السير الذاتية: نجاة قصاب حسن – ﺗﺄﻟﻴﻒ
السير الذاتية
كاتب سوري ولد بدمشق عام 1920 لعائلة متوسطة الحال وكان والده معلماً في حرفة النجارة. انخرط باكراً في العمل السياسي، وكان لميوله اليسارية دور كبير في توجيه نشاطه الاجتماعي نحو العمل الميداني إذ شارك في مشروعات تعليم الأميّين في القرى قبل حصوله على الشهادة الثانوية. انتسب إلى دار المعلمين الابتدائية في عام 1940 وتخرج فيها وهو يحمل المرتبة الأولى؛ بعد أن وافق وزير التربية على أن يعقد له امتحاناً استثنائياً لأن السلطة العسكرية الفرنسية حكمت عليه بالسجن في فترة الامتحانات العامة. انتسب بعد ذلك في دار المعلمين العليا ودرس فيها حتى عام 1942 ومارس التعليم في المدارس الابتدائية في أوائل الأربعينات. ثم انتسب إلى جامعة دمشق وحصل على شهادة الحقوق عام 1945. عمل بالمحاماة من عام 1952 حتى وفاته، وكان يهتم بقضايا الأسرة وحقوق المرأة بوجه خاص، وهذا ما يفسر وجوده عضواً في أغلب اللجان المشكّلة آنذاك لمناقشة القوانين وتطويرها. وقد كتب مقالات كثيرة في الصحف والمجلات حول إصلاح القضاء، وقدم لمؤتمر المحامين العرب المنعقد في دمشق عام 1989 كرّاساً بعنوان «قضاء على مستوى المستقبل»، وكراساً آخر طبعته وزارة العدل بعنوان «إصلاح القضاء، تطوير أم تثوير». أشرف على مجلة نقابة المحامين منذ عام 1962 وأصدر فهارس سنوية لمحتوياتها. كما أصدر وشرح مجموعات تشريعية متنوعة تتعلق بالأحوال الشخصية الأعمال الأخرى: – له مؤلفات عدة، منها: أعمال درامية: أوبريت «وردة» – مطبعة العروبة – دمشق 1966، ومسرحية «الغائبة» – مطبعة العروبة – دمشق 1971، وله في فن السيرة والمذكرات: حديث دمشقي – (المذكرات – 1) – دار طلاس – دمشق 1988، وجيل الشجاعة – (المذكرات – 2) – مطبعة ألف باء – الأديب – دمشق 1992، وفي كتابات عامة: الفدائيون العرب أمام محكمة زوريخ – مطبعة العروبة – دمشق 1970، والحبة والسنبلة – الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق 1994، وصانعو الجلاء – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت 1999، والترجمة إلى العربية: كتاب «عش 150 عامًا» – دار القلم – بيروت 1950، و«فن العرائس وتحريكها» وزارة الثقافة – دمشق 1963، ومسرحية «الحياة حلم» – دار البعث – دمشق 1966، و«مع الفدائيين» – دار البعث – دمشق 1970. توفي عام 1997
- 24 مايو 2016
- باسل فايز ابو شمالة
في يوم من الأيام في عام ١٩٧٩ أو ١٩٨٠ كنت أتنزه مع والدي في ساحة مونمارتر في باريس وأضعته ضمن الجموع الكثيرة التي كانت تتنزه في ذلك المساء الدافئ. بحثت عنه فوجدته وسط حلقة من رسامي البورتريه الذين يشتهر بهم حي مونمارتر. كان يمسك بقلمه وبدفتر صغير يرسم كل واحد من الرسّامين ويعطيه صورته مع التوقيع وسط ضحكات وتصفيق الحاضرين….
في تلك الزيارة إلى باريس أيضاً كنت أستعد للذهاب إلى قسم الشرطة من أجل تجديد الإقامة، وهي مهمة عصيّة مقيتة تستهلك النهار كله في جو من العبوس والتجهم. قال لي أبي: هل أذهب معك لتسريع المعاملة؟ قلت له ضاحكة: نحن في باريس يا أبي ولسنا في الشام. لا يعرفك أحد هنا كما هناك. قال لي دعيني أذهب معك ونجرب! في القاعة المكتظة بالمراجعين حين كنا ننتظر دورنا، رأيته يمسك الورقة التي عليها رقمي ويرسم عليها بسرعة الخطوط العريضة لوجه الشرطية التي كان علي أن أمثل أمامها بعد قليل. راح لعندها ورأيته من بعيد يعطيها الصورة فتضحك، ثم تريها لبقية الموظفات فيضحكن، ثم يشير إلى فأقترب وتنتهي معاملتي في ثوان وسط جو من المرح لم أعهده من قبل.
هكذا كان نجاة قصاب حسن. يحب الضحك والفكاهة ويسعى للحوار مع الناس سواء كان يعرفهم أو لا، ووسيلته لاقتحام القلوب قلم وورقة يرسم عليها بلحظات الخطوط الأكثر وضوحاً في وجه من يقف أمامه. وفي كثير من الأحيان كان يضخّم الملامح بحيث تتحول البورتريه إلى نوع من الكاريكاتور.
كان يرسم هذه الصور على كل شيء. على صحن في المطعم أو على فاتورة الحساب في المقهى، على منديل إذا ما تواجد في جمع كبير، أو على طلب دعوى في القصر العدلي. كان يحب الناس، ويحب أن يلحظون وجوده. ورسم البورتريه كانت وسيلته لكسر الحواجز مع الغرباء واثقاً أنهم سيعرفون مباشرة من هو لكثرة ما كان يطل عليهم من التلفزيون في برنامجه “ومضات”، وللشهرة التي اكتسبها بين الناس بفضل برنامجه الشهير “المواطن والقانون”.
في الأوراق الكثيرة التي تركها وراءه ورحل آلاف الصور الوجهية التي بقيت عندنا وأظن أن مثلها كثير أهداها لأصحابها. عُرضت هذه الصور في معرضين، واحد في حلب والثاني في دمشق، ولمن لم يرها، سأقوم بنشرها تباعاً على صفحتي ويسعدني أن يتعرف أحدكم على بعض تلك الوجوه التي بقيت عندي بلا إسم.
رحل عنا نجاة قصاب حسن في مثل هذا اليوم ،الرابع عشر من تموز عام ١٩٩٧؛ وأتخيله الآن يطل علينا ضاحكاً، ويسعده أن نذكره الآن كما أراد دائماً… بابتسامة.
🌍 الأديب ( نجاة قصاب حسن ) وذكرى 23 عاماً على رحيله 🌍
يعتبر نجاة قصاب حسن من الوجوه اللامعة التي كان لها دوراً فاعلاً في المجال الثقافي في فترة تفاعلات مهمة وتأسيسية في سورية ، اشتهر في مجالات عديدة بسبب تعدد مواهبه واهتماماته ؛ فقد كان حقوقياً وإعلامياً ومدرّساً وموسيقياً وشاعراً ورساماً وكاتباً مسرحياً ومترجماً، إضافة إلى مشاركته الفعلية في النشاط السياسي في الأربعينات .
ولد بدمشق عام 1920 لعائلة متوسطة الحال وكان والده معلماً في حرفة النجارة ، انخرط باكراً في العمل السياسي ، وكان لميوله اليسارية دوركبير في توجيه نشاطه الاجتماعي نحو العمل الميداني إذ شارك في مشروعات تعليم الأميّين في القرى قبل حصوله على الشهادة الثانوية ، انتسب إلى دار المعلمين الابتدائية في عام 1940 وتخرج فيها وهو يحمل المرتبة الأولى ؛ بعد أن وافق وزيرالتربية على أن يعقد له امتحاناً استثنائياً لأن السلطة العسكرية الفرنسية حكمت عليه بالسجن في فترة الامتحانات العامة ، انتسب بعد ذلك في دار المعلمين العليا ودرس فيها حتى عام 1942 ومارس التعليم في المدارس الابتدائية في أوائل الأربعينات .
ثم انتسب إلى جامعة دمشق وحصل على شهادة الحقوق عام 1945 ، عمل بالمحاماة من عام 1952 حتى وفاته ، وكان يهتم بقضايا الأسرة وحقوق المرأة بوجه خاص ، وهذا ما يفسر وجوده عضواً في أغلب اللجان المشكّلة آنذاك لمناقشة القوانين وتطويرها ، وقد كتب مقالات كثيرة في الصحف والمجلات حول إصلاح القضاء ، وقدم لمؤتمر المحامين العرب المنعقد في دمشق عام 1989 كرّاساً بعنوان « قضاء على مستوى المستقبل » ، وكراساً آخر طبعته وزارة العدل بعنوان « إصلاح القضاء ، تطوير أم تثوير » .
أشرف نجاة قصاب حسن على مجلة نقابة المحامين منذ عام 1962 وأصدر فهارس سنوية لمحتوياتها ، كما أصدر وشرح مجموعات تشريعية متنوعة تتعلق بالأحوال الشخصية ، لكن ما أطلق شهرة نجاة قصاب حسن – بصفته القانونية – بين الجمهور الواسع كان البرنامج الإذاعي اليومي « المواطن والقانون » الذي استمر في تقديمه بدءاً من عام 1952 مدة خمسة وعشرين عاماً ، وكان يجيب فيه على أسئلة المواطنين حول المشكلات القانونية والاجتماعية ، كذلك قدّم في التلفزيون العربي السوري برنامجاً أسبوعياً بعنوان «محطات تلفزيونية» عالج فيه علاقة القانون بالحياة ، وبرنامج «ومضات» تناول فيه قواعد السلوك المدني للمواطن ، ومن أهم برامجه الإذاعية أيضاً البرنامج الأسبوعي «رحلة في الذاكرة» الذي حاور فيه ما بين عامي 1993 و1995 صفوة الأدباء والمفكرين في سورية ،
ولم يقتصر عمل نجاة قصاب حسن في الإعلام على البرامج الإذاعية والتلفزيونية، فقد بدأ يعمل في الصحافة المكتوبة منذ عام 1935.
وفي العام 1947، تشارك مع نشأت التغلبي وحسيب كيالي وعباس الحامض ويحيى الشهابي وجورج شاتيلا وعزة الطباع وصبري القباني والشاعر نزار قباني في إصدار مجلة رابطة محرري الصحف أطلق عليها اسم « عصا الجنة ». بدءاً من عام 1952، خصصت له صحيفة الرأي العام زاوية يومية عنوانها « بالعربي الفصيح » ، وكان يتناول فيها بالنقد الأحداث السياسية والاجتماعية اليومية ، وكان يوقّع هذه الزوايا التي زادت على الألف قطعة باسم « فصيح » .
جمع نجاة قصاب حسن بين الرؤية السياسية الناضجة وبين رشاقة الكتابة وحسن العبارة، وكان معروفاً بحبه للدعابة والمزاح أيضاً، وهذا ما يبرر نجاحه في مجال الصحافة الساخرة التي راجت كثيراً في سورية في النصف الأول
من القرن العشرين ؛ فقد أصدر مجلتين شعريتين كانتا تكتبان باليد ، إحداهما باسم «القزيطة» وهي تنتقد بكثير من السخرية والدعابة أجواء القصر العدلي ،
والثانية باسم « القنديل » تتناول عالم الأدب والأدباء . كذلك أسهم إلى جانب الأدباء
سليمان العيسى وصدقي إسماعيل وغازي أبي عقل وغيرهم في تحرير مجلة « الكلب » المكتوبة باليد ، والتي تصوّر أجواء المقاهي الثقافية التي كانت ملتقى النخبة في دمشق ، لكن ذلك لا يعني أن عمله في الصحافة المكتوبة اقتصر على الدعابة والهجاء ، فقد أشرف على تحرير صحيفة البعث الصادرة بالفرنسية في مطلع السبعينات ، وحرر زوايا أسبوعية في صحيفتي تشرين والبعث لسنوات عدة .
ولنجاة قصاب حسن تجارب مهمة في مجال الموسيقى العربية ، فقد تعلّم العزف بآلتي الكمان والعود في مطلع شبابه ، وأدار المعهد الموسيقي الشرقي في عام 1950، وكان خبيراً في الموسيقى العربية ، حاضَرَ حولها في أماكن عديدة أهمها مهرجان الربيع الموسيقي في براغ ( تشيكوسلوفاكيا سابقاً ) عام 1962 ، وقد كتب عدداً لا بأس به من كلمات الأغاني وألحانها ، سّجل بعضها للإذاعة والتلفزيون .
من جانب آخر تميّز نجاة قصاب حسن بمهارته في رسم خطاطات سريعة ورسوم ساخرة (كاريكاتورية) لوجوه الناس ، وقد ترك ما يزيد على ألفي صورة من هذا النوع تمثل القضاة والمحامين والصحفيين والأدباء والفنانين والأصدقاء والناس العاديين الذين كان يلتقيهم بحكم عمله ؛ ويمكن عدّ هذه المجموعة توثيقاً بالصورة لأهم وجوه المجتمع السوري. وقد أقامت له مكتبة الأسد بعد وفاته معرضاً لبعض هذه الرسوم ضمن فعاليّات معرض الكتاب الخامس عشر عام 1999.
وعندما تأسست وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سورية ، عُيّن نجاة قصاب حسن مديراً للفنون فيها ، وقد أسهم في هذا الإطار ومنذ عام 1960 بتأسيس المسرح القومي والمسرح الجوّال ومسرح العرائس وفرقة أمية للفنون الشعبية ، كما كتب (سيناريو) أول فيلم سوري هو « سائق الشاحنة » ، وبعض المسرحيات ، إضافة إلى ذلك ترجم عدداً من المسرحيات التي قُدمت على خشبة المسرح ، وأهمها مسرحية « الاستثناء والقاعدة » لبرتولت بريشت Bertolt Brecht التي أخرجها شريف خزندار عام 1961، وكانت من التجارب الأولى في تقديم بريشت في العالم العربي ، كما ترجم بالزجل العامي مسرحية « مدرسة النساء » لموليير التي أخرجها ومثّل فيها ياسر العظمة على خشبة المسرح العسكري في عام 1962.
وقد ترك نجاة قصاب حسن مؤلفات عديدة مطبوعة من أهمها :
« المعجم النحوي » عرض لأهم مشكلات الإعراب في اللغة العربية ، و « الفدائيون أمام محكمة زيوريخ » ، قصة المحاكمة التاريخية في رسائل صحفية يومية ، و « قانون الأحوال الشخصية العام » ، و « قوانين الأحوال الشخصية للطوائف الأرثوذوكسية والكاثوليكية والإنجيلية والأرمن والسريان والموسويين » مع النصوص المتعلقة بالمحاكم الروحية في مختلف القوانين ، واجتهادات محكمة النقض حتى 1982، و « قصص الناس » مئتان وتسعون قضية إنسانية وردت في ركن المواطن والقانون ، و « الحبة والسنابل » ، مجموعة محاضرات ألقاها المؤلف في دمشق والمحافظات السورية ، و « حديث دمشقي » (المذكرات 1، 1884ـ 1983)، و«جيل الشجاعة»، (المذكرات 2 حتى عام 1945)، و « صانعو
الجلاء في سورية » ، و « وردة » (أوبريت) ، و « ضهر الهوا » ( مسرحية باللغة العامية ) ، و« الغائبة » (مسرحية) ، وله عدد من الكتب المترجمة .
توفي هذا العلم الكبير في 14 تموز 1997 عن عمر يناهز 77 عاماً ..
رحم الله نجاة قصاب حسن ، وأسكنه فسيح جناته ..
– المصدر ( الموسوعة العربية ) بتصرف .