أمير خسرو
أمير خسرو | |
---|---|
|
|
معلومات شخصية | |
الميلاد | 1253 |
الوفاة | 1325 دلهي |
الديانة | الإسلام |
الحياة العملية | |
المهنة | شاعر، وفيلسوف، وكاتب، وموسيقي |
اللغات | العربية، والتركية، والهندية، والفارسية |
أمير خسرو الدهلوي المكنى بأبي الحسن والملقب بيمين الدين والمعروف بالحكيم هو شاعر مسلم. ولد ببتيالي بالهند عام 651 للهجرة (1253 للميلاد) وتوفي عام 725 (1325).[1] كان تابع وتلميذ نظام الدين أولياء، ويشار في بعض الأحيان إلى خسرو باسم “صوت الهند” (Tuti-e-Hind)، وقد أطلق عليه “أبو الأدب الأردي“.
في عام 1288، أنهى خسرو أول مثنوية له، وهي “قران السعيدان” (اجتماع النجمين الميمون)، الذي كان يتحدث عن بوغرا خان مع ابنه معز الدين قايق آباد بعد عداء طويل. بعد تعرض قايق آباد لجلطة دماغية في عام 1290 ، قام النبلاء بتعيين ابنه شمس الدين كومار البالغ من العمر ثلاث سنوات كسلطان. ثم قام شخص تركاني أفغاني يدعى جلال الدين فيروز الخلجي بمسيرة في دلهي ، وقتل قايق آباد وأصبح سلطان، وبذلك أنهى السلالة المملوكية لسلطنة دلهي وبدأ سلالة خالجي.
في عام 1290، أكمل خسرو مثنويته الثانية “مفتاح الفتوح”، في مدح انتصارات جلال الدين فيروز. في عام 1294 أكمل خسرو مثنويته الثالثة، “غُرة الكمال”، التي تألّفت من قصائد بين سن 34 و 41.
بعد جلال الدين فيروز، صعد علاء الدين الخلجي إلى عرش دلهي في عام 1296. كتب خسرو “خزائن الفتوح” يسجل الانشاءات بعهد علاء الدين، والحروب والخدمات الإدارية. ثم ألف خماسا (خماسية) مع خمسة مثاني، والمعروفة باسم “خمسة خسرو”، واستكمالها في عام 1298. وقد حاكى فيه نظم الشاعر السابق للملاحم الفارسي نظامي الكنجوي . كان مثنويته الأولى في الخماسية “مطلع الأنوار” تتألف من 3310 الآيات (انتهت في 15 يوما) مع المواضيع الأخلاقية والصوفية. مثنويته الثانية “خسرو وشيرين” تتألف من 4000 الآيات. كانت مثنويته الثالثة “مجنون ليلى” رومانسية. مثنويته الرابعة الضخمة كانت “عين أسكندر”، الذي روى الأعمال البطولية للإسكندر الأكبر في 4500 مقطع. كانت مثنويته الخامسة “هشت بهشت” أو الجنات الثمانية، الذي كان قائمة على أساطير حول بهرام الخامس، الملك الخامس عشر للإمبراطورية الساسانية. كل هذه الأعمال جعلت خسرو نجمة بارزة في عالم الشعر. كان علاء الدين الخلجي سعيدًا جدًا بعمله وكان يكافأه بشكل رائع.
قصيدته الملمعة
له ملمعة منظومة بالفارسية والبرجية. في البيتين الأول والثاني، الصدر بالفارسية والعجز بالبرجية. البيت الثالث فارسي والرابع برجي ثم فارسي فبرجي وهلم جرا:
ز حال مسكين مكن تغافل دورايي نينان بتايي بتيان
كه تاب هجران ندارم اي جان نه ليهو كاهي لگايي چهتيان
شبان هجران دراز چون زلف و روز وصلت چو عمر كوتاه
سكهي پيا كو جو مي نه ديكهون تو كيسي كاتون اندهيري رتيان
يكايك از دل دو چشم جادو به صد فريبن ببرد تسكين
كسي پري هي جو جا سناوي پياري پي سي هماري بتيان
چو شمع سوزان چو ذره حيران هميشه گريان به عشق آن مه
نه نيند نينان نه انگ چينان نه آپ آوين نه بهيجين پتيان
به حق روز وصال دلبر كه داد ما را فريب خسرو
سپيت من كي ورايي راكهون جو جايي پاون پياكي كهتيان
كان أمير خسرو يجيد أكثر من لغة، منها التركية والسنسكريتية والهندية، ويعد أول من نظم الشعر باللغة الأردية، كما كتب بعض القصائد باللغة الفارسية، التي كانت لغة الدوائر الرسمية في البلاد على ما يبدو، أما اللغة العربية فهناك من يقول بأنه كان يجيدها، وإن لم يكتب بها أشعاره، إلا إننا نقرأ له بيتاً من الشعر ربما يكون بهذا المعنى: «لا سكر مصري في فمي لأتحدث العربية»، لكن لا شك في أنه كمسلم كان قريباً من اللغة العربية بطبيعة الحال، ولا تخلو أغنياته ذات الطابع الإسلامي من بعض العبارات العربية، التي تحمل معاني الحمد والتسبيح والمديح النبوي، ونرى أن علاقته بالثقافة العربية لم تقف عند حدود الدين الإسلامي، بل امتدت إلى جوانب أخرى، فكان أحد الشعراء الذين كتبوا نسختهم الخاصة من مجنون ليلى مثل نظامي كنجوي في أذربيجان وأحمد شوقي في مصر، ولعل خسرو هو من جعل أسطورة الحب العربية الخالدة، راسخة في الثقافة الهندية بوجدانها ومخيلتها إلى اليوم، فصار العاشق هو المجنون والمعشوقة هي ليلى في كل زمان ومكان، وقد اعتنت بوليوود كثيراً بحكاية قيس وليلى، وحرصت على استمراريتها وتقديمها بشكل جديد دائماً، وإعادة إحياء هذه القصة الرومانسية الأسطورية كي لا تنسى، وجعلت منها نموذجاً مقابلاً لحكاية روميو وجولييت في السينما الغربية، وعالجتها في أكثر من فيلم سينمائي على مدى تاريخها، كان أحدثها عام 2018 في فيلم مجنون ليلى للمخرج ساجد علي.
قضى حياته بالكامل تقريباً في قصر الحكم، الذي كان له فيه المكان الثابت على الدوام، مهما تغير اسم الجالس على العرش، فقد كان مؤرخاً عظيماً، يحرص كل سلطان على أن يدون سيرته ويحفظها في مصنفاته، التي من أشهرها «خزائن الفتوح» عن حروب السلطان علاء الدين خلجي.
وتعد آلة السيتار، التي اخترعها خسرو، من أهم وجوه عبقريته الموسيقية، التي تنبض إلى اليوم بخفقات شعوره، وتعكس فلسفته الفنية والروحانية، وهي آلة وترية ضخمة يصل عدد أوتارها إلى 19 وتراً، أودعها خسرو أسراره، لتترجم نغماتها المرهفة عن نفسه المضيئة ورقة طبعه وصفاء ذهنه، وهي من أكثر الآلات الموسيقية عمقاً ورقياً، التي نصغي إليها بأرواحنا، وما أن نستمع إلى اهتزازات أوتارها، نشعر بأننا نستمع إلى صوت الشرق، بغرائبه وغموضه وأسراره وروحانيته، وبأنها تتصل مع الوجدان بصلة ما مبهمة ومنسية لا يمكن تفسيرها أو تذكرها، وتكمن روعتها في أنها تلامس جذر الإنسان وأبعد ما في النفس البشرية من أسرار، بقدرتها على الإبانة الموسيقية، والتفاعل الحي التام والتواصل الفريد الفذ إلى اليوم مع الدنيا والكون والوجود، وما يسري في زوايا الوجدان من أفكار ورؤى وأحلام، وما يتهادى في النفس من معان لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها، كما أنها صوت الحضارة الحي الذي لم يمت، بل ازداد حياة على مدى القرون المتعاقبة، وظل يبعث السحر والصفاء والنغم العذب الشجي، وألهمت آلة السيتار العديد من الموسيقيين، فأمسكت بها بعد يد خسرو أياد كثيرة ماهرة، لم تكتف بألحانه التي تعد بالآلاف، بل قامت بتأليف موسيقى جديدة، ويعد رافي شنكار من أبرع عازفي ومؤلفي موسيقى السيتار، وأمهرهم في العصر الحديث، حيث عمل لعقود على نشر صوتها في جنبات العالم، وجعلها دانية للأفهام قريبة من المشاعر، وهو من أهم أقطاب الموسيقى الكلاسيكية الهندية، وتحظى مؤلفاته بالاعتراف العالمي، ولم تلهم السيتار الموسيقيين في الشرق وحسب، لكنها ألهمت البعض في الغرب أيضاً، ومن أشهرهم جورج هاريسون، نجم فريق البيتلز البريطاني الشهير، الذي ترك الصراعات على النجومية والخلافات بين أعضاء الفريق، وذهب ليجد سلام النفس وسكينة الروح في الهند وموسيقاها، وشغف بآلة أمير خسرو، وصار صديقاً وتلميذاً لرافي شنكار، وتعلم العزف على السيتار، ونراه في أكثر من فيديو مرتدياً الملابس الهندية التقليدية، ويجلس متربعاً على الأرض أمام أستاذه الذي يكبره بعشرين سنة، وأصدر ألبومات مع رافي على أنغام السيتار، ومن أجمل أغنيات هاريسون الهندية، أغنية «رب جي ضيا كارو» المذهلة بروحانيتها ومناجاتها للإله طلباً للنور، ولم يخترع خسرو آلة السيتار وحسب، وإنما اخترع أيضاً بعض الآلات الإيقاعية كالطبلة الهندية المكونة من قطعتين، التي نراها تصاحب المغني وعازف السيتار شوجات خان، المختص بتقديم أغنيات خسرو بشكل يقترب بدرجة كبيرة على الأرجح من الأسلوب الأصلي الكلاسيكي، كما أنه يذوب في أشعار وأفكار خسرو الذي يعتبره فيلسوفه الأكبر.
أما فن القوالي فهو من أهم أنواع الغناء الصوفي، التي ابتكرها أمير خسرو، وهو فن جماعي يعتمد بشكل أساسي على الكورال، الذي يلعب دوراً مهماً في الغناء، من خلال ترديد الجمل الشعرية المحورية، وكذلك عمل التداخلات الصوتية، ومنهم من ينفرد أحياناً مغنياً النوتات المرتفعة جداً، بالتبادل مع المطرب الرئيسي، كما يعتمد الإيقاع في جزء كبير منه على الكورال أيضاً، الذي يقوم بالتصفيق بالأيدي بأشكال متباينة، ويعد أحد عوامل الإيقاع الأساسية، إلى جانب الدهول أو الطبلة، ويقوم الغناء على إمكانيات الصوت اللامتناهية، وتطول الأغنية الواحدة أحياناً إلى أكثر من نصف ساعة، وهو فن يذهب بالخيال قديماً في الزمن، وبعيداً نحو الشرق، ويخاطب الروح والمشاعر الإيمانية بالكثير من ذكر الله ومدح سيدنا محمد والصلاة عليه، ونستمع إلى الكثير من قواليات خسرو اليوم بصوت المغني الباكستاني راحت فتح علي خان، بأسلوب أكثر حداثة وعذوبة وسهولة، من أسلوب عمه نصرت، الأقوى والأكثر حدة والأشد تعقيداً، وكان لنصرت الدور الأكبر في نشر فن القوالي خلال السبعينيات والثمانينيات في أوروبا وأمريكا، ويتميز هذا الفن بالانفعال الذي يثيره في أعماق النفس الإنسانية، حيث يتأثر المطرب ويصل إلى حالة وجدانية، يبدو فيها كمن انفصل عن هذا العالم، وقد يصل إلى أشد اللحظات وجداً وولهاً، والانصهار في أشعار خسرو، التي ترقق القلوب، بما تحتوي عليه من معاني العشق والوجد والسعادة المطلقة بالفناء في المحبوب، وبلوغ الغايات الروحية العليا، وتقديس الجمال الأسمى والحب والحنان، وتطهير النفس وتنزيه الروح، ومن أشهر القواليات التي نستمع إليها بصوت نصرت أغنية «نمي دانم جه منزل» التي تعبر عن الغرق في لحظة الوصال والاتحاد بالمحبوب، وذلك الشعور الممتع بالضياع، حيث يكرر بسعادة في نهاية كل بيت: لا أعلم إلى أين أذهب، أو لا أعلم أين أنا.
أما فن القوالي فهو من أهم أنواع الغناء الصوفي، التي ابتكرها أمير خسرو، وهو فن جماعي يعتمد بشكل أساسي على الكورال، الذي يلعب دوراً مهماً في الغناء، من خلال ترديد الجمل الشعرية المحورية، وكذلك عمل التداخلات الصوتية
كما نستمع إلى فن الغزل الذي ابتكره خسرو، أو القصائد المغناة التي تتناول الحب بمعناه المطلق ومستوياته وتأويلاته المتعددة، ويقال إنه كان غزير الإبداع في هذا الفن، إلى درجة أنه ظل يُسمع السلطان علاء الدين خلجي، الذي حكم الهند لمدة عشرين سنة أغنية جديدة في كل ليلة، ومن أشهر غزلياته التي نستمع إليها بصوت نصرت أيضاً، أغنية «زحال مسكين مكن تغافل» التي يناشد فيها المحبوب بألا يتجاهل حاله المسكين وحبه وانعدام صبره على الفراق الطويل، وإذا كان لا يصلنا إلا القليل من معاني أغنيات خسرو المترجمة إلى اللغة الإنكليزية، فإن كل من الموسيقى والغناء والصوت البشري، يترجم الكثير من المعاني والأحاسيس بطريقة أخرى، ولغة أكثر شمولاً وقدرة على الوصول إلى الفهم وملامسة الروح.
أما عن العشق في أغنيات أمير خسرو، فنجده يشير دائماً إلى الحبيب أو المحبوب الإلهي، ويذكر اسم نظام في الكثير من أشعاره، ويكرر هذا البيت «أنا مستعد للموت من أجلك يا نظام»، والمقصود هنا هو «نظام الدين أولياء» 1238 ـ 1325، الصوفي السني الكبير في الهند، الذي يحظى بمكانة روحية رفيعة، وكان أمير خسرو مريده الأول المسموح له بالاقتراب منه والانفراد به، وكان يشجعه على الإبداع الموسيقي والغنائي، بل كان ملهماً له في كثير من الأحيان، ونظام هو المحبوب الأكبر والمعشوق حتى الموت لدى خسرو في أشعاره وفي حياته الفعلية، وكان هو السلطان الحقيقي في نظر الشاعر الذي اقترب من السلاطين وعاش في قصورهم، وفي ما كتبه من أشعار عن نظام الدين أولياء، نجد أعلى درجات العشق الروحي، كما نجد أن نظام هو الموضوع الفني الأول والقضية الخيالية الكبرى في قصائد خسرو، وكان غريباً حبه العظيم له، إلا إنه جدير بالتصديق والاعتراف والإيمان بقوته، ونرى أحياناً أن الجمهور يقف احتراما عندما يغني المطرب إحدى قصائد خسرو عن نظام، هذا الحب لم تخلده الموسيقى والأغنيات فقط، وإنما خلده أيضاً ضريحهما في مقبرة همايون، الذي يعد مزاراً أثرياً مهماً في دلهي، وكان موت نظام الدين أولياء عام 1325 الفاجعة التي هزمت أمير خسرو، وكانت أشد على نفسه من الأسر الذي وقع فيه، عندما هجم المغول على الهند، وذاق التعذيب والتهديد بالذبح في كل لحظة، والجوع والعطش والعري والإذلال، إلا إنه قاوم كل ذلك وتمكن من الهرب منهم، لكنه في عام 1325 عندما كان مسافراً إلى البنغال بصحبة السلطان غياث الدين تغلق، أتاه خبر وفاة نظام الدين أولياء، فهرع مسرعاً إلى دلهي، وتصدق بجميع أمواله، وفارق قصر الحكم إلى الأبد، وأقام في جوار قبر حبيبه لا يفارقه لحظة واحدة لمدة ستة أشهر حتى توفي هو الآخر، ولم يفارقه أيضاً بعد موته، لأنه دفن إلى جواره كما أوصى الصوفي الكبير، وأمام هذا الضريح الشاهد على هذا العشق الأبدي، لا تزال تغنى قصائد خسرو في حب نظام الدين.