تقديم أحدث الطُّرق التَّنويريّة وتعميمها في كلِّ دول العالم،
كي تبقى في متناول جميع البلدان والأجيال الجديدة تباعاً
25
إنَّ أكثر ما يؤلمني ويدهشني ويثير قلقي ويزعجني حتّى النّخاع هو أنَ توجّهات إنسان هذا الزّمان، ومؤسّسات أغلب دول العالم والدُّول العظمى منها، لا تستفيد من تقنيات وتطوُّرات واقتصاد العصر لصالح البشريّة جمعاء، بل تذهب نسبة كبيرة من اقتصاد العالم هدراً في الكثير من الصّراعات والحروب والمنافسات والمواجهات غير المحمودة والمميتة فيما بين الدُّول والقارات، وبالتّالي لا تستفيد البشريّة من امكانيات وتقنيات وحضارة وتقدُّم العصر لصالح الإنسان، بل يذهب الكثير من اقتصاد العالم هدراً في الحروب والمنافسات والصِّراعات المدمّرة لكلِّ الأطراف المتصارعة، لهذا أرى من الضّروري أن يعيدَ الإنسان رأيه في انحرافات الكثير من الدُّول، وخاصّة العظمى منها فيما يتعلَّق بسياساتها الاقتصاديّة والتّكنولوجيّة والعلميّة، حيثُ يتمُّ تسخير القسم الأكبر من اقتصادها وآخر ما توصَّلت إليها تكنولوجياتها وعلومها في الحروب الخفيّة والمنافسات الضّامرة والصّراعات الظّاهرة، فيخسر الجميع خسائر فادحة، مقابل أن تتسيّد هذه الدّولة أو تلك في واجهة العالم، وقد نسى هؤلاءُ المتصارعون أنّ كل هذه الصّراعات لغير صالح البشريّة والدُّول المتصارعة نفسها، لأنّ الجميع يخسر بما فيهم الدَّولة المتقدّمة على غيرها، ولهذا يجب أن تتعاونَ الدُّول فيما بينها بعيداً عن لغة المنافسات والصِّراعات والحروب الضّمنيّة والعلنيّة، وتسخِّرَ الاقتصاد والتّكنولوجيا وكل ما يمتلكونه من تقدُّم وتنوير وحضارة وعلوم إنسانيّة في شتّى التَّخصُّصات لصالح تقدُّم المجتمع البشري ككل ولصالح كل دول العالم، بعيداً عن لغة المواجهات والتّحدّيات ولغة التّسيُّد على الموقف العالمي، لأنَّ لغة التَّحدِّي هي لغة عدائيّة وعنفيّة وحربيّة مقيتة، ولا تعود بالفائدة على أي طرف من الأطراف، واللُّغة الأدق في تعامل الدُّول مع بعضها بعضاً هي لغة التّفاهم والتّعاضد والتَّعاون، لغة بناء المجتمع البشري على أسس سلميّة ووئاميّة، لأنَّ هذا الأسلوب هو الوحيد الَّذي يرفع من شأن الدُّول والقارّات والكون وبموجب هذه التَّوجّهات يمكن أن تسير الحياة نحو الأفضل على كافّة الأصعدة ويسود السَّلام والأمان والتَّقدُّم بأرقى مستوياته في كافَّةِ أنحاءِ العالم، وتعمُّ الفائدة على الجميع، بما فيها الدُّول الفقيرة والنَّاهضة والَّتي في طريقها إلى النَّمو، ومن المهم جدَّاً أن يسخّرَ الإنسان الإمكانيات والطَّاقات المتاحة على كافّة الأصعدة لخير الدُّول، بتأسيس المزيد من المؤسَّسات النَّهضويّة والتَّنويريّة والفكريّة، وإعداد مراكز بحوث في عواصم العالم لاستخدام أرقى ما وصلت إليه التّقنيات التّكنولوجيّة الحديثة والعلوم الطّبيّة والهندسيّة والعلوم الإنسانيّة الفلسفيّة والفكريّة بمختلف التّخصُّصات، على أن يتمَّ تقديم أحدث الطُّرق التَّنويريّة وتعميمها في كلِّ دول العالم، كي تبقى هذه العلوم الرّاقية في متناول جميع البلدان والأجيال الجديدة تباعاً، لاستنهاض المجتمع البشري نحو أرقى مصاف التّقدُّم كي تصبح البشريّة بمثابة أسرة كونيّة متعاضدة ومتآلفة في العطاءات الخلَّاقة بين الدُّول!
صبري يوسف