عالم التصوير والمعرفة –
تحدث الفوتوغرافي شفيق الشارقي قولاً بأن «خطورة الصورة لا تكمن في البنية التي تظهر اعتياديتها، بل في البنية المجازية المشحونة بكم فاغر من الرسائل، التي توجه عقول البشر، تحاورهم لتسوقهم سوقاً باتجاه تلك الجهة التي يراد لهم أن ينقادوا لها»، موضحاً بأن الأعتقاد الذي يذهب بأن «الصورة أصبحت ممكنة القراءة وفي متناول الناس اعتقاد خاطئ، فالصورة ليست انعكاساً عادياً أو بسيطاً للواقع، وقراءتها يتطلب جهداً إدراكياً كبيراً، كما تتطلب في الآن نفسه توافر حزمة من أدوات الاشتغال التأويلي، قادرة على التعامل مع ذلك الخطاب الذي تنتجه الصورة الفوتوغرافية» فبما أن لغة التصوير غير اعتيادية لابد من حضور تلك القراءة غير العادية أو التقليدية في منطق تعاطيها مع عالم يجتمع كجيش محتشد من الأفكار والثقافات في قلب صورة واحدة، فالصورة بها من الإمكانات أن تهيج الجماهير وتقودهم لاشعال حرب طاحنة.كان ذلك خلال الندوة الحوارية التي عنونت بـ «الفن بين المصور والكاميرا»، ضمن برنامج يعده ملتقى مجموعة «الزاوية للثقافة والفنون» احتضنها «مقهى نقش جاليري» مساء الأربعاء الماضي، تحدث فيها إلى جانب الشارقي، الفوتوغرافي عمار حماد الذي ركز الحديث حول تاريخ تشكل تجربته الفنية، فهو من بين قلة من هؤلاء، الذين يولدون لعائلة كانت الثقافة والفن لديهم سمة تميز أسلوب حياتهم، فجده لأمه السيد محمد صالح السيد عدنان الموسوي المعروف بالخطيب العدناني، اشتهر باهتمامه بالجمال، وبالتصوير الفوتوغرافي، كما إنه كان الأديب والشاعر أيضاً، كلها عوامل أسهمت في تشكل هذا الوعي الفني / الجمالي والثقافي لدى الفوتوغرافي حماد، هكذا كان قد تحدث خلال الندوة. لينتقل بعدها حماد للحديث حول المنطقة الفوتوغرافية التي يبرع فيها، «التصوير التجاري/ commercial photography» مشيراً إلى أن هذا النوع من التصوير الفوتوغرفي يتطلب قدراً رفيعاً من المهارة والاحترافية على الصعيدين الفكري والتقني، فأنت تتعامل مع تسويق أفكار المنتجين، أنت تشكل خطابا من خلال الصورة التجارية هذه – يقول حماد – لتكون في مرمى نظر المستهلك المتعدد، بتعدد ثقافات الناس وأذواقهم.
حديثه هذا دفعني لأن أستذكر تعريف أرسطو للخطابة / الخطاب معرفاً أياها بــانها «ملكة التنظير لما هو مناسب للإقناع في كل حالة» متقاطعا في تلك الذهابات مع سقراط حين قال بان «الخطابة هي صانعة الإقناع» هذا ما تفعله الصورة التجارية عبر خطابها وما يصطلح عليها أيضاَ في مجال الدراسات الحديثه بالصورة الاشهارية، التي وصف الفرنسي C. R. Haas صورتها من حيث قوة فعلها بأن «صوت الإشهار لا يتوقف ابداً عن دفعنا إلى الشراء والشراء».
ليشير الفوتوغرافي حماد إلى أن الصورة التجارية، وإن كانت البنية الظاهرة منها فنية جمالية إلا أنها تستوجب من المشتغل عليها، أن يخضعها إلى ذلك الجانب المعرفي والثقافي، الصورة هنا مشروع دراسة محكمة لعقلية الفئة المستهدفة، كي تتمكن منه وتخضعه فيما بعد وتقنعه بأن محتوها جدير بالاقتناء.
وبالعودة للفوتوغرافي شفيق الشارقي، الذي استعرض مسارات تجربته الفنية والفوتوغرافية، التي كانت بداياتها قد تشكلت في سبعينات القرن الماضي، مروراً بفضاءات التحول وصولاً للكيفية التي وصل من خلالها لحصد الجوائز العالمية، ليعرج بعدها لدائرة ترسيم ملامح الخبرة المتراكمة في تجربته، من خلال تقديمه نصائح وأساليب تمكن الفوتوغرافي من أن يبلغ ذلك المستوى من الاحترافية، متحدثاً في الوقت نفسه عن الفوتوشوب كوسيلة مكملة وضرورة لتحسين مستوى وجودة الصورة الفوتوغرافية.
فقد عرض صوراً كان قد التقطها وخلق منها صوراً تستحق التنافس في مسابقات دولية عديدة، من خلال تحسين جودتها وتكوينها عبر استخدام الفوتوشوب، ليضيف بأنه ليس عيباً في أن يتم ترميم الصورة كونها عملاً فنياً، بالقطع واللصق وإضافة التعديلات على الصور التي تلتقط، شريطة أن يكون كل مضاف للصورة هو من ذات الصور الأصل، مشدداً بأن ذلك يجب أن يكون فقط في حقل التصوير الفني وألا يتعداه، مشيراً بذلك لحقل التصوير الصحافي، الذي يستوجب التمسك بأخلاقيات المهنة، ونقل الواقع كما هو دون إضافة أو تعديل قد يصيب الحدث بعطب لا يمكن إصلاحه.