الإغراق في المحلية طريق الوصول للعالمية هي مقولة بليغة لخصت نجاح الأديب الكبير نجيب محفوظ ووصوله للعالمية، وهي بكل أريحية واحدة من أبرز عوامل وصول فيلم Parasite الكوري الجنوبي إلي العالمية وحصده أكثر من 198 جائزة عالمية أولها جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان كجائزة من أبرز جوائز المهرجانات العالمية وأخرها تتويجه بـ 4 جوائز أوسكار دفعة واحدة، والباقية تأتي.
فيلم Parasite عمل يستحق الوقوف أمامه والتأمل في مضمونه، فهو واحد من امتع الأفلام السينمائية، ولقب تحفة سينمائية الذي أطلقه أغلب النقاد علي الفيلم هو لقب مستحق ، فهو جدير بتلك الإشادات.
اختار مخرج فيلم Parasite بونج جون هو قضية غاية في المحلية داخل المجتمع الكوري، وهو الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء وهي المعضلة التي تواجه الكثير من الدول ولاقت تماس كبير بين ما يعيشه المواطن الكوري وغيره حول العالم وهي أبرز نقاط التفاهم التي منحت الفيلم “قماشة” عريضة تحتمل أن تدور أحداثها في أي جزء بالعالم، فتآكل الطبقة المتوسطة وغيابها الكامل في بعض الأحيان من نسيج المجتمعات أصبح سمة من سمات اغلب الدول فالفقير يزيد فقرا والغني يزيد غناه للحد الذي يجعل بعض يعيش في حالة انفصام عن الواقع الذي يعيش فيه مجتمعها وربما تتعرف عليه علي بعض خطوات عن منازلهم الفارهة.
يكشف فيلم Parasite العوار الذي يعيش فيه مجتمع الأغنياء وهو ما حرص مخرج الفيلم وصاحب السيناريو علي ادراجه داخل العمل علي لسان ابطاله فمن المقولات التي تكشف ذلك العوار هو ما قالته تشو يو جونغ داخل الفيلم حيث قالت عن أزياء الهنود الحمر التي يرتديها نجلها بالفيلم بأن تلك الأزياء اشترتها من أمريكا كنوع من التباهي بأنها جيدة الصنع وهي الجملة التي تتضمن في فحواها مدي قدرة الولايات الأمريكية علي خداع العالم فهي من اهدرت دماء الهنود واحتلت ارضهم وبنت حياتها بالكامل فوق انقاض حضارة الهنود الحمر، لكنها تصنع أزيائهم وتبيعها فيتباهي بها الأغنياء حول العالم دون الإلتفات أو التلميح حتي لذلك التناقض.
حمل السيناريو أيضا الكثير من الجمل التي تفضح عوار المجتمع فاللطف ارتبط بالثراء فالمرأة الغنية من المؤكد انها ستكون لطيفة، وجملة أن المال كالمكواة يفرد الجلد ولا يسمح بظهور التجاعيد وغيرها من الجمل الرنانة التي لا تنسي ابدا وتعبر عن مدي عمق تلك الفجوة بين مجتمع الفقراء والأغنياء.
3 عائلات تمحورت حولهما قصة Parasite العائلة الأولي والتي يفتتح بهم مخرج الفيلم عمله، هي اسرة فقيرة مكونة من أب وأم وابن وابنة، يسكنون ما يعرف لدينا بالبدروم، يعيشون علي حد الكفاف ويطل بدرومهم علي منظر وحيدا ومتكرر وهو الجزء الأسفل من المارة وفي أغلب الأحيان يتخذون من شبابيكم ساتر للتبول والتخلص من الفضلات الأدمية.
تعيش تلك العائلة كالطفيليات تتغذي على من حولها فهم يولجون إلى عالم الإنترنت من خلال شبكة جيرانهم يستغلون نقاط ضعف من حولهم للهيمنة عليه ومص دمائهم كالكائنات الطفيلية التي تلتصق بالعائل وتتغذي من غناءه.
تلك الأسرة والتي بالمناسبة هي ليست اسرة شريرة أو تسعي للإيزاء من حولهم وانما تقودهم الظروف المادية لذلك، وربما يتألمون من داخلهم ويأنبهم ضميرهم علي ما تسببوا فيه، حيث حصل الابن علي وظيفه مدرس للغة الإنجليزية لابنة اسرة غنية ليدبر هو لفتح الباب امام شقيقته ووالده ووالدته للعمل في نفس المنزل من خلال الإيقاع بموظفي هذا المنزل واستبدالهم بأفراد اسرته.
الاسرة الثانية هي الأسرة الغنية التي تضاهي الأسرة الفقيرة في عددها مع الفرق الشاسع بينهم فالأولي لا تعرف منعي للرفاهية أما الثانية فالرفاعية لديهم هي أسلوب حياة، يشترون أزياء الهنود الحمر من أمريكا والخيام أيضا، يخدهم الفقراء ولكنهم لا يحبون رائحة أجساد هؤلاء الفقراء، يتباهون بأنهم يسكنون في نفس المنزل الذي سكنه وصممه احد المهندسين المشهورين.
أما الأسرة الثالثة وهي مكونة من فردين فقط الزوجة والتي كانت تعمل مديرة لهذا المنزل الراقي وزوجها الذي اخفته داخل قبو لا أحد يعلم مكانه لتطعمه وتحميه من الدائنون ممن يطالبونه بالدفع فهو لا يري الشمس لمدة 4 أعوام.
المحاولة لرصد عنصر متميز واحد أو اثنين في الفيلم سيكون ظلم لتميز باق العناصر فالإخراج والتصوير والسيناريو والأداء التمثيلي والموسيقي التصويرية جميعهم عناصر تميز جمعت في عمل واحد، ولكن سرد الأحداث وطريقة الحكي التي انتهجها المخرج هي واحدة من أهم سمات نجاح العمل فتشابك وتقاطع الخطوط الدرامية بين أبطال الفيلم وتصاعد الأحداث والمزج بين الكوميديا السوداء والدراما القاتمة دليل علي مخرج متملك من أدواته وقادر علي رصد مواطن القوة لدي فريق عمله.