والحرف الدمشقية) وكتابه المعروف على نطاق واسع (المتاحف) وكتب أخرى عديدة وأبحاث وترجمات ودراسات في دوريات محكمة عربية وغربية.
عين زهدي، ومنذ عام 1955 أميناً على متحف الآثار الكلاسيكية، في سوريا، حتى عام 1981، ثم من هذا العام، عين أميناً على المتحف الوطني، في دمشق، حتى عام 2003. وحصل في سوريا، على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، في تسعينيات القرن الماضي.