الشَّاعر جميل داري كائن مضمَّخ بأريجِ الشِّعرِ
جميل داري
(9)
الشَّاعر المتألِّق جميل داري، يكتبُ شعرًا منسابًا مثلَ قطرات النَّدى، كأنّه في حالة أو رحلة حلميّة ابتهاليّة متدفّقة في انبعاثِ حرفِهِ، حتّى ولو كتبَ بضع سطور. تنبعُ القصيدة من خياله ولواعجه وأفراحه وأحزانه وذاكرته المعرّشة في شهقاتِ الحياة؛ لأنّه صادقَ الحياةَ برمَّتها واتخذها صديقةً حميمةً له، وتصالحَ مع ذاته، مع الطَّبيعة، مع الحياة؛ لهذا، نلمسُ حرفه متعانقًا معَ بهاءِ الحياةِ دونَ أيّةِ رتوش؛ فهو يناغي ما يكتبُ عنه برشاقةٍ بديعةٍ وحميميّة دافئة.
عندما أقرأُ شعره؛ أتلمَّسُ توهُّجات فنّيّة رهيفة فوق وجنةِ الحرفِ، فوقَ خصوبةِ الخيالِ؛ فهو بارعٌ في مداعبةِ بوحِ الحرفِ مثلَ ناسكٍ متعانقٍ معَ هدهداتِ الحرفِ وحبورِ الكلمةِ ومذاقِ انبعاثِ فضاءاتِ اللّغةِ، فهو كائن مجبول برحيقِ الشِّعرِ، بوهجِ الكلمة، بألقِ الصّورةِ وأشهى ما في بيانِ الكلام. يقطفُ أزاهيره الشِّعريّة في صباحٍ باكر أو في قيظِ الظّهيرة، عندما يأخذ قيلولةً تحتَ ظلالِ الأشجارِ أو وهو يسرحُ في أعماقِ البراري، بحثًا عن صُورٍ شعريّة مبلَّلة بوميضِ الشَّفقِ، يحلّقُ عاليًا عبر حرفه في كلِّ الأزمنة والأمكنة، كأنّه مجذّر في ذاكرة متفرّعة إلى ذاكرة المكان والزّمان، وذاكرته معتّقة بهلالاتِ انبعاثِ الحلم، كأنّه صديق الكائنات البرّيّة والأهليّة معًا.
يمتلكُ الشّاعر شفافيّة بارعة في مناجاةِ الذّاتِ، وترجمة إشراقةِ شهقاتِ الأحلامِ، ويرى ذاته متناثرة في اخضرارِ الحياةِ، فيرسمُ تجلِّيات حرفه بطريقةٍ شاعريّةٍ بارعة وبرهافةٍ عالية، يهدهدُ حرفُه شهيقَ الحياةِ وكأنّه يخاطبُ الحياةَ حرفًا حرفًا، كلمةً كلمةً، فتنبعثُ القصيدة من أعماقِهِ إلى ناصيةِ الورقِ وبهاءِ النُّورِ.
الشّاعر المبدع جميل داري، شاعرٌ مندَّى بأشهى خصوبات الكلمة الممراحة المنبلجة من رحابِ نبضِ الإبداع الصّافي صفاءَ الصّباح، لهذا أراهُ يغوصُ عميقًا في ماهيةِ الشّعرِ، وجوهرِ الشّعرِ، وحفاوةِ الشّعرِ؛ لأنّه كائن مضمّخ ومجبولٌ بأريجِ الشّعر. يبدو أن والدته قمّطتهُ باخضرارِ الدَّالياتِ وسقسقاتِ العصافيرِ وحفيفِ الأشجارِ منذ أن رأى النّورَ في خيراتِ عامودة المعطاءة، وظلّ مقمَّطًا بهذه الحفاوات أينما حلَّ وأينما انتهى به المطاف.
يتميّز الشّاعر بلغةٍ مطواعة طريّة جامحة في تجلّياتها، وغنيّة في صورِها الفنّيّة وفضاءاتها الشَّاهقة، وكل هذه الإمكانيات ناجمة عن خبرةٍ طويلة، اكتسبها الشّاعر من خلالِ قراءته العميقة لعيونِ الشّعرِ والأدبِ الشَّرقي والغربي، وغوصه في منعرجاتِ اللُّغةِ وبوحِ الحرفِ، إلى أن غدا شاعرًا جامحًا ومتميّزًا في لغتِهِ الشّعريّة والأدبيّة الخلّاقة، الصّافية صفاءَ الماءِ الزُّلال!
ستوكهولم: (16/ 7/ 2019).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم المؤلِّف: صبري يوسف.
عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).
الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
دار نشـر صبري يوسف – [email protected]
Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :