معرض “32 إنسان – لقاء”.. كسر الصورة النمطية عن المهاجرين
أدت عوامل عدة إلى قولبة الصورة الذهنية عن اللاجئين لدى الرأي العام الألماني، ما دفع عدة مبادرات ومشاريع لمحاولة تسهيل الاندماج المجتمعي والتعريف بالآخر وتشجيع التسامح والتعددية. معرض صور قدم مساهمة مميزة في هذا المضمار.
القاعة مكتظة عن آخرها: 200 إنسان من مختلف الأعمار والمنابت والمشارب. وسائل إعلام عربية وألمانية محلية بأضوائها الساطعة وكاميراتها الدائرة. بورتريهات (صور وجوه) لاثنين وثلاثين مهاجراً تشع ابتسامات. وبجانب كل شخصية مصورة نبذة مختصره عن بطلها: ماضيه، ومشاريعه، وأحلامه، وأمانيه…الخ.
البورتريه وسيلة للاندماج
معرض “32 إنسان – لقاء” ثمرة تعاون وجهد دؤوب من المهاجر السوري محمد عيسو (25 عاماً) والألماني توماس شونفيلدر (73 عاماً). الفكرة طورها محمد وتوماس من أجل “المساهمة بإدماج اللاجئين الجدد في المجتمع الألماني”، يقول محمد في حديثه مع مهاجر نيوز، ويضيف أن الرسالة الثانية التي كانت على عاتقه كسوري لاجئ إلى ألمانيا هي تسليط الضوء على “معاناة اللاجئين”.
بالنسبة لتوماس، الذي يحمل عدة شهادات جامعية من بينها الهندسة المعمارية ودبلوم علم الاجتماع وهو مصور فوتوغرافي منذ عقود، المشروع فني ولكنه أولاً وقبل كل شيء هو مشروع سياسي، إذ يريد أن يقدم مساهمة شخصية منه ضد معاداة الأجانب، على حد تعبيره.
ولكن لماذا اختار توماس البورتريه بالذات كوسيلة لنقل رسالته؟ يجيب على ذلك بأن “البورتريه هو شيء شخصي جداً. قدمنا أناساً من سوريا وأفغانستان وأفريقيا كوسيلة ضد تنميط الناس ووضعهم ضمن مجموعات وفرق حسب الدين أو العرق أو القومية أو المنبت الجغرافي وغيرها”.
كاريتاس تغيث وتدمج
لم يكن للمعرض، الذي تنقل على مدار أسابيع بين عدة صالات عرض في منطقة أيويسكيرشن الواقعة في أقصى غرب ولاية شمال الراين-ويستفاليا ويقارب عدد سكانها 200 ألف نسمة، ليرى النور لولا دعم جمعية كاريتاس والمسؤولين عن شؤون الاندماج في المنطقة الإدارية. وكاريتاس جمعية إغاثية كاثوليكية تنشط في كثير من بلدان العالم وتقدم الخدمات الإغاثية الطارئة والمساعدات التنموية والخدمة الاجتماعية.
انخرط محمد عيسو في الحراك الشعبي السلمي في سوريا كناشط صحفي في مدينته رأس العين. لكنه اضطر للخروج من بلده واستقر به المطاف في نهاية عام 2014 لاجئاً إلى ألمانيا. بعيد وصوله شرع في تعلم اللغة الألمانية ثم عمل حتى نهاية العام قبل الماضي في أعمال تتطلب جهدا عضليا.
في 2018 أنجز محمد ثلاثة مشاريع مع جمعية كاريتاس: فيلم يتناول الاندماج، وإعطاء دورة تدريبية في التصوير، ومعرض “32 إنسان – لقاء”. ويعمل مع الجمعية على مشروع جديد وهو عبارة عن فيديو قصير عن الأديان في منطقة أيويسكيرشن في ولاية شمال الراين-ويستفاليا. والهدف القادم للشاب السوري إنهاء مستوى B 2 من اللغة الألمانية لكي يتمكن من دراسة الإخراج.
“تعلمنا من أخطاء الماضي“
نجاحات الشاب السوري محمد عيسو ليست يتيمة ولا منعزلة؛ إذ أثبت الكثير من المهاجرين الجدد قدرتهم على الاندماج. وقد لقيت تلك الإنجازات استحساناً وثناء من قبل مسؤولين ألمان. في الشهر الأخير من عام 2018 أكد رئيس اتحاد أصحاب العمل الألمان إينغو كرامر في مقابلة مع صحيفة “أوغسبورغر ألغيماينة” المحلية، أنه شخصياً “متفاجئ بسرعة اندماج اللاجئين” الواصلين منذ 2015. وأضاف “من أصل أكثر من مليون لاجئ يتابع 400 ألف منهم تدريباً مهنياً أو حصلوا على وظيفة”، مؤكداً “نعم، لقد نجحنا في إدماجهم”.
وأوضح كرامر أن “معظم الشبان المهاجرين يتحدثون جيداً اللغة الألمانية بعد عام من الدروس التي يستطيعون متابعتها في مدرسة لتعليم اللغات”. وأضاف “يتعين علينا ألا نخاف من الهجرة بل يتعين أن نعتبر الأشخاص الذين يأتون إلى بلادنا ويعملون فيها عنصر إثراء”.
في نفس الاتجاه ذهبت المكلفة بشؤون الاندماج في حكومة ولاية شمال الراين-ويستفاليا سراب غولر، وقالت في حوار سابق مع مهاجر نيوز “إن أكبر إنجازات ألمانيا في الاندماج هو الإدماج في سوق العمل”، مؤكدة أن النجاح لا يشمل فقط اللاجئين الجدد بل يتعداه إلى “العمال الضيوف” (القدامى). غير أن المسؤولة المحلية في الولاية، التي احتضنت إحدى مناطقها الإدارية معرض “32 إنسان – لقاء”، لفتت النظر إلى “الفشل في الاندماج المجتمعي: الناحية الثقافية والقيم السياسية كالديمقراطية ومعايير وعادات المجتمع”، بيد أنها عادت واستدركت أن ألمانيا “تعلمت من أخطاء الماضي”.
خالد سلامة – مهاجر نيوز 2019