مصطفى الجمل
وسط الأحداث الصعبة، كانوا هم في المقدمة، لم ترهبهم النيران، لم توقف زحفهم أصوات الطلقات الطائشة، شاهدوا زملائهم يدفعون حياتهم ثمن ضغطة زر، حتى ذلك لم يردهم إلى منازلهم، آمنوا بأن الحقيقة ليست شيطاناً يكمن في التفاصيل، فتحولوا من مجرد ناقلين للحدث إلى صناعه.
المصورون بصفة عامة وفي القلب منهم المصورون الصحفيون، جنود مجهولة، تعاظم دورهم في مصر بعد ثورة يناير 2011، وما شهدته البلاد من أحداث دامية، غيروا بضغطة زر تأخذ كسر من الثانية مجرى حياة بشر، برئوا مظلوم، وقادوا متهم إلى حبل المشنفة، ونقلوا آخرين من الظل إلى الضوء، ومن الفقر إلى الغنى.
عزت السمري، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، أو كما يناديه زملائه المصورون بـ«عم عزت» غير بضغطة زر واحدة حياة الشاب محمود عبد العظيم والشهير بـ«محمود عبده»، والذي عرف إعلامياً خلال الفترة الماضية بـ«الراقص بقدم واحدة» أو«الراقص بعكازه»، بعد أن تناقلت جميع الوكالات والمواقع الصحفية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، صورة محمود وهو يرقص بقدم واحدة فرحاً بفوز المنتخب المصري، على نظيره الكونغولي وتأهله لكأس العالم 2018 بروسيا قبل جولة واحدة من نهاية التصفيات المؤهلة لكأس العالم، كما قام عدد من رجال الأعمال المصريين والعرب بالتبرع بطرف صناعي ورحلة إلى روسيا للشاب الذي لم تعقه بتر قدمه عن ممارسة هوايته في لعب كرة القدم أو تشجيع فريقه المفضل ومنتخب بلاده.
محمود الذي يعمل بالمحاماة وبأحد محال الملابس الجاهزة، لم يترك مباراة لفريقه الأهلي إلا وذهب إليها، فكافأه عم عزت بصور، وثقت لحظة فرحه بفوز المنتخب ورقصه بالعكاز وبدونه، والتي اختارها الموقع الرسمي للفيفا، كعنوان للأمل.
عن كواليس التقاط الصورة، يقول عزت السمري: «الصورة التقطت بعد انتهاء المباراة مباشرة ولحظة إعلان فوز المنتخب بعد أن سمحت قوات الأمن للجماهير بالنزول للملعب للاحتفال، ولفت نظري هذا الشاب باستعراضاته الراقصة وشدة فرحته، قبل بدء المباراة أدى هذا الشاب رقصات عديدة على عكازيه وسط مدرجات الجماهير المخصصة لذوي الإعاقات الحركية، كان يرقص بطريقة جميلة جدا، ولفت نظري له من قبل الماتش لكن مقدرتش أوصل ليه وأصوره لأن الأمن مشدد، ومخصص أماكن للمصورين، وأول ما الماتش خلص والجمهور نزل يحتفل صورته الصورة دي، عشان أقدر أصوره من الزاوية ده طلعت فوق الدكة، وصورته أكتر من لقطة والصورة دي اللي انتشرت بين الناس، ومعرفش اسمه لحد دلوقتي لكن كان منظره حلو جدا وهو فرحان».
شارك عزت السمري في التقاط هذه الصورة، المصور الصحفي زيزو عبدالعزيز، المصور بمجلة أكتوبر، فهو الآخر لفت مشهد محمود عبده انتباهه، ولقط الصورة فى نفس اللحظة مع السمري.
يقول زيزو، عن تفاصيل التقاط الصورة: « منذ لحظة دخول بوابة الاستاد ويلفت صاحب العكازين انتباه الجميع، محمود لفت نظرنا بحركته وخفته والتنطيط بتاعه فى كل حته فى الملعب، بدأ تنطيط محمود عند احتساب ركلة الجزاء”، يضيف زيزو “محمود بدأ تشجيعه وتحركة بالعكازين، وعندما سجل صلاح الجول عمت الفوضى للاحتفال بالصعود وكان محمود يحتفل بطريقته الخاصة، وقف محمود على قدم واحدة ورفع العكازين لأعلى، واصطحبها دموع الفرح والتشجيع بأعلى الأصوات.. وبعدها عمل الشقلباظ على العكازين، فى تلك اللحظة كان جميع المصورين مشغولين بالتقاط الصور للاحتفال، وركزت انا لالتقاط لحظة احتفال محمود الذي لم يتعد الثواني».
محمد أسد، المصور الصحفي بجريدة الدستور، ساهم في تبرئة مجموعة شباب من تهمة حرق اتحاد الكرة، بعد الحكم النهائي في القضية المعروفة اعلامياً بـ«مجزرة بورسعيد»، عندما التقط لهم صوراً وهم يحاولون انقاذ ما يمكن انقاذه من الدروع والكؤوس الموجودة بمقر الاتحاد.
يقول «أسد» عن كواليس التقاط هذه الصورة: «بعد الحكم النهائي في قضية مجزرة بورسعيد، توجه مجموعة من جماهير النادي الأهلي ونادي الشرطة، وأشعلوا النار في الاتحاد، بعدها دخل مجموعة من الشباب، غامروا بحياتهم لحماية الدروع والكؤوس، وصورتهم أثناء هذه اللحظات وهو يغامرون لحماية الكيان والمقر، الإعلام يومها اتهمهم بحرق الاتحاد، وطالبت الشرطة من يعرفهم أن يبلغ عنهم، فقمت بطلب مداخلات هاتفية مع كابتن مدحت شلبي، وأوضحت له حقيقة الأمر، وأطلعته على الصور، فتأكد من صدق كلامي، وفوراً اعتذر عن اتهامه للشباب بحرق المقر، ونشر صوري وانا كنت نشرتها على صفحتي وفي جريدتي، وانقلب الرأي العام 360 درجة، وتبدل حال الشباب من متهمين إلى أبطال، وجب تكريمهم».
وتابع «أسد»: «زارني الشباب بعدها في مقر الجريدة، ووجهوا لي التحية والشكر، لأنهم عاشوا ليلة مقلقة بسبب اتهام الإعلام لهم بحرق المقر، وكان أهلهم يفكرون في كيفية تهريبهم، لحين هدوء الأوضاع، إلا أن مداخلتي ونشر صورهم ساعد في قلب موازين الأمور، لم أشعر بسعادتي وقتها، وفي حقيقة الأمر لم أكن متخيل أن تلك الصور التي التقطتها لدعم موضوع صحفي بها، ستكون سبباً في فك كرب انسان وتبرئته من تهمة، كانت كفيلة بسجنه عدد غير معلوم من السنين».
كريم عبدالكريم، المصور الصحفي بجريدة اليوم السابع، كان له موقف بطولي من نوع آخر، كريم كان واحد من الأبطال الذين شاركوا في تغطية أحداث اقتحام الشرطة لكرداسة والقضاء على العناصر التكفيرية المسيطرة عليها، وساقه القدر أن يسجل بطولة واحد من زملائه المراسلين، تامر مجدي، مراسل قناة المحور وقتها، وهو يحاول إنقاذ اللواء الشهيد نبيل فراج، في أحداث كرداسة، بعد أن أصابه رصاص الإرهاب الغادر.
بسبب تلك الصورة، تصدر تامر مجدي الصفحات الأولى للجرائد الصادرة في اليوم التالي للملحمة، كما فاز بعدد من الجوائز الصحفية والإعلامية، كأفضل مراسل إعلامى، ودرع الدكتوراه الفخرية من جامعة بوسطن، كما لقي إشادة واسعة من جميع نشطاء ومتداولي مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أن صوره وهو يحاول إنقاذ اللواء نبيل فراج، باتت توثق لذكرى تلك الملحمة الوطنية، التي أظهرت مدى التعاون بين وزارة الداخلية والصحفيين والإعلاميين.
يقول تامر عن تلك الصورة: «كريم عبد الكريم صاحب تلك الصورة، قام بعمل بطولي لا يقل عما قمت به، فوسط الطلقات التي كانت تأتينا من كل جانب، لم يترك كاميرته، وأصر على التقاط صور توثق للملحة واللحظة الفارقة، وهنا يكم الدور والمعنى الحقيقي للمصور الصحفي المحب لمهنته، فله مني كل تقدير وشكر».
كما أشعلت صورة سيدة مسنة تخرج الشوك من أياد زوجها بائع التين الشوكى العجوز، موقع التواصل الاجتماعي، لتصبح السيدة في نصف ساعة أيقونة إنسانية ورمز للإخلاص.
احتفاء الآلاف بالصورة، دفع البعض للبحث عن صاحبها، الذي اتضح فيما بعد أنه الزميل المصور الصحفي محمد شرف.