سعد القاسم
22 حزيران/ يونيو 2020
مع بدايات وباء كورونا في البلاد العربية عاد اسم عمواس ليتردد في بعض الكتابات بعد غياب أكثر من ألف وأربعمئة سنة. فبهذا الاسم يرتبط واحد من أشهر الأوبئة في تاريخنا القديم وهو طاعون عمواس، الذي تذكر بعض المصادر أنه حصد في السنة الثامنة عشر للهجرة حياة نحو ثلاثين ألفا من أهل الشام بينهم عدد كبير من الصحابة، في مقدمتهم أبو عبيدة بن الجراح أمير الشام آنذاك.
ترجع شهرة طاعون عمواس في الكتب التاريخية إلى الطريقة التي تعامل بها الخليفة عمر بن الخطاب مع الوباء، وهي من أوائل طرق تطبيق الحجر الصحي عن طريق عزل المناطق الموبوءة. فقد أمر بعدم الدخول الى هذه المناطق، وعدم خروج المصابين منها، وأوصى بالانتقال إلى الجبال بعيداً عن التجمعات لمنع تفشي الطاعون، ما أدى إلى تراجع حدة الوباء ثم زواله بعد بضعة أشهر.
عمواس اسم قرية فلسطينية يعني (الينابيع الحارة) وربما بسبب الينابيع المنتشرة حولها وأشهرها (بئر الحلوة) بجانب دير اللطرون. وهي قرية موغلة في القدم كشفت التنقيبات الأثرية عن تحصينات ضخمة فيها تعود إلى المرحلة المسماة بالفترة الهلنستية المتأخرة في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد ، ثم رممت مبانيها خلال العصر الروماني في القرن الأول الميلادي، وكان اسمها حينذاك (نيقوبوليس) أي مدينة النصر. و في مطلع القرن الماضي كانت عمواس تحتوي على آثار معمارية كثيرة منها كنيسة متهدمة، وهياكل فسيفساء، ومدافن قديمة، وقناة محفورة في الصخر، وبقايا حمام روماني، ومقامات وأضرحة مقدسة ينسب أحدها إلى الصحابي أبي عبيدة بن الجراح، فيما ينسب مقام (الشيخ معلّى) إلى الصحابي معاذ بن جبل، الذي كان بدوره ضحية طاعون عمواس. إضافة إلى مدرسة من معلم واحد.
ورد اسم عمواس (عماوس) في الإنجيل على أنها المكان الذى ظهر فيه السيد المسيح لأثنين من تلاميذه لأول مرة بعد صلبه وقيامته، وكان هذا الحدث موضوع واحدة من أشهر لوحات رائد عصر الباروك الفنان الإيطالي كارافاجيو، ولوحته التي تحمل اسم (العشاء في عماوس) تُصوِّر اللحظة التي يكشف فيها يسوع المُقام، لكن المتخفي، عن نفسه لاثنين من تلاميذه في بلدة عمواس يُفترض أنهم لوقا وكليوباس. وتنفرد هذه اللوحة عن لوحات وأيقونات السيد المسيح بأنها صورته دون لحية، ربما بوحي ما ورد في إنجيل مرقص «أن يسوع قد ظهر لهم في شكل آخر». وقد منح الحدث الإنجيلي البلدة شكلاً من القداسة وجعلها مقصداً لحجاج الأراضي المقدسة، (خاصة أنها تقع على مفترق طرق توصل بين مدن رئيسية هي: رام الله والرملة ويافا والقدس وغزة). ومن هؤلاء الحجاج الصحافي البريطاني مايكل آدمز وقد تحدث عنها في تقرير نشره عام 1968 في صحيفة الصنداي تايمز قال فيه:
«..وكانت الطريق التي نسير عليها هي طريق عمواس. ولكن عندما انطلقنا بالسيارة من بيت نوبا ووصلنا إلى المنحنى الذي تقع عمواس عليه، وجدنا أن عمواس قد اختفت وزالت من الوجود تماماً. كانت عمواس على خريطة الحج التي أحملها معي.. ولكنها لن توضع على أية خريطة تصدرها إسرائيل، لأن الإسرائيليين محوا كل أثر لها».
في العام 638 لولادة السيد المسيح ابتليت عمواس بواحد من أشهر الأوبئة في تاريخنا القديم. وبعد نحو الف وأربعمئة سنة عادت لتبتلي بطاعون آخر أشد فتكاً حين شتت جيش الاحتلال الصهيوني أهلها، وغيًب معالمها. إثر عدوان حزيران 1967. غير أنه كما زال الوباء القديم عن عمواس سيزول الوباء الجديد. و هذا الإيمان هو ما يدفع أهلها المبعدين عنها لإبقائها في الذاكرة عبر فعاليات لا تتوقف تؤكد حقهم الذي لم يتخلوا عنه في العودة إلى بلدتهم.
مهما طال الزمن..
* الصورة: عمواس في منتصف القرن الماضي- عن: مدونة وطن (سلسلة القرى الفلسطينية المهجرة)
http://thawra.sy/in…/saad_elkasem/236075-2020-06-22-11-43-13
طاعون عمواس
طاعون عمواس | |
---|---|
خريطة ولاية بلاد الشام وتقاسيمها الإدارية.
|
|
|
|
المرض | طاعون |
السلالة | يرسينيا طاعونية (مُحتمَل) |
التواريخ | 18 هـ أو 17 هـ – 639م |
المنشأ | عمواس |
المكان | بلاد الشام |
الوفيات | بين 25 إلى 30 ألفًا |
طاعون عَمْواس هو طاعون وقع في ولاية بلاد الشام الإسلامية التابعة للخلافة الراشدة في أيام خلافة عمر بن الخطاب سنة 18 هـ/639م بعد فتح بيت المقدس، وسُميت هذه السنة بعام الرمادة لما حدث بها من المجاعة في المدينة المنورة أيضًا. ويُعتبر هذا الطاعون أحد امتدادات طاعون جستنيان. وهو أول وباء يظهر في أراضي الدولة الإسلامية.
بدأ الطاعون في عمواس، وهي قرية قرب بيت المقدس، فسُمي “طاعون عمواس”،[1][2] ثم انتشر في بلاد الشام. وكان عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه»، فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة. حاول عمر بن الخطاب إخراج أبي عبيدة بن الجراح من الشام حتى لا يُصاب بالطاعون فطلبه إليه، لكن أبا عُبيدة أدرك مراده واعتذر عن الحضور حتى يبقى مع جنده، فبكى عمر. ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة، عقب المعارك التي حدثت في بلاد الشام، فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتلاهم، فإن عشرات آلاف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال من غير أن تُدفن، حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائمًا الوقت الكافي لدفن القتلى. واستمر هذا الطاعون شهرًا، مما أدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفًا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفًا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم: أبو عبيدة بن الجراح وقد دُفن في “عمتا” وهي قرية بغور بيسان، ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل.[2]:560 وقيل أن الطاعون أصاب البصرة أيضًا فمات به بشر كثير.
وبعد انحسار طاعون عمواس، خرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة متجهًا نحو بلاد الشام عن طريق أيلة. فلمّا وصلها قسّم الأرزاق وسمّى الشواتي والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس الحارثي على السواحل ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها. ثم قسم مواريث الذين ماتوا، بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث بسبب كثرة الموتى. وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون.[3]
يرتبط طاعون عمواس في كتب التراث الإسلامي مع الحديث النبوي التي يذكر فيه النبي محمد ست علامات من علامات الساعة الصغرى، أولها موت النبي محمد ثم فتح بيت المقدس ثم “مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ”، وهو ما فُسِّر بطاعون عمواس.
سبب التسمية
سُمَّي طاعون عمواس بهذا الاسم نسبةً إلى بلدة عَمْواس في جند فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، قال الزمخشري: «هي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس»، وقال المهلبي: «كورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب ، ثم فشا في أرض الشام؛ فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة ، ومن غيرهم.».[4] وقال أبو العباس الفيومي: «عَمَوَاسُ بِالْفَتْحِ بَلْدَةٌ بِالشَّأْمِ بِقُرْبِ الْقُدْسِ وَكَانَتْ قَدِيمًا مَدِينَةً عَظِيمَةً».[5] فأغلب العلماء والمؤرخين ينسبون الطاعون إلى اسم بلدة عمواس، بينما ذكر أبو عبيد الله البكري في كتابه معجم ما استعجم قولًا آخر فقال: “وقيل: إِنّمَا سُمِّيَ طاعُونَ عَمَواس لأَنّه عَمَّ وآسَى: أَي جَعَلَ بعضَ الناسِ أُسْوَةَ بعضٍ”.[6] فُتحت بلدة عمواس في خلافة أبي بكر الصديق، على يد عمرو بن العاص سنة 13 هـ تقريبًا.[7] ويُذكر أن المسلمين اتخذوا قرية عمواس كمقدمة للجيوش التي حاصرت بيت المقدس، وظلّت موضعًا للمسلمين حتى بناء عبد الملك بن مروان لمدينة الرملة.[8]
خلفيَّة
الطاعون طبيًّا
- مقالة مفصلة: طاعون
الطاعون هو مرضٌ معدٍ تسببه أمعائيات يرسينيا طاعونية (الاسم العلمي: Yersinia pestis)، وهي بكتيريا عصوية-الشكل سلبية الغرام غيرُ متحركةٍ [الإنجليزية] عصورةٌ [الإنجليزية] غير بُوغيةٍ، وهي لاهوائيةٌ اختيارية.[ْ 1] تحدث أعراضٌ متنوعةٌ للطاعون، وتتضمن حمى وصداع وضعف عام، وعادةً ما يبدأ ظهور الأعراض بعد يوم إلى سبعة أيام من التعرض لمسبب المرض.[ْ 2] يُحتمل أنَّ طاعون عمواس كان طاعونًا دمليًا،[ْ 3] وذلك على الرغم من أنَّ المصادر لم تذكر أي أعراضٍ محددةٍ للمرض.[ْ 4] ولكنَّ الطاعون الدملي يؤدي عمومًا إلى توّرمٍ في العقد الليمفاوية. ينتشر الطاعون الدملي عمومًا عبر لدغات البراغيث أو التعامل مع حيوان مصاب،[ْ 5] ويكون التشخيص عادةً عن طريق العثور على البكتيريا في السوائل من العقدة الليمفاوية أو الدم أو البلغم.[ْ 6]
نبوءته في الحديث النبوي
عند الحديث عن طاعون عمواس في كتب التراث الإسلامي يُربط دائمًا بينه وبين الحديث النبوي الذي جاء في العديد من كتب الحديث ورواه البخاري في صحيحه من حديث الصحابي عوف بن مالك أن النبي محمداً ذكر ست علامات من علامات الساعة الصغرى بترتيب زمني تحدث بين عصر النبي وبين قيام الساعة،[9][10][11][12] فيقول عوف بن مالك: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا».[13]
فكان شرح الحديث عند علماء المسلمين أن العلامات الستة أولها موت النبي محمد، وهو ما حدث في 11 هـ، ثم فتح بيت المقدس، وهو ما حدث في 15 هـ، ثم تلاه موت ينتشر بين المسلمين كَقُعَاصِ الْغَنَمِ،[هامش 1] وهو ما حدث في طاعون عمواس والمجاعة التي حدثت في عام الرمادة سنة 18 هـ، ثم استفاضة المال وهو ما حدث بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية،[14] خاصةً استفاضة المال بين عوام الناس بسبب الإصلاحات في زمن عمر بن عبد العزيز، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، وهي ما يعتقد بعض الشُرَّاح أنها فتنة مقتل عثمان. قال ابن حجر: “وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ظَهَرَتْ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.[15] وقال الزمخشري: «إنَّ هَذِه الآفَة ظَهرت فِي طَاعُون عمواس في خِلافة عُمر فَمَات مِنها سَبعون ألفًا في ثلاثة أيامٍ وَكَان ذَلك بَعد فَتْح بيتِ المَقْدِس».[16]
أصل الطاعون
يعتبر طاعون عمواس أحد امتدادات طاعون جستنيان الذي ظهر في 541-542م، وظل يتكرر عدة مرات في القرن السادس والسابع الميلادي حتى 750م.[ْ 7] ظهر في البداية كوباء أصاب الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية) وخاصة عاصمتها القسطنطينية، وكذلك الإمبراطورية الساسانية والمدن الساحلية حول البحر الأبيض المتوسط بأكمله،[ْ 8] حيث كانت السفن التجارية تؤوي الفئران التي تحمل البراغيث المصابة بالطاعون. يعتقد بعض المؤرخين أن طاعون جستنيان كان أحد أكثر الأوبئة فتكًا في التاريخ، وأنه أدى إلى وفاة ما يقدر بنحو 25-50 مليون شخص خلال قرنين، وهو ما يعادل 13-26% من سكان العالم في وقت تفشي المرض لأول مرة.[ْ 9][ْ 10] قورن التأثير الاجتماعي والثقافي للطاعون بتأثير الموت الأسود الذي دمر أوراسيا في القرن الرابع عشر،[ْ 11] ويُعتقد أن سببه هو اليرسينيا الطاعونية، وهي نفس البكتيريا المسؤولة عن الموت الأسود (1347-1351).[ْ 12][ْ 13] كان الأخير أقصر بكثير، لكنه مع ذلك قتل ما يقدر بنحو ثلث إلى نصف الأوروبيين. عُثِر على سلالات يرسينيا طاعونية قديمة وحديثة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلف سلالة طاعون جستنيان في جبال تيان شان، وهي سلاسل جبلية على حدود قيرغيزستان وكازاخستان والصين، مما يشير إلى أن طاعون جستنيان قد نشأ في تلك المنطقة أو بالقرب منها.[ْ 14][ْ 15] وتكرر ظهوره بشكل دوري حتى القرن الثامن الميلادي.[ْ 16]
فتح عمواس وبيت المقدس
خلال الفتح الإسلامي للشام، توجَّه عمرو بن العاص في خلافة أبي بكر الصديق، وفتح العديد من البلدان في الشام منها بلدة عَمَوَاسُ،[7] وبعد تولي عمر بن الخطاب الخلافة بعث أبا عبيدة بن الجراح لفتح بيت المقدس، وتسلَّم أبو عُبيدة فور وُصوله قيادة القُوَّات الإسلاميَّة، وارتفعت معنويَّات الجُند، وسقطت المُدن المُحيطة ببيت المقدس، وانسحب الأرطبون مُستخفيًا في قُوَّة من الجُند إلى مصر. وتسلَّم بطريرك المدينة العجوز صفرونيوس مقاليد الأُمور، فعرض عليه أبو عُبيدة الإسلام أو الجزية أو الحرب.[17] فاختار البطريرك استسلام المدينة على أن يُسلِّمها لِعُمر شخصيًّا، وأتى عُمر إلى بيت المقدس وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم وأموالهم وبيوتهم وكنائسهم وأديرتهم وجميع دور عبادتهم وهو ما يُعرف بالعهدة العمرية.[18] سار يزيد بن أبي سفيان بصُحبة أخيه معاوية إلى قيسارية بناءً على أمر عُمر، فضربا الحصار عليها، وأثناء ذلك أُصيب يزيد بالطاعون، فاستخلف عليها مُعاوية وعاد هو إلى دمشق.[19]
الرواية التاريخية
انتشار الطاعون في بلاد الشام
ذكر أغلب المؤرخين أن طاعون عمواس كان في سنة 18 هـ الموافق 639م، وقيل أنه كان سنة 17 هـ، وقيل بينهما، قال أحمد بن حنبل: «كان طاعون عمواس سنة ثمانية عشر»، وقال أبو زرعة الرازي:«كان طاعون عمواس سنة سبعة عشر أو ثمانية عشر، وفي سنة سبع عشر خرج عمر إلى سَرْغ».[20] وذكر سيف بن عمر أن طاعون عمواس جاء مرتين، فقال:«لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما، وطال مكثه، وفني خلق كثير من الناس، حتى طمع العدو، وتخوفت قلوب المسلمين لذلك».[21] فذكروا أنَّه وقع في 17 هـ/638، ثم ارتفع عن الناس، ثم عاد أشد مما كان في 18 هـ/639، أي ضرب الشام دفعتين متتاليتين.[22] وكان بدء الطاعون في بلدة عمواس،[1] ثم انتشر في ولاية بلاد الشام الإسلامية التابعة للخلافة الراشدة، وكان أمير أجناد الشام أبا عبيدة بن الجراح.[21]
كان عمر بن الخطاب حينئذٍ ببلدة تُسمى سَرْغ،[هامش 2] وكان يهم بدخول الشام وقتها، فلقيه أمراءُ الأجناد؛ أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر: «ادعُ لي المهاجرين الأوَّلين»، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام، فاختلفوا فقال بعضهم: «قد خرجتَ لأمر ولا نرجع أن ترجع عنه»، وقال بعضهم: «معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء»، فقال: «ارتفعوا عني»، ثم قال:«ادعوا لي الأنصار»، فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: «ارتفعوا عني»، ثم قال:«ادعُ لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح»، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا:«نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء»، فنادى عمر في الناس: «إني مُصبّح على ظهْر فأصبحوا عليه»، قال أبو عبيدة بن الجراح: «أفراراً من قدرِ الله؟»، فقال عمر: «لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟»، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيِّباً في بعض حاجته، فقال:إن عندي في هذا علماً، سمعتُ رسول الله يقول:«إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِراراً منه»، فحمد عمرُ اللهَ، ثم انصرف.[23]
وقد حاول عمر بعدها أن يُخرج أبا عبيدة من الشام، فكتب إلى أبي عبيدة كتابًا يطلب منه أن يأتي إليه في المدينة، قال فيه: «أن سلامٌ عليك، أما بعد: فإنه قد عُرِضَتْ لي حاجةٌ أريد أن أُشافِهَك فيها، فعزمتُ عليك إذا نظرت في كتابي ألا تضعه من يدك حتى تُقبِل إليَّ»، فعَرف أبو عبيدة إنما أراد أن يستخرجه من الوباء، فقال: «يغفرُ الله لأمير المؤمنين»، ثم كتب إليه: «يا أمير المؤمنين، إني قد عرفتُ حاجتك إليَّ، وإني في جُند من المسلمين، لا أجدُ بنفسي رغبةً عنهم، فلستُ أريد فراقَهم حتى يقضيَ الله فيَّ وفيهم أمرَه وقضاءه، فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي»، فلما قرأ عمرُ الكتاب بكى. فقال الناس: «يا أمير المؤمنين! أمات أبو عبيدة؟» قال: «لا، وكأن قد».[24][25]
وروى الطبري أنه لمَّا اشتد الطاعون قام أبو عبيدة في الناس خطيباً فقال: «أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يَقسم له منه حظَّه»،[26] ثم كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة فيما بعد أن يرتحل بالمسلمين من الأرض الغَمِقَة التي تكثر فيها المياه والمستنقعات إلى أرض نَزِهَةٍ عالية، قال عمر: «أما بعد، فإنك قد أنزلت الناسَ أرضاً غمقة فارفعهم إلى أرضٍ مرتفعة نزهة»، فلما أتاه كتابه دعا أبا موسى الأشعري فقال: «يا أبا موسى، إن كتاب أمير المؤمنين قد جاء بما ترى، فاخرج فارتَدْ للناس منزلاً حتى أَتْبَعَك بهم»، فرجع أبو موسى إلى منزله فوجد زوجته قد أُصيبت بالوباء، فرجع أبو موسى إلى أبي عبيدة وقال له: «والله لقد كان في أهلي حدثٌ»، فقال أبو عبيدة: «لعل صاحبتك أصيبت»، قال أبو موسى: «نعم»، فأمر أبو عبيدة ببعيره فرُحِلَ له، فلما وضع رجله في غرزه أُصيب أبو عبيدة بالطاعون، وقال: «والله لقد أُصبتُ»، ثم سار بالناس حتى نزل الجابية.[27][28] وعن سعيد المقبري قال: لما أصيب أبو عبيدة قالوا لمعاذ بن جبل: «صلِّ بالناس»، فصلى معاذ بهم، ثم خطب فقال: «أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذ يسأل الله تعالى أن يقسم لآل معاذ منه حظهم».[29] ثم أُصيب عبد الرحمن بن معاذ بن جبل بالطاعون، وبعده أُصيب معاذ بن جبل.[21]
وروى ابن المبارك عن الحارث بن عميرة أنه قَالَ: أخذ بيدي معاذ بن جبل، فأرسله إِلَى أبي عبيدة، فسأله كيف هو؟ وقد طُعِنَّا، فأراه أبو عبيدة طعنة خرجت في كَفِّه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم أبو عبيدة بالله: مَا يحب أن لَهُ مكانها حمر النعم.[30] وروى الذهبي: أنَّ وَجَعَ عمواس كان معافىً منه أبو عبيدة وأهله، فقال: «اللهم نصيبَك في آل أبي عبيدة»، فخرجتْ بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: «إنها ليست بشيء»، فقال: «أرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيراً».[31]
ولمّا مات معاذ بن جبل استخلف أبو عبيدة على الشام عمرو بن العاص، فقام عمرو في الناس خطيبا،[21] فقال: «أيها الناس، هذا الطاعون رجس، فتفرَّقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية»، فقال شرحبيل بن حسنة: «صحبتُ رسول الله وعمروٌ أضلُّ من حمار أهْله، ولكنه رحمةُ ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم»، يشير شرحبيلُ إلى حديث نبويّ بمعنى ما قال.[32] وفي تاريخ الطبري أن الذي رادَّ عَمْراً هو أبو وائلة الهذلي، وأن عَمْراً قال: «والله ما أردُّ عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه»، ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورُفع الطاعون عنهم، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فاستحسنه.[33] ونُقل عن أبي موسى أنه قال: «إن هذا الطاعون قد وقع، فمن أراد أن يتنزَّه عنه فليفعل».[34][35]
ثم مات أبو عبيدة بن الجراح، وكذلك مات يزيد بن أبي سفيان الذي كان ذاهبًا مع أخيه معاوية إلى قيسارية لحصارها قبل انتشار الطاعون، وأثناء ذلك أُصيب يزيد بالطاعون، فاستخلف عليها مُعاوية وعاد هو إلى دمشق، فمات هناك. ووصل إلى عمر خبر وفاة أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان، أمَّر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وأمَّر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها.[21]
في البصرة
ذكر سيف بن عمر أن الطاعون ظهر في البصرة في ذات السنة، ومات به خلق كثير.[21] وقال الطبري: “أصاب البصرة من ذلك موت ذريع”،[36] وروى في ذلك قصة عن رجل من بني تميم، فقال: أمر رجل من بني تميم غلامًا له أعجميّا أن يحمل ابنًا له صغيرًا ليس له ولد غيره على حمار، ثم يسوق به إلى سفوان، حتى يلحقه. فخرج في آخر الليل ثم اتّبعه، وقد أشرف على سفوان، ودنا من ابنه وغلامه، فرفع الغلام عقيرته يقول:[36]
لن يعجزوا الله على حمار | ولا على ذي غرّة مطار | |
قد يصبح الموت أمام الساري |
فسكت حتى انتهى إليهم، فإذا هم هم، قال: ويحك، ما قلت! قال: ما أدري، قال: ارجع، فرجع بابنه، وعلم أنه قد أسمع آية وأريها. قال: وعزم رجل على الخروج إلى أرض بها الطاعون فتردد بعد ما طعن، فإذا غلام له أعجمي يحدو به:[36]
يا أيّها المشعر همّا لا تهمّ | إنّك إن تكتب لك الحمّى تحمّ |
انتهاء الطاعون ووصول عمر
بعد خطبة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري ونصيحتهم الناس أن يتفرقوا إلى الشعاب والأودية؛ زال الطاعون.[21][33][35] ولكن كانت حالة المسلمين وجيوشهم في وضع قلق، بسبب كثرة الوفيات بين المسلمين، حتى اختار الناس في المواريث من كثير الموتى، وكذلك طمع أعداء المسلمين في الكر عليهم، واستغلال انشغالهم بالوباء. لذلك قرر عمر أن يذهب إلى الشام بنفسه عن طريق أيلة بعد أن انقضى الطاعون.[21] يقول ابن كثير الدمشقي عن قدوم عمر إلى الشام: «طابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة.». وكان أول ما فعل فور قدومه للشام أن قسَّم مواريث الذين ماتوا لما أشكل أمرها على الأمراء، كما إنه قسّم الأرزاق وسمّى الشواتي والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس الحارثي على السواحل،[3] ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها،[37] وشرحبيل بن حسنة على جند الأردن، وقيل أن شرحبيل توفى في الطاعون، وأن عمر عزله عن ولاية الأردن قبل وفاته، وولى مكانه معاوية الولاية العامة للشام؛[38] فقال له شرحبيل: «يا أمير المؤمنين، أعجزتُ أم خنتُ؟ قال: لم تعجزْ ولم تخن، قال: فلم عزلتني؟ قال: تحرجت أن أؤمرك وأنا أجد أكفأ منك. قال: فاعذرني يا أمير المؤمنين في الناس، قال: سأفعل، ولو علمت غير ذلك لم أفعل، فقام عمر فعذره».[39]
ذكر سيف بن عمر أن قدوم عمر بن الخطاب كان في آخر سنة 17 هـ – وهو رأي من يقول بأن الطاعون كان سنة 17 هـ على خلاف المشهور -، وأنه لمَّا أراد القفول إلى المدينة في ذي الحجة منها، خطب في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأنا لكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم، وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانمكم. فمن علم منكم شيئا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.». ولمًا جاء وقت الصلاة، قال الناس: لو أمرت بلالًا فأذن؟ فأمره فأذن، يقول سيف: «فلم يبق أحد كان أدرك رسول الله وبلال يؤذن إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره.». وكانت هذه السنة هي آخر قدوم لعمر إلى الشام.[21]
عدد وفيات المسلمين
اختلف المؤرخون في أعداد الموتى في الطاعون ما بين خمسة وعشرين ألفًا إلى ثلاثين ألفًا. قال الواقدي: توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفًا”، وقيل: “ثلاثون ألفًا”،[40][41] بينما قال الزمخشري قولًا شاذًا لم يرد عند غيره فقال: “إن هذه الآفة ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر فمات منها سبعون ألفا في ثلاثة أيام”.[16] وقد مات عدد كبير من الصحابة في هذا الطاعون أشهرهم أمير أجناد الشام أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وزوجتيه وابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وضرار بن الأزور، وأبو جندل بن سهيل وأبو مالك الأشعري، وقيل الحارث بن هشام،[هامش 3] وقيل شرحبيل بن حسنة أيضًا وغيرهم.[42] وذُكِرَ أن الحارث بن هشام بن المغيرة خرج في سبعين من أهله إلى الشام، فلم يرجع منهم إلا أربعة، فقال المهاجر بن خالد في ذلك:[21]
من يسكن الشام يعرس به | والشام إن لم يفننا كارب | |
أفنى بني ريطة فرسانهم | عشرون لم يقصص لهم شارب | |
ومن بني أعمامهم مثلهم | لمثل هذا يعجب العاجب | |
طعنا وطاعونا مناياهم | ذلك ما خط لنا الكاتب |
ما تلاه من الطواعين
كان طاعون عمواس أول وباء يقع في أراضي الدولة الإسلامية، ويُوبأ به المُسلمون، واختلفوا في زمنه بالنسبة لطاعون شيرويه بن كسرى في العراق، فقيل أن بينهما مدة طويلة، وقيل أن طاعون شيرويه بن كسرى حدث في نفس زمن طاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب،[43] وقيل أنه حدث 5 هـ/626م في عهد النبي وقبل الفتح الإسلامي لهذه البلاد، وبعده طاعون عمواس سنة 18 هـ/639،[22] فأحيانًا يُوصف طاعون شيرويه بن كسرى بأنه أول طاعون في الإسلام – أي أول طاعون بعد ظهور الإسلام – لكنه لم يُصيب المسلمين بشكل مباشر حسب هذا القول.[44]
تبع ذلك عدد من الطواعين في ظل الدولة الإسلامية، فظهر طاعون الجارف في زمن عبد الله بن الزبير سنة 69 هـ/688م في البصرة، ثم انتشر وباء في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي وخلافة عبد الملك بن مروان؛ عُرف بطاعون الفتيات؛ لأنه بدأ بالعذارى والجواري بالبصرة ثم الكوفة وواسط سنة 87 هـ/705م، ثم طاعون عدي بن أرطأة سنة 100 هـ/718م، ثم طاعون غراب سنة 127 هـ في ولاية الوليد بن يزيد، ثم طاعون سلم بن قتيبة سنة 131 هـ/748م بالعراق، وقال أهل التاريخ: لم يقع في مكة والمدينة المنورة طاعون منهم قط.[43] قال أبو الحسن المدائني: «الطواعين الكبرى في الإسلام بخمسة فحسب، هي: طاعون شيرويه، ثم طاعون عمواس، ثم طاعون ابن الزبير، ثم طاعون الفتيات، ثم طاعون مسلم بن قتيبة، الذي أطلق عليه “الطاعون العظيم”».[22]
الحادثة في الفقه الإسلامي
يُعرَّف فقهاء المسلمين الطاعون بأنه: «قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ فَتَكُونُ فِي الْمَرَافِقِ أَوِ الْآبَاطِ أَوِ الْأَيْدِي أو الأصابع وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَيَكُونُ مَعَهُ وَرَمٌ وَأَلَمٌ شَدِيدٌ».[45] ويُفرَّق الفقهاء بين الطاعون والوباء، قال القاضي عياض: «أَصْلُ الطَّاعُونِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ فِي الْجَسَدِ، وَالْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ، فَسُمِّيَتْ طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا.»، وكذلك ذكر ابن حجر العسقلاني،[46] وقال النووي: «والطاعون مرض معروف، هو بثر وورم مؤلم جدًا، يخرج مع لهب، ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء، ويخرج في المراقّ والآباط، غالبًا، والأيدي والأصابع وسائر الجسد».[46][47] لذلك يعتبر الفقهاء الطاعون أخص من الوباء، وله أحكام تخصه مختلفة عن أحكام الوباء في الفقه الإسلامي.[48] فقد فرَّق العلماء بين الوباء والطاعون، فعدوا الطاعون وباءً وليس العكس، حيث إن الطواعين في الغالب غير معلومة المصدر بينما يكون مصدر الوباء بشكل عام معروفاً.[49]
يرد في الأحاديث النبوية أن الأمة الإسلامية لا تفنى بأعدائها إنما تفنى بالطعن والطاعون، فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَفْنَى أُمَّتِي إِلَّا بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ»، وجاء في الحديث أن الطاعون رحمة للمؤمنين وعذاب للكافرين،[45] فعن النبي محمد أنه قال: «أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي وَرَحْمَةٌ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ.» وأن من مات من المؤمنين بالطاعون له مثل أجر الشهيد،[50][51] فعن عائشة أن النبي قال: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ.»[52]
وقد استدل الفقهاء بطاعون عمواس وحادثة عدم دخول عمر إلى بلاد الشام، واستنبطوا منها الأحكام الفقهية، ومنها عدم الخروج من الأرض التي وقع بها الطاعون أو الدخول فيها، لما في ذلك من التعرض للبلاء. خاصةً الاستدلال بالحديث الذي ذكره عبد الرحمن بن عوف: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه»، وبقول عمر لأبي عبيدة: «نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله». يقول السيد سابق في كتابه فقه السنة مبينًا سبب النهي عن الخروج أو الدخول لبلد الطاعون: «حتى يمكن حصر المرض في دائرة محددة، ومنعا لانتشار الوباء وهو ما يعبر عنه بالحجر الصحي.»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Plague of Amwas
Jump to navigationJump to search
The plague of Amwas (Arabic: طاعون عمواس, romanized: ṭāʿūn ʿAmwās), also spelled plague of Emmaus, was a bubonic plague epidemic that afflicted Islamic Syria in 638–639, toward the end of the Muslim conquest of the region. It was likely a reemergence of the mid-6th-century Plague of Justinian. Called after Amwas in Palestine, the principal camp of the Muslim Arab army, the plague killed up to 25,000 soldiers and their relatives, including most of the army’s high command, and caused considerable loss of life and displacement among the indigenous Christians of Syria. The appointment of Mu’awiya ibn Abi Sufyan to the governorship of Syria in the wake of the commanders’ deaths paved the way for his establishment of the Umayyad Caliphate in 661, while recurrences of the disease may have contributed to the Umayyad dynasty‘s downfall in 750. Depopulation in the Syrian countryside may have been a factor in the resettlement of the land by the Arabs unlike in other conquered regions where the Arabs largely secluded themselves to new garrison cities.
The plague of Amwas received more attention in the Arabic sources than any other epidemic until the 14th-century Black Death. Traditional narratives about reactions to the plague of Amwas by Caliph Umar and his top commander Abu Ubayda ibn al-Jarrah informed medieval Muslim theological responses to epidemics, including the Black Death. Principles derived from the narratives were cited in debates about predestination and free will, prohibitions on fleeing or entering plague-affected lands and contagion.
Origins and political setting
The plague of Amwas (ta’un Amwas in Arabic) was likely a bubonic plague epidemic,[1] though the sources do not elaborate on specific symptoms of the disease.[2] It was the second recorded plague of the Islamic era, which began in the 620s, and the first to directly afflict the Muslims.[3] It was likely a reemergence of the Plague of Justinian,[4] which originated in Pelusium (near modern Suez) in 541 CE and spread west to Alexandria and east to Palestine before reaching the Byzantine capital Constantinople in 541–542 and afflicting the rest of Europe and the Sasanian Empire, as noted by the Byzantine historian Procopius (d. c. 570).[5] The Plague of Justinian recurred in at least nine to twelve cycles throughout the mid-6th century and the 7th century.[6]
The first caliph (head of the Muslim community) Abu Bakr (r. 632–634) dispatched four armies from Medina led respectively by Amr ibn al-As, Yazid ibn Abi Sufyan, Shurahbil ibn Hasana and Abu Ubayda ibn al-Jarrah to conquer Byzantine Syria[7] (Abu Ubayda may not have been dispatched until after the accession of Abu Bakr’s successor Caliph Umar in mid-634).[8] Amwas, the Arabic name for Emmaus-Nicopolis, had been a fortified Roman army camp in the 1st century CE, which grew into a small city by the early 3rd century.[9] It was captured by the Muslims from the Byzantines following the Battle of Ajnadayn in 634 or the Battle of Yarmouk in 636.[9] At the onset of the plague, the site served as the principal camp of the Arab Muslim troops in Syria where spoils were divided and soldiers paid.[9][10]
Chronology
The plague of Amwas occurred in the Islamic calendar years of 17 AH/638 CE and/or 18 AH/639 CE.[11] According to the 8th-century historian Sayf ibn Umar, it struck in Muharram–Safar 17 AH/January–February 638, then dissipated before returning once more and inflicting numerous deaths “to the advantage of the enemy [the Byzantines].”[11] Al-Suyuti (d. 1505) holds the plague had reemerged not long after its initial outbreak, which Dols suggests “accounts for the two dates [638 and 639]”.[11]
The plague struck at some point during a nine-month drought in Syria referred to by the Arabs as the ‘Year of the Ashes’.[12] Widespread famine in Syria–Palestine possibly set the stage for the plague due to weakened immune resistance and the stockpiling of food reserves in towns and villages, which could attract plague-infected rodents and bring them into contact with the human population, according to Dols.[11] It spread across Syria and also affected Iraq and Egypt,[11] before subsiding in Shawwal 18 AH/ October 639.[13]
Consequences
Response and immediate impact
According to one of the main narratives of the Islamic traditional sources, Umar, intending to prevent the illness and death of his top commander Abu Ubayda, summoned the latter to Medina; Abu Ubayda, aware of Umar’s intent, refused to abandon his men.[14] Umar subsequently embarked for Syria to assess the situation, meeting with the army leaders at a desert way-stop called Sargh (thirteen days’ march north of Medina).[14][15] His first consultations were with leaders from the Muhajirun and Ansar factions, collectively the earliest Muslim converts and elite of the nascent Muslim state, who argued against fleeing the plague-affected areas.[14][16] Disagreeing with their recommendations, he next consulted the leaders of the later converts from the Quraysh, the tribe to which the Islamic prophet Muhammad and the caliphs belonged, who proposed that the army should withdraw from the area of the epidemic, which Umar accepted.[14][16] Abu Ubayda protested the army’s withdrawal on the basis of a purported prohibition by Muhammad on Muslims fleeing or entering a plague-affected land.[14] Umar retorted that a person would naturally choose the green side of a valley rather than the barren side, but regardless of the person’s decision it would be God’s will.[14] This narrative was used by medieval Muslim scholars as a precedent justifying flight from an epidemic.[14] The summit at Sargh concluded with Umar ordering Abu Ubdaya to lead the army to healthier grounds and the caliph’s return to Medina.[14]
Abu Ubayda moved to encamp the army at the old Ghassanid capital of Jabiya in the highland region of the Hauran.[17][18] Due to its healthy climate, Jabiya effectively acted as a sanatorium for plague-stricken troops and the center for the distribution of war spoils.[17] On the way there, in 639, Abu Ubayda succumbed to the plague.[19] His successor Mu’adh ibn Jabal and two of Mu’adh’s wives and son (or his entire family) died immediately after,[20][21] followed by Mu’adh’s successor Yazid ibn Abi Sufyan.[18] Shurahbil also died from the plague.[22] Among the other prominent Muslims and companions of Muhammad in the army to succumb were Suhayl ibn Amr, Suhayl’s son Abu Jandal, al-Fadl ibn Abbas, al-Harith ibn Hisham,[22] and many of al-Harith’s seventy family members who had settled in Syria.[23] Amr ibn al-As is credited for leading the surviving Muslim troops to Jabiya.[24] In December 639, he embarked on the conquest of Egypt, either with Umar’s reluctant sanction or without the caliph’s authorization.[25][26]
The Islamic traditional accounts maintain between 20,000 and 25,000 Muslim soldiers in Syria and their family members died in the plague.[9][11] By 639, 4,000 Muslim troops were left in Jabiya out of some 24,000 in 637, though the modern historian Fred Donner notes that it is unclear how many of the missing troops had died or had temporarily fled and returned to Syria eventually.[27]
The plague caused substantial loss of life among the local Christian population in Syria.[28] It also resulted in price rises and hoarding, prompting Umar to prohibit hoarding.[29] According to al-Tabari (d. 923), after returning to Medina from Sargh, Umar informed his advisers of his intention to visit his troops in Syria–Palestine and assess the chaos wrought by the plague. During his purported visit in 639, he gave directions on the disposition of the estates of the Muslims who died in the epidemic and settled suspicious claims by some of the troops.[18]
Long-term political and societal effects
As a result of the deaths of his top commanders in Syria, Umar appointed Yazid’s brother and deputy, Mu’awiya ibn Abi Sufyan, commander of the army there, ultimately laying the foundation for the establishment of the Syria-centered Umayyad Caliphate by Mu’awiya in 661.[18] The historian Wilferd Madelung surmises that the plague in Syria had precluded Umar from deploying commanders more preferable to him from Medina and he thus appointed Mu’awiya in lieu of a suitable alternative.[30] The losses among the Muslim troops in Syria caused by the Amwas plague contributed to Mu’awiya’s heavy military reliance on older-established, formerly Byzantine-allied and Christian Arab tribes in Syria, particularly the Banu Kalb, who had largely stayed neutral during the fighting between the Muslims and the Byzantines in Syria during the 630s.[31]
The heavy toll on the indigenous Christian population and increased emigration from Syria as a result of the plague of Amwas may have been a contributing factor in the increased settlement of Syria by the Arabs and their penetration of local society during Umayyad rule (640s–750).[32] According to the historian Lawrence Conrad, the Arabs, relying on revenue from the poll tax collected from the non-Arabs in the conquered regions, may not have intended to settle Syria, but were forced to repopulate the deserted countryside in the aftermath of the plague.[32] The policy of settling Arab tribesmen on the land proved exceptional; in other conquered areas, such as Iraq, early Arab settlement was mostly confined to newly-built garrison cities.[32]
Amwas was replaced as the Arabs’ headquarters in Palestine first by Lydda and/or Jerusalem, followed by Ramla, which was founded by the Umayyad caliph Sulayman ibn Abd al-Malik in the early 8th century.[9][33] As late as the 1870s a well in the village of Amwas bore the name bir al-ta’un (well of the plague).[34] Jabiya remained the Arabs’ principal military camp in Syria until the reign of Sulayman.[17]
Recurrences
There were recurrences of the plague in Syria–Palestine about every decade between 688/89 and 744/45.[35] “The Umaiyad [sic] dynasty was literally plagued by this disease”, in the words of Dols.[36] The deaths of the Umayyad caliphs Mu’awiya II (r. 683–684), Marwan I (r. 684–685), Abd al-Malik (r. 685–705), Sulayman (r. 715–717) and the Umayyad governors in Iraq al-Mughira ibn Shu’ba (r. 661–671) and Ziyad ibn Abihi (r. 685–673) may all possibly have been caused by the plague epidemics in Syria and Iraq.[37][21] The caliphs routinely withdrew from the cities to their desert palaces when the plague emerged during the summer months.[36] Notable among them was Caliph Hisham (r. 724–743), who preferred his palace at Rusafa over Damascus because he viewed the latter to be unhealthy.[38]
Dols speculates that the frequent recurrences may have consistently undercut natural population growth in Syria–Palestine, the center of the Umayyad Caliphate, and weakened Umayyad power.[35] Concurrently, Arab tribal migrations into the far eastern province of Khurasan, which was apparently spared from the plague epidemics, may have led to the lopsided growth and predominance of the eastern half of the Caliphate and the rise of the Abbasid Movement there, which ultimately toppled the Umayyads in 750.[35] In the view of Conrad, by the end of these plague cycles, the Umayyads has lost practical control of the eastern Caliphate and “it is tempting to view the interminable plagues of the last years of the dynasty as an important factor in the victory of the Abbasid revolution”.[39]
Theological interpretations
Modern historians concur that the actual circumstances of the plague of Amwas are not reconstructable and largely focus on the descriptions of the event in the 8th–10th-century Islamic histories and collections of hadith (traditions and sayings of Muhammad) in the context of theological debates on predestination, the status of Muslim sinners, and contagion.[20] The plague of Amwas received more attention in medieval Arabic literature than any other epidemic until the 14th-century Black Death.[40] Representations of the plague by the sources were “varied and contradictory”, according to the historian Justin K. Stearns.[20] The narratives of the response to the plague by Muhammad’s companions Umar, Abu Ubayda, Amr and Mu’adh informed Muslim religious and legal interpretations of plague throughout the Middle Ages, including the response to the Black Death.[14][20]
Medieval Muslim scholars derived three principals from the contemporary reactions to the plague of Amwas: the first was that the plague was a form of divine mercy or martyrdom for the Muslim faithful and a punishment to non-believers; the second was the prohibition on Muslims entering or fleeing plague-stricken lands; and the third was the plague was not a contagion, rather it was directly imposed by God.[14] The tenets consistently caused theological disagreements throughout the epidemic recurrences of the Middle Ages as a result of the difficulty in accepting plague as divine mercy or punishment and observable contagion.[14]
In the assessment of Dols, native Christian and Jewish attitudes and natural human anxieties likely influenced aspects of the first principle, namely that plague represented divine punishment or warnings. Muslims in this camp related the plague to lax morals among the Muslim troops in Syria, such as the consumption of wine, which supposedly led Umar to order the lashing of drinkers. On the other hand, the interpretation of plague as mercy or martyrdom is evident in Abu Ubayda’s speeches to the troops at Amwas and in the council at Sargh.[14] A poem about the plague of Amwas recorded by the Damascene historian Ibn Asakir (d. 1175) reflects the martyrdom belief:
How many brave horsemen and how many beautiful, chaste women were killed in the valley of ‘Amwas
They had encountered the Lord, but He was not unjust to them
When they died, they were among the non-aggrieved people in Paradise.
We endure the plague as the Lord knows, and we were consoled in the hour of death.[41]
On the principle of predestination, the events of Amwas were used to argue that whether a person fled or remained in a plague-affected area their death had already been decreed by God.[18] During an episode of plague in the Iraqi garrison city of Kufa, the prominent statesman and scholar Abu Musa al-Ash’ari (d. 662) turned away visitors to his home due to someone in his household having the plague, and he justified Muslims fleeing plague on the basis of Umar’s actions at Sargh.[18] According to Dols, this also implied a recognition of contagion despite the contradiction with the purported hadith rejecting contagion as a pre-Islamic theory.[18]