دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — أماكن مصممة لخداع كل من تحط عيناه عليها.. هدفها إخفاء حقيقتها بعيداً عن أعين الناظرين.. هنا، يُنسج الواقع بطرق مقلقة وآسرة في ذات الوقت.. وكأن الحياة فيه جزء من كوكب آخر تجري أحداثه خلف ستائر مسارح عرض تمثيلية.
هكذا هي “المدن المزيفة” أو “قرى بوتيمكين،” التي وثقتها عدسة المصور الفوتوغرافي غريغور سيلور، خلال رحلة استكشاف بدأت في يونيو/حزيران من العام 2015، بهدف مواجهة مفهوم البشر للأصالة والوهم في عالم التصوير الفوتوغرافي.
ويعود المصطلح المستخدم لوصف هذه المدن باسم “قرى بوتيمكين،” إلى حادثة قديمة في روسيا خلال القرن الـ18، قام فيها الحاكم الروسي آنذاك، غريغوري ألكسندروفيتش بوتيمكين، ببناء مستوطنات مزيفة لإخفاء الظروف المتداعية في جزيرة القرم، أثناء زيارة للإمبراطورة كاترين الثانية.
ومنذ ذلك الحين، ارتبط مصطلح “قرى بوتيمكين” بالأماكن الاصطناعية التي تبنى لإخفاء الهوية الحقيقية لمكان ما، غالباً ما يكون غير جميلاً.
وقد لاحظ سيلور وجود النسخة المعاصرة لهذه المدن لأول مرة عند زيارته لبلدة سوزدال، في شمال شرق موسكو، حيث انتشرت عدة مباني بحالات متدهورة، مغطاة بلوحات كبيرة ملونة ومطبوعة لصور مباني مثالية، اُستخدمت لإبهار الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين أثناء زيارته لها. وقد حرص سيلور في صوره على التقاط أطراف اللوحات المتقشرة، التي توحي بأنها ثلاثية الأبعاد من خلال إخفاء الهياكل المزيفة تحتها.
ولدى هذه “المباني” المزيفة هالة غريبة محيطة بها، يجعل الشك بها سهل جداً، إذ تبدو مختلفة كلياً عن المباني الحقيقية من حيث ألوانها الزاهية والفاقعة، فضلاً عن المربّعات السوداء التي ترسم شكل النوافذ، بالإضافة إلى موقعها المنعزل في وسط بيئة شتائية وثلجية بحتة.
ويشرح عالم النظريات، جان بودريلارد، أن “العوالم فائقة الحقيقة،” مثل تلك التي استكشفها سيلور، تجعل التفريق ما بين الواقع والخيال أصعب بكثير، إذ أن “الوهم يصبح غير ممكن، لأن الحقيقي لم يعد ممكن.” ولهذا، قد تهدد هذه المواقع الفرادة، والهوية الأصلية التابعة لكل مجتمع منفصل، كما يؤدي مفهوم “النسخ” إلى تكوين اضطراب نفسي، بسبب مقارنته دائماً بالنسخة الأصلية.
ولا تنتقد صور سيلور بالضرورة ظاهرة “النسخ” هذه، بل تميل صوره بشكل أكبر إلى الاستكشاف ومتابعة الحدود التي تفصل بين الواقع والوهم.
وبما أن الصور الفوتوغرافية تعتبر بحد ذاتها أحد أنواع إعادة التصنيع أو الإنتاج، فتتميز صور سيلور بطبقتين من “النسخ،” واحدة تتمثل في تقليد الهياكل المزيفة للمباني الأصلية، وأخرى في توثيق الموقع باستخدام التصوير الفوتوغرافي.
ورغم أن العديد من المصورين الفوتوغرافيين المعاصروين الآخرين، اعتمدوا أساليب عدة لتسليط الضوء على التصنع والتحريف عند بناء الصور، إلا أن سيلور يصنف صوره من فئة أخرى، تعتمد الحفاظ على علاقة ثابتة تجاه ما هو حقيقي فعلاً، حتى إذا كان ذلك يعني تصوير مواضيع تتمحور حول الوهم وغير الحقيقة.