هناك جغرافيا المكان وهناك جغرافيا الإنسان، وهذه الأخيرة هي ما تقوم عليه أعمال المصور الفوتوغرافي السوري أسامة أسعيد. أسامة، 47، الذي ولد في دمشق، سوريا ويعيش في ولاية مينيسوتا الأمريكية منذ عام 1996، اشتهر بصوره الفوتوغرافية التي تنجح بالجمع بين البساطة والعمق، من خلال التركيز على الناس في بيئتهم الطبيعية، في البيت أو العمل أو الشارع. الشخصيات في صور أسامة هي في أبهي صورها الحقيقية، بلا “ولا شي” على رأي زياد رحباني، بلا أي زيادة أو نقصان، النظرات، الملابس، تعبيرات الوجه، جميعها تحكي القصص الحقيقية لهؤلاء الاشخاص، بحيث تشعر بعد التمعن قليلاً في هذه الصور بأنك تعرف هذا الشاب أو تلك الفتاة.
بالنسبة لأسامة أهم ما يميز أعماله هو تركيزه على “الاستشراق” بمعنى توثيق تلك القيم الثقافية والاجتماعية من وجهة نظر غربية، إضافة الى كل ما يرتبط بها من تصورات مسبقة وأفكار نمطية اجتماعية تم خلقها في الماضي وما زالت موجودة اليوم. وقد شكّلت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول في حياة أسامة، حيث شعر بالحاجة الى التعريف عن نفسه وأصله والتمعن في مفهوم الاستشراق في زمن تغيرت فيه النظرة تجاه المجتمع العربي. لتحقيق هذه الغاية.
توجه أسامة عام 2003 إلى القاهرة، حيث أسس الإستوديو الخاص به، وبقي ثلاث سنوات هناك التقط خلالها معظم صوره الفوتوغرافية. هذا العام، يشارك أسامة (للمرة الرابعة) في معرض آرت دبي الذي يعقد في مدينة جميرا في دبي، الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 18-24 مارس، حيث سيشارك في مشروعه تحت عنوان: التجربة المصرية، حيث ستظهر صوره الفوتوغرافية تناقضات الاستشراق وبنفس الوقت علاقتها بالنوستالجيا، وهي علاقة معقدة، ففي كثير من الأحيان، فكرتنا عن أنفسنا وهويتنا الماضية هي عادة مرتبطة بالصورة التي صنعها الغرب لنا.
تحدثنا مع أسامة (عبر الايميل) وسألناه عن مشاركته، عالمه، والعامل المشترك بين صوره.
VICE عربية: هذه هي مشاركتك الرابعة في أرت دبي، ما سبب المشاركة هذا العام، هل الهدف التعريف أكثر بأعمالك أم بهدف البيع؟
أسامة أسعيد: لقد شاركت بعدة صالات عرض ومعارض جماعية وأخرى فردية في مختلف دول العالم منها إسبانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا والإمارات بشكل خاص حيث أعتبر أن نجاح آرت دبي نجاحاً لي بطبيعة الحال. آرت دبي هي من المحافل المهمة جداً للفنانيين العرب، وبالنسبة لي كفنان عربي قضى أكثر من نصف حياته في الولايات المتحدة، أرى أن مشاركتي هذا العام هي فرصة لي لأعطي أعمالي واجهة عرض مهمة في المنطقة.
تشارك هذا العام بمشروع “التجربة المصرية”؟
صحيح، الأعمال المقدمة بشكل عام تركز على فكرة الاستشراق والصور النمطية من مشروع تم عرضه في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة منذ عدة سنوات اسم المشروع (التجربة المصرية) والتي تضم مجموعة من الصور من مصر تُصور شخصيات متنوعة. أنا أعشق مصر وأهلها تعلمت الكثير من المصريين وأعتبرها محطة مهمة جداً من محطات حياتي. بالنسبة لي، جغرافيا الانسان تسلتهمني، البشر بكل اختلافاتهم يثيرون فضولي، انها طريقتي المفضلة لأكون جزءً من أي مكان أزوره، ما أقوم به هو اختيار مكان المشروع لكن فكرة الصورة هي التي دائماً تختارني، فأنا أقوم بتصوير مشاريعي خلال أسفاري، أخي الإنسان هو وطني الأول.
ما الذي يجمع كل هؤلاء الأشخاص في صورك؟ ما هو العامل المشترك؟
كما أسلفت سابقاً، أنا مأخوذ بجغرافيا البشر Human Landscape وهذا ما يدفعني لأن أستخدم كاميرا ذات المقاس الكبير Large Format Camera فهي تعطيني أدق التفاصيل بحيث تصبح هذه الصور جزءً محفوراً في ذاكرتي. أما بخصوص سؤالك عن الشيء الذي يجمع كل الأشخاص الذين قمت بتصويرهم، فهو ببساطة هو أننا من نفس الزمن ونعيش نفس الظروف. اختيار العمل أو المشروع الفني هو مرتبط باعتقادي بردة فعل تتعلق بحدث أو ذاكرة معينة أو حتى كتاب، أخاف من أن أفقد ذاكرتي يوماً ما لذلك أقوم بخلق حالة مشابهة لما يدور في رأسي بالصور التي ألتقطها حتى أتمكن من فهم القضية بطريقة ثنائية الأبعاد.
هل تحلم أحيانا بالأشخاص الذين تقوم بتصويرهم؟
لم أسأل نفسي هذا السؤال لأنني أخاف من ذاكرتي. تلك الأعمال جزء مهم من حياتي وبعض منها له علاقة مباشرة بمسار حياتي الخاصة، لا أعرف إذا فهمت جوابي، ولكن دعيني أقف عند هذا.
هل التصوير غَير من رؤيتك للحياة؟
لا، الصور لم تغيرني بل أشعر أنها عرفتني بنفسي أكثر، وأنا سعيد بمعرفتي هذه، من الجيد أن نتعرف على خفايا أنفسنا. نفسي تواقة لخلق عمل فوتوغرافي فني متميز، هذا ما يجعلني أستيقظ وأبدأ من الصفر كل يوم، أريد أن أخلق أعمالاً جيدة ومن الصعب أن أرضي نفسي بأقل من ذلك.
ما هي العملية التي تتبعها في مشاريع التصوير الخاصة بك؟ وهل هناك وقت محدد لكل مشروع بحيث لا تشعر بأنه استنزفك؟
حاولت كثيراً أن أجد خطة عمل تنظم حالة المشروع، ولكن عندما أبدأ العمل في المشروع، أجد نفسي منغمس تماماً به، في اللحظة التي أشعر أن العمل نفسه تملكني، حينها أدرك أنه حان الوقت لأتوقف.
ألا ترى أن صور اللاجئين السوريين (وأنت لديك مشروع سابق عن اللاجئين) أصبحت بمكان ما طريقة للشهرة لبعض المصورين والصحفيين؟ ما تعليقك على ذلك؟ وهل ترى أن إلقاء الضوء على قضية بشكل مستمر يؤدي أحياناً إلى العكس، إلى جعلها أمراً طبيعياً؟
بالنسبة لمشروعي الفوتوغرافي عن اللاجئين، الموضوع كان عبارة عن صدفة، فقد شعرت أنني رجعت إلى سوريا عند أهلي (بعد 25 سنة من الغربة) عند زيارتي لواحد من المخيمات في تركيا على الحدود السورية. في المخيم كنت ضيفاً عليهم، الكاميرا كانت فقط جزءً من الزيارة، حتى أنني لا أذكر كيف تمت العملية من البداية إلى النهاية، ولكنني شعرت أنني في أحد أحياء دمشق، أظن أن النتيجة واضحة وهي (نقل بالواقع لا أكثر ولا أقل) acknowledgment of the situation nothing more nothing less. لا أستطيع أن أتحدث عن باقي الأعمال التي صورت اللاجئين، ولكنها مختلفة عن أعمالي بشكل عام، أنا وثقت حالة اللجوء على أنها صور عائلتي التي سُرقت منها كرامتها.
جميع الصور مقدمة من حافظ جاليري.