ولد المسرحي السوري سعد الله ونوس في قرية حصين البحر القريبة من طرطوس عام 1941، وكان من أسرة فقيرة عاشت ضائقة مالية وصفها ونوس بأنها «سنوات بؤس وجوع وحرمان» .
التحق بالمدرسة الابتدائية وكان لديه ضعفاً في مادة التعبير مما جعله يكثر من المطالعة عملاً بنصيحة مدرس اللغة العربية، وكان أول كتاب اقتناه هو «دمعة وابتسامة» لجبران خليل جبران في عمر الاثنتي عشرة سنة، ثم كبرت مجموعة كتبه وتنوعت “طه حسين، ميخائيل نعيمة، نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس..” وهكذا بعد انتهاء العام الدراسي قضى شهور الصيف يقرأ كل ما يقع تحت يديه، حتى عشق القراءة، وازداد ولعه بها إلى درجة أنه كان يشتري كتبه بالدين.
وفي عام 1959 حصل سعد الله ونوس على الثانوية العامة، وسافر إلى القاهرة في منحة دراسية للحصول على ليسانس الصحافة من كلية الآداب جامعة القاهرة، وفي هذه السنوات الأربع من الدراسة استطاع أن يطل على الأدب المسرحي من خلال محاضرات المرحوم الدكتور محمد مندور.
أثناء دراسته وقع الانفصال في الوحدة بين مصر وسورية مما أثر كثيراً عليه، وكانت هذه الواقعة بمثابة هزة شخصية كبيرة دفعت به إلى كتابة أولى مسرحياته والتي لم تنشر حتى الآن، وهي مسرحية طويلة بعنوان «الحياة أبداً» عام 1961، وفي 1962 نشر في مجلة (الآداب) مقالا حول الوحدة والانفصال، وكذلك عدة مقالات في جريدة (النصر) الدمشقية.
في عام 1963 حصل سعد الله ونوس على ليسانس الصحافة، وانتهى من إعداد دراسة نقدية مطولة عن رواية (السأم) لألبرتو مورافيا ونشرها في (الآداب)، وفي نفس المجلة نشر مسرحيته (ميدوزا تحدق في الحياة)، بعدها عاد إلى دمشق وتسلم وظيفته في وزارة الثقافة.
في عام 1964 كان له نشاط أدبي نشر خلاله ثلاث مسرحيات قصيرة في الآداب البيروتية والموقف العربي بدمشق، وهي مسرحية (فصد الدم) و(جثة على الرصيف) و(مأساة بائع الدبس الفقير)، بالإضافة إلى العديد من المقالات والمراجعات النقدية.
في عام 1965 صدرت أول مجموعة له من المسرحيات القصيرة عن وزارة الثقافة تحت عنوان (حكايا جوقة التماثيل)، وقد ضمت المجموعة ست مسرحيات منها (لعبة الدبابيس) و (جثة على الرصيف) و(الجراد) و(المقهى الزجاجية) و(الرسول المجهول في مأتم انتيجونا).
في عام 1966 حصل ونوس على إجازة دراسية من وزارة الثقافة، وسافر إلى باريس ليطلع على الحياة الثقافية هناك ويدرس المسرح الأوروبي، ولكنه لم يكتف بالمشاهدة والدراسة فقد نشر في (الآداب والمعرفة وجريدة البعث) عدد من الرسائل النقدية عن الحياة الثقافية في أوروبا.
وقد كانت نكسة 1967 بمثابة الطعنة المسددة لشخص سعد الله ونوس عن قصد، حيث أصابته بحزن شديد خاصة وأنه تلقى النبأ، وهو بعيد عن وطنه وبين شوارع باريس، فكتب مسرحيته الشهيرة (حفلة سمر من اجل خمسة حزيران)، ثم مسرحية (عندما يلعب الرجال)، وتم نشرهم في المعرفة، بالإضافة لعدد من الدراسات التي نشرت في الطليعة الأسبوعية السورية.
ومع نهاية العام عاد إلى دمشق حيث عهدت وزارة الثقافة إليه بتنظيم مهرجان دمشق المسرحي الأول في شهر أيار، وبالفعل أقيم المهرجان، وتم تقديم أول عرض مسرحي لونوس من إخراج علاء الدين كوكش، وهي مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) التي كان قد انتهى من كتابتها عام 1969 قبل بدء المهرجان بفترة وجيزة، كما أخرج رفيق الصبان (مأساة بائع الدبس الفقير)، وتم تقديم العملين في عرض واحد خلال المهرجان.
في عام 1970 أجرى حوارين مع برنار دورت وجان ماري سيرو نشرا في المعرفة وكذلك أصدر بيانات لمسرح عربي جديد، واختتم العام بنشر مسرحيته (مغامرة رأس المملوك جابر).
وفي عام 1972 كتب مسرحية (سهرة مع أبي خليل القباني)، كما ترجم كتاب (حول التقاليد المسرحية) لجان فيلار في عام 1976، وأعد (توراندوه) عن مسرحية لبريخت تحمل نفس العنوان، وترجم وأعد (يوميات مجنون) لجوجول.
بعدها حصل على منصب مدير المسرح التجريبي في مسرح القباني، حيث كان عليه أن يؤسس هذا المسرح ويضع برنامجه.
وفي عام 1977 نشر في ملحق الثورة الثقافي على عددين مسرحية (الملك هو الملك)، التي أخرجها فيما بعد المخرج المصري مراد منير وعرضها في القاهرة ودمشق، حيث حضر ونوس العرض في دمشق، وهو يعاني من السرطان .
كما نشر دراسة (لماذا وقفت الرجعية ضد أبي خليل القباني) في نفس الملحق، في عام 1977، وعرضت (يوميات مجنون) في المسرح التجريبي من إخراج فواز الساجر.
أما في عام 1978 قدم مسرحية (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة)، وهي إعادة تأليف لمسرحية بيترفايس، ثم ترجم مسرحية (العائلة توت) عام 1979.
والجدير بالذكر أنه في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982، اعتصم ونوس عن الكتابة لعقد من الزمن تقريباً، منذ أواخر السبعينات ليعود إلى الكتابة في أوائل التسعينات بمجموعة من المسرحيات السياسية بدءاً بمسرحية «الاغتصاب» عام 1990 التي تدور حول الصراع العربي الإسرائيلي.
يعد سعد الله ونوس مؤرخ الهزائم العربية من «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» إلى «طقوس الإشارات والتحولات» عام 1994، وعندما وقعت حرب الخليج عدها الضربة الأخيرة الموجعة، حيث يقول :
«أشك معها في أنها كانت السبب المباشر لإصابتي بمرض السرطان، وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف الوحشي الأميركي على العراق».
وهكذا أصيب سعد بسرطان البلعوم في عام 1992، وقد حدد له الأطباء الفرنسيون مدة للمرض القاتل بستة أشهر، وأنه سيفارق الحياة بعدها، لكنه كما عبر هو نفسه، أنه كافح المرض من خلال إصراره على الكتابة والتأليف والإبداع، وبذلك دخل في صراع استمر خمس سنوات مع المرض، ففي عام 1994 عاوده السرطان في الكبد وبدأ دورة علاج طويلة في دمشق.
وفي لقاء أخير معه قال: «إن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر وأكثر وأنا على حافة هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت، أعتقد أن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من عمري وأفسدت على إنسان عاش خمسين عاماً مثلاً، الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانات».
وفي عام 1997 أبلغت إدارة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم المسرحي الكبير سعد الله ونوس بنيله جائزة نوبل للآداب، وذلك عن ترشيح المجمع العلمي بحلب في سورية، ثم أجمعت على صحة الترشيح الأكاديميتان الفرنسية والسورية، لكن الموت قد سرقه بعد أيام قليلة من هذا الخبر فلم ينل الجائزة، وأسلم روحه في 15 أيار 1997، وقد ترجمت الكثير من أعماله إلى الفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية والبولونية والأسبانية.
مؤلفاته :
– الحياة أبداً 1961، ونشرت عام 2005 بعد وفاته.
– ميدوزا تحدق في الحياة (1964).
– فصد الدم (1964).
– عندما يلعب الرجال (1964).
– جثة على الرصيف (1964).
– مأساة بائع الدبس الفقير (1964).
– حكايا جوقة التماثيل (1965).
– لعبة الدبابيس (1965).
– الجراد (1965).
– المقهى الزجاجي (1965).
– الرسول المجهول في مأتم أنتيجونا (1965).
– حفلة سمر من أجل خمسة حزيران (1968).
– الفيل يا ملك الزمان (1969).
– مغامرة رأس المملوك جابر (1971).
– سهرة مع أبي خليل القباني (1973).
– الملك هو الملك (1977).
– رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة (1978).
– الاغتصاب (1990).
– منمنمات تاريخية (1994).
– طقوس الإشارات والتحولات (1994).
– أحلام شقية (1995).
– يوم من زماننا (1995).
– ملحمة السراب (1996).
– بلاد أضيق من الحب (1996).
– رحلة في مجاهل موت عابر (1996).
– الأيام المخمورة (1997).
الجوائز التي حصل عليها:
تم تكريم سعد الله ونوس في أكثر من مهرجان أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، ومهرجان قرطاج، وتسلم جائزة سلطان العويس الثقافية عن المسرح في الدورة الأولى للجائزة.