علي باشا مبارك
علي باشا مبارك | |
---|---|
|
|
معلومات شخصية | |
الميلاد | 1823 برنبال الجديدة إحدي قري محافظة الدقهلية |
الوفاة | 1893 القاهرة |
مواطنة | |
الأب | الشيخ مبارك |
الحياة العملية | |
المهنة | كاتب، وسياسي |
اللغات | العربية[2] |
علي باشا مبارك اقترن اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضة والعمران، وتعددت إسهاماته فيها.
ولد علي مبارك في قرية برنبال والتابعة لمركز منية النصرحاليا و التي كانت تتبع حين ذاك مركز دكرنس محافظة الدقهلية سنة 1239 هـ / 1823م، ونشأ في أسرة كريمة، عندما ولد علي مبارك فرح أهل القرية كلها بمولده مجاملة لأبيه ولأمه التي لم تلد من قبله سوى الاناث، و، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة في التعلم إلى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العيني سنة (1251 هـ / 1835م) وهو في الثانية عشرة من عمره، وكانت المدرسة داخلية يحكمها النظام العسكري الصارم، وبعد عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل علي مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبي زعبل، وكان نظام التعليم بها أحسن حالاً وأكثر تقدمًا من مدرسة القصر العيني. حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد أبي خضر عندما كان يذهب إلى الشيخ أحمد ابي خضر يراه كاشر الوجه قاسي الطبع بجوار عصا غليظة تهوى على جسد الأولاد لاتفه الأسباب ففزع (علي) فكره الشيخ مضى خمس سنوات اختُيِرَ مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة في بولاق سنة (1255 هـ / 1839 م)، وكان ناظرها مهندس فرنسي يسمى “يوسف لامبيز بك، ومكث علي مبارك في المدرسة خمس سنوات درس في أثنائها الجبر والهندسة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا، والفلك، والأراضي وغيرها، حتى تخرج فيها سنة(1260 هـ / 1844 م)
البعثة إلى فرنسا
اختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية سنة (1265 هـ/ 1849)م، وضمت هذه البعثة أربعة من أمراء بيت محمد علي: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديوي إسماعيل، ولذا عرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها، ولم يكن له سابقة بها قبل ذلك، وبعد أن قضى ثلاث سنوات في المدفعية والهندسة الحربية، وكان معلمه في الحربية هو محمود مليجى وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب ولم تطل مدة التحاقه؛ إذ صدرت الأوامر من عباس الأول الذي تولى الحكم بعودة علي مبارك.
في عهد عباس الأول
بعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه في البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية، ويقوم معهما بما يكلفون به من الاعمال، فعرض على عباس الأول مشروعًا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه، فاستكثر عباس الأول المبلغ، وأحال المشروع إلى علي مبارك وزميليه، وكلفهم بوضع إدارة ناظر واحد، وإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من أبناء الوطن، وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا فتديرها.
بعد أن تولى إدارة ديوان المدارس أعاد ترتيبها وفق مشروعه، وعين المدرسين، ورتّب الدروس، واختار الكتب، واشترك مع عدد من الأساتذة في تأليف بعض الكتب المدرسية، وأنشأ لطبعها مطبعتين، وباشر بنفسه رعاية شئون الطلاب من مأكل وملبس ومسكن، وأسهم بالتدريس في بعض المواد، واهتم بتعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها الخريجون.
في حرب القرم
ظل علي مبارك قائمًا على ديوان المدارس حتى تولى سعيد باشا الحكم في 16 يوليو 1854 فعزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة والاكاذيب من اعدائه وحساده، وألحقه بالقوات المصرية التي تشارك مع الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا، وقد انتهت هذه الحرب المعروفة بحرب القرم بانتصار العثمانيين.
استغرقت مهمته سنتين ونصف سنة، أقام منها في إسطنبول أربعة أشهر، تعلم في أثنائها اللغة التركية، ثم ذهب إلى منطقة القرم وأمضى هناك عشرة أشهر، واشترك في المفاوضات التي جرت بين الروس والدولة العثمانية، ثم ذهب إلى بلاد الأناضول حيث أقام ثمانية أشهر يشرف على الشئون الإدارية للقوات العثمانية المحاربة، وينظم تحركاتها، وأقام مستشفى عسكري بالجهود الذاتية لعلاج الأمراض التي تفشت بين الجنود، لسوء الأحوال الجوية والمعيشية، وبعد عودته إلى القاهرة فوجئ بأن سعيد باشا سرح الجنود العائدين من الميدان، وفصل كثيرًا من الضباط، وكان علي مبارك واحدًا ممن شملهم قرار إنهاء الخدمة.
من نظارة المعارف إلى معلم لمحو الأمية[عدل]
عزم علي مبارك بعد فصله من وظيفته على الرجوع إلى بلدته برنبال والاشتغال بالزراعة, غير أن الله أراد له خيرا فعاد إلى الخدمة بديوان الجهادية, وتقلّب في عدة وظائف مدنية، ولا يكاد يستقر في وظيفة حتى يفاجأ بقرار الفصل والإبعاد دون سبب أو جريرة، ثم التحق بمعية سعيد دون عمل يتناسب مع قدرته وكفاءته، حتى إذا طلب سعيد من أدهم باشا الإشراف على تعليم الضباط وصفّ الضباط القراءة والكتابة والحساب ،احتاج أدهم باشا إلى معلمين للقيام بهذه الوظيفة، وسأل علي مبارك أن يرشح له من يعرف من المعلمين الصالحين لهذا المشروع، فإذا بعلي مبارك يرشح نفسه لهذا العمل، وظنّ أدهم باشا أن علي مبارك يمزح!! فكيف يقبل من تولّى نظارة ديوان المدارس أن يعمل معلمًا للقراءة والكتابة؟! لكن علي مبارك كان جادًا في استجابته، وعزز رغبته بقوله له: “وكيف لا أرغب انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن وبث فوائد العلوم؟! فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء، ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه”.
لما عرض أدهم باشا الأمر على سعيد أسند الإشراف على المشروع لعلي مبارك، فكون فريق العمل، ووضع المناهج الدراسية وطريقة التعليم، واستخدم كل وسيلة تمكنه من تحقيق الهدف، فكان يعلّم في الخيام، ويتخذ من الأرض والبلاط أماكن للكتابة، ويكتب بالفحم على البلاط، أو يخط في التراب، فلما تخرجت منهم دفعة، اختار من نجبائهم من يقوم بالتدريس، ثم أدخل في برنامج التدريس مادة الهندسة، ولجأ إلى أبسط الوسائل التعليمية كالعصا والحبل لتعليم قواعد الهندسة، يجري ذلك على الأرض حتى يثبت في أذهانهم، وألّف لهم كتابًا سماه تقريب الهندسة. وهكذا حول هذا المعلم المقتدر مشروع محو الأمية إلى ما يقرب من كلية حربية. وما كادت أحواله تتحسن وحماسه للعمل يزداد حتى فاجأه سعيد باشا بقرار فصل غير مسئول في مايو 1862.
أعماله
تولى الخديوي إسماعيل الحكم في 18 يناير 1863 وكان قد زامل علي مبارك في بعثة الأنجال, فاستدعاه فور جلوسه على عرش البلاد، وألحقه بحاشيته، وعهد إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث: بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيًا حتى الآن في وسط القاهرة، شاهدا على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه. أسند إليه إلى جانب ذلك نظارة القناطر الخيرية ليحل مشكلاتها، فنجح في ذلك وتدفقت المياه إلى فرع النيل الشرقي لتحيي أرضه وزراعاته، فكافأه الخديوي ومنحه 300 فدان، ثم عهد الخديوي إليه بتمثيل مصر في النزاع الذي اشتعل بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس فنجح في فض النزاع؛ الأمر الذي استحق عليه أن يُكّرم من العاهلين: المصري والفرنسي فعهد اليه بنظارة
المدارس، مع بقائه ناظرًا على القناطر الخيرية وفي أثناء ذلك أصدر لائحة لإصلاح التعليم عُرفت بلائحة رجب سنة(1284 هـ / 1868 م) ثم ضم إليه الخديوي ديوان الأشغال العمومية، وإدارة السكك الحديدية ونظارة عموم الأوقاف والإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس. ومع ظهور الوزارات كمؤسسات هامة في حكم البلاد سنة 1878 تولى علي مبارك ثلاث وزارات: اثنتين منها بالأصالة، هما الأوقاف والمعارف، والثالثة هي الأشغال العمومية.
من أعماله أيضا ترجمته لكتاب Louis Amélie Sédillot / Histoire des Arabes. Ed Hachette Paris 1854 تحت عنوان: ” تاريخ العرب”.من الفرنسية إلى العربية بحكم إتقانه اللغة الفرنسية. وهذا الكتاب من المصادر الهامة في التاريخ.
دار الكتب المصرية
غير أن أعظم ما قام به علي مبارك ولا يزال أثره باقيًا حتى الآن، هو إنشاؤه دار العلوم ذلك المعهد الذي لا يزال يمد المدارس بصفوة معلمي اللغة العربية كما أصدر مجلة روضة المدارس لإحياء الآداب العربية، ونشر المعارف الحديثة.
مؤلفاته
ترك علي مبارك مؤلفات كثيرة تدل على نبوغه في ميدان العمل الإصلاحي والتأليف، فلم تشغله وظائفه على كثرتها وتعدد مسئولياتها عن القيام بالتأليف، وتأتي الخطط التوفيقية على رأس أعماله، ولو لم يكن له من الأعمال سواها لكفته ذكرًا باقيا، وأثرًا شاهدًا على عزيمة جبارة وعقل متوهج، وقلم سيّال، يسطر عملاً في عشرين جزءًا يتناول مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلى الوقت الذي اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره، واصفًا ما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة والأديرة والكنائس وغير ذلك. وله كتاب علم الدين وهو موسوعة ضخمة حوت كثيرًا من المعارف والحكم، ويقع في أربعة أجزاء، تحوي على 125 مسامرة، كل واحدة تتناول موضوعًا بعينه كالبورصة، والنحل وأوراق المعاملة، والهوام والدواب. إلى جانب ذلك له كتب مدرسية منها: تقريب الهندسة حقائق الأخبار في أوصاف البحار، و[تذكرة المهندسين]و (سوق الجيوش)و (الاستحكامات العسكرية)
وفاته
كانت نظارة المعارف في وزارة رياض باشا آخر مناصب علي مبارك فلما استقالت سنة 1891) لزم بيته، ثم سافر إلى بلده لإدارة أملاكه، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة للعلاج، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 14 نوفمبر 1893.
علي مبارك أبو التعليم في مصر
محرر أوراريد
18 يوليو 2019
“وكيف لا أرغب في انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن وبث فوائد العلوم؟ فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه”
لم يكن غريبًا على علي مبارك وهو أحد أفراد عائلة محمد علي التي لا يخفى دورها في النهضة التعليمية، أن يكون هذا رده حينما قرر العمل كمُدرّس على الرغم من أن مهاراته وقدراته تمكنه من القيام بما هو أكبر من ذلك، أو بالحصول على مكانة أفضل.
يكتب لعلي مبارك دوره البارز في نشر التعليم وكثرة إنشاء المدارس في مصر، وهو ما وراء تسميته بـ “أبو التعليم”، ورغم ذلك لم يحظى بالقدر الكافي من الشهرة كغيره من الشخصيات المؤثرة في مجال التعليم، حتى بين أبناء الوسط الأدبي الذي لطالما كتب فيه ولأجله، فله العديد من المؤلفات الأدبية والترجمات تجاوزت الألفي كتاب، غير أنه كان أبرز من أقاموا صرحًا للتعليم العالي في مصر.
“ولهذا التزمت في كل ما تقلدت من الأعمال، وجميع ما تقلبت فيه من الأحوال، أن أخدم وطني بكل ما نالته يدي وبلغه إمكاني، مما أراه يعود عليه بالفائدة والنفع، قل أو جل، كالسعي في استكثار المكاتب والمدارس.. وتعميم التربية والتعليم.. ونشر الكتب المفيدة، إما بالاشتغال بتأليفها بنفسي أو بالحث والتحريض عليها لمن أرى فيه أهلية القيام بها!..”
علي مبارك
وفي إحدى كتاباته تحدث مبارك عن امتنانه للوطن الذي أنعم عليه بالخيرات والثمار في مراحل طفولته وكبره، وذكر أن عرفانه للوطن لم يمنعه من بذل قدر المستطاع من الجهد في خدمة الوطن سواء من خلال التعليم، ناهيك عن مجهوداته في مجال الهندسة، فكان من أعظم المهندسين العرب في هذا العصر وقد خدم في هذا المجال بكتاباته عن تخطيط المدن وعماراتها.
كما ينسب إليه إنشاء الاستحكامات الحربية وتنظيم أول تصميم لمحافظة القاهرة ومدن مصر في العصر الحديث، إضافةً إلى كونه أبرز مهندسي الحرب الـ 73 الذين درسوا فنون الحرب في أوروبا في عهد محمد علي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث خطط للهندسة الزراعية والنيل، وبشر بأهمية الدخول في عصر البُخار والميكنة، وكتب سطورًا وصفحات في هذه المجالات.
معاناة علي مبارك مع التعليم
ينتمي علي مبارك إلى عائلة أغلبها من الشيوخ، وبالفعل أطلق عليهم: “عائلة الشيوخ”، فقد بدأ الأمر مع جده إبراهيم الروجي حين كان فقيهًا من فقهاء الريف، وتولى منصب إمام وخطيب مسجد قرية برنبال، والتي استقر بها بعد عدة تنقلات بين القرى خلال حالة التقشف التي طالت الفلاحين نتيجة لحكم المماليك والعثمانيين حينها، ثم تبعه في هذا النهج ابنه سليمان ومن بعده حفيده مبارك.
على الأغلب فإن الوضع السئ الذي تعرض له علي مبارك خلال تلقي العلم في صغره هو الذي جعله منحازًا إلى صالح تطوير التعليم في مصر، فقد ذكر في المجلد الأول من أعماله الكاملة عن سوء معاملة الشيخ أحمد أبو خضر الذي كان يعلّمه ويحفّظه القرآن ببلدة الكردي، بلدة قريبة من برنبال، بعدما تجاوز الستة أعوام من عمره، ما دعاه إلى تركه بعد عامين، بعدما كان يقيم لدى الشيخ طيلة الأسبوع ما عدا يوم الجمعة كان يزور أسرته فيه.
“إني، إلى الآن، راسخ في ذهني ما كان يرتبه على مؤدبي في صغري: أن آتي له بشيء من المنزل، فكنت أتحايل تحايل اللصوص حتى اختلسه وآتيه به! وإن امتنعت أو أتيت بأقل مما طلب توعدني أو ضربني! وكان أحيانًا يعاملنا معاملة الخدم، فكان منا من يخدم زوجته فيملأ لها الزير ويكنس البيت وينفض الحصير، ومنا من يخدمه، فهذا يهيئ له غذاءه ويفليه!”
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فعندما ترك الصبي الشيخ أبو خضر وهدد بالهرب في حال أُجبر على العودة من جديد، فتولى والده أمر تعليمه لكنه لم يستطع العناية به طوال الوقت لكثرة مشاغله، ولما حاول تدارك الأمر رفض علي مبارك أن يستمر في تعلم الفقه، وأعلن عن رغبته في أن يصبح كاتبًا، ومن هنا بدأت رحلة جديدة سيئة في التعليم على يد صديق لوالده.
لم يمر الكثير من الوقت حتى نال علي مبارك رضا والده عن قراره، وأرسله إلى صديق يشغل وظيفة كاتب قسم، ويقول علي مبارك في إحدى كتاباته أنه بالرغم من كون معلمه الجديد حسن المظهر وجميل الخط، إلا أن تعدد زوجاته وكثرة أبنائه جعله فقيرًا، ولم تكن الأموال التي يرسلها والد علي مبارك إليه تكفيه، وفي كثير من الأحيان كان الصبي ينام جائعًا، غير أنه لم يكن يستفيد شيئًا منه عند الذهاب معه إلى العمل، بينما كان يعلمه أمام النساء في المنزل.
فترة عاشها علي مبارك يتعلم أمام النساء في المنزل وعند الخروج مع معلمة لا يستفيد شيئًا، انتهت بتلقيه معاملة سيئة من معلمة، وصلت إلى ضربه، ما دفعه إلى الهرب بعدما حكى إلى والده ولم يستمع إلى شكواه، وبدأ ينتقل من هنا إلى هنا وعانى من مرض الكوليرا في رحلته حتى انتهى به المطاف بذهابه إلى منزل أخ له، غير شقيق، ثم أقنعه أحد أخوته بالعودة إلى منزل أبيه الذي لم يكف عن البحث عنه.
بعدما عاد علي مبارك إلى والده أرسله إلى صديق ليتعلم حرفته وهي “كتابة المساحة”، وبدأ في تحصيل القروش من عمله، لكنه لم يدم حيث أفشى الصبي سر تلقي صديق والده للرشاوى من الفلاحين وعاد إلى منزله مرة أخرى، وتكررت رحلته مع الكاتب مرة أخرى لكنها مع آخرين غيره إلى أن التحق بالمهندسخانة.
مجهودات المؤرخ والمهندس علي مبارك في مجال التعليم
وفي عام 1849 تم اختياره للسفر في بعثة إلى فرنسا مع مجموعة من الطلاب لنباهته، وكانت البعثة لهذا العام تضم عددًا من أفراد أسرة محمد علي، وبعد سنوات عُرض عليه النظر في الميزانية المطلوبة لتطوير المدارس الملكية والرصدخانة، تحديدًا عام 1866، فقام بتنظيم الأمر واقترح جعل كل المدارس تندرج تحت إدارة ناظر واحد، وأوصى بإرسال مجموعة من الطلاب إلى فرنسا لتعلم قواعد الرصدخانة ليتم إعادة افتتاح الرصدخانة بعد عودتهم.
أعجب عباس باشا بأفكار علي مبارك وجرأته وثقته في عرضها فمنحه رتبة أميرلاي وجعله ناظرًا للمدارس، وخلال فترة نظارته شارك في تأليف كتب المدارس، وجعل بها مطبعة حروف ومطبعة حجر طبع فيها 60 ألف نسخة من كتب متنوعة، وكل ذلك لم يشغله في الاهتمام بالطلاب ومأكلهم وملبسهم وتعليمهم، فكان يهتم بنفسه بتعليم الطالب كيف يأكل ويشرب ويلبس.
ليس ذلك وحسب، بل كان يراقب كل العاملين في المدارس لتذليل العقبات أمام الطلاب وتوفير بيئة تعليمية صحية، وألف كتابًا في العمارة ظل متبعًا في المدارس لفترة طويلة، ونتج عن كل ذلك طلاب متميزين حصلوا على الإشادة والثناء وتقلدوا الوظائف المختلفة ومنهم من أتقن الفرنسية كأهل بلدها ونالت إدارة علي مبارك الثناء من الجميع.
وعند تولي سعيد باشا ولاية مصر بدأت الافتراءات والوشايات تحاك ضد علي مبارك ففضّل الابتعاد عن النظارة، وتم إرساله مع الجيش المصري للمشاركة في حروب الدولة العثمانية، ويوم رحيله ودعه طلابه وبكوا من أجله.
وبعد سنوات عاد إلى مصر وطلب منه ترشيح معلمين لتعليم الضباط المصريين القراءة والكتابة والحساب، فعرض نفسه وكان في ذلك مفاجأة للمسؤولين ظنًا منهم أن وظيفة المعلم أصبحت أقل شأنًا منه، وهنا قال علي مبارك جملته:
“كيف لا أرغب انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن وبث فوائد العلوم؟ فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء، ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه”.
وفي سنة 1884 أصبح وكيلًا لديوان المدارس تحت رئاسة شريف باشا، ثم أصبح المسؤول الأول عن ديوان المدارس في العالم التالي، وفي هذه الفترة قام بنقل المدارس من العباسية إلى القاهرة لتقليل المشقة على الطلاب وأهلهم، ثم بدأ في تنظيم المكاتب الأهلية في المدن والأرياف التي كانت تهتم فقط بتعليم القرآن الكريم وجعلها أكثر توسعًا من ذلك.
وقام بتأسيس مدارس مركزية في بعض المدن مثل أسيوط والمنيا وبنها، وكذلك زيادة المدارس أو ما يعرف وقتها بالمكاتب، في القاهرة والإسكندرية والتي أقبل عليها الأهالي لإلحاق أبنائهم بها، كما حرص على توفير المطابع داخل المدارس لتوفير أدوات التعليم المختلفة.