القفل غير القابل للاختراق؟ وقصة الرجل الذي تمكن من اختراقه مسببا موجة من القلق وعدم الأمان عمت البلد بأكمله
”انظروا إلى أعمالي أيها اللصوص وستصابون باليأس!“ تلك هي الكلمات المستخدمة لوصف أقفال الحداد (دجيرمايا تشاب) في لندن خلال القرن التاسع عشر، الذي اشتهر بصناعته لقفل ”الكاشف“ المنيع!
فعندما يحاول أحد اللصوص العبث بالقفل ومحاولة فتحه باستخدام بعض الأدوات، سيصبح القفل أكثر مقاومة لدرجة أن صاحبه لن يتمكن من فتحه بمفتاحه، وسيدرك أن أحدهم قد حاول فتح القفل، يمكن للمالك فتح القفل بعد ذلك باستخدام ”المفتاح المنظم“، وبعد ذلك عليه وضع المفتاح الأصلي وتدويره باتجاه عكس عقارب الساعة لإعادة ضبط القفل.
يعتبر قفل ”الكاشف“ واحد من الأقفال البريطانية الشهيرة في ذلك العصر، فهو يتميز بدقة وبراعة في تصميمه. في ذلك الوقت؛ كانت تقوم شركات تصنيع الأقفال بتحدي أمهر مخترقي الأقفال لاختبار منتجاتهم، وتعرض عليهم مكافآت نقدية في حال تمكنوا من فتحها، ففي إحدى المرات اتفق (تشاب) مع السلطات وعرضوا على أحد السجناء مكافأة قدرها 5 جنيهات في حال تمكن من فتح قفل ”الكاشف“، ولكنه فشل (البعض يقول إن المكافأة كانت حريته).
حصل (تشاب) على براءة اختراع لقفل الكاشف عام 1818، والذي بقي واحد من أعظم أقفال إنجلترا لعقود طويلة، حيث تمكن هذا القفل في إبعاد اللصوص عن المقتنيات الثمينة وابقاءها في مكان آمن ومحصّن.
قفل تشاب…
في عام 1851 عبر صانع الأقفال الأمريكي (ألفريد سي هوبز) المحيط الأطلسي، وحضر المعرض الكبير الذي أقيم في لندن، وأعلن أن قفل (تشاب) ليس سوى لعبة أطفال!
أذهلت أقواله هذه عقول الحاضرين، وخاصة بعد أن تمكن من فتح القفل خلال 25 دقيقة، وعندما طُلب منه تكرار الأمر نجح أيضاً، ولكن هذه المرة فتح القفل خلال سبع دقائق فقط! وخلال لحظات حُطم لقب (تشاب) واحتل (هوبز) مكانه في عالم صناعة الأقفال وكسب ثقة الناس.
بعد أن تمكن (هوبز) من اختراق قفل الكاشف؛ أعلن عن هدفه التالي المتمثل باختراق قفل (جوزيف براما) الذي قاوم جميع محاولات اختراقه خلال الأعوام الـ61 التي مضت، كان هذا القفل مقدساً لدرجة أن النساء قد ارتدينه حول أعناقهن كرمز للمكانة الاجتماعية الراقية.
من الصعب جداً أن نتخيل كيف أن البشر خلال أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر قد وضعوا ثقتهم بنظام الحماية المتمثل بالأقفال، التي أبعدت القلق عن فقدان الممتلكات الثمينة مقارنةً بأساليب الحماية الأخرى القابلة للاختراق، كالخزائن والصناديق وغيرها من الأشياء القابلة التحطيم، حتى أن طبقات المجتمع الإنجليزي الوسطى كانت قد أنفقت مبالغ ضخمة على الأقفال عالية الجودة التي اعتبروها بمثابة حراسهم الشخصيين.
كان الوقت مناسباً لـ(جوزيف براما) للدخول في هذا المجال، ولد (براما) في مقاطعة (يوركشاير) في شهر أبريل عام 1749، كانت رغبة (براما) هي تعلم الأعمال الزراعية كوالده، ولكنه في سن الـ16 تعرض لإصابة في ساقه منعته من ممارسة الأعمال الشاقة، وتوجه لامتهان صناعة الخزانات، انتقل (براما) إلى لندن وبدأ بالعمل في تركيب خزانات المياه والمراحيض الداخلية لعملاء ينتمون لطبقات المجتمع العليا، وخلال تلك الفترة؛ كان (براما) يحضر صفوفا لتعليم صناعة الأقفال، وفي عام 1784 قدم قفل ”براما الآمن“ وأنشأ شركة «براما للأقفال».
في ذلك الوقت كانت صناعة الأقفال الإنجليزية مزدهرة، وبدأت الشركات بتقديم عروض للتفاخر بمنتجاتها ومنافسة الشركات الأخرى، فبعد تحديد الأقفال ذات الجودة العالية؛ بدأت الشركات بإدخال مكونات وميزات جديدة لإظهار العقبات التي قد يواجهها اللصوص أثناء محاولة اختراقهم لمنتجاتهم، كالصافرات والأجراس.
في عام 1790 عرض (براما) قفله الجديد، الذي يبلغ عرضه 10 سنتمترات وسماكته 4 سنتمترات، على نافذة ورشة العمل الخاصة به في منطقة (بيكاديلي) في (ويست إند) في لندن، وعلق لافتة كتب فيها: ”الشخص الذي يتمكن من صنع أداة تمكنه من اختراق هذا القفل سيحصل على 200 جنيه، تقديم الطلب عبر الكتابة فقط“.
لم يتمكن أحد من اختراق قفل (براما)، ولم يحصل أحد على هذه المكافأة التي تعادل اليوم حوالي 28 ألف دولار!