لقائي مع صحيفة الشمس الثقافي، حوار أحمد الوحيشي، فبراير 2010
هل لك بأن تعرفنا على نفسك ،، وتعطي القراء نبذة عن أحمد زبيدة ؟
السلام عليك أخي أحمد وعلى أهل المحلق الثقافي لصحيفة الشمس وعلى المسلمين جميعاً، أشكر هذه البادرة الطيبة منكم وهذه المراسلة بشكل لا يوصف وأحيي فيكم هذا الاهتمام بالشباب والمواهب الناشئة وكلي خجل لشعوري بأنني إنسان عادي قد لا يستحق أن يكرس من أجله صفحة في ملحقكم، أما العبد الفقير فهو شاب ليبي ولد عام 1985، أصله من منطقة أصيلة بدوية – بني وليد – ونشأته وسط الحضارة العملية الغربية – فرنسا، بلجيكا – ويعيش حياته حيث تلتقي مستوى حياة الأولى مع الأخيرة في طرابلس .. لست طبيباً فأنا طالب في السنوات الأخيرة من كلية الطب البشري ولست مهندساً ولكن عملي في مجال الكمبيوتر وتصميم المواقع الالكترونية والعمل الدعائي والإعلامي، ولست فناناً ولا شيخاً ولا كاتباً ولا شاعراً ولكنني تلميذ مجد في مدرسة التصوير الفوتوغرافي والعلوم الشرعية واللغة العربية وعلم العروض، أمارس صيد الأسماك في فصل الصيف وهي رياضتي الوحيدة التي تبقت بعد أن نضجت عن دخول سباقات السيارات في الطرقات السريعة والأزقة، أحب بلدي كثيراً وأهله أكثر وكل ما أقوم به في حياتي هو إما لتحقيق شيء لدين الإسلام أم لبلدي،
أحمد زبيدة ، لقد قمت بإنشاء منتدى خاص بالأدب الساخر ، فحدثنا عن سبب إنشاء هذا المنتدى الإلكتروني ، والهدف الذي قام من أجله ، وهل لك أن تشرح لنا ما هو الأدب الساخر؟
لقد كانت أساس الفكرة فكرتين، الأولى فكرة إنشاء منتدى في حد ذاته بالشكل الذي لطالما ما تمنيت أن تكون عليه المنتديات الليبية – مع احترامي لبعضها – وغاية هذه الفكرة لا زالت بعيدة قليلاً عنا فالمنتدى هيكل يتواجد بداخله ناس، وإزالة وبناء وترميم المباني تطور المباني وليس الناس لذا فإن تسيير هؤلاء على الطريقة المرجوة عملية ليست يسيرة وتحتاج إلى الكثير من القدوات وإلى الكثير من الدراسات النفسية التي من خلالها نطور المنتدى بحيث نجعل العضو يسير في خط معين دون أن نفرض نحن عليه ذلك إلى أن يصل إلى الطريق الذي سيجعلنا منتدى يهتم بالثقافة أو بأي هوايات بشكل فعال ومفيد وعملي ومثمر بعيداً عن الإسفاف أو إضاعة الوقت أو العمل على تحقيق نوايا غير شريفة كالشهرة أو زيادة عدد الزوار أو تحقيق المال، وأما الفكرة الثانية فهي الاهتمام بالأدب الساخر الذي رأيته ينجب أقلام بناتها لقيطات لا تجد لأنفسها نسب وهن بنات لغة أصيلة .. الأدب الساخر. المكان معد لأن يكون أول تجمع للأقلام الساخرة الليبية ولكنه لا يزال يحتاج إلى أقلام إضافية إضافة إلى الأقلام الموجودة وإلى الأقلام التي تحاول أن تكتب بهذا القلم العاصي الصعب وأن تتعلم فنونه، حاول الكثيرون تعريف الأدب الساخر بطرقهم الخاصة وبطرق ساخرة غالباً، وأنا أعرفه على أنه فن كتابة الطرائف والمضحكات بالدم والدموع، فن استخراج الضحكة الهستيرية من الأفواه، والترفع عن المعاناة وتحقيرها، وعجن الحروف والكلمات وإطراب الآذان بالعزف على الأوتار الحساسة، لكل شخص همومه ولكل مجتمع همومه ولم تعد كتل الهموم البشرية تطيق سماع هموم بعضها فأصبحت هذه الابتسامة التي تهديها النصوص رشوة تشتري بها انتباه القارئ المصاب بالملل وحتى ” الغير قارئ ” من أبناء أمة اقرأ التي لم تعد تقرأ، وتلك ضربة الكاتب الأولى وهي نصف الأدب الساخر وأما نصفه الآخر هو زرع الثقافة المناسبة وبث أكبر قدر من الهموم قبل انتهاء تأثير تلك الابتسامة. أما إذا فشلت المحاولة الساخرة فإنها تتحول إلى تهريج وهزل ركيك. وأما إذا افتقدت إلى قضية فإنها تتحول إلى نكتة أو ” حدوثة ” ..
بعد فترة معينة قمت بتطوير فكرة الأدب الساخر لتشمل مجلة إلكترونية نشأت من رحم المنتدى ، فلم قمت بإنشاء المجلة ، وهل فعلا كان الوقت مناسبا لإنشاء المجلة ، باعتبار أن قلة من المجلات الثقافية الإلكترونية حالفهم حظ الاستمرار ؟
المنتدى انطلق في أوائل سنة 2008 أما المجلة فبعد سنة من ذلك، وهي إلى الساعة مجلة مستقلة بشكل كامل عن المنتدى فهي ثقافية إخبارية اجتماعية ولم تهتم بالأدب الساخر، رئيسة تحرير المجلة هي الصحفية الأستاذة نهلة العربي ومع بداية السنة الجديدة 2010 سيتم تطوير الموقع بحيث تصبح المجلة هي ذات المجلة إضافة إلى ” زبدة ” ما نستخلصه من المنتدى الذي سيتحول إلى ما يشابه ورش العمل والتعلم فالنصوص الجيدة في المنتدى الآن تعاني من الضياع وسط أكوام المحاولات ، أما سبب إنشائها فهو مغامرة هدفها بناء مجلة مستقلة لا يتبناها ولا يدعمها أحد، ولا يصرف عليها ولا تصرف على أحد، تدعوا أنفسها للمناشط وإلى عيون الأحداث ولا يدعوها إليها أحد، تختار ما يناسبها وتقول عنه ما تريد أن تقوله عنها، ممارسة الخبرة الصحفية دون إدارة صحفية وبشكل صادق، نريدها أن تكون مجلة المواطن والشارع ودعم المناشط والأصوات والمواهب التي تهمشها الصحافة مع الإبتعاد عن تكرار الأسماء التي تتكرر كثيراً. أما الفشل فهو عدم تحقيق أقل ما يجب تحقيقه عند وضع الأهداف، والعين الثالثة تبدأ بأهداف متواضعة جداً من الصعب أن تفشل في تحقيقها ولا تريد شيئاً فصعب أن تصاب بخيبة الأمل، نمارس ما نحب ونعطي الكثير في بعض الشهور ونتوقف أحياناً لشهر بلا شيء بسبب قلة المساهمين أو ضعف اتصالاتنا بالمناشط أو لظروفنا أو غير ذلك ولكن المجلة موجودة بموادها والجمود هو أسوأ ما قد تصاب به ولا نعتبره نحن فشلاً. وعندما يحين الوقت المناسب الذي سألت عنه حتى وإن لم يحن بعد فسنكون من الموجودين الأولين على الأقل.
بالمجلة ينشر فيها كتاب متطوعون ، فكيف كانت ثقافة التطوع الثقافي ، وهل تعتقد أن هكذا ثقافة من الممكن أن تحلّ محلّ العمل الثقافي الرسمي ، وما المعوقات التي تمنع هكذا ثقافة من الاستمرار.
من مميزات العمل التطوعي الثقافي هو تصديق نوايا الكتاب، فالكاتب المتطوع يكتب بنية الكتابة الخالصة ولا يبتغي غير الكتابة شيء، وهذا يزيل بعض الضباب من أمام مبادئ هذا الكاتب خصوصاً أثناء ممارسة الكتابة، ولا أقول أن أحدهما قد يحل محل الآخر ولكن كلاهما يكون من حيث الأولويات عند الكاتب في مكان مختلف، فالكاتب المتطوع يلزم نفسه ولا يستطيع أن يلزمه أحد، ومن حقه أن يكون قلمه مصدر رزقه إن كان قد كرس حياته للكتابة ولا نطالبه إلا بالقليل، أما المؤسسات الرسمية فإنها تشتري وقت الكاتب مقابل تكريس نفسه لهم، وهناك بالمقابل من يبيع قلمه وليس وقته. ما أريد أن أقوله هو أن المؤسسة الرسمية تستهلك من الكاتب طاقة أكبر فيكفيها عدد قليل منهم، وأمثالنا يحتاج إلى عدد أكبر بكثير من المتطوعين كي تستطيع الوصول إلى مستوى المؤسسة من حيث العطاء.
إضافة إلى الأدب الساخر ، عرفناك فنان ضوء يستحق الاحترام والتقدير ، فكيف بدايتك مع التصوير الفوتوغرافي ، والتي عملت على إضافة أقسام خاصة بالتصوير في منتديات العين الثالثة ، فحدثنا عن هاتين التجربتين ؟
النظر نعمة أدمنتها منذ طفولتي، وكنت ولا زلت لا أحب التواجد في أي مكان إلا وقد أمعنت النظر في كل كبيرة أو صغيرة فيه، حتى أن النظر هذا جعلني أعتقد وإلى منتصف المرحلة الابتدائية بأنني المخلوق الوحيد الذي يعيش على الأرض وأن كل البشر فيها عداي ليسوا سوى مسخرات أخرى كأي شيء آخر في الطبيعة، وذلك لأنني آمنت بنظري الذي يرى كل شيء إلا نفسي لدرجة أنني لم أصدق أن هناك من يرى في مجال نظره وفي حياته جسدي كما أرى أنا أجساد الآخرين، وكنت من تعظيم هذه النعمة أشعر باستحالة تواجدها عند جسدين، وبدايتي مع التصوير هي بداية إنسانية جداً وهي الفطرة التي تجعل كل إنسان يحاول الاحتفاظ بكل ما يخشى زواله أو يخشى نسيانه، أحب التصوير الفوتوغرافي رغم إيماني بأن الحياة أقصر من أن يتوقف فيها الإنسان لينظر إلى الخلف، وأنها أقصر من أن يحتاج فيها إلى تخليد بعض لحظاتها، أشبه عندما أمسك العدسة الصياد الذي يبحث عن فريسة يأكلها وليس الذي يصطاد ترفاً وحباً في الصيد ذاته، أحب صيد المواقف والقصص والعبر وليس صيد الجمال فصيد الجمال هو أشبه بالانقضاض على فريسة ميتة، إن تصوير الجمال يختلف عن صنع صورة جميلة من اللاشيء فالأولى نقل والثانية فن وخلق، أمارس هذا الفن منذ عدة سنوات وأدرسه دراسة منهجية أيضاً وأول ظهور لي كفنان في أي جهة رسمية هو في ملحق الشمس الثقافي سبقه مشاركات صحفية عديدة في مختلف الصحف بشكل غير رسمي سببه مساعدة بعض الأصدقاء الذين تغيب عنهم مصورهم، إضافة الأقسام إلى المنتدى هي محاولة أخرى لتجميع أصحاب هذه الهواية كوني أجيد إدارة المواقع وتصميمها وتوفير ما يلزم تقنيا لتسييرها وأحاول أيضاً أن أعطي بعض مما عندي وأن آخذ الخبرات من غيري وأن يفعل الجميع بالمثل، إضافة إلى أن هذه المنتديات تتيح لنا فرصة الالتقاء والتعارف وترغيب الناس لحب هذه الهواية وكشف أسرارها وذلك بمزج المحترفين مع الهواة مع عديمي الخبرة في هذا المجال، كما نستخدمه لعرض أعمالنا فمثلاً أنا تم اكتشافي من خلال هذا الموقع، ومع نمو هذا المنتدى وهذا الموقع ستنمو المواهب وستجتذب المحترفين والمهتمين وحتى الباحثين عن المواهب والمهارات وعندها قد نكون مرجع أساسي يلتقي فيه كل من يهتم بالتصوير ..
برأيك كيف تصف ثقافة الصورة الليبية ، وما العائق التي يمنع الكاميرا الليبية من المشاركات الخارجية وبقوة ، على غرار البلدان العربية الأخرى ؟
دعني لا أصف الصورة الليبية ولكن أصف الكاميرا الليبية، فالكاميرا في ليبيا تعامل معاملة السلاح وليس هناك أي تراخيص رسمية لحمله، يخافها الجميع بلا استثناء، ليست محبوبة ولكل سببه الذي يدعوه للخوف، صاحب الأرض الزراعية يقول لي : ” شنو جايين بتهدموا ؟ ” وصاحب المحل يقول : ” هل أنت حرس بلدي ؟ ” ورجل الأمن .. ” من أنت ومن تتبع ؟ حتى أنني أتذكر بأن بعض رجال الأمن منعوني من تصوير فندق كورنتيا ” .. أما العائق الحقيقي فليس ما أسلفت ولكن هو ثقافة خجل المواهب الليبية في شتى المجالات ووجود ثقافة تتقيه الثقافة فبعضهم يتهمنا بالجنون لأننا نشتري معدات بآلاف الدينارات للتصوير بينما يباركون لمن أشترى بنفس الثمن “ديسكوات” جديدة لسيارته .. كما أننا نشعر بالتيه فليس هناك أي نقطة مرجعية يلتقي فيها المصورين المحترفين والهواة ومن يبحث عن مصورين أيضاً وإن وجدت فإنها غير ذات جدوى لدرجة أننا لا نسمع بها أو تفتقد لمصداقية العمل ولا تكون إلا واجهة تفتخر باسمها لا تقدم شيئاً إلا لمؤسسيها. كما أن المسابقات الليبية ليست عديدة والتي أقيمت اهتمت بمجالات غير محببة وطالما أن المصور الليبي لم يشعر بالثقة تجاه أعماله فإنه لن يتجه للمشاركات الدولية إلا بعد المشاركة في المسابقات المحلية فأغلب المسابقات الدولية تحتاج إلى رسوم مرتفعة قليلاً للاشتراك فيها .. بعض الأسماء تظهر من حين إلى حين وتجذب اهتمام بعض الجهات الخارجية ولكنه عادة ما يكون ظهور متواضع لا يحقق الكثير، قد يفيد المصور بشكل شخصي أو يفيد الجهة الخارجية ولكنها لا تفيد الصورة الليبية ..
كيف ترى اهتمام المؤسسات الثقافية بنشر إبداع الأدب الساخر والتصوير الفوتوغرافي ، فنحن في ليبيا لا توجد لدينا مطبوعات عن الأدب الساخر أو حتى عن التصوير الفوتوغرافي ، هل لفقر الكتّاب أم لقلة الوعي المؤسسي ؟
الأدب الساخر ليس أدب مستقل بحد ذاته وإنما السخرية نكهة قد تمتزج بأي لون من ألوان الكتابة الأدبية أو الصحفية، فقد يكون شعراً أو مقالاً أو حتى متابعة صحفية، لذا فإنه سيكون من الصعب على المؤسسات الثقافية أن تهتم بهذه النكهة لتعاملها معاملة المجال المستقل، ولكن بمرورك على المنشورات الالكترونية بشكل خاص وحتى الورقية فإنك ستصادف بعض الأقلام التي تمارس عملها الأدبي أو الصحفي بقلم ساخر، وكذلك الحال بالنسبة للتصوير الفوتوغرافي، من الصعب أن يخصص له مطبوعات خاصة تهتم به لوحده ولم أرى مؤسسات تهتم به لوحده إلا المؤسسات الثقافية الخاصة والتي تقرر التخصص كأن تخصص في الحديث عن هواية معينة كالتصوير، أو حتى الفن التشكيلي أو غيره، وحيث هناك اهتمام شديد بالثقافة وكم هائل وتنوع شديد في الإصدارات وحيث لا تكون المؤسسات العامة هي المصدرة الوحيدة لثقافة، الإهتمام بهذه الجزيئات مرحلة متقدمة، ولكن لا مانع من أن تحاول المؤسسات إقامة بعض الأبحاث عن أقلامنا الساخرة والتي أحسنت امتطائها من باب أرشفتها في تاريخ ليبيا الثقافي أو حتى حاضرها .. وقد يكون هذا ما نحاول القيام به كموقع يهتم بالأدب الساخر، وليس لدى أي خلفية عن حقيقة نشاط المؤسسات الثقافية ولا ما هي نظرتها للأمور ولا حتى حجم إمكانياتها لأقول إن كانت مقصرة أم لا ..
هل حاولت العين الثالثة تنظيم فريق إخباري تطوعي يعمل على رصد الأخبار الثقافية ومتابعتها ، وهل حاولتم التنسيق مع صحف ليبيا في هذا الشأن ؟
حاولت العين الثالثة تنظيم الفريق ولا زالت تحاول، ولكن نعترف بأن الأقلام التي ترصد الأخبار الثقافية هي في العادة أقلام تتبع مؤسسات رسمية ولا يبدوا أنهم يميلون للعمل التطوعي بشكل كبير، خصوصاً أم من سياستنا أن لا نعيد نشر ما تم نشره في غير موقعنا إلا في حالات معينة وفي نطاق ضيق ولأقلام تكتب لدينا باستمرار من الأساس، ونحن نتجه حالياً ونميل إلى محاولة صنع أقلام جديدة تنطلق من العين الثالثة لتبدأ مسيرتها الصحفية، أما صحف ليبيا فنعمل مع بعض أفرادها ولكن بشكل شخصي جداً وليس هناك أي تنسيق رسمي وأعتقد أننا لم نحاول القيام بذلك إلى الآن، ولكن نحاول البحث عوضاً عن جهة تعاملنا معاملة الكيان الصحفي لتعلمنا بمستجدات الأنشطة على الساحة ولم نجد شيئاً واضحاً حتى الآن. فأغلب المواقع الالكترونية والمؤسسات الورقية تتبع جهات رسمية معينة ولا تتلقى دعواتها من جهة ما ولكن تتلقى دعوات من منسقي الأحداث والأنشطة أنفسهم.
ما هي مشاريع أحمد زبيدة والعين الثالثة في المستقبل ؟
مشاريع أحمد زبيدة هي النجاح في ما يحاول القيام به، وحذف كلمة ليس من كل ما ذكرت في بداية اللقاء فأصبح طبيباً ومهندساً وفناناً وكاتباً وشيخاً ناجحاً، أما العين الثالثة فمشروعها الأول الحصول على السواعد والأقلام التي تؤمن بالمبدأ التي أسس عليها، مشاريعها كثيرة ولكن ستحقق منها بقدر ما تستطيع وتناسباً مع القائمين عليه، وإلا فإنها ستسير ببطء كمشروع متواضع قابل للتوسع في أي لحظة، هدفنا الأسمة ليس تحقيق الشهرة ولا جذب الزوار ولن نقيم أي برامج مادية أو دعائية تجارية فغايتنا ممارسة ما نحب وهو دافعنا الوحيد للعمل وهو الذي من خلاله قد يستفيد القراء أو يقضون أوقاتاً ممتعة في صفحاتنا، ولعل أقرب مشروع نسعى إلى تحقيقه حالياً هو إقامة مرجع لكل النشاطات الثقافية والفنية في ليبيا وذلك بإنشاء تقويم يشير إلى تواريخ كل الأنشطة التي ستقام قبل حدوثها فأغلب صحفنا تتحدث عن المناشط بصيغة الماضي وليس هناك دعاية جيدة للأحداث فوجوه الحضور تتكرر بصفة عامة وأغلبها من الوسط الثقافي نفسه وليس هناك حضور حقيقي من عامة الناس وهذا ما نريد القيام به وهذا عمل سيكون في صالح أصحاب النشاطات إن شاء الله …
يوم الاثنين 22 فبراير 2010
لقائي مع صحيفة العرب العالمية، حوار عفاف خليفة، أبريل 2010
التصوير لغته، هو فنان، يحدثك بصور شتى، بتكوينات وإضاءات، ينتقي زواياه بإتقان شديد، يقرب الخيالات التي نشكك وضوحها، صور لا نتوقع التقاطها، يقول عن صوره أنها ( تحمل وجهة نظري بكل تأكيد وتستوعب وجهات نظر مختلفة، قد لا تستطيع صورة واحدة أن تعبر عني وأميل للإعتقاد بأن مجموعة أعمالي هي التي يمكن أن تعبر عني ). ولأن صوره بالذات هي التي دعتني للقاء به، لما حملته من معاني ودلالات، استنتجت بعضها، وشرح لي بعضها الآخر، ( الفنان أحمد زبيدة )، عرفته يجيد التصوير، ووجدته محاوراً جيداً أيضاً، وقد كان لي معه هذا اللقاء القصير ..
الموهبة .. التصوير .. من يمتلك موهبة التصوير في رأيك ..؟
سأجيب عن السؤال بالالتفاف قليلاً حتى نقترب من المقصد بشكل سليم .. لقد اختلفت الآراء النقدية والفلسفية حول تحديد مكان التصوير الفوتوغرافي من الفن منذ ظهوره، لن تسعفني المساحة هنا للخوض في هذه الاختلافات ولا تطوراتها ولكني سأحاول اختصار الأقوال من وجهة نظري الخاصة .. أعتقد أن هناك تصوير فوتوغرافي وفن تصوير فوتوغرافي، التصوير الفوتوغرافي تقنية هدفها تخليد ( الزمان – المكان ) داخل إطار وأنا أشبه هذا بالنصوص التقريرية والطبية والجنائية والتاريخية، إن الصورة (الإخبارية) عملية أرشفة ترفعت عن اللغة الخطابية الوصفية الوسيطة الناقلة إذ تحمل علاماتها بنفسها كخامة غير مترجمة ولكنها في ذات الوقت لا تُحمِّل – بشد الميم – دوالها أكثر من دلالاتها الظاهرة أي زمن الالتقاط ومكانه ومكونات الصورة .. فن التصوير الفوتوغرافي هو إدخال ما يشبه الأدوات الأدبية البلاغية على النصوص لتحمل دوالها دلالات جديدة وبعداً آخراً، فتتحول الصورة من ثم إلى لوحة، وتتحول المكونات إلى علامات تتأثر بالعلامات الموجودة داخل نفس الإطار لتعطي معاني مختلفة كلياً وذلك بإنشاء معنى مركب من وحدة هذه العلامات، فتصبح الصورة لا تشير للمصوَّر بفتح الواو فحسب ولكنها تشير إلى وجهة نظر المصوِّر بكسر الواو وتقدم لغة بصرية جديدة تخاطب خيال المتلقي وإحساسه وثقافته، في فن التصوير يصبح العالم الخارجي أداة لمخاطبة الدواخل ولا يكون هو الغاية في حد ذاته وإنما وسيلة فقط لتجسيد الدواخل.
تمتلك بعض الصور الإخبارية القدرة على إحداث الصدمة في نفس المتلقي ولكن هذا لا يتحقق إلا بنقل الصدمة من العالم الخارجي بشكل حرفي إلى الصورة، الصدمة في التصوير الفني تحدث كنتيجة لفك المتلقي الشفرة المبعثرة في التكوين واكتشاف الدلالات المناسبة لإيجاد العلاقات الرابطة بينها ومن ثم تجلي معنى الصورة وبالتالي حدوث الصدمة، ويتطلب لإنشاء كلتا الصدمتين من المصور نمط عمل مختلف .. فتعتمد الأولى أكثر على ضرورة “التواجد” في الزمان والمكان المناسبين، وتعتمد الثانية على ضرورة “التأمل” في جميع الأزمنة والأمكنة لكل ما هو حوله، البحث يكون على مستوى عميق وليس على المستوى السطحي للأشياء وللأحداث .
كل هذا لأقول أنني لا أجد لكلمة (موهبة التصوير) مكان، تقنية التصوير علم يمكن إتقانه بعد سنوات قليلة من الممارسة ولا يحتاج إلى أي قدرات فطرية، التصوير الإخباري يحتاج إلى توحد العمل الفوتوغرافي مع حياة المصور وعيش حالة التأهب الدائمة انتظاراً للحظة المناسبة، الفن الفوتوغرافي يحتاج من المصور أن يغير آلية عمل نظامه البصري بحيث تتحول الحياة أمامه إلى إطار ضخم مقسم إلى عدد لا نهائي من الإطارات وأن يتحول كل شيء أمامه إلى أداة لها شحنة عاطفية، اجتماعية، ثقافية، تاريخية، سياسية، دينية، لغوية، تعرض هذه الآلية التحليلية نتائجها على (ذات المصور بكل ما تحمل) لتقوم الأخيرة بعملية انتقائية تحدد مكان الإطار الذي سيقوم بدوره باختيار المكونات وترتيبها بحيث تنشأ العلاقات التي تنقل المشهد من خيال المصور إلى المتلقي .. فهل يمكن أن نقول أن الموهبة هي موهبة التأمل أو النظر ؟ قد أمتلك أنا موهبة ولكني لم أشعر بوجودها، لطالما اعتقدت بأن الصورة لغة كأي من اللغات ويكمن الاختلاف والتميز فقط في مدى استيعاب أدوات هذه اللغة وإتقانها وفي ما نوظفها فيه. قد تكون الموهبة الفوتوغرافية كموهبة الشاعر الذي يبدع باستخدام لغة يتكلم بها كل من يفهمها.
متى يصور أحمد زبيدة ..؟ وما الذي يصوره ..؟
أنا مستعد للتصوير دائماً، ومعداتي لا تفارقني، أعيش حالة مستمرة من التأمل ترافقني منذ الطفولة .. الباقي يأتي لوحده. لا أحب ما يخالف هذا البروتوكول كالتصوير الصحفي وتصوير الوجوه الذي يأخذ فيه فعل التصوير جواً من التكلف، لا أحب رؤية الناس وهم يحاولون إخراج دواخلهم الناقصة على هيئة خارج يدعي الكمال، فهذا يحاول الابتسام وهذا يحاول أن لا ينظر إلىَّ والآخر ينظر للأفق البعيد وغيره أن يبدو ذكياً وغيره أن يبدوا جاداً .. هذه الوضعيات تجسد أمامي ممارسات المجتمع على مستواه المظهري هذا المستوى الذي لا أحبه، ولا أحب أيضاً العلاقة التي تنشأ بيني وبين من يقف أمامي لحظة الالتقاط، أحب داخل الإنسان .. كل ما لا يطفو إلى الخارج وما لا يريد الخروج ولا يخرج إلا بشكل غير مباشر، يجب أن يكون كل شيء على طبيعته ليحظى بشرف التخليد.
بعض صورك مما شاهدته تدعوني لسؤالك عنها كصورة ( برج الساعة – والقبور – ولجذور الشجر ) ما المعنى الذي أردت أن توصله لنا من خلالها ؟
كوني مصور أحمل الكاميرا معي دائماً، وكوني إنسان يجد في التصوير وسيلة مناسبة لتخليد الذكريات بشكل أدق مما تستطيع الذاكرة فعله، فإن بعض صوري إخبارية .. أي هي توثيق زماني مكاني أستعين فيه بما أوتيت من خبرة تقنية لإظهار المشهد بأفضل هيئة لا أكثر، كصورة برج الساعة مثلا، أما بقية الصور وهي التي اخترت التصوير الفوتوغرافي كفن لأجلها ( كصورة القبر وجذر الشجرة مثلاً ) فهي تخليد لإحساس ما، وعادة ما أقوم لأجل هذا التخليد بإقصاء دوال المكان والزمان الكليان المرتبطان بالإطار، سامحاً بذلك للدوال الجزئية المرتبطة بالتفاصيل والمكونات أن تظهر، وعندما تظهر هذه الدوال بهذا الشكل فإنها تصبح وسيلة أنتج بها هذا الإحساس. أعتقد أن الإحساس هو أعلى طبقة من طبقات الصورة ويستطيع أن يصل إليه كل متلقي. المستوى الثاني يقتحمه المتلقي عند محاولة تجسيد هذا الإحساس أو اكتشاف ماهيته، قد يقود هذا المستوى إلى المستوى الثالث وقد يكتفي المتلقي بهذه المتعة المؤقتة أو بهذا الغموض على هيئة تجربة حسية غير ناضجة. مفتاح المستوى الثالث هو رغبة المتلقي الملحة في تفسير هذا الإحساس أي هو مستوى طرح الأسئلة وهو المستوى الذي يكشف فيه المتلقي عن إمكانية إقامة حوار مع الصورة وعن أن هذه الصورة لها أسئلة كما للمتلقي. المستوى الرابع وهو الذي لا يدخله إلا المقربون ( الباحثون عني ) وفيه يدخل المتلقي إلى ما وراء إطار الصورة ليخرج من الناحية الأخرى وكأنه يمارس (الهندسة العكسية) بحثاً عن التجربة التي أدت إلى تكون الصورة وعن العلاقات الأصولية التي استطاعت أن تشد انتباهي وأن تجعلني أقتبس هذا الإطار دون ملايين الإطارات التي كان يمكن إنشاءها في نفس المكان وفي نفس اللحظة. هذه المستويات استشعرتها عند تلقي التعليقات والتعقيبات عن الصور التي أعرضها على الشبكة العنكبوتية أو من الزملاء والأصدقاء.
كل هذه المستويات تنطلق من الإحساس الغير مفسر الذي تثيره الصورة، وكل المعاني التي تحملها الصورة والتي يصل إليها المشاهد يجب أن تعود لتأكيد الإحساس نفسه الذي تصبح له ملامح أوضح وتصبح له قيمة بعد إنتاج المعنى والتفاسير المناسبة له، أحياناً .. أضع بعض الكلمات المبهمة كتعليق على الصورة، ولكنها في العادة لا تحمل معاني واضحة، وليس لها القوة الكافية لإجبار المتلقي على خوض مسار معين في الفهم أو التفسير، إنها مشفرة بحيث لا ترتبط إلا بوجهة نظري الشخصية، ولكنها لا تمنع المتلقي من أخذ مسارات أخرى في الفهم أو إنشاء وجهة نظره الخاصة، ستبدو الكلمة في تلك الحالة (بلا قيمة) وهذا لا ينتقص من وجهة نظر المتلقي إنما دور تلك الكلمة فقط أن تضعني في نقطة ما قد يلتقي بي عندها أحدها العابرين.
هل يدور حوار بينك وبين صورة ما قبل التقاطها ..؟
لا بد أنك تقصدين المشهد (ابتسامة ساخرة)، إذ لا يمكن إقامة حوار مع صورة لم تلد بعد، ولكن إجابة عن سؤالك .. نعم .. هناك حوار أولي مع المشهد، ثم مع الصورة البدائية عند إنتاجها في المعمل لإدخال الصيغ البلاغية عليها ثم مرة أخيرة كمتلقي يشاهد الصورة المكتملة في محاولة مني لاكتشاف لا وعيي والجزء الذي لا أراه في نفسي إلا بـ (الخروج عني).
هل يجب أن نفكر قبل أن نحكم ونكون انطباعاً على صورك .؟
ما كان لصورة أن تأتي بذاك التكوين لولا الفكر، أما انطباع الآخر فيهمني أن لا يكون سابق لأوانه وأحب أن يمنح صاحبه للصورة حقها الكامل في العبور إليه ثم حق أن يعبر فيها .. ومن ثم .. يكون له أن يكوِّن ما شاء من انطباعات،
يقال عن الفن التشكيلي أنه رسالة لامتداد الحضارات بل هو يعطي صورة عن حاضر وتراث المدن فما الذي يمكن أن يوصله التصوير .؟
يقول بارت أن خاصية الصورة الفوتوغرافية تكمن في [ نوعية الوعي الذي تحركه أو تصنعه : إن المشاهد للصورة الفوتوغرافية يعي في نفس الوقت الكينونة الآنية للشيء الممثل كما يعي كينونته الماضية أيضاً، إن الصورة تختلق صنفاً جديداً من الزمان / الزمكان اللا منطقي بين (هنا) و (في الماضي)، إنها تؤسس لما يسميه (لا واقعية الواقع الفوتوغرافي) أي إن عودة الحرفي والتقريري يطبع المدلولات الإيحائية للتاريخ والثقافة ] ولهذا فإن إخضاع هذا القول للتقسيمين اللذين قسم إليهما التصوير الفوتوغرافي أي ( التصوير الفوتوغرافي وفن التصوير الفوتوغرافي ) ينتج وجهة نظر وهي أن التصوير الفوتوغرافي يحمل الواقع المجرد في زمن ما إلى الأزمنة الأخرى بشكل محايد، وهذا الحياد تخلقه شفافية المصور الذي لا يخضع الصورة لرؤيته الخاصة، وإنما يقوم فقط بعملية تثبيت اللحظة لمنحها القدرة على الامتداد عبر الزمن ونقل خصائص المكان إلى “أي مكان”، فن التصوير الفوتوغرافي يشبه الفن التشكيلي إذ كلاهما يمر بذات الفنان مما ينتج صورة تقوم بصياغة المكان والزمان انطلاقاً من ذات المصور، أي أنها تخضع لممارسته الفنية منتجة وجهة نظر تختلف من فنان إلى آخر.
المصور عادل قاسم يقول ( إن كل مصور يجب أن يحب الصورة التي تعب وأجتهد فيها فأنا أعشق وأخاف على الصورة التي أتعب وأجتهد فيها كثيراً كما إنني اعتبر الصور بمثابة أرشيف وتاريخ وجب الحفاظ عليه ..) ما رأيك بهذا .؟
أتفق مع الجزء الثاني المتمثل في الخوف على هذا المخزون، فهو غير قابل لإعادة الإنتاج أو للتعويض، لا يمكن إعادة صنع نفس الصورة إلا بالعودة عبر الزمن وهذا ما أظنه حسب علمي مستحيلاً .. وأختلف معه في الجزء الأول فعادة ما أميل للتخاصم مع صوري في نهاية المطاف وربما هذا سبب آخر يجعلني أتردد في عرض أعمالي في معرض. إنها كعلاقة الأب مع ابنه يبقى الحنان رغب شدة العتاب أو الاختلاف.
إذا ما اعتبرنا أن التصوير لغة فكيف يخاطبنا بها أحمد زبيدة ..؟
كانت لي تجارب في الكتابة الأدبية والشعرية ولا زلت أخوضها من حين إلى آخر، بداية ترفعي عن هذه اللغة كان بعد اكتشافي لهذه اللغة الأم، هذه اللغة العالمية، لغة التصوير، أخاطبكم اليوم بها ولكن كما كنت في السابق، بتوظيف أدبي وشعري لا يخلو من أدوات البلاغة.
ماذا تمثل المعارض للفنانين وأين أنت منها ..؟
إذا كانت الكتابة محاولة لظهور الذات بشكل مجسد ومحاولة لترجمة الأحاسيس والخيال، فإن آلة التصوير هي الآلة التي تتقاطع مع مسار العلاقة بين خارج وداخل المصور، أي الواقع وذاته، تتوسط الوسطين ناظرة مع المصور، إذا فالمعرض الفوتوغرافي عبارة عن زيارة إلى ذات المصور أو إلى تجربة ما متحققة فيها، لا زلت أبحث عن هذه الذوات وعن وجهات النظر في كثير من المعارض التي أشاهدها ولكن عادة ما تكون غائبة، لا شيء أكثر من عروض للخارج وليس للداخل، فإما أن تأخذنا إلى أماكن مختلفة في هذا العالم أو إلى أزمنة مختلفة فيه، أبعد نقطة نقدية يتوصل إليها المشاهد عادة هو تحليل الصورة تقنياً أو خلق مناقشة تتخطى الصورة والمصور إلى الواقع الذي تحمله الصورة.
أين أنا منها ؟ لدى من الصور ما يسمح لي بالظهور ولكني أتريث حتى لا أقع في الأخطاء، أطمح لأن يضفي ظهوري الأول تغييرا في مفهوم العرض الفوتوغرافي السائد في ليبيا، أريد أن تكون التقنية بداية للفن وليس غاية له، أريد أن أقول أنه لا يشترط أن يكون المصور (كثير السفر) ليكون مصوراً ناجحاً، وأن قيمة الصورة تكمن في نفسها وليس في قيمة المكان الذي تصوره، أن المعرض الفوتوغرافي يجب أن يحمل رسالة وأنه ليس مجرد عرض لـ (صور جميلة)
لا ننسى أن العرض الفوتوغرافي قد أخذ قبل سنوات منحنى جديد وهو النشر عبر الانترنت والذي أراه يشكل ربكة شديدة عند المصور إذ تجعله في حالة كثيرة التردد لأجل اختيار فلسفته في النشر. فلكل طريقة عرض مفهوم خاص وفلسفة خاصة مختلفة جدا وأبرزها سعة الانتشار وفقدان الملكية.
هل عبرت كل صورك عنك ..؟
كل صوري تحمل وجهة نظري بكل تأكيد وتستوعب وجهات نظر مختلفة كلياً أيضاً، قد لا تستطيع صورة واحدة أن تعبر عني أميل للاعتقاد بأن مجموعة أعمالي هي التي يمكن أن تعبر عني، ورغم هذا لا تتمكن أي لغة من التعبير عن الإنسان بشكل مطلق.
لقائي مع صحيفة العرب العالمية، حوار عفاف خليفة – أبريل 2010
يوم الأربعاء 21 أبريل 2010
صحيفة أويا: حديث الضوء في أعمال المصور أحمد زبيدة، قراءة نهلة العربي، نوفمبر 2010
أحمد إبراهيم زبيدة مصور فوتوغرافي ليبي الجنسية من مواليد 1-1-1985 طالب بكلية الطب البشري يتحدث اللغة العربية والفرنسية والانجليزية لديه العديد من الاهتمامات إلى جانب التصوير منها تصميم المواقع الالكترونية والكتابة الساخرة وكل ما يتعلق بالعلوم الشرعية ولديه العديد من المشاركات في الأعمال الصحفية، يمكنكم الاطلاع على أعماله بمعرضه الفوتوغرافي الالكتروني الخاص www.ok.ly ـ
لو قررنا الحديث عن لعبة التباين في الصورة الفوتوغرافية فلدينا نموذج حي يتمثل في مجموعة من الأعمال التي قدمها المصور الليبي أحمد زبيدة في معرضه الألكتروني ” حديث الضوء ” ويمكن القول أنه تميز في تقديم الصور التي تدور فكرتها الأساسية حول ” التباين ” بين الظلام والضوء و حركة الظلال لتكون هذه العناصر تجمع بين الحرفية والتقنية العالية بالجانب التأويلي المفتوح على عدد غير محدود من الدلالات والتي قد تتخطى الرسالة أو الفكرة أو الدلالة الرئيسية التي أراد تقديمها المصور صاحب العمل في المقام الأول ، فقراءة الصورة الفوتوغرافية قد يٌحمل بطريقة ما ببعض الرموز المشبعة بالخلفية الثقافية للمتلقي ، مما يجعل لكل منا رؤيته الخاصة لهذه المساحة من الظلال أو هذا التباين ما بين الظلام والضوء لتكون ترجمة لما ترسب بالفعل ورسخ بداخله منعكساً علي صورة فوتوغرافية ، ويمكن القول أن هذا النوع من الإعمال هي الأكثر استطاعة على تحفيز هذا الجانب التأويلي أكثر من غيرها لما تحمله من مساحات تنقل من خلالها الدلالة الخفية والتي فروعها في الصورة وجذورها في المتلقي .. تلك الصورة الذي توقف أمامها دون غيرها ” لتأملها ” تحت تأثير هذا التكوين الذي حدث بداخله بعد نظرته الأولي عليها، ” فرولان بارت ” في علبته النيرة اعتبر أن للصورة تأثيرين الأول الانجذاب النفسي نحو صورة معينة و الثاني ما أطلق عليه ” الوخز ” الذي تحدثه الصورة في المتلقي وهو الجانب الذي يدفعك أكثر لتأملها وتحليلها فيمكن بالفعل أن نجد الكثير من الصور الجميلة ولكننا لسنا بالضرورة نحبها أي لم نشعر أمامها بالوخز أو لأنها مجرد جمال لا يقدم معنى ويمكنني القول من خلال هذا المنطق في قراءة الصور الفوتوغرافية أنني أمام الكثير من أعمال هذا المصور لم يتوقف شعوري بـ ” الوخز ” وأظن أن هذا ما حدث مع الكثيرين من متتبعي أعماله.
يمكن الشعور بانفتاح حقول التأويل أمام كل من هذه الأعمال التي تتحد فيها العناصر لتمثيل قيمة دلالية قد ترتبط بعنصر المكان وقد تتعدي ما بداخلها من عناصر، فلو فكرنا بالدلالة التي ترتبط بالمكان أو الضوء أو الظلال أو التكوين بشكل عام بتأمل الصورة الأولي والتي التقطت في ” بيت فوزية شلابي ” بالمدينة القديمة طرابلس نجد ذلك الباب يمثل ( المخرج الضوئي) الذي يحكى قصة ( انقضاء عهد وبداية آخر ) فكل القابع في الظلام هو مجرد بقايا لكل ما كان وكل المخفي في الضوء البعيد هو عالم جديد لا نعلم عنه شيئاً ، عالم يشير إلي مستقبل غير معروف ويمكننا رؤية آثار الأقدام المتوجهة نحو الباب وكأنها حياة من سكنوا هذا المكان ترحل عنه نحو الضوء ، وقد تتخطى التأويلات عنصر المكان فقد نجد في الضوء قيمة قد تمثل ( الانعتاق – الحرية – الرحيل – الأمل … ) ، مشحونة في تكوينات الصورة الفوتوغرافية كبُعد نفسي يشترك فيه أكثر من متلقي علي اختلاف حالتهم النفسية والثقافية مما يعطي للصورة عدداً لا محدود من التأويلات.
عملية التصوير تبدأ في العقل وليس في الكاميرا فلحظة التمعن التي يعيشها المصور أمام العنصر المقبل على تصويره يٌكون صورة مبدئية في عقله تعكسها العدسة فيما بعد كصياغة تمهيدية تفضي إلى التكوين النهائي وفى سبيل الوصول إليه قد يحذف أو يعيد تكوين الأشياء ، أجد مثلاً في الصورة الثانية شيء من التجريدية فالعنصر الذي تتكون منه الصورة بكتلته النصف ظاهرة ( موجود ) مقدم بشكل ليس له علاقة بحقيقته في الواقع و لو ظهر كاملاً بأبعاده الواقعية لترك انطباعا مختلفاً لدى المتلقي فالمصور يعمد أحياناً إلي إعادة تشكيل كتل العناصر بإبراز بُعد ما و إخفاء أخر بها ليقدم فكرته ، ودائما ما تدفع هذا النوع من الصور المتلقي إلى النظر أكثر للصورة لتحليل ماهية هذا العنصر أو ذاك ، في هذه الصورة مثلا يظهر نصف مربع مزخرف من الحديد الذي يوضع على نوافذ الطوابق الأرضية في المباني ونصفه الآخر غارق في الظلام ، فبنظرتي الأولي للصورة اعتقدت أنها ” صورة عشب يميل بأوراقه ” ( اللاموجود) حتى أنني أطلقت عليها اسم ” النبتة المعدنية ” وارتبطت في ذهني بهذا المفهوم أنه شي يشبه إلى حد كبير صناعة الدال اللغوي المراوغ.
عند ذلك تكون هناك إمكانية لعمل آلية الإسقاط من اللاوعي المتمثلة في شبكة من الدوال المتجمعة في تلك الصورة مع تلك الرغبة وقد تكون هذه العناصر مبعثرة أو ليس لها علاقة ظاهرية تربطها ببعضها إلا أن تواجدها جميعاً في مكان واحد جعل منها موضوعاً للإسقاط ، وربما تكون هذه الأفكار هي ما تبينته الحركة السريالية التي اعتمدت اكتشاف فرويد للاشعور لفترة من الزمن قبل أن يصدر “ريد” بيانه في نقد هذا الاتجاه لتكون جذورها التي كبرت فيما بعد بشكل مستقل ، الصورة الثالثة أشبه بمشهد من مشاهد الأحلام التي قد تراودنا ضمن أحداث من دون أن نستطيع أن نفسر معناها كصيغة يقدمها اللاشعور للتعبير عما يدور بداخله ، فالحديد المائل على الحائط الملطخ بالبقع الإسمنتية و التي يطغي عليها اللون الأخضر الذي يرجع لاختياره المصور يرمز بشكل ما إلى ” الطحالب ” التي بدورها ترمز هنا إلى ( العفن – التلطخ – العثرات) وعادة ما يحدث هذا الاختيار بشكل لا إرادي ، الحديد المائل الذي يبدو انه جزء من نافذة (واقع) يبدو في تلك الوضعية اقرب إلى ( سلم – درج – جسر) ( تأويل ) نحو النافذة التي هي ( السماء – الخير – الجنة – الانعتاق – الخاتمة ) ويمكن بالتالي أن نقول أن البقعة البنية ” تراب الأرض الذي يحمل المشهد بأكمله ما هي إلا إحدى طرفي الثنائي الكوني الأرض و السماء أي ” الحياة – بداية الرحلة وكل شيء ” ، هذه الصورة تصور صراع الرغبات أو صراع الإنسان مع ذاته ومع الحياة رغبة في الوصول إلى كل ما من شأنه أن يقوده نحو الأفضل ، وتعد هذه الصورة من أكثر الصور التي لاقت قبولاً لدي المشاهدين.
تتسم مجمل أعمال المصور أحمد زبيدة فيما يخص فكرة التباين ما بين الظلام والضوء بالبساطة في التكوين وقوة التعبير في آن واحد، دون حشو في أبعاد الصورة من شأنه أن يشتت الانتباه.. موضوع واحد في بؤرة الاهتمام يحمل في داخله مجموعة من التفاصيل بمدلول يتعدي ذاتها يمكن إدراكه ببلاغة بصرية لا أكثر
يوم الخميس 11 نوفمبر 2010