داروما
دمية داروما (باليابانية: 達磨) و تعرف أيضا بـدمية دهارما هي عبارة عن دمية تقليدية يابانية مجوفة ومستديرة الشكل، تعتبر دمية داروما رمزا للثراء و تعويذة لجلب الحظ و الثبات. صممت على شكل راهب بوذي يسمى بودهيدهارما، عاش خلال القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد و تنسب إليه مدارس البوذية كتشان و زن في الصين. لون دمية داروما عادة أحمر و مرسوم عليها وجه رجل ذو لحية، و تختلف تصاميم وألوان كل دمية حسب المنطقة و تاريخها و معناه. داروما ما زالت تصنع من ورق مجوف و دائري الشكل و متوازن من أسفل مما يجعل الدمية ثابتة عندما تتم إمالتها، أما اللون الأحمر فيشير إلى رداء الراهب.
بودهيدهارما، عاش خلال القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد و تنسب إليه مدارس البوذية كتشان و زن في الصين، يقال في الأساطير أنه مارس طقوس التأمل لتسع سنوات من دون أن يتحرك، مما أدى إلى ضمور يديه و رجليه،[1] و في أسطورة شهيرة أخرى يقال أنه نام أثناء طقوس تأمله لمدة تسع سنوات، فغضب من نفسه وقطع جفون عينيه ليتفادى النوم مجددا.
داروما ومرض الجدري
أيضا كان يعتقد أن لداروما دورا في الشفاء من المرض في أواخر عصر ايدو بين عام 1600 إلى 1868 و تم ربطها بمرض الجدري، حيث تواجد الكثير من المصابين بالجدري و الحصبة في ايدو والمناطق المجاورة لها في ذلك الوقت، أما حاليا في اليابان هناك الكثير من الأضرحة حمراء اللون مكرسة لآلهة الجدري تم بنائها ظنًا أن آلهة الجدري ستنقذ الأطفال المصابين، فتلف حبال ملتصق بها شرائط حمراء حول المنزل و يتم إلباس الأطفال رداءا أحمر اللون وتوضع طاولة للآلهة تحمل تمثال رجل ملتحي يشبه داروما، و يُستخدم أيضا لتحذير آخرين بأن المرض كان في المنزل. اسُتخدمت الداروما الحمراء كذلك لتهدئة الآلهة.
التصاميم الشكلية
تتواجد الداروما بخمسة ألوان كالأزرق والأصفر والأحمر والأبيض والأسود، ويسمون بجوشكي داروما.أما في هذه الأيام تتواجد بألوان أخرى كالذهبي الذي يرمز لجلب الحظ في المسائل المالية. عينا داروما عند بيعها تكونان فارغتين بيضاء اللون، والهدف من ذلك التحفيز على بلوغ الهدف، حيث يتم تلوين إحدى العينين بالأسود عند تحديد الهدف ويتم تلوين الاخرى عند تحقيقه، فكلما رأى الشخص الذي قام بذلك داروما بعين واحدة يتذكر أهدافه، ولتحفيز داروما على تحقيق أمنيته عليه أن يعدها بأنه سيعطيها بصرها بالكامل عندما ينجز هدفه. و تقليديا، تعتبر دمية داروما من أفراد الأسرة، وولي أمر الأسرة فقط من يحق له أن يلون عينيها. أما رسومات الشعر على وجه الدمية فتمثل حيوانات، حيث تشتهر الحيوانات كرمز لطول العمر في الثقافة الآسيوية، كطائر الكركي والسلحفاة، فالحاجبان يرمزان لطائر الكركي، أما شعر الوجنتين فيرمز لقوقعه السلحفاة.
حرق داروما
في نهاية كل سنة يقوم الجميع بإرجاع الدمى إلى المعبد الذي تم شراؤها منه من أجل مراسم الحرق التقليدية،[2] وهذه المراسم تسمى داروما كيو وتقام سنويا. من أشهر المعابد التي تقيم هذه المراسم: معبد نيشي أراي دايشي في طوكيو ومعبد دايريو جي في غيفو و يتم في هذه المراسم إحضار دمى داروما التي تم استخدامها خلال السنة بعد أن إظهار الامتنان لها ثم تسلم للمعابد ويتم شراء أخرى جديدة للسنة الجديدة وتحرق الدمى القديمة في المعبد بحضور الرهبان.
إلعاب الاطفال
توجد لعبة تقليدية تسمى داروما أوتوشي تحتوي على خمس قطع بألوان الطيف و يتم لعبها باستخدام مطرقة لضرب القطع من أسفل إلى أعلى بدون أن إسقاط القطع الاخرى أثناء اللعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعب اليابان: ما السر الذي يجعل اليابانيين نموذجا للمثابرة والتحدي؟
تستقبل دمى كثيرة زائري معبد شورينزان داروماجي في مدينة تاكاساكي الواقعة على بُعد 130 كلم شمال العاصمة طوكيو ، وتعرف هذه الدمى التي تتميز بها اليابان باسم “داروما” ويصطبغ أكثرها باللون الأحمر، وتمتاز بعينيها الواستعين اللتين تكشفان عن نظرة صارمة مفعمة بالإصرار.
وصممت هذه الدمى لتحاكي وجه بودهيدهارما، مؤسس بوذية الزن في الصين، وتعد أشهر تميمة وأكثرها رواجا في اليابان.
وصنع المزارعون في تاكاساكي هذه الدمى المجوفة المصنوعة من عجينة الورق منذ نحو 200 عام، ولا تزال هذه المنطقة تصنع أغلب دمى “داروما” التي تباع في مختلف أنحاء اليابان.
وبعدما يشتري زائر المعبد دمية داروما يتمنى أمنية ثم يلون حدقة العين اليسري من الدمية، وإذا تحققت أمنيته يلون الفراغات في العين اليمنى. ومع قرب نهاية العام، يتبرع الزائرون بتلك الدمى القديمة للمعبد ويشترون أخرى ليتمنوا أمنيات جديدة أو ليلتزموا بتحقيق أهداف أخرى. وتُحرق الدمى التي أدت الغرض منها في مستهل العام الجديد.
لكن داروما ليست مجرد تميمة جالبة للحظ في اليابان، بل إن هذه الدمية المستديرة ترتكز على قاعدة بحيث إذا دفعتها ستتأرجح من جانب لآخر ولن تسقط على وجهها قط، ولهذا تعد رمزا لعزيمة هذه الأمة التي صمدت في وجه الكثير من الكوارث التي كادت تقودها للانهيار.
وفي عام 2011، ضرب اليابان زلزال عنيف أعقبته موجات مد عاتية (تسونامي) وانصهار المفاعل النووي في منطقة توهوكو. وفي العام الماضي، ضرب اليابان إعصار هاغيبيس، الذي خلف دمارا واسعا وأوقع الكثير من القتلى. لكن البعض يرى أن هذه الشدائد والمِحن أسهمت في ترسيخ روح العزيمة في نفوس اليابانيين وعززت قدرتهم على الصمود في وجه الكوراث.
يقول جوشوا ووكر، الذي نشأ في اليابان ويتولى رئاسة المجتمع الياباني في مدينة نيويورك، إن اليابان نموذج يحتذى به في الصمود والمثابرة، كشأن دمية داروما التي لا تكاد تسقط حتى تستعيد توازنها وتقف مجددا.
وقد تذكرنا داروما بأننا مهما طرحتنا الأزمات والمصاعب أرضا، لابد أن نستجمع قوانا وننهض من جديد. ويلخص هذه الفكرة مثل ياباني يقول “إذا سقطت سبع مرات، يجب عليك أن تقف للثامنة”، ويغرس المجتمع الياباني في نفوس الأطفال الصبر والتحمل منذ الصغر.
وإذا مكثت وقتا طويلا في اليابان ستلاحظ كثرة المفردات التي تعبر عن الصمود والصبر والتحمل دون إبداء امتعاض في لغة الحياة اليومية. فكثيرا ما تجري على ألسنة اليابانيين كلمات من قبيل “شوغاناي” التي تعني “لا بأس” أو “الأمر خارج عن إرادتك” و”غنبارو” التي تعني “ابذل أقصى ما في وسعك”، وكلمة “المثابرة” ما يدل على أهمية الإصرار والعزيمة في المجتمع الياباني.
وقد تسمع هذه العبارات في المواقف العادية يوميا، فإذا فاتك القطار، على سبيل المثال، قد يقال لك “لا بأس”، وإذا كنت تنوي دخول اختبار، سيقال لك “ابذل أقصى ما في وسعك”. لكن هذه العبارات ارتبطت ببعض التجارب القاسية التي مرت بها اليابان.
ففي عام 1945، طالب الامبراطور هيروهيتو، الذي كان بمنزلة إله حي آنذاك، اليابانيين “بتحمل ما لا يُحتمل وأن يكابدوا ما لا يمكن لأحد مكابدته”، عندما كانت الدولة تستعد للاستسلام غير المشروط والانهيار الاقتصادي عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
وفي أعقاب زلزال وتسونامي 2011، أدهش اليابانيون المراقبين العالميين، حين كانوا يقفون بصبر وهدوء في طوابير منظمة أمام المتاجر ولم تنتشر أعمال السلب والنهب.
ونشرت مقالة في مارس/آذار 2011 في صحيفة “لوس أنجليس تايمز”، تحت عنوان “ضبط النفس الياباني يرتبط ارتباطا وثيقا بالصمود في وجه المحن”. وانتشر شعار “ابذل أقصى ما في وسعك” في الكثير من اللافتات في الأماكن العامة وعلى مواقع الإنترنت لحث سكان توهوكو على المثابرة.
لكن هذه الشعارات واجهت بعض الانتقادات، إذ ذكرت مقالة نشرت في صحيفة “إيكونوميست” عام 2011، تحت عنوان “تكميم الأفواة بالمثابرة”، أن هذه الشعارات التشجيعية تحض الشعب على الصبر والتحمل، بدلا من التطلع لمستقبل مشرق. وذكرت المقالة أن سكان توهوكو ضاقوا ذرعا بكلمات “تماسكوا واصبروا” لأنها تبدو كما لو كانت تطالبهم بتحمل المزيد.
وذكرت مقالة في صحيفة “التايمز” اليابانية، أن روح “التماسك” و”المثابرة” تشجع على التقبل السلبي للكوراث واللامبالاة.
لكن مجلة “تايم” ذكرت أن التسليم بالأمر الواقع الذي تنطوي عليه عبارة “الأمر خارج عن إرادتك”، لا يدل فقط على العجز أمام تقلبات الحياة ولكنه يحمل أيضا إصرارا هادئا على التغلب على الأمور التي خرجت عن السيطرة”.
ويقول دكتور ووكر إن اليابان تزيدها الشدائد قوة وعزما. وخير مثال على ذلك أن أعمال إعادة إعمار مدينة طوكيو في أعقاب زلزال 1923، ومرة أخرى بعد قصف القوات الجوية الأمريكية عام 1945، حولتها إلى مدينة متطورة.
وأعيد تصميم مدينة هيروشيما التي دمرتها الحرب لتصبح مدينة تذكارية للسلام تجسد ما أطلق عليه قانون إنشاء المدينة عام 1949، “البحث الصادق عن السلام الدائم والحقيقي”.
ويمثل زلزال كوبي منعطفا في المشاركة المدنية للشعب الياباني، إذ أدى إلى ترسيخ عادة التطوع بعد الكوارث. وفي أعقاب كارثة زلزال 2011 وانفجار مفاعل فوكوشيما، أقيمت مشروعات إعادة إعمار ومشروعات لتوليد الطاقة البديلة للطاقة النووية في محافظة فوكوشيما، وبإمكان السياح الذين يتوافدون على المنطقة رؤية هذه المشروعات على أرض الواقع.
وفي السنوات القليلة الماضية، شرعت حكومة فوكوشيما في الترويج لما أطلقت عليه “سياحة الأمل” التي تتيح للسياح معاينة المناطق التي تضررت من الكوارث ومقابلة السكان الذين ساهموا في رسم ملامح مستقبلها.
ويقول تيكهيرو أوكاموتو، أحد منظمي رحلات “سياحة الأمل”، إن المشاركين في الرحلات التي تُنظم إلى محافظة فوكوشيما لا يتعلمون دروسا من الزلزال وحادثة الانفجار النووي فحسب، بل أيضا من أعمال إعادة الإعمار والتغلب على المصاعب.
إذ يزور المشاركون الطريق المجاور لمحطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية ويتعرفون على الجهود التي تبذل لإخراج المحطة النووية من الخدمة، ويتحدثون إلى السكان في المنطقة. ويقول أوكاموتو إن الزوار يشاركون في ورش عمل حول مستقبل اليابان ويناقشون قضايا عن الطاقة والمجتمعات المحلية والنزعة الاستهلاكية.
ويقول أوكاموتو إن كارثة 2011 أشعلت احتجاجات شعبية، كانت من أكبر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ عقود، وطالب المحتجون بإعادة النظر في استخدام الطاقة النووية. ويقول أوكاموتو: “توقفت جميع محطات الطاقة النووية وزادت الاستثمارات في محطات الطاقة الشمسية”.
لكن في عام 2015، أعادت محطة سينداي للطاقة النووية في كيوشو تشغيل مفاعلاتها بعد توقف دام أربع سنوات. لكن حكومة فوكوشيما تأمل أن توفر جميع احتياجات المنطقة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2040.
ويرى أوكاموتو أن سياحة الأمل تساعد على تذكير الناس بآثار الكوارث، ويقول إن ذكرى الحوادث الأليمة تمحى من ذاكرة اليابانيين مع الوقت، وقد تسهم هذه الرحلات في إعادتها إلى أذهانهم وإثارة بعض القضايا من خلال التحدث إلى سكان هذه المناطق التي تأثرت بالكوارث.
وقد علمت هذه الكوارث اليابانيين الصبر والتعاون والاتحاد، لكنه يقول “نحن بطبيعتنا ننسى بسهولة، وقد نرتكب نفس الأخطاء مرة أخرى”.
ويقول ووكر إن اليابايين ينظرون للحياة نظرة فلسفية، مفادها أن الحياة تتضمن حتما كوراث وانتصارات تتجاوز حجم الفرد في دائرة الحياة، وربما يساعدنا هذا التفكير في التعامل مع الأزمة العالمية الحالية.
وكان من المقرر أن تنطلق شعلة دورة الألعاب الأوليمبية لعام 2020 من فوكوشيما، لترمز إلى تعافي المنطقة من الأحداث التي واجهتها في 2011، لكنها ألغيت بعد تأجيل الدورة الأولمبية. وربما لو أقيمت دورة الألعاب الأولمبية في عام 2021، قد يتحول التركيز إلى التعافي من الكارثة العالمية الحالية، أي وباء كورونا المستجد.
وبعد أن هدأت المخاوف من الإشعاعات، ساد العالم حالة من الرعب من مخلوق غير مرئي فرض علينا أوضاعا لم يجد معظمنا مفرا من تحملها، وربما نتطلع إلى عالم أفضل بعد انحساره. ولعل هذا يذكرنا بأن الشدائد جزء لا يتجزأ من الحياة.
وفي تاكاساكي، رُصت أكوام من دمى داروما في وقت فُرض على الكثيرين المكوث في المنازل. واللافت أن هذه الدمى الصغيرة تُطلى عادة باللون الأحمر لأنها كانت تستخدم في فترة إيدو- التي امتدت من 1603 إلى 1868- كتمائم لدرء مخاطر فيروس الجدري.