تنثرُ فاطمة ناعوت حرفها على إيقاعِ حلمٍ مفهْرَسٍ
بصفاءِ روحٍ عطشى إلى تيجانِ السَّلامِ والوئامِ بينَ البشر
فاطمة ناعوت
(15)
المبدعة فاطمة ناعوت؛ أديبة مصريّة أصيلة موغلة في مساراتِ الحرفِ، منبعثة من رحمِ الكلمة الحرّة السّاطعة فوقَ شهيقِ البحارِ الصّافية صفاءَ نسيم الصّباحِ، شاعرة مسربلة بمذاقِ الإبداع الطّافحِ بشموخِ الكلمة الخلَّاقة، تكتبُ شعرها من وحي أعماقها المعرّشة بأحلامِ الجبالِ المظلّلة بأشجارِ المحبّة والقلوب المستنيرة، غائصة في محرابِ فضاءاتِ التّرجمة، تمتازُ برهافةِ انتقاءِ نصوصها والكتب الّتي تترجمها بمهارةٍ مصحوبة بمتعةٍ غامرة، وترى التّرجمة إبداعًا جديدًا في آفاقِ تجلّيات الحرفِ.
تكتبُ فاطمة ناعوت حرفها فوق ناصية الورق، كمَنْ ترسمُ فوقَ خدودِ النَّسيمِ أسرارَ الحنينِ، مستلهمةً تدفُّقات بوحِها من ذاكرةٍ معشوشبة بزغبِ الطّفولة واخضرارِ الكرومِ المتاخمة لأشجارِ الزَّيتون. تنظرُ إلى الحياة عبر مساراتِ انبعاثِ الخيال من منظورٍ بانورامي وتسلّط قلمها على خروقات وتصدُّعات ومجابهات الإنسان لأخيه الإنسان في هذا الزّمن الأهوج، محاولةً أن تقدِّمَ أرقى ما لديها؛ كي تعيدَ قليلًا أو كثيرًا من حقوق الإنسان المظلوم. تمتازُ بخيالٍ موغلٍ في صفاءِ السّماءِ كأنّها كينونة معجونة من مهجةِ الشَّمسِ وخصوبةِ الأرضِ المعتَّقةِ بخيراتِ متناثرة على وجه الدُّنيا عبر توهُّجات حرفها.
تتأمَّلُ ناعوت مليًّا فيما حولها فترى بمرارةٍ حارقة انكسارات أجنحة البلاد في دنيا الشَّرق وفوقَ ضفافِ النِّيل، يؤلمُها أن ترى نيرانَ الحروبِ والصِّراعاتِ تزدادُ تفاقمًا وعنفًا فوقَ أرضِ العراقةِ والعطاءِ، فوقَ شموخِ الأهرامات المعتّقة بأرقى ما قدّمته الحضارات، فلا ترى أجدى من حرفها؛ كي تترجمَ لنا آفاق رؤاها في بناءِ الغدِ الآتي على أجنحةِ التّنوير والحوارِ الخلّاق وعبر مرامي آفاقِ الحكمةِ؛ كي ترفعَ الحيفَ عن هامةِ البلادِ المرصرصة بأجيجِ الاشتعالِ، وراحتْ تشهرُ قلمها في وجه الظّلم الظّالمين!
تنثرُ حرفها على إيقاعِ حلمٍ مفهْرَسٍ بشموخِ الخيرِ والوفاءِ وصفاء الرّوح العطشى إلى تيجانِ السَّلامِ والوئامِ بينَ البشر والكائناتِ والطّينِ والحجرِ. في قلبِها يموجُ رحيقُ الإبداعِ كأنّها مبرعمة من أحشاءِ الكونِ، من ضياءِ الشّموعِ، من تلألؤاتِ نجومِ الصَّباحِ، من عبيرِ الخيرِ ومآقي البساتينِ. تكتبُ رؤاها بنزقٍ شهيٍّ وهي تحلِّقُ فوقَ أجنحةِ الغمامِ، كأنّها في رحلةِ فرحٍ معَ تغاريدِ الطُّيورِ.
تترجمُ أوجاعَ الفقراءِ والمضطهدين، مدافعةً بكلِّ شموخٍ عن النّساءِ والرّجالِ المقهورين، فلا ترى حرجًا من الدّفاعِ عن المقهورين في مصرَ وخارجها، مسلّطةً قلمها في وجهِ الاعوجاجِ؛ رغبةً منها أن تعيدَ الحقَّ إلى نصابِهِ، وتزيحَ غشاوةَ الظّلامِ عن عيونِ الطُّغاةِ.
ينبعُ حرفُها من أعماقِ تأمُّلاتها وغوصِها في جوهرِ الحياةِ، كأنّها هديّة منبعثة من شهقةِ السَّماءِ كي تهدهدَ قلوبَ الحزانى، وتصيغَ ما ينسابُ في رحابِ انبعاثِ خيالها، ماسكةً بكلِّ حبورٍ فضيلةَ الحرفِ؛ كي توشّحَ فرحًا وحبًّا وجوهَ الصَّباحاتِ المبلَّلة بالخيرِ، وترسمُ هلالات الغدِ بلونِ الاخضرارِ، غير آبهة بجلاوزةِ العصر، ولا بسيوفِ الغدرِ.
وحدَها الكلمة تراها سيِّدةَ الفجرِ الوليد. تقول ناعوت كلمتها ولا تلتفتُ إلى الخلفِ، يرتكزُ حرفُها دائمًا على بهاءِ النُّور، ولا تتوانى دقيقةً واحدة عن إشهار حرفها في وجه الظّلم وقباحاتِ ما يتراءى لها من أفكارٍ مقعَّرة، غائرة في لونِ الاسوداد وقاعِ الانهيارِ، محاولةً أن تنتشلَ السّوادَ الحالكَ من بؤرةِ الأوحال، وتضئَ الطّريقَ عبر صالونها الأدبي والفكري الّذي غدا منبرًا رائدًا في رفع الكلمة الخلّاقة فوقَ جبينِ المدائن؛ كي تزرعَ عطاءاتها الطَّيّبة فوقَ خدودِ الأوطانِ.
تضعُ مشرطَها فوقَ النّتوءات الحارقة، عبر مبضعِ النَّقد، وتمحقُ كل ما يأتي في طريقها من اعوجاجٍ، ولا تهابُ صليلَ السُّيوفِ الموجّهة إلى جموحِ الحرفِ، يرتكز نصّها الإبداعي على نزوعها التّأمّلي العميق، حيث تتأمَّلُ في محرابها الإبداعي نتائجَ ما آل إليه الوجود والإنسان، وترسمُ تدفُّقاتها الشِّعريّة وتجلِّيات رؤاها الإبداعيّة وهي تمعن في جوهرِ الوجود، في مساراتِ الزَّمن، في أهدافِ الإنسانِ في محرابِ الحياة، وكأّنها إزاء رؤى فلسفيّة وجوديّة ثقافيَّة مفتوحة ومترامية الأطراف على القشرة الأرضيّة؛ لعلّها تلتقطُ بعضًا من تجلِّياتها الشِّعريّة والفكريّة الّتي تنهالُ عليها على إِيقاعِ هدوءِ اللَّيلِ الجميل، لتقدّم رؤاه المستنيرة عبر شموخِ حرفها إلى قرّائها وقارئاتها في أرجاءِ الكونِ!
ستوكهولم: (9/ 9/ 2019).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم المؤلِّف: صبري يوسف.
عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).
الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
دار نشـر صبري يوسف – [email protected]
Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :