منير بشير يعزفُ كمَنْ يبتهلُ للسَّماءِ،
كأنَّهُ على صلة معَ رفرفاتِ الطُّيورِ الآتية من أعماقِ البراري
منير بشير
(34)
يعزف موسيقاه مناجيًا أوتار القلب، فيبلسم آهاتنا من خلال دندناته المنسابة معَ شهيقِ القصيدة، راسمًا بسمة الابتهال فوقَ وجوه سامعيه، مرفرفًا عاليًا نحوَ نجيماتِ الصَّباح، كأنّهُ في حالةِ عناقٍ معَ تغاريد أسراب الطُّيورِ المهاجرة نحوَ شواطئ مزدانة ببهجةِ تلاطماتِ الأمواجِ، ومعبّقة بالقرنفل؛ حيثُ رفرفات النّوارس تزيّنُ وجهَ الأفق بهلالاتٍ متماهية معَ انبعاثِ بوحِ القصيدة على مساحاتِ شهقةِ الأنغامِ المتعانقة معَ سيمفونيّةِ الحياةِ. منير بشير بهجة موسيقيّة متهاطلة من حنينِ غيمة عطشى لتشقُّقاتِ خدودِ الأرضِ. يناجي أرواحنا الهائمة في طينِ الحضارةِ الآفلة؛ محاولًا أن يفتحَ لنا آفاقًا باهرةً عن موسيقانا المتربّعة فوقَ شموخِ هذا الزّمان، وقد تبرعمت موسيقاه من تراكمِ ابتهالات ينابيع بوح الرُّوح، مغترفًا غلال حصاده من الكثير من المشارب النّاصعة من ألحانِنا الأصيلة الغارقة في القدم جنبًا إلى جنب مع أخيه جميل بشير، إلى أن غدا رائدًا من روّاد عازفي العود في العالم!
يستمدُّ منير بشير أنغامَ تجلّياتِهِ من أرخبيلاتِ الحلمِ المفتوحة على مساحاتِ توهُّجاتِ الرّوحِ الخلّاقة، زارعًا في أنغامِهِ حفيف الأشجار العطشى لإشراقةِ الشَّفقِ، كأنّهُ يحاكي أرواح التَّماثيل الشَّامخة في بلاد سومر وأكَّاد وآشور وكلدو وبابل وآرام، مناجيًا الحدائق المعلّقة في جبينِ الحضارة، يعزفُ كمَن يبتهلُ للسماءِ، كأنّهُ على صلة معَ رفرفاتِ الطُّيورِ الآتية من أعماقِ البراري. تنتعش الرّوحُ فترقصُ على روعةِ الدَّندناتِ فيخلقُ حالةَ فرحٍ تتصاعدُ إلى أقصى بهجاتِ نشوةِ الرُّوحِ، كأنّهُ في حالةِ تواصلٍ معَ حنينِ أرواحِنا التوّاقة إلى توهّجاتِ موسيقى منبعثة من خفقةِ الرّوحِ المشبّعة بحنينِ أعرقِ الحضاراتِ، تاركًا خلفه ابنه عمر بشير؛ كي يعيدَ إبداع المجد البشيري إلى أرقى مسارح العالم، فيعزفَ عمر بشير لغةً موسيقيّة بشيريّة موغلة في البشارةِ بانبعاثِ تجلِّياتِ موسيقيّة كانت مهدّدة على تخوم الاندثار، فانتشلها من الغبارِ المستفحل على وجنةِ الحضاراتِ الآفلة، واضعًا مزاميرَ بوح الرّوحِ في أوجِ انبعاثِ موسيقاه، مستكملًا المشوار البشيري بروحانيّة ابتهاليّة جماليّة عالية في السموِّ والرّقيِّ؛ تصلُ إلى أقصى ما في لغةِ الموسيقى من نبوغِ الارتجال، كأنّه موشور فرحٍ يغدقُ علينا أبهى ما في روح الموسيقى من جمال!
*صبري يوسف
*****
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ