فواز الساجر
فواز الساجر | |
---|---|
معلومات شخصية | |
تاريخ الميلاد | سنة 1948 |
تاريخ الوفاة | 1988 |
الحياة العملية | |
المهنة | أكاديمي |
فواز الساجر (1948 – 16 أيار 1988) مخرج مسرحي سوري، ولد في إحدى قرى منبج ناحية أبو قلقل في محافظة حلب.[1]
حصل على الشهادة الثانوية الفرع الأدبي بتفوق عام 1965 من محافظة الرقة بمجموع قدره (49) من(50)، عرف باندفاعه الكبير للقراءة والمطالعة وهو شاب فقد كان من الرواد الدائمين للمركز الثقافي العربي في منبج.
ساهم في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا وعمل مدرساً فيه.[2]
مسيرته
أوفدته وزارة الثقافة لدراسة الإخراج المسرحي في موسكو عام (1966) حيث كان أستاذه الفنان يوري زافانسكي تلميذ ستانسلافسكي وهو صاحب مدرسة مسرحية عالمية ومن أهم وجوه المسرح السوفيتي.[3]
تخرج من معهد “غيتس” الحكومي للفنون المسرحية (كلية الإخراج) عام (1972)، وفي العام (1975) عمل مع المسرح الجامعي في دمشق وقدم ثلاثية بعنوان: «أن نكون أو لا نكون» على نصوص لأوزوالد دراكون وممدوح عدوان ورياض عصمت، وشارك بهذا العرض باسم سوريا في مهرجان دمشق السادس للفنون المسرحية.
أنا أفهم المسرح كمسرح يغير ولا يتغير .. أنا أرفض المسرح الذي يقدم قيما أخلاقية ثابتة من منظور تبريري .. المسرح المطلوب في وطننا هو المسرح الذي يؤكد قيما اجتماعية وأفكارا جديدة تدفع بوعي الناس إلى الأمام.
وفي عام (1977) أسس مع سعد الله ونوس المسرح التجريبي وقدم: « يوميات مجنون» عن نص نيكولاي غوغول، وفي عام (1978) أوفد إلى اليابان لمدة ستة أشهر للاطلاع على المسرح الياباني وأنجز عرض «توراندوت».
وفي عام (1979) عاد إلى المسرح التجريبي وقدم مسرحية «رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة» من اقتباس سعد الله ونوس، وقد عرضت هذه المسرحية في الكويت وألمانيا.
وفي العام (1980) قدم (ثلاث حكايات) عن ثلاثية الكاتب أوزوالد دراكون وهي:
“ضربة شمس- حكاية صديقنا بانشو- والرجل الذي صار كلباً”، عرضت في تونس، وفي العام (1981) قدم عرض التخرج لطلبة الدفعة الأولى من قسم التمثيل وهو (سهرة مع أبي خليل القباني) لسعد الله ونوس.
سافر من جديد إلى موسكو لدراسة الدكتوراه عام (1982) وعاد بها عام (1986) وأصبح في العام (1987) مدرساً لمادة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية وقدم في العام (1988) مسرحية (سكان الكهف) للمسرح القومي عن مسرحية ويليام سارويان.
وفاته
رحل الساجر في 16 أيار عام 1988 تاركا إرثاً مسرحياً عميقاً في صدقه وتجربته وحبه وعشقه لخشبة المسرح مخلفاً من طلابه عمالقة في الفن التلفزيوني والمسرحي ونذكر منهم (أيمن زيدان، وغسان مسعود، وآخرون…)
قصاصة ورق صغيرة وُجدت في أحد جيوب الراحل ربما توصف لنا حاله، كلمات ربما كان يتنبأ خلالها بموته السريع المفاجئ: “إن عصرنا هذا هو عصر الضيق، أكلنا ضيق، شرابنا ضيق، زيُّناً ضيق، مسكننا ضيق، مرتبنا ضيق، تفكيرنا ضيق، قبرنا ضيق، مطمعنا ضيق، أفقنا ضيق، عدلنا ضيق، عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق، الضيق، الضيق! افتحوا الأبواب والنوافذ.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق!
شهادات في الساجر
– رفيق دربه الرحل الكبير “سعد الله ونوس” وفي الذكرى الثامنة لرحيله، وضمن الندوة التي أقامها المعهد العالي للعلوم المسرحية حول مسرح الساجر، حيث شارك فيها سعد الله ونوس رغم مرضه وتحدث مطولاً عن ذكرياته المسرحية مع فواز الساجر، وقد قال في كلمته الارتجالية: “هذه المناسبة ليست جميلة على قلوبنا، كنا نتمنى أن تكون مختلفة، سنوات مرت على وفاة فواز وخلالها كنت أتساءل من منا يسبق الآخر، أهذا الذي رحل وتركنا ننتظر، أم هذا الذي يجلس خلف النافذة ينتظر موته ويرقب انهيارات العالم الكبرى”.
– قال عنه الفنان أيمن زيدان: “فواز لم يمت ولم ينته، بدأ العمل معنا بحماس واندفع حين كنا (26) طالبـاً، كان همه الأساسي أن تنصهر الذات على بوتقة الجماعة، وأن تتحول الأنا إلى النحن في هـذا الزمن المسرحي الصعب، علمنا كيف نقرأ الحياة قراءة إبداعية. وقد كتب لي رسالة يوم سافر إلى موسكو قال فيها “طوبى لمن ربح نفسه وخسر العالم”
– الفنان غسان مسعود قال فيه”: رفض فواز “الدوغما ” فالفكر ليس قمقما” وهذا السبب في أن فواز أعاد نظرتة في الحياة والإنسان”
فواز الساجر( – 1988)
“فواز الساجر مخرج ومسرحي راحل من مواليد إحدى قرى منبج سورية عام 1948. حصل على شهادة ماجستير من معهد غيتس الروسي للفنون المسرحية. ساهم في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية وعمل مدرساً فيه. أسس المسرح الجامعي في حلب، كما أسس مع سعد الله ونوس المسرح التجريبي. له العدد من المسرحيات منها: مسرحية «رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة»، ومسرحية تجريبية بعنوان «يوميات مجنون» غيرها.”
معلومات إضافية
- “فواز الساجر مخرج ومسرحي راحل من مواليد إحدى قرى منبج سورية عام 1948. حصل على شهادة ماجستير من معهد غيتس الروسي للفنون المسرحية. ساهم في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية وعمل مدرساً فيه. أسس المسرح الجامعي في حلب، كما أسس مع سعد الله ونوس المسرح التجريبي. له العدد من المسرحيات منها: مسرحية «رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة»، ومسرحية تجريبية بعنوان «يوميات مجنون» غيرها.”
- الموطن:
- مصر
توقف شريط ذكرياتي عند صورتك …وتسلل صوتك الى روحي مسكونا بالعتب … (لم تكونوا اوفياء لما حلمنا به معا) …تردد صدى عتابك في روحي وانا لاادري بم اجيب …ربما انت على حق ياسيدي لكن الدنيا ايضا لم تعد هي الدنيا …العالم تغير والمسرح الذي كنت تحمله في قلبك نزح الى الزوايا المنسيه يلفه الصقيع والوحشه …
ربما نستحق اللوم لكن لم تكن ايامنا احلى ولااجمل …انا الان ياسيدي لاأجرؤ ان ادعو روحك النبيلة لزيارتي…فالوطن ماعاد هو الوطن الذي عرفته يوما …وحتى الدروب التي مشيت عليها طويلا ماعادت قادرة على حمل خطواتك …
استاذي فواز الساجر …كم افتقد نبل روحك وسمو احلامك
المسرحي فواز الساجر «آخر الحالمين» و«حياة رغم موت الآخرين»
لم يكن احتفاء دار الفنون وموقع الجمل بذكرى وفاة فواز الساجر في 16/5/ 2009 رداً على تجاهل احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 لهذه الشخصية الاستثنائية في الحياة الثقافية المسرحية، ولكن للاحتفاء بمشروع ثقافي سوري حمله ثائر مجدد ترك بصمة لن تمحى في تاريخ مسرحنا، كان فيه الموت صاحب السلطة العليا بتوقفه عندما خطف فواز الساجر وهو في عز عطائه، قبل أن يترك وريثاً أميناً عليه؛ يجب أن يظل في الذاكرة.
فليس صحيحاً ما قاله مانويل جيجي إن جزءاً من الساجر موجود في كل عرض مسرحي رأيناه؟ ومع أيمن زيدان كل الحق أن يعتبر رحيله فجيعة لكنها أخف وطأة من أن «يكون شاهداً على ما وصلنا إليه»، عندما تحول المسرح على يديه إلى عالم لا ينفصل عن الانتماء للوطن والناس والشارع، بعيداً عن الأيديولوجيا والخطاب السياسي، هي جزء من شخصية فواز الساجر الحقيقية التي لم تكن تفصلها حدود عن حياته الشخصية أو العائلية أو المهنية ومسؤوليته التربوية، كأستاذ خرّج الدفعة الأولى من المعهد العالي للفنون المسرحية، ومؤسس المسرح التجريبي مع الراحل سعد الله ونوس، كنموذج مفقود من نظرية «الأخلاق التي لا تتجزأ»، الذي ولد الكثير من المشاعر المتناقضة في تلك الأمسية، بين غبطة من لم يعرفوه لأنهم لم يتعرفوا على المسرح الحقيقي، ووجع من عرفه ومعاناتهم وهم يشاهدون سطحية مسرح الحاضر. ليظل فواز الساجر وبعد واحد وعشرين سنة على رحيله عام 1988 المرجع الأصدق والوثيقة التي لا تقبل الشك على طاقة المسرح الخلاقة للحياة قبل الجمال والمنبر الجماهيري المطلبي الذي يشكل خطراً على كل الكراسي الزائفة التي ستجتمع وتتضافر لتخريبه وتفريغه من محتواه وسلبه دوره.
خمسة أعمال كانت تركة فواز الساجر للمسرح القومي، غير عمله في المسرح الجامعي والفلسطيني: رسول من قرية تاميرا، ثلاث حكايات، المجنون، رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة، وآخرها سكان الكهف لوليام سارويان التي يقال إن فواز الساجر تنبأ فيها بموته. وعلى ورقة صغيرة، وجدها أصدقاؤه المقربون ومنهم «حسن م يوسف» حين فتحوا حقيبته، كتب الساجر: «عصرنا هذا هو عصر الضيق، تفكيرنا ضيق، أفقنا ضيق، عدلنا ضيق، عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق! الضيق الضيق! افتحوا النوافذ والأبواب سيقتلنا الضيق..»
شهادة أخرى قدمها علي النوري العامل الذي تربى في مسرح القباني، كان لها بالغ الأثر تعكس حجم تأثير فواز الساجر في ناس الشارع، الناس البسطاء الذين وصل اليهم وجعلهم يحبون ويفهمون المسرح ويحاكمون ما يجري على الخشبة معرفياً وجمالياً: «كان مرهفاً وكان المسرح بالنسبة له مقدساً، أحدث فراغاً برحيله. في مسرحياته كان الجمهور يملأ المسرح، وبعضهم كان يكتفي بسماع الصوت القادم من الصالة في الممرات، كان يحترم المواعيد إلى أبعد الحدود وله مقولتان: إن رمي الأوساخ سيحرم الفرق من العرض، وإذا كنت متواضعاً وصلت إلى أعلى المراتب».
– إحدى المفاجآت والتساؤلات الإشكالية في تلك الأمسية كان ثائر موسى وفيلمه: «فواز الساجر، حياة رغم موت الآخرين» الذي أنتجه التلفزيون السوري بناء على سيناريو قدمه «موسى» خلال أيام بعد وفاة «فواز الساجر» عام 1988 من أجل عرضه في ذكرى أربعينيته إلا أن الفيلم لم يعرض في التلفزيون لغاية اليوم ولا أحد يعرف لماذا. لكنه سيبقى علامة فارقة في حياة ثائر موسى العاطفية والفنية، حين كان يومها في العشرينيات بعد حصوله على إجازة الإخراج من بولونيا، وعن علاقته بفواز الساجر وتنفيذه للفيلم يقول:
التقيت به في إحدى الإجازات الصيفية في بيت ريمون بطرس، كانوا «شلة شيوعيين» يجتمعون معاً، طلبت يومها بعضاً من الكتب لآخذها معي عندما كنت أدرس في بولونيا فتطوع فواز الساجر الذي لم أكن أعرفه بمرافقتي ودار معي على كل المكتبات، بعد تخرجي كان فواز الساجر يعمل بروفات على مسرحيته الأخيرة «سكان الكهف» وتسنى لي أن أحضر بعض البروفات، لم أقض معه وقتاً طويلاً، لأقول التالي: يوم الإثنين كانت وقفة العيد يوم توفي فواز الساجر، يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس كان العيد ثم يوم الجمعة عطلة رسمية، يوم السبت ذهبت إلى التلفزيون ومعي سيناريو جاهز عن فواز الساجر، لا يوجد عندي أي تفسير لهذا الشخص الذي كان في لا شعوري مؤثراً لهذه الدرجة.
لم يحتو الفيلم على تسجيل صوتي لفواز الساجر ولكن عدداً من الصور الفوتوغرافية التي كانت جزءاً درامياً مهماً في فيلم «ثائر موسى» وهو يصوغ ويرصد ويوثق لهذه التجربة المهمة كجزء من تاريخ ومرحلة وذاكرة، يجب أن تظل حية لمبدع حاول أن يعطي ويرتقي بالحياة والإنسان السوري من خلال المسرح، ارتبط اسمه بالراحل سعد الله ونوس الذي قدم شهادة في الفيلم: «بدأنا في مسرحية توراندوت التي قمت بإعداد جديد لها عن بريخت، حاول فواز أن يقدمها في إطار المسرح القومي كتجربة أولى، لكن المسرحية لم تقدم وأوقفت في ليلة العرض، كانت لدينا مشروعات أن نقدم ميخائيل رومان ونعمان عاشور، وخططنا يوماً كيف يجب أن نقدم، وفي هذه الفترة، كاتباً هو ميخائيل رومان الذي مات قهرا هو الآخر، وكيف يجب أن نجتزئ مشاهد من مسرحياته وأن نصنع من خلالها صورة المسرح والوضع التاريخي الذي أدى إلى قتل المسرحي». أما الجزء التسجيلي عن نشأة فواز الساجر فقد كان على لسان والده الذي افتتح معه الفيلم وحكى عن طفولةٍ كانت في الرقة، وولدٍ أدى دور جميلة بوحيرد في مسرح المدرسة وهو في العاشرة، ثم دخوله جامعة دمشق لدراسة الأدب الإنكليزي لسنة ومن ثم إيفاده من قبل الدولة لدراسة المسرح في الاتحاد السوفييتي السابق. لنكون بعدها أمام مقاطع من أعماله المسرحية، وأفعال وانفعالات لم تعد موجودة على خشباتنا منذ ذلك الزمن إلا نادراً. ولنقف مع دموع زوجته الدكتورة فاطمة وهي تنعاه في كلمة مؤثرة ليست غريبة عليها وهي ابنة المسرح الجامعي التي أحبها الساجر وأنجب منها «رفيف» التي دخلنا بصوتها إلى بيت ومكتبة الساجر وهي تتحدث عن والدها وعلاقته بالمسرح: «كان طوال الوقت يكتب ويترجم على طاولته كان عنده ثقة بالمسرح بأنه سيكون شيئاً عظيماً في يوم من الأيام كان المسرح بيته الثاني».
قد يكون هذا الفيلم جرعة من الحزن قدمها ثائر موسى لكل الذين عرفوا فواز الساجر لكنه بالتأكيد جرعة من الثقافة والعلم عن تجربة يجب أن تتكرر ويجب أن تبقى في الذاكرة، وقيمة فنية عالية يجب أن تعرض كثيراً على شاشاتنا الوطنية لكي يراها كل من يريد أن يتعرف على المسرح من الجيل الجديد، ولكل من يريد أن يلمس كيف نكون أوفياء لبلدنا، عندما نقدم علاماتها المضيئة في أفلام وثائقية هي رصيد يجب أن نعود إليه كثيراً ولاسيما فيما قدمه ثائر موسى للتلفزيون العربي السوري «الصفحات الأولى» عام 2001 عن الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأعمدة النور، وفيلمه الأخير «ما زال بيننا» عن الراحل ممدوح عدوان عام 2005.
فاديا أبو زيد – المصدر: الوطن السورية
تكريم فواز الساجر في الذكرى الـ21 لغيابه: حياة رغم موت الآخرين
26 – مايو – 2009
فواز الساجر .. أحدث نقلة نوعية بالمسرح السوري..
السبت أيار,2012م – كنعان البني
تمر في هذه الأيام العصيبة الذكرى 24 لوفاة الفنان المسرحي المجدد المبدع “فواز الساجر”، الذي قدم رؤية جديدة للمسرح السوري، ومن الضروري أن تعرف الأجيال المتعاقبة من الشباب ماذا قدم هذا الفنان المبدع الذي “حرر قدرة الممثل ونقل المسرح السوري من مرحلة الإخراج المنفذ إلى الإخراج المبدع”.، من خلال تأسيسه المسرح “التجريبي” مع رفيق دربه المرحوم “سعد الله ونوس” عام 1977 في دمشق وقدم معه أعمالاً عدة منها “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة” و”سهرة مع أبي خليل القباني”، فيما أنتج له المسرح القومي مسرحية وحيدة هي “أهل الكهف” التي قدمها قبل اشهر من رحيله عام 1988. في ذكرى وفاته 21 كتب المخرج العراقي “جواد الأسدي”، يقول: ” لا أريد معاودة الحديث ، لا عن الموت و لا عن الموتى ، فالسنوات المهزومة تركت على قمصاننا و نهاراتنا ثقل فريد يكاد يطيح بسعاداتنا المتهاوية ، ضحكة بعد أخرى ، بدءاً بالعراق المرمي تحت حوافر القتل و الاحتلال مرورا ً بغزة ، فرن الأولاد الموتى ، و صولا ً لسلطة عربية مصابة بزكام أبدي و خوف من معاقرة الحرية . بالنسبة لي ،أنا القادم من كربلاء الندب و بعد أن حطيت الرحال بدمشق الشبابيك و آذان الصباح و بيت سعدالله ونوس و أنوار سعيد مراد و حورانية و ممدوح عدوان ، يبدو ان مشروع الحديث عن مدينة بلا هؤلاء مثل الحديث عن حديقة غادرها حارس وورودها ، تاركا ً المصطبات و الزوار بلا امل يذكر ، و ربما تكون رفيف الساجر هي فاكهة هذا النص ، لعودة سريعة حمل فيها فواز إبنة روحه و قصيدة شبابه رفيف ً ، التي أوقفها ذات يوم على خشبة مسرح القباني ليطلب منها و هي بعمر الرابعة عشر أن تقرأ أمامي قصائد بوشكين ، فواز بإيقاعه المتفجر ، يدرب ممثليه غسان مسعود و دلع الرحبي و فارس الحلو على سكان الكهف ، بلهفة عالية كان يدعوني لحضور بروفاته ، وبلهفة مماثلة كان يحضر بروفاتي، مرة مع سعد الله ونوس و أحيانا بدونه ، كأنما ورود المسرح السوري وقتذاك كانت على وشك تكون ثمرة عالية الابتكار و التركيب ، حرقة سعد الله لمسرح تجريبي لم يرى نور و آلام فواز لتكوين ريبتوار مسرحي سوري متفرد ، و صداقة فذة رتبت حلما ً مسرحيا ً يقوم على أضلاعنا التي انكسرت بسرعة ، أن ملاك العجالة الذي خطف سنوات النضوج عند فواز و جرز النميمة ، ذالك المرض المتربص عند باب بيت سعد الله ونوس ، كأن الغربة الوحشية قد قررت ذبح المدينة بسرقة جسدين معرفيين في أوج عطائهما ، بقسوة فريدة من نوعها كيف لي العودة إلى دمشق بلا فواز و لا سعدالله ، في أية مرآة سأحدث فتاتين مشتعلتين بالحنين إلى أبويهما ، رفيف و ديمة ، لم يناما على سجادة طفولة متروية و لم يشربا من ذلك الحنو العذب ، و الينبوع الحر ، لمخرج أطاحت المقصلة أوج لهفة لعروضه الاختبارية و سفكت صوت و دم اعتى كاتب مسرحي عربي ، فواز الساجر و سعد الله و نوس ، ووحشة مريبة لمدينة أ ُطفأت أنوارها في حياتي ، الأبواب و البيوت و صداقات و الحوار و الاختلاف و الضحكات ، البروفات و الممثلين ، و الاعياد المسرحية ، كلها ، كلها ، كلها ، ارتمت و إلى الأبد دون عودة ، لم تعد دمشق دمشقتي ، ركبني يتم وحشي ، رغم وجود فنانين و أدباء آخرين على درجة عالية من النبل و المعرفة و الجمال ، لكن ، لا احد يعوض خسارتي في الساجر و سعد الله ، و المدينة ببيوتها بدت مثل معاودات لذكريات و بيوت ، و نصوص ، أحيانا ً عروض ، و بروفات ، ولكن بلذة مكسورة و ربما ميتة ، و قد يكون موت قمر غرناطة الدمشقي عمار الكسان بصورة المريبة الدراماتيكية قد ذبح في آخر لهفتي لآخر بيت ، مع مهيار الرائع و ريم المتفجرة بفرحها المغدور، دون أدنى مبالغة ، تحولت المدينة بجمالها و هجرت ممثليها عن روحي ، الى مدينة سكوت ، حيرة ، خوف ، الآن انا في بيروت، على المقعد في الجانب الأيسر سعد الله ونوس ، و في جانب الأيمن فواز الساجر و عمار الكسان يكتب سيناريو لطاولة الماء ، وحيدا ً وبوحشة هائلة، ينتابني احساس بالمرارة كلما جرتني السيارة من قلبي الى دروب الشام حيث لا نور في تلك البيوت التي كنت أزورها ، بما فيهم بيتي في شارع بغداد الذي كان ارضا ً لللعب و الحنو و حوارا ً لفواز و سعدالله و عمار و اخرون ، أقول حتى هذا البيت قد بعته من اجل مسرح بابل متوهما ً أن هذا المسرح سيكرس لي فرحا وسعادة كنت قد نزفتها وخسرتها،فواز الساجر أقول لك ان رفيف الرائعة المسكونة بحلمك المسرحي صارت طائر الطاولة الذي يجمعنا . وان دمشق المسكونة بك وبسعدالله و عمار الكسان عبثا أحاول التجانس مع دروبها ، إنها ريح الغربة العتية بين مدن مرمية على سكك حديد مخضبة ،انه رماد الحنين إلى تلك الأيام”.
“عُرف المخرج المسرحي السوري فواز الساجر(1948 – 1988) منذ أن كان طالبا في معهد الفن المسرحي بموسكو (غيتيس) بميله الى الهدوء والإصغاء إلى الآخرين والاستغراق في التأملات. وكان دائما في أثناء اللقاءات مع الزملاء وأهل الثقافة بموسكو يعيش في عالمه الخاص ..وفي أحلامه .. ربما عن مستقبل المسرح السوري. كما انه لدى الحديث عن النهضة الثقافية في وطنه كان يشير إلى ضيق المجال الإبداعي بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية عموما التي تجعل الفنان المبدع أسير قيود من التقاليد والقواعد والأحكام والرقابة. وليس من قبيل الصدف أن كتب قبيل وفاته في 16 مايو/أيار عام 1988 على قصاصة ورق وجدت في جيبه يقول ” تفكيرنا ضيق ، مصيرنا ضيق ، موتنا ضيق ، قبرنا ضيق ، افتحوا الأبواب والنوافذ ، سيقتلنا الضيق ، افتحوا الكون ، الضيق ، الضيق ، الضيق”.
لقد درس فواز في معهد “غيتيس” (تخرج منه في عام 1972 ثم جاء إليه ثانية لنيل شهادة الدكتوراه في عام 1982 ) تحت إشراف “يوري زافادسكي” احد الممثلين والمخرجين المسرحيين البارزين الروس المدير الفني لمسرح “موسوفيت” بموسكو. “وزافادسكي” هذا تلميذ “يفغيني فاختانغوف” الذي كان يمثل احد التيارات المسرحية الحديثة في روسيا في مطلع القرن العشرين . ويتميز أسلوبه في الإخراج والتمثيل بالسعي إلى التعبير عن الخصوصية المتميزة للأسلوب والشكل المسرحي والربط بين الاتجاهين الكلاسيكي والحديث والاهتمام بالجانب السيكولوجي للشخصية وعنصر السخرية المرهفة في عكس الواقع. وقد اخذ “فواز الساجر” عن أستاذه التوجه نحو المسرح الواقعي والبطولي، والعناية بتربية الممثل . وقد احتلت المسألة الأخيرة حيزا كبيرا في عمل فواز مع الممثلين ومع طلابه في سورية”.
“وكان المخرج الراحل الذي تصادف هذه الأيام ذكرى رحيله 24 متيقناً بأن الإمكانيات القليلة يمكن أن تبني فناً مسرحياً حقيقياً استناداً إلى جهود الفنان وإطلاعه ولهذا لم يقف مكتوف الأيدي أمام الظروف فقدم العديد من المسرحيات التي تعتبر من خيرة العروض السورية حيث واكبت الحداثة وأسست لنموذج جديد من الأداء متوافقة مع نصوص مهمة مثل رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة، ثلاثية ضربة شمس، حكاية صديقنا بانشو، والرجل الذي صار كلباً “لأوزوالددراكون”، سهرة مع أبي الخليل القباني “لسعد الله ونوس”، أهل الكهف.
عمل “الساجر” خلال مسيرة حياته القصيرة على تجاوز مشكلة المسرح العربي فطالب بأن يكون لهذا الفن قواعد ومنهج وسياسة صحيحة للمسارح تسمح بتقديم الأفكار النبيلة على خشباتها وممارسة دور مهم في تعميق الحوار بين جمهور المسرح وبين أفراد المجتمع بصورة عامة.”
إعداد : كنعان البني
صور متعلقة
فواز الساجر .. أحدث نقلة نوعية بالمسرح السوري..