عن الهيئة العامة السورية للكتاب وضمن سلسلة مسارات فنية صدر كتاب التليفزيون والكتابة الإبداعية للكاتب والإعلامي القدير الباحث عماد نداف في العام 2018، جاء الكتاب في 176 صفحة من القطع الكبير وضم الكتاب ثمانية فصول تناول الكاتب في الفصل الأول ظهور التليفزيون ونشوء الكتابة في الدراما التليفزيونية والصعوبات التي واجهتها واختتم الفصل بما وصفته الصحافة العربية عن ظهور التليفزيون السوري بالمعجزة ورغم المصاعب فقد شقت الدراما التليفزيونية طريقها فأخرج خلدون المالح الإجازة السعيدة وأخرج نزار شرابي رابعة العدوية.
وانتقل الباحث إلى الفصل الثاني حيت تناول الدراما التليفزيونية والسيناريو وفي هذا الفصل استفاض الكاتب في الحديث عن البدايات في كتابة السيناريو التليفزيوني وكيف استفاد كتاب الدراما التليفزيونية من السيناريوهات السينمائية مع الفوارق والجهود التي بذلت لتأسيس صناعة دراما تليفزيونية تحاكي صناعة السينما وقد استشهد الباحث ببعض النماذج لمشاهد من سيناريوهات تليفزيونية مقارنة بمشاهد من سيناريو سينمائي لفيديريكو فيلليني من فيلم المتسكعون واستخلص الكاتب في الفصل بعد عرضه لنماذج سيناريوهات سينمائية وتليفزيونية أن كتابة السيناريو السينمائي كانت متباينة الأسلوب وكانت أهم النماذج التي بنى عليها كتاب الدراما التليفزيونية المرحلة التالية لانطلاق الدراما التليفزيونية.
وأما ظروف نشوء النص الدرامي جاءت في الفصل الثالث منطلقا من البدايات من قبل الفترة التي ظهر فيها التليفزيون في مطلع ستينات القرن الماضي ..وكان الفصل شاملا ومستفيضا بالشرح والبحث والاستقصاء حيث اعتمد الباحث الأسلوب الاستقصائي الإحصائي واستعرض بشكل مفصل الأعمال الروائية التي ظهرت بين الفترة 1961 إبان ظهور التليفزيون وعام 1978 ودور كتاب الرواية في النص الدرامي التليفزيوني وقد استعان الباحث بالجداول المحفوظة في مديرية الانتاج التليفزيوني للتعرف على ملامح بدايات الكتابة الدرامية وأسماء أولئك الذين حملوا مسؤوليتها مستعرضا أسماء الأعلام وأعمالهم بشكل شبه كامل بين عامي 1961 و1967ويؤكد الباحث في معرض حديثه عن بدايات النص الدرامي أنه ظهرت أسماء مهمة جربت الكتابة للتليفزيون فاستمرت أو انسحبت ، لكن حكمت محسن ظل يكتب حتى اللحظة الأخيرة للناس ثم غادر الحياة تاركا النص الدرامي يبحث عن كتاب واقعيين بسويته.
وظهروا في الفصل الرابع من الكتاب الذي عنونه الباحث (ظهور الكتاب التليفزيونيين) الذين انقسموا إلى ثلاثة أنواع ، النوع الأول تجربة المخرجين في كتابة نصوصهم والثاني محاولات الاذاعيين ولوج مجال الكتابة التليفزيونية بتردد والثالث دخول بعض الكتاب والأدباء في مجال الكتابة التليفزيونية والرابع هو ظهور كتاب تليفزيونيين فعلا تمكنوا من تقديم النص المهني القادر على تلبية متطلبات العملية الدرامية أمام الكاميرا واستشهد الباحث بأسماء الكتاب وأعمالهم وأدرجها بجداول واضحة ومفصلة .
في الفصل الخامس تبلور صناعة الدراما السورية يقول الباحث ( وقد استكلمت الدراما التليفزيونية السورية في تسعينات القرن الماضي مرتكزات الصناعة التليفزيونية ومهاراتها وأدواتها فتلقفتها السوق العربية التي وجدت في المنتج الدرامي السوري مادة مناسبة لها). تضمن هذا الفصل عرضا شاملا للأعمال الدرامية وكتابها وسنوات عرضها خلال فترة التسيعينات التي قال عنها النقاد إن موجة الانتاج الدرامي في التسعينات خلفت جدلا جميلا حتى ولو لم يكن ناضجا في دوافعه وأهدافه.
وفي الفصل السادس الذي حمل عنوان كتاب الانتاج الدرامي في التسعينات (ملامح جديدة في السيناريو التلفزيوني) حيث انخرط كتاب الرواية والقصة والشعر بكتابة النص الدرامي التليفزيوني وهو مؤشرا لم يكن واضحا في بداية الانتاج الدرامي التليفزيوني ويسرد الباحث أسماء الكتاب ويفصل الجنس الأدبي الذي انطلقوا منه (كتاب رواية –قصة-شعر- نقد- صحفي وغيرها) وينهي الفصل السادس بأن عملية الكتابة الدرامية للتليفزيون خاضت التحدي وتمكنت من تحقيق قفزات مهمة في بعض الحالات وهي قفزات تؤسس لهوية خاصة في صناعة الدراما السورية.
ينتقل الباحث إلى الفورة الثانية في الانتاج في الفصل السابع من الكتاب ويستعرض باستفاضة وضمن جداول عرضا للأعمال الدرامية حتى عام 2010 وأسماء الكتاب وسنوات العرض ويقول الباحث أن هذه العينة جمعت بشكل غير ممنهج نكتشف مجموعة ملامح اتسمت بها الدراما التليفزيونية السورية على صعيد النص التليفزيوني ستفرض نفسها على المرحلة القادمة التي تصل إلى نهاية سنة الدراسة أي عام 2010.
وأنهى الباحث فصوله بفصل ثامن وأخير بملاحظات عامة على الفورات الانتاجية ويختم الفصل الثامن من الملاحظات بالمشهد الأول من النص الدرامي (ملح الحياة) تاركا للقارئ استكمال المشاهد الأخرى وإشغال مخيلته بما سيأتي.
قمت بهذا العرض الوجيز لمحتويات الكتاب ليتمكن القارئ من الإلمام بالمفردات التي اعتمدها الباحث في كتابه والذي انتهج المنهج التحليلي الوصفي في تقديم مادته العلمية المستندة إلى المراجع والمصادر والتي قام بتدوينها في نهاية الكتاب وبذيل كل صفحة معتمدا التوثيق العلمي الصحيح وهذا ما أضفى على الكتاب الصبغة العلمية التي جعلته كتابا أكاديميا يصلح للتدريس في أقسام الإعلام والدراما في المؤسسات التعليمية المختصة بهذا النوع.
يقول الباحث في مقدمته أنه أمضى عشرة أعوام للانتهاء من إعداد هذا الكتاب وهذا أمر غير مبالغ فيه لأن المنهج الإحصائي الذي اعتمده حيث عمد على إحصاء كل ما قدم على الشاشة الصغيرة من أعمال مع أسماء الكتاب وسنوات العرض واعتمد في بعض هذه الإحصائيات على ما هو موجود في أرشيف مديرية الإنتاج التليفزيوني وبعضها الآخر الذي لم يجد له نصا في الأرشيف مما ضاعف من مجهوده في البحث والتنقيب… وقد زاد الباحث قيمة في كتابه من خلال عرضه لعدد من النماذج من الكتابات الدرامية المتنوعة لعدد من الكتاب والمقارنة فيما بينها وتصنيفها إلى مدارس درامية، ولوحظ من خلال هذه النماذج التشابه فيما بينها وبطريقة كتابتها ولا يعتبر ذلك مأخذا على كتاب المشهد الدرامي لأن القوانين الدرامية تشبه القوانين العلمية تماما فكل المشتغلين مثلا في الكيمياء يعلمون أن عناصر معينة في ظروف معينة تسبب طريقا معينا وليست القوانين الدرامية أقل دقة وإحكاما من القوانين العلمية وإن كانت القوانين الدرامية غير ظاهرة لأنها غيرملموسة كما فى في قوانين العلم.
وبالرغم من أن لكل كاتب طريقة خاصة به ومزاجا فنيا يعالج به قصته ولكن ولا شك أن كل معالجة إذا كانت سليمة لا بد وأن تخضع حتما لقواعد البناء الدرامي ومن المسلم به أن كثيرا من الكتاب المجربين الذين يتمعتون بخبرة طويلة في الكتابة كالأسماء التي طرقها الكاتب في بحثه هؤلاء الكتاب يجعلون من أية نظرية عامة شيئا عاديا ولكن ذلك لا يعني على أن أعمالهم الفنية تخلو من جميع عناصر البناء الدرامي فمن يريد تعلم لغة من اللغات عليه أن يتعلم قواعد النحو الخاصة بها ومن يعرف هذه اللغة ويجيدها لا يتحدث بها إلا طبقا لمقتضيات النحو حتى ولو لم يكن واعيا بذلك….من هنا ترك كتاب الدراما السورية الأوئل سيما الذين قدموا من عوالم الرواية والقصة البصمة التي وضعها لنا الباحث عماد نداف في هذا الكتاب …وهنا أذكر أن من الأعلام ورواد الكتابة الدرامية الأديب الراحل عادل أبو شنب الذي قال لي ذات مرة..أن كتابة السيناريو لديه تشبه مضغ قطعة من الشوكولا…وأنا شعرت وأنا أقرأ هذا الكتاب أني أكلت لوحا كاملا من الشوكولا…لأن الكاتب اعتمد على انسيابية مهنية عالية الجودة في طرح فصوله وأفكاره بطريقة سلسلة خفيفة على القارئ تجعله يشعر كما كان يشعر الأديب الراحل عادل أبو شنب….
(التليفزيون والكتابة الدرامية) تحفة علمية تاريخية ووثيقة نادرة لم يقدم مثلها كاتب أو باحث أو إعلامي وهي إضافة للمكتبة الإعلامية ومرجع لكل باحث ومتخصص وعامل في المجال الدرامي ، وللغوص في تحليل هذا الكتاب يلزمنا كتاب آخر لنفيه حقه في الشرح والتحليل.
وهنا لا يسعنا إلا أن نبدي إعجابنا ليس بالكتاب ومضمونه وحسب بل أيضا بغلافه الذي قامت الفنانة آكاد نداف بتصميمه ليتناسب مع محتوى الكتاب حيت ابتدعت لوحة غاية في التفرد والتميز لوحة لاقط تليفزيوني (انتيل) يخرج من دماغ رأس له ظل أبيض.
عماد نداف كاتب وباحث وصحفي من مواليد 1956 يمارس العمل الصحفي منذ أربعين عاما موزعة على الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب من ما يقارب العشرين عاما وله العديد من الكتب والدراسات المنشورة من بينها: – الكتابة على الماء-قصصص-قبرص 1992
– وردة غان-رواية-دمشق 1994
– جرائم شتوية-قصص قصية جدا -1998
– مظاهرات غير مرخصة –قصص وزارة الثقافة 2016