فيسلوف الأدب والضوء ..عبد الرحيم التوراني Abderrahim Tourani ..
سلاحه النقد والتهكم على الظروف الحياتية..
بقلم المصور: فريد ظفور.
- رجل من ذاك الزمان..عيناه ناظرتان تقولان كلاماً غامضاً كالعتاب أو الضحكة أو التشكي أو التهكم..لم يكن عالمه أبيض كله ولا أسود كله..هل كان عالماً بلا لون…وسط شارع الثقافة الطويل المحفوف بالأشجار والملبد بالغيوم والضباب..حيث فقدت الثقافة والأدب والفن إخضرارها المعرفي وتشعبت رؤوس أغصانها بلا معنى.أحسست بأن عينيه أصل الحكاية..تقولان كل شيء..محمولتان على جسد لامرئي..تملآن كل فضاء الشارع الثقافي..فتعالوا معنا نفرشد الورود والرياحين بالسندس الأخضر والقرنفل والفل والخزامى وبالجوري وبأطواق الياسمين الشامي لنقدمها إلى ضيفنا الكبير الأستاذ الأديب والفنان المغربي..عبد الرحيم التوراني.
- منذ نهاية عقد الستينات بالقرن الماضي بدأ الإهتمام بأوضاع ومشكلات التدفق الإعلامي..وإتخذ بالعقد التالي شكلاً من الصراع بين الشرق والغرب والشمال والجنوب..أو ماعرف بالسعي لإقامة نظام إعلامي دولي..أسس لغزو ثقافي من نوع آخر..والمشكلة تزداد خطورة في ظل أوضاع النظام العالمي الجديد لا سيما بعد التطور التكنولوجي السريع في مجالات الإتصال عن بعد وفي الحاسبات وتزاوجهما معاً..لتشمل كل بنى النظام والعلاقات الدولية وتمس مستقبل النظام العالمي ذاته..ويتسم التدفق الإعلامي بعدم التوازن من حيث كمه وكيفه..آخذاً إتجاهاً رأسياً بين الدول المتقدمة والنامية..وبالدول النامية تتدفق المعلومات من العواصم إلى المدن والبلدات والقرى..أو لنقل هناك دول مركز ودول أطراف ..ويحدث التدفق الإعلامي من المركز إلى الأطراف ثم يرتد للمركز..وتحرص الدولة المركزية على أن يتشابه هذا العالم مع العالم المدرك للصفوة ومتخذي القرارات في الدول المركز ذاتها..لأن هناك عوامل مؤثرة على التدفق الإعلامي الدولي..كالقرب المكاني والصلات الثقافية والحجم السكاني وحجم التجارة بين الدول ونصيب الفرد من ناتجه القومي..ومكانة الدولة..ولعل الصورة الماثلة أمامنا للقرن الحالي في مجال الإعلام توضح التركيز الإعلامي الدولي على النقل والبث المباشر للأحداث السياسية والرياضية والثقافية وغيرها عبر الأقمار الصناعية والشبكة العنكبوتية وعبر مواقع التواصل الإجتماعي كالفيس بوك وأنسجرام وتويتر واليوتيوب وزوم وغيرها ..فأضحى الإعلام هو العامل الحاسم والفعال في صنع القرارات الدولية وفي توجيه الرأي العام العالمي نحو قضية معينة..والإنسان العربي دوره مهمش ..لأن حقوق الإنسان بالدول النامية والعربية منها..تمثل قاعدة المثلث..وأحد أضلاعه هم السياسيون وصناع القرار ومن بيدهم الأمر بالمجتمع..والضلع الثالث الإعلاميين ..لأن مسؤوليتهم مباشرة وغير مباشرة لإنتهاك حقوق الإنسان..ويوجد عدة نماذج لعلاقة السياسيين بالإعلاميين في الدول النامية ونخص هما الدول العربية..منها نموذج متملق مداهن..وخادم مطيع أو النموذج الأبوي..ورجل البريد المنضبط..والبيرقراطي الموظف..والأناني النفعي الغائي..والمتمرد الفاقد البرنامج والهدف ..والمتفرنج المتهور ..والمثقف الهادي الدبلوماسي..والمعارض صاحب البرنامج..والناقد الموضوعي ( الأنتلجنسيا )..وصاحب الرسالة والإسلامي المستنير..وبإختصار يستعين السياسيين بالإعلام بهدف زيادة شرعيتهم والتمكين ودعم ثقتهم ولكن بالمحصلة بأن المزيد من الهيمنة الإعلامية يحقق الأثر العكسي مباشرة..ونأمل بأن يستيقظ ساستنا ومفكرينا قبل فوات الأوان ويعيدوا لمجتمعاتنا العربية ذاتها المفقودة وهويتها الضائعة وسط ضباب كثيف من المعلوماتية يحجب الرؤية في ظل العصر الرقمي وعصر الأنترنت والديجيتال..آملين بأن يكون النموذج المأمول لسيادة العلاقة بين الإعلاميين والسياسيين بالنموذج الديمقراطي الحضاري..
- لأن دراسة شخصية المستقبل أو المتلقي هي من أصعب مسائل تلقي الأدب والفن..وهي لاتقل أهمية عن دراسة شخصية المبدع فنياً وأدبياً في مجال معرفة الظاهرة الفنية أو الأدبية..لأن جمهور القراءة أو التشكيلي هي الحلبة التي يدور فيها صراع الأفكار الفنية في سبيل وجودها وهيمنتها..وبذلك يجب أن تصبح دراسة التلقي الفني أو الأدبي عنصراً مكوناً من عملية الكشف عن قوانين الفن ووظائفه ودوره في الماضي والحاضر والمستقبل..وعلى المفكرين والفلاسفة في شتى أصناف المعرفة بصياغة برنامج موحد لدراسة الإبداع الفني ..يكون أساسه الإلزامي دراسة النص أو الكادر أو اللوحة وتلقيها من زاوية تميزها الفكري والجمالي..
- لعلنا لانغلو في القول بأن الأديب والفنان عبد الرحيم التوراني أعماله تتصدر الصحف والمنابر الثقافية ومواقع التواصل الإجتماعية..وهي تحتل مكانة مرموقة في القاموس الثقافي العربي المعاصر..ومنذ البداية سوف نكون خصوماً عنيدين للنظرة الأحادية للفنان التي ألبست الأشياء غير لبوسها الحقيقي..فذهبت بأن فناننا أحادي المشرب الثقافي الفني والبصري والتشكيلي..أو الصياغة الأدبية بمفردها..ولكن النظرة الموضوعية لأعماله تدحض مثل هذا الرأي..وعلى هذا أصبح يمكننا القول بأن مفهوم الفن أو الأدب قد جسدهما في حريته الفكرية والفلسفية..ولكن ببصمته الإبداعية المتميزة وبفكره النير المتقد وبلغته التهكمية الساخرة ..وبملاحظاته النقدية المتفردة التي يقدمها لكل عمل أو بحث فني أو أدبي..ويبقى عبد الرحيم التوراني ملتقى الثقافة والفن والأدب..يرسم حروفه بفرشاة وأحرف الجمال والسحر والحياة المتدفقة..لأن لكل عمل عنده حالة خاصة يتعامل معها الفنان المبدع..نتيجة عمق تجربته حيث يسيطر على جوهر المعطيات التي يملكها لخلق العمل الفني أو الأدبي الذي يقوم على تحقيقه..فإذا كان القلق وسادة الفنان..فليس سهلاً التحكم في خبراته مرة واحدة وفي نفس اللحظة..لأنها تحتاج إلى عبقرية إن صح التعبير لكي يتحكم في تدفق ذلك السيل العرم من الحبرات والأحاسيس التي تتصارع لتخرج من عالم الفنان التوراني الخاص إلى عالم العمل الأدبي أو الفني الذي سيقدمه أو سيعرضه أمام المتلقي أو أمام المشاهد..ليتعرف على هويته ومعالمه وإنتماءاته الفنية والأدبية..وهنا تأتي الخبرة والثقافة والوعي الكامل بجوانب العملية الإبداعية..حين يريد أن يصوغ قصصه أو أشعاره أو أفكاره أو تكويناته وتشكيلاته الفنية في عمل إبداعي مميز..فهو يحتاج إلى الزمكان أو لنفس اللحظة لتلتقي مشاعره وخبراته وقدراته الإبداعية فيما يشبه القذيفة المنطلقة من رحم إبداع الفنان التوراني إلى عالم العمل الأدبي والفني في كيان واحد تنتشر على السطح كالرذاذ..ثم تتبعثر لتخلق رذاذاً داخلياً كان يحتاجه الفنان المبدع ويسعى لتحقيقه..ويسقطها في تضاد عنيف في وحدة من عالم الوعي واللاوعي مجتمعين لخلق توازن يحتاجه عمله الفني..لكي يشعرنا بالسعادة والتوازن بدواخلنا..لأن المبدع الأديب والفنان عبد الرحيم التوراني يعيد ترتيب حساباته الأدبية بعقلانية بعد أن تدفقت أفكاره ومشاعره وأحاسيسه بسيطرة منه أو بدون سيطرة أحياناً..وبالتالي يأخذنا هذا الوضع إلى الإستعدادات التي سبقت القصة أو الرواية أو اللوحة أو الومضة الفكرية..فكما لكل عمل فني عنده حالة خاصة يتعامل معها المبدع فإن لكل كاتب أو شاعر أو فنان حالته الخاصة في تقسيم وترتيب ظهور كل جزء من عمله أسواء الأدبي أو الفني في نفس الوقت الذي يعرض فيه العمل كاملاً أمام المتلقي أو القاريء..
- وندلف أخيراً للقول بأن أعمال الأستاذ الأديب والفنان عبد الرحيم التوراني ساحرة وأضاف عليها مسحة من جمال النقد والفلسفة الساخرة مضافة عليها نكهة بجمال شاعري متفرد..لأنه ابن التاريخ والأصالة والجمال والطبيعة الساحرة في المغرب..حيث إستقى ثقافته وشرب من ينابيعها العذبة وكان لها الأثر الأكبر في إزدهار نشاطه وحركته الثقافية والفنية والأدبية..وبذلك أضحت أعماله الأدبية والفنية قلعة ثقافية حصينة من قلاع الأصالة والتراث المغربي ونبعاً زلالاً لكل متعطش من الشباب والشابات ومن طلبة العلم والأدب والفن يريد الإرتواء من فيضه الفني الغني العذب..وبذلك حق لنا بأن نطلق على الفنان النبيل والأديب المتألق عبد الرحيم التوراني فيسلوف الأدب والضوء ..الذي كانسلاحه النقد والتهكم على الظروف الحياتية ..
*فريد ظفور – 17-7-2020م
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الأديب والفنان عبد الرحيم التوراني _________________________
حانات الفلاسفة!
كل الكلام المستهلك في الحانات، هو بالضرورة كلام فلاسفة،
احسب عدد الحانات وأعداد روادها في مدينة مثل كازا…،
والحوارات بين نديمين، والمونولوجات الداخلية المسموعة والمكتومة لزبون يجلس في ركن قصي فوق طابوري، أو إلى طاولة مع أقصى درجات عزلته،
ناهيك عن المحادثات الصاخبة بين أكثر من نديم، بعضهم لا يعرف الآخر، وقد تكفل لواء الكأس جمعهم..
وأطنان اللغو السياسي، والكلام الثوري الفارغ،
والكلام الملوث بلظى مرحلة تتلاشى وانتهت، والنطق المسكوت والآخر الممتلئ النازف المشحون…
لا بد من بين كل ركام هاته الفوضى البشرية أنك ستضع يدك على فيلسوف ليس أقل من فلاسفة اليونان والألمان والفرنسيس…
قدم له التحية وانتسب لحوارييه كي تصبح فيلسوفا صاحب نظرية فلسفية غير مسبوقة..( لقطة فلسفية في حانة جان لوي، مع العدد الأخير من مجلة ” فلسفة” الفرنسية).ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ**
قصة قصيرة:
الكتابة الحافية
عبد الرحيم التوراني
طالعت في في أسفل صفحة داخلية من جريدة خبرا ، هو ليس خبرا، ولكنه إعلان صغير. إعلان عن مسابقة في القصة القصيرة جدا. لدي تحفظ حول هذه الـ ‘جدا”. ما علينا. قرأت الخبر المهمل والمكتوب بأحرف صغيرة. لم تتم الإشارة إلى الجهة المنظمة. فكرت قد تكون الجهة المنظمة هي الجريدة نفسها صاحبة الخبر. ثم استبعدت ذلك. فهذه الجريدة لا تهتم بالثقافة وبالأدب، ولا تنشر قصصا. أكانت قصيرة أم قصيرة جدا. لم يشترط الإعلان شروطا. لكن الإعلان أكد على أن لا تكون القصة قد نشرت من قبل في أي شكل ورقي أو إلكتروني. وبما أني مقل في كتابة القصة، غزير في الشعر. بكسر الشين وفتحها أيضا. فقد قمت إلى مكتبي. جلست حافي القدمين. عادة عند الكتابة أخلع الحذاء والجوارب. أغسل رجلي قبل البدء في الكتابة. لقد تكلمت عن طقوسي في الكتابة لمجلة “القصة الجديدة” التي سيصدر عددها الأول قريبا. تعلمت الكتابة الحافية من غ. غ. م. أي غابرييل غارسيا ماركيز شافاه الله. رأيت صورة غ. غ. م. على ظهر غلاف أحد كتبه يجلس إلى طاولة. يكتب على آلة كاتبة وكان حافي القدمين. فألهمني إبداع نظرية جديدة. أعترف. أنا مدين لهذا الكولومبي بنظريتي عن “الكتابة الحافية”. لمن يرغب في الاستفادة أن يقرأ حواري الصحفي. حيث أفضت في شرح أهمية القدمين في عملية الكتابة والرسم. بدأت بكتابة: ق. ق. ج. أي قصة قصيرة جدا. ثم كتبت عنوان القصة. في “الكتابة الحافية” ضروري كتابة العنوان أولا وعدم تأخيره إلى الانتهاء من كتابة النص. من العنوان تنهمر السطور التي تحمله. كتبت العنوان فجأة. وهذا أساسي أيضا في نظريتي. مفاجأة العنوان والقبض عليه ليعترف بأقواله. فالكاتب كالمحقق والعنوان متهم حتى تثبث براءته. وبراءته يمنحها القارئ. كتبت “النظر في الوجه العزيز”. ثم توقفت. ظللت أنظر في الورقة المسطرة. فرأيت وجهي. تحولت الورقة إلى مرآة. والمرايا خلقت للكتابة وتصلح للرسم أيضا. تساءلت هل أنا المقصود بالوجه العزيز؟ .
عدت إلى الجريدة. أعدت قراءة الإعلان. كيف لم يذكروا القيمة المالية للجائزة. ليست هناك مسابقة من دون جوائز. لا كتابة من غير حوافز. أحسست بعدم الرغبة في متابعة الكتابة. انتعلت حذائي. خرجت إلى الشارع. جلست في مقهى “السندباد”. جاء النادل بفنجان قهوتي وكأس ماء وجريدة. يعرف النادل ابراهيم عادتي منذ عشرين سنة. لا يمكنني تبديلها. كأنه هو من فرضها علي أو قل إنه يفرضها علي. أمسكت بالجريدة. قرأت على صفحتها الأولى خبرا يقول: (صاحب “النظر في الوجه العزيز” يفوز بجائزة نوبل في الآداب). التفت حوالي. لا مرآة في المقهى ولا زبونا غيري. ناديت على ابراهيم. جاءني النادل ابراهيم فرحا يهنئني.
قال: ـ فاز صديقك الكاتب أحمد بوزفور بنوبل. لقد فعلها. هنيئا لنا. إنه صديقنا. من رواد “السندباد”.
ثم سألني: تراه بعد نوبل سيبقى من زبناء ” السندباد ” أم سيصبح “الغابر الظاهر”؟.
رفعت رأسي إلى شاشة التلفزيون. كانت مذيعة القناة الأولى تقرأ خبر فوز أول مغربي بجائزة نوبل. بعدها ملأ السي أحمد بوزفور الشاشة وأدلى بتصريح. لم يجب عن سؤال المذيعة حول وقع خبر حصوله على الجائزة. لم يتكلم الفائز عن الأدب. تعمد ذلك. بدأ بوزفور بالترحم على محمد زفزاف ومحمد شكري والبشير جمكار وأحمد جارك ومبارك الدريبي ومليكة مستظرف ومحمد البوعزيزي وكمال الحسيني وفدوى العروي. قال ابراهيم لقد اختلطت على السي أحمد أسماء الكتاب بأسماء شهداء حركة 20 فبراير.. أجبت: الجميع كتاب وشهداء في نفس الوقت. هذا ما تقوله الكتابة الحافية. إن أحمد بوزفور كاتب حاف. رد علي ماسح أحذية: اختصر وقل كاتب “طابي وخلاص”.