البيت الحلبي إبداع يجمع الفن بالعمارة
الخميس 14 تموز 2011
لطالما اتصفت بيوت “حلب” القديمة بجمالها وهدوئها تُزيّنها زخارف حجرية وأقواس لدعمها. سقوفها وجدرانها مغطاةٌ بالخشب، المحفور أو بالرخام والمرمر.
الباحث “محمد قجة” |
وقد اهتم الحلبيون منذ القديم بعمارة بيوتهم وأعطوها اهتماماً كبيراً مستخدمين فيها ما أتاحته الطبيعة.
الباحث “محمد قجة” رئيس جمعية العاديات بـ”حلب” ذكر لموقع eAleppo أن هناك العديد من البيوت الحلبية التقليدية تعود للفترة العثمانية وهي بيوتٌ منفتحة نحو الداخل وزخرفتها متأثرة بالعمارة الأوروبية مثل بعض البيوت في “حي بنقوسا” و”الفرافرة”.
وأضاف “قجة”: «لكن البيوت الحديثة التي أقيمت في “الجميلية” و”العزيزية” قد بدأ العمل بها منذ مئة عامٍ ونيف وقد ابتعدت عمارة هذه البيوت عن المنحى التقليدي للبيت الحلبي وشابه النمط الغربي الأوربي، فقد ضمت هذه البيوت شرفات مطلّة على الشارع ويعود سبب انتشار هذا النمط من البيوت لتأثر المهندسين والفنانين الحلبيّين وممن درسوا في أوروبا بالمهندسين الغربيين وغيرهم.
وكما أن للجاليات الموجودة في “حلب” تأثير كبير في ظهور هذه البيوت والتي تشهد الآن ترميم بعضها لإعادة توظيفها سياحياً والاستفادة منها».
لطالما اعتبر الفنان التشكيلي البيوت القديمة لوحة من رحم خصوصية المجتمع، فهو يعد في معظمه انعكاس لبساطة الواقع. الفنان التشكيلي “أحمد عائشة ” قد تناول البيت الحلبي في وصفه فقال: «إن الفناء الذي يتوسط البيت العربي هو جزء أساسي منه وهذا
ما أكسبه صفة مميزة مهمة، وتعود هذه الصفة إلى الفكر الإسلامي الذي كان له دور في تعزيز هذا النمط، وهو نمط معماري مختلف ومتميز لأنه نتيجة الزخم الحضاري الذي نتج عن تأثير الحضارات السابقة وانتخب منها ما يناسب ذائقته ونتج بتوليفة لها خصوصياتها، وإلى الآن ومع كل هذه الاتجاهات تبقى الرغبة ضعيفة للاتجاه نحو البيت العربي لأنَّ الإنسان الغربي فقط هو الذي يملك نظرة عن البيت العربي بأنه جميل أو يُستحق أن يُشاهد وأن يُعاش فيه وذلك لأنَّ الأجنبي يستطيع أن يرى تلك الهيئة المعمارية بنظرة موضوعية خاصة».
لكن المهندسين لم يكتفوا بدمج الفن الشرقي والغربي فقط لكنهم سعوا أيضاً إلى نمذجة البيت العربي على حسب عادات وتقاليد الإنسان الشرقي وحول ذلك تحدثت الدكتورة المهندسة المعمارية “لمياء الجاسر” فقالت: «هناك العديد من البيوت العربية مشهورة بجمالها في مدينة “حلب” مثل بيت “جنبلاط” وبيت “قطرغاسي” بالمدينة القديمة».
وأضافت “الجاسر”: «فالبيوت الحلبية التقليدية تتألف من ثلاثة نماذج فالأول منها عبارة عن باحة تحيط بها عناصر الدار مكونة من ثلاثة أضلاع يلتقيان مع الضلع الرابع الذي يتشكل منه درجان متعاكسان يؤديان إلى غرف في الطابق العلوي
“ايوان جنبلاط” |
الأول، فيما كان النموذج الثاني من البيوت الحلبية يتكون من باحة تحيط بها غرف البيت من جهاته الأربعة وإيوان وأما في النموذج الثالث فقد تميز باتساع المساحة ويتألف من ثلاثة صحون فالصحن الأول معد لاستقبال الضيوف ويسمى الزلملك والصحن الثاني لسكن العائلة ويسمى الحرملك والصحن الثالث مخصص للخدم من بينهم بيت “قطرغاسي” بحي “الفرافرة” وكذلك بيت “غزالة” في حي “الجديدة” الذي يضم ثلاث باحات إلى جانب باحة صغيرة لتخديم الحمام».
وقد قسم المهندسون البيوت الحلبية إلى عدة أقسام فمنها ما قُسّم لإقامة حفلات السمر ومنها من قسمها تباعاً لعوامل الطقس وحول ذلك قالت “الجاسر”: «فعناصر البيت الحلبي يتألف من الباحة والتي تعتبر العمود الفقري للبيت وتضم بركة ماء وتكون مزخرفة من الرخام الملون وتتوضع أمام الإيوان ويمكن أن يكون خلفها مسطبة لجلوس المنشدين عند إقامة الحفلات.
وأما العنصر الثاني من تشكيل البيت الحلبي التقليدي فهو الإيوان الذي يرتفع 50 سنتيمتر وتوجد أمامه عدة درجات للصعود إليه لينفتح على الباحة وتمتد على طرفيه غرفتان وهو متجهاً نحو الشمال ويكون متمتعاً بالبرودة الذي يكثر الجلوس فيه بالصيف والآخر متجهاً جنوباً ليستمد الحرارة من الشمس ليكون
الدكتورة “لمياء الجاسر” |
مجلساً في فصل الشتاء».
لكن المميز في الأواوين بأن هناك العديد من الزخرفات الكتابية والهندسية وبعض النباتات التي تعمل على تزيينه إلا أن هناك خاصتان تميزان البيت الحلبي أضافتهما “الجاسر”: «وهما من أجل الإقامة به وذلك حسب فصلي الشتاء والصيف وفيه قاعات مزخرفة والجدران مكسوة بالخشب المصنوع بالطريقة العجمية من بينها الخشبيات الموجودة في قاعة بيت “وكيل” بحي “الجديدة” الذي يضم رسومات وأساطير ومناظر طبيعية».