ولد محمد الجموسي بصفاقس (تونس) عام 1910 في عائلة محافظة و ميسورة الحال. كان والده يملك مصنعاً للآلات الفلاحية والمحاريث ،و تلقى محمد الجموسي تربيةً تقليديةً تتصف بالتركيز على التعليم مع الحرص على الاندماج في الحياة المهنية من تجارة أو فلاحة عائلية.
دخل الكتاب و حفظ القرآن الكريم وتعلم الأناشيد الدينية والصوفية ، و التحق بعدها بالمدرسة الابتدائية ،و تابع الدراسة في معهد “إيميل لوبيه “في تونس العاصمة، و كان الجموسي طالبا نجيبا، و امتاز بحفظه قصائد لشاعره الفرنسي المفضل “ألفريد ديه موسيه” (Alfred de Musset ) وصنع في ذلك المعهد أول عود بدائي و بدأ يعزف على أوتاره لاستخراج بعض الألحان..
حصل الجموسي من المعهد على شهادة في الرسم التقني و الميكانيك والتصوير الفني،و قد خولته شهادته الالتحاق بالشركة الوطنية للسكك الحديدية كمصور صناعي. إلا أن شغفه بالفن جعله يقرر التفريط في عمله والتفرغ للموسيقى، ولما علم والده الرافض للفن بالأمر دعاه إلى العودة إلى صفاقس وشغله في مصنعه، و انضم خلال هذه الفترة إلى جمعية النجم للتمثيل ، فعرفه الجمهور كممثل ومطرب في مسرحيات غنائيات منها “عبد الرحمن الناصر” و “أميرة الأندلس”.
جمعه القدر ببشير الصرايري، ممثل شركة للتسجيلات بتونس، و الذي أعجب بصوته و اقترح مرافقته إلى باريس لتسجيل اسطوانات غنائية له، و بالفعل سافر الجموسي إلى باريس سنة 1936 و قضى عشر سنوات في التمثيل المسرحي وقيادة الفرق الموسيقية وتسجيل الاسطوانات و منها نذكر “في الشط ما أحلى خطوتها”.
في عام 1946 عاد الجموسي إلى تونس بعد غياب طويل وشارك في العديد من العروض المسرحية والأعمال التلفزيونية. ثم دعي إلى دور البطولة من فيلم “أنشودة مريم” غنى فيها الجموسي ست أغنيات ، و لحن لعدة فنانين ، و منهم “صفية شامية” التي شاركها الغناء في عدة أغاني مثل «ما أحلى قدك والله عاجبني”
أبدع الجموسي في الأنواع المختلفة للغناء مثل أغنية الفريق التونسي لكرة القدم «الليلة عيد»، والأغنية التراثية “يا قادم لينا “و الأغاني الاجتماعية مثل «النساء الله يعيش النساء»…
كما أبدع أيضا في الألحان الفكاهية التي غناها المرحوم محمد الجرّاري و لعل أبرزها أغنية «قهواجي» التي غناها لأم كلثوم بطلب منها عندما زارت تونس…..
و كان للجموسي محطة في الجزائر ، حيث مثل وغنى في فيلم «أنشودة مريم» ، كما عمل في إدارة فرقة دار الأوبرا بالعاصمة الجزائرية ، و من بين أعماله في هذه الفترة أوبريت فاطمه و حماده. و صادف أن التقى الجموسي في الجزائر بعميد المسرح يوسف وهبي، الذي استضافه فيما بعد في مصر ، وهكذا انطلقت رحلة الجموسي مع السينما المصرية حيث مثل عدة أفلام لعل أبرزها فيلم «ظلمت روحي” و “بنت الهوى” و “ناهد” و الأخير من إنتاج عام 1952 ، و هو من بطولة يوسف وهبي و راقية إبراهيم، و محمود المليجي ، و منه أغنية “يا سمرة” التي أداها محمد الجموسي.
بعد عام 1952 عاد الجموسي إلى باريس حيث أشرف على طباعة ديوان شعري بالفرنسية بعدما زار قبر شاعره المفضل “ألفريد دي موسيه” وهو بعنوان “النهار والليل”.
كما أدى أغنيت الشهيرة معلوم، و التي يقول مطلعها:
معلوم، هذا معلوم في الدنيا لا حال يدوم، نهيّر شمسو لهّابة، ونهار شوية غيوم، ووجه الله يدوم…..
اعتلت صحة محمد المجوسي في أواخر أيامه فأدخل المصحة على جناح السرعة دون أن ينقطع عن الكتابة وهو طريح الفراش إلى أن غادر عالمنا عام 1982، بعد أن كانت حياته مسيرة إبداعية في كل المجالات الفنية ..
* من البرنامج الإذاعي (منمنمات منوعة)
إذاعة دمشق
تقديم: مهند منصور
إخراج: أحمد فراج