(إيطاليو كالفانو)
نحن الآن نشعر بالمرور السريع للوقت أكثر من أي زمن مضى، دائما علينا تحديد أولوياتنا في كل ما نفعل، فالحياة قصيرة جدا، والخيارات كثيرة، وعلينا أن نقرر ما الذي نريد فعله حقا. وعندما نتذكر عشرات الكتب التي نريد أن نقرأها، يخطر لنا أننا حتى لو عشنا حياة أخرى على حياتنا، فإنها لن تكفي لقراءة كل هذه الكتب. لكن بالرغم من وجود ملايين الكتب القديمة وآلاف الكتب الجديدة الجيدة فإن الكتب العظيمة التي فتحت آفاقا جديدة للوعي والفهم البشري هي حقا قليلة بل نادرة. هناك الكثير من القوائم التي ستجد بها الكتب الأكثر تأثيرا في التاريخ والتي من أشهرها قائمة لو موند، وقائمة التليغراف، وقائمة مجلة التايم، تحتوي هذه القوائم على أنواع مختلفة من الكتب: أدبية وفكرية وعلمية، نعرض منها هنا قائمتنا بأهم الأعمال الأدبية الكلاسيكية التي أجمع عليها الأدباء والنقاد عبر التاريخ.
الأعمال التي ستُذكر في هذه القائمة هي أهم الأعمال الأدبية وتحديدا الروائية، لا تحتوي قائمتنا المسرحيات العظيمة لشكسبير ولا أشعار هوميروس، ومعظم الروايات التي اخترناها هنا هي الأكثر تكرارا في قوائم أفضل الأعمال الأدبية التي شارك فيها أدباء ونقاد من كل مكان في العالم.(1)(2)(3)(4)(5) كما أخذنا في الاعتبار أثناء الاختيار أن تكون الروايات المذكورة لأدباء اعتُبرت جُلّ أعمالهم الأدبية أعمالا استثنائية أو ذُكر لهم أكثر من عمل واحد في القوائم المفضلة لدى الأدباء والنقاد، وترتيب القائمة ليس ترتيبا للأفضلية. في مقالها عن كيفية قراءة الأعمال الكلاسيكية والاستمتاع بها تقول إيمي إكس وانغ: “الأعمال الأدبية الكلاسيكية؛ تحفة الأعمال الأدبية، التي لطالما سمعت وتسمع أنها أعمال راقية وساحرة وعظيمة، لكنك في الواقع لم تأخذ أيا منها لتحاول قراءته، أو حتى جربت في عصرنا الرقمي أن تقرأها على جهازك اللوحي. وبالرغم من ذلك ما زلت تشعر برغبة داخلك في أن تقرأ رواية كلاسيكية على الأقل في إحدى مراحل حياتك”، ربما قد حان الوقت.
رواية مارسيل بروست “البحث عن الزمن المفقود” هي الرواية الأطول في العالم، تصل عدد كلماتها إلى 1.2 مليون كلمة. نُشرت الرواية خلال أربعة عشر عاما في سبعة مجلدات، واعتُبرت واحدة من الروايات العظيمة على الفور. بأسلوب شديد الحساسية كتب بروست حكاية رجل يبحث عن معنى وسبب حياته في تأمل مستمر لكل الأشياء التي مر عليها، يعتقد النقاد أن هذا الرجل هو نسخة مقنعة من بروست نفسه.(6)
يعتبر الكثيرون رواية الكاتب الأيرلندي جيمس جويس عوليس أو يوليسيس تحديا حقيقيا للقارئ وواحدة من أصعب الأعمال الأدبية للقراءة. فهذه الرواية لها لغتها الخاصة جدا، التي كُتبت بطريقة معقدة وفذة، حتى إن فصولها تُقرأ بترتيب خاص. أفضل ترجمة للرواية باللغة العربية هي ترجمة طه محمود طه الباحث الأكاديمي المتخصص في كل ما يخص جيمس جويس وعوليس. عن ماذا تتحدث هذه الرواية؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال ببساطة، لكنّ واحدا من الأشياء التي تجعل هذه الرواية مثيرة للاهتمام أن كل فصل مكتوب بطريقة مختلفة، هناك فصل مكتوب على هيئة مسرحية، وفصل في صورة رواية رومانسية تافهة، وهكذا.(7)(8)
يعتبر بعض النقاد رواية دون كيشوت أو دون كيخوتي للأديب الأسباني ميغيل دي ثيربانتس أول عمل روائي في العصر الحديث. تحكي الرواية حكاية رجل أراد أن يكون فارسا مثل الفرسان الذين قرأ عنهم في الكتب، فارتدى درعا وأطلق على نفسه دون كيشوت، وعندما لم يجد الأشرار والتنانين الذين يجب محاربتهم تخيل أن طواحين الهواء وحوشا عملاقة. يُضرب المَثل بهذه الرواية كثيرا عندما يحارب أحدٌ الأشخاصَ في الاتجاه الخاطئ أو أعداء وهميين فتكون حربه بلا معنى ولا جدوى كأنه يحارب طواحين الهواء.(9)
تقريبا معظم أعمال الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي صُنّفت ضمن قوائم أفضل وأهم الأعمال الأدبية وأكثرها حساسية وعبقرية، خصوصا رائعتيه “الإخوة كارامازوف” و”الجريمة والعقاب”. تُرجمت أعماله إلى كل اللغات واقتُبست كثيرا في السينما والدراما، وكان لها تأثير كبير على فرويد الذي كان يقول إن كل فكرة خطرت له في علم النفس قد سبقه لها دوستويفسكي.(10)
رواية ضخمة للكاتب الروسي العظيم ليو تولستوي لدرجة أنك قد لا تستطيع أن تقرأها ممسكا بها وأنت جالس على السرير. هذه الرواية الطويلة للغاية يمكن اعتبارها بمنزلة مسائلة وفحص مثير للتاريخ. يجسد تولستوي في “الحرب والسلام” مجموعة من الشخصيات الأكثر واقعية التي يمكن أن تقرأها في حياتك. كذلك فإن روايته “أنا كارنينا” تصدّرت أيضا الكثير من قوائم أفضل الأعمال الأدبية وينصح بها النقاد كبداية ممتعة وممتازة لقراءة الأعمال الكلاسيكية للمبتدئين. واعتبرها وليام فوكنر الرواية الأعظم الوحيدة في التاريخ على الإطلاق.(11)
يُعدّ الكاتب والطبيب الروسي أنطون تشيخوف واحدا من أفضل كُتّاب القصة القصيرة وأهم روادها في التاريخ، وهو أيضا كاتب مسرحي كبير. مارس الأدب والطب طوال حياته، وكان يقول إن الطب زوجتي والأدب عشيقتي. الأعمال المختارة لتشيخوف هو مجلد لمجموعة من القصص التي وُضعت على قوائم الأكثر مبيعا في العالم.(12)
قال عنها وليام كندي في مراجعات الكتب التي تنشر في صحيفة نيويورك تايمز: “أول عمل أدبي رفيع منذ سفر التكوين والذي يجب أن يقرأه الجنس البشري بأكمله”. وقال عنها الشاعر بابلو نيرودا إنها أفضل تجلٍّ للغة الإسبانية منذ أن كتب ثيربانتش دون كيشوت. تقع أحداث الرواية على مدار ستة أجيال في قرية خيالية تُدعى ماكندو، الرواية مليئة بالأحداث الغريبة والسحرية.(13)
كافكا هو أحد أعظم الكتاب التشيك. الكثير من أعماله ذُكرت في قوائم أفضل الأعمال الأدبية خصوصا “المحاكمة” التي كتبها في ليلة واحدة فقط. من المعروف أن عوالم كافكا ليست سارّة أبدا، بل تشبه في الكثير من الأحيان كوابيس لا يمكن الفرار منها. ربما ساهم تأثر كافكا بقسوة أبيه واستبداده والرعب النفسي الذي سببه له وعدم قدرة أمه الضعيفة من حماية ابنها منه في خلق عوالمه الكابوسية.(14)
تتميز هذه الرواية للأديب الأميركي ويليان فوكنر بأنها عمل أدبي ليس من السهل هضمه وله مستويات مختلفة للوعي وشخصياته مركبة ومعقدة. يرى النقاد أن العنف المكثف في هذه الرواية كان هدفه نبذ العنف. زمن هذه الرواية ليس زمنا تقليديا مما جعل سارتر يقول: “ما الذي جعل فوكنر يجزّئ الزمن في روايته ويمزج هذه الأجزاء بلا ترتيب، ولماذا كانت أول نافذة تفتح على العالم الروائي فيها مروية على لسان شخص معتوه؟”.(15)
تُعبّر فيرجينيا وولف بالكلمات عن الإثارة والألم والجمال والرعب فيما أسمته العصر الحديث. استلهمت وولف كثيرا من بروست وجيمس جويس وكانت تبحث بشكل مستمر عن طرق جديدة في التعبير تناسب تعقيدات الوعي الحديث، وكانت من أوائل كُتّاب تيار الوعي. تعتمد معظم رواياتها على التأمل الفلسفي الخالي من الأحداث والحوارات. وتُعدّ روايتها “إلى المنارة” النسخة الخيالية لنشأة عائلة وولف.(16)(17)
الحقيقة أن معظم القوائم التي ترشح أعظم الأعمال الأدبية كانت تضم 100 رواية عظيمة. تختلف مكانة كل رواية في القوائم المختلفة لكن هناك مجموعة من الروايات لا تخلو منها أي قائمة، بالإضافة إلى الروايات العشر السابقة لا يمكن لقائمة أن تخلو من روايات مثل: “1984” لجورج أورويل، و”لوليتا” لفلاديمير نابوكوف، و”الغريب” لألبير كامو، و”مدام بوفاري” لفلوبير، و”موبي ديك” لهيرمان ملفيل، و”الحارس في حقل الشوفان” لسالينغر، و”مغامرات هلكبري فين” لمارك توين، و”مغامرات أليس في بلاد العجائب” للويس كارول، و”غاتسبي العظيم” لفيتزجيرالد، و”جين أير” لتشارلوت برونتي، و”مرتفعات وذرنغ” لإيميلي برونتي، و”آمال عظيمة” لتشارلز ديكنز، و”لمن تقرع الأجراس” لهيمنجواي. ربما سينضم في السنوات المقبلة لهذه الكتب الكلاسيكية أعمال أدباء عصريين مثل جوزيه ساراماغو وميلان كونديرا وغيرهم من الأدباء الاستثنائيين.