كان للعلماء الذين يعملون في مجال الطب أو التكنولوجيا الحظ الأوفر من الشهرة أما علماء النبات فلم تكن الشهرة تطرق أبوابهم على الرغم من أنجازاتهم المهمة في جانب من أهم جوانب الحياة والذي بدونه لهلكت البشرية.
لعائلة من المينونات أحد الطوائف المسيحية المتشددة والمتمسكة بالحياة البدائية وسط المدنية، ولدت كاثرين إيسو يوم 3 أبريل عام 1898 في أوكرانيا. كان جدها الأكبر آرون إيسو يعمل في تجارة الحبوب. درس والدها جون وعمها يعقوب في المدارس الروسية وأصبح عمها طبيب عيون ووالدها مهندس ميكانيكي.
بعد سنوات، تولى والدها منصب عمدة يكاترينوسلاف، المدينة التي شهدت مولدها، حيث بنى محطات المياه، وخط الترام، والمباني الكبيرة، والعديد من المدارس.
تعلمت كاثرين القراءة والكتابة في المنزل قبل الذهاب إلى المدرسة. وحين التحقت بالمدرسة تعلمت اللغة الروسية ودرست القصص الألمانية والأنجيلية. بعد أن أنهت المدرسة في عام 1916، دخلت كلية جوليتسين الزراعية للنساء في موسكو، والتي درست فيها العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا.
وحين قامت الثورة البلشفية بعد عامها الجامعي الأول وتوقفت الدراسة، بقيت في ايكاترينوسلاف بانتظار ما ستنتهي إليه الأمور وأستفادت بوقتها بأن درست اللغة الإنجليزية، وأخذت دروسًا في العزف على البيانو، وحضرت مدرسة البستنة، وجمعت النباتات التي كان من المفترض أن تقدمها في المدرسة في السنة الثانية. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانسحاب الجيش الألماني من أوكرانيا فرت العديد من العائلات الأوكرانية إلى ألمانيا ومنهم عائلة إيسو.
في ألمانيا، تم تسجيل كاثرين في الكلية الزراعية في برلين. لحسن الحظ أنه تذكرت جمع أوراق دراستها معها وهي تفر من أوكرانيا. بعد قضاء فصلين دراسيين آخرين في برلين واختبار نهائي ، حصلت على لقب “معلمة زراعة”. ثم درست تربية النباتات على يد أحد علماء الوراثة المشهورين آنذاك.
لكن الترحال كان قدر العائلة التي قررت ترك ألمانيا والسفر إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة في عام 1922.
كان والدها يخطط لشراء مزرعة حتى تطبق أبنته ما تعلمته في الزراعة لكنها أقنعته بأنه من الأفضل أن تجد وظيفة. وبعد فترة، بدأت كاثرين العمل في مزرعة لإنتاج البذور وخاصة بذور بنجر السكر ولكن بعد سنة واحدة أفلست المزرعة.
ثم تعاقدت كاثرين مع شركة سكر سبريكلز حيث كانت مهمتها الرئيسية تطوير بنجر السكر المقاوم لمرض تجعد القمة وهو مرض فيروسي يسبب تجعد أوراق النباتات ويصيبها بالتقزم الشديد. انخرطت سبريكلز بنشاط في أعمال إكثار بنجر السكر ونجحت في الحصول على سلالة مقاومة ، أطلقت عليها اسم P19 لكن السلالة الجديدة كانت تحتاج للتطوير للتغلب على عيوب مثل ضعف جذرها وانخفاض محتواها من السكر وكانت تلك هي مهمة كاثرين..
أثناء العمل على تطوير البنجر راود كاثرين حلم الدراسات العليا مع مواصلة أبحاثها حول بنجر السكر. لم يكن لدى سبريكلز أي اعتراض كانوا سعداء أنها ستواصل أبحاث بنجر السكر في الجامعة.
سجلت كاثرين كطالبة دراسات عليا في قسم علم النبات وأخذت دورات في الكيمياء العضوية والفيزيائية. وأثناء ذلك بدأت تجاربها لتطوير سلالة من بنجر السكر مقاومة لفيروس تجعد القمة ولما تعذر ذلك لأسباب متعددة اقترحت استبدال تلك التجارب بدراسة حول تأثير فيروس تجعد القمة على النبات مما يتطلب تشريح النبات، وكان لديها كل ما يلزم لتلك الدراسة.
حصلت كاثرين على الدكتوراة عام 1932 وتم تعيينها مدرسا لعلم النبات وكعالمة نبات مبتدئة في محطة التجارب بكلية الزراعة. كانت سعيدة بشكل خاص بالتعيين الأخير لأنه سيوفر لها وقتًا للبحث وقررت أن تستمتع بالتدريس فشهد لها طلابها بأنها معلمة ممتازة.
بعد ذلك بدأت كاثرين العمل في أبحاث حول أنسجة اللحاء، وفي أوائل الستينيات، تحولت إلى المجهر الإلكتروني والذي عزز إلى حد كبير فهم العلاقات بين النبات المضيف والفيروس.. كان التصوير المجهري يتم في غرفة مظلمة ولم يكن مبنى البستنة مجهزا لذلك فتم عزل جزء من غرفة لجعلها مظلمة وتصلح للعمل الفوتوغرافي. فأعدت كاثرين غرفة مظلمة في منزلها وكانت جميع صورها المنشورة “منتجة منزليا”.
في عام 1957 تم انتخابها للأكاديمية الوطنية للعلوم. انتقلت كاثرين إلى سانتا باربارا في عام 1963 حيث قضت 22 عاما هي الأكثر إنتاجية. ظلت كاثرين محبة للعمل والتعلم طيلة حياتها، ففي سن 86 عاما تلقت دروس في تشغيل الكمبيوتر لإعداد كتابها الجديد وطباعته. نشرت بحثها الأخير في عام 1990 واستمرت في العمل على مراجعات كتابها تشريح النبات حتى عام 1992. وتوفيت عام 1997 بعد حياة طويلة مدتها 99 عاما وهبتها كلها لدراسة النبات.