إن كنت قد شاهدت سابقاً أحد أفلام الرسوم المتحركة فمن المحتمل أنّ فكرة إنشاء فيلمٍ مشابه أو مقطعٍ صغير حتى قد خطرت على بالك، لكن وقبل أن تتراجع وتخبر نفسك أنّ الأمر محض حلمٍ لا يمكن تحقيقه انتظر قليلاً واعلم أنّ الأمر ممكن ولو أنّه يحتاج إلى بعض الجهد، وأيضاً هناك بعض الأساسيات التي يجب أن تعلم بها.
الآن يجب أن أقول لك مرحباً في المقال الرابع من مجموعة مقالات: دليلك لعمل فيلم رسوم متحركة (Animation). حيث تناولنا في أولى المقالات شرح مرحلة التطوير Development Stage والتي يتم فيها بناء قصّة الفيلم وأشكال أبطاله المبدئية وتصميم الأماكن والمشاهد المختلفة، وتناولنا في المقال الثاني مرحلة ما قبل الإنتاج Pre-Production حيث تبدأ مرحلة التطوير في التحوّل لشيء جاهز على التنفيذ، وفي المقال الثالث تعرّفنا على بعض الأمور والمصطلحات التقنيّة التي لا غنى عنها إطلاقاً.
الآن نحدثكم عن مرحلة الإنتاج Production Stage، المرحلة التي تبدأ فيها فعلياً في تصوير فيلمك وصناعة لقطاته، أنت المخرج في هذه المرحلة، عليك ضبط الحركة والإضاءة وإضافة المؤثرات المطلوبة ليخرج العمل الفني كما تتصوره بالضبط باختصار في هذه المرحلة سوف تكون الشخص الذي يمنح الحياة إلى تلك الرسوم وتحولها من حالةٍ جامدة إلى تلك الشخصيات المتحركة المحبوبة.
مرحلة الإنتاج Shot Production
ستعرف بعد الإحتكاك بهذه المرحلة – إن لم تكن تعرف بالفعل – لماذا يتم وضع المخرج محل الإهتمام الكبير في أي فيلم بشكل عام، ففي الحقيقة يخرج أي عمل فني أو فيلم للنور فقط كما يتخيّل ويريد المخرج، فمرحباً بك في مرحلة يكون المخرج فيها هو البطل.
تبدأ هذه المرحلة بالتحريك Animation، ثم البدء في فيلم الرعب الأزلي Light and Rendering، ثم إضافة بعض المؤثرات البصرية Visual Effects وأخيراً مرحلة تجميع اللقطات وعمل التعديلات اللازمة عليها Compositing.
سيتم تخصيص مقال اليوم للتحريك فقط نظراً لكبر حجم الطرح فيه، وستتناول المقالة القادمة إن شاء الله بقيّة المرحلة.
1-التحريك Animation
دعونا نتّفق على أننا نفترض مسبقاً أن الهدف النهائي ها هنا هو عمل فيلم (ثلاثي الأبعاد)، ولكن كل ما سبق شرحه من مراحل سابقة يسري على أي نوع آخر من الرسوم المتحركة بما فيها الكلاسيكي وذلك مع الوضع في الإعتبار وجود إختلافات بسيطة وليست جذرية. لذا، سنقوم بالتعرّف اليوم على أنواع وطرق التحريك المختلفة لكي يستفيد كذلك من تستهويه أي أنواع أخرى من الرسوم المتحركة بجانب ثلاثية الأبعاد.
مرحلة التحريك مرحلة ليست سهلة على الإطلاق، ولا أبالغ إذا قلت أن التحريك هو علم في حد ذاته، علم وضعه أشخاص عمالقة في مجالهم ويعتبر هو الفارق الجوهري بين الجودة الغربية والعربية للرسوم المتحركة عموماً ولا أخص منها ثلاثية الأبعاد.
أنواع الحركة
يوجد نوعان أساسيّان للحركة، ويختلف إستخدام كل نوع حسب المطلوب من العمل:
1-الحركة الواقعية (الحقيقية):
وهي حركة تحاول تمثيل الواقع تماماً كما هو، مثل عمل محاكاة لحركة بعض الأجزاء الميكانيكية في الفيديوهات التعليمية، ومثلما نجد في الألعاب الحديثة مثل FIFA و Uncharted وMortal Kombat.
التحريك في هذه الطريقة يتم غالباً بطريقة من إثنتين: إما بوضع شروط تقييد للحركة للبرنامج المسئول عن عمل التحريك ثم بإستخدام المعادلات الرياضية والشروط التي تم وضعها يتم التحريك وذلك في حالة المحاكاة الميكانيكة، أو عن طريق ما يسمى بإلتقاط الحركة Motion Capture وفيه يقوم شخص حقيقي بعمل الحركات المطلوبة ثم تُنقَل تلك الحركات للكمبيوتر وذلك بواسطة حسّاسات Sensors يتم تركيبها على جسم الشخص المؤدي للحركات ثم يقوم الكمبيوتر بتحريك الشخصية تماماً كما تحرك الشخص المؤدي.
هل تم إستخدام مبدأ الحركة الحقيقية في الأفلام الكرتونية؟ الإجابة ببساطة: نعم، وأكثر من مرة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- Monster House
- The Polar Express
- Beowulf
- Happy Feet
- The Adventures of Tintin
2-الحركة الكرتونية
وهي الأصعب من حيث المجهود المبذول، ولكنها الأفضل بلا شك في حالة أفلام الرسوم المتحركة بأنواعها، فذلك النوع من الحركة معروف بالحرية المطلقة ولا يتقيد بالادآء ولا السرعة البشرية، كل شيء فيه ممكن ومتاح حسب خيال المُحرّك.
لا تعني كلمة (الكرتوني) هنا نوع معين من الرسوم المتحرّكة ولكنها تعني جميع أنواع الرسوم المتحرّكة الثنائية الأبعاد والثلاثية الأبعاد.
يشتهر هذا النوع من الحركة بتعمّد المبالغة في الأدآء الحركي للشخصيات والعناصر، ويظهر فيه الفن ويبرُز فيه الخيال ولذلك نجد أن الشركات العملاقة في هذا المجال مثل ديزني وبيكسار ودريم ووركس تتبع هذا النوع من التحريك والنتيجة أفلام تحتل شبّاك التذاكر وتستحوذ على أعلى قدر من الإيرادات في أوقات كثيرة جداً.
طرق التحريك المختلفة
الآن وقد عرفنا نوعي الحركة الأساسيين، لنتّجه إلى معرفة طرق التحريك المختلفة والتقنيات المستخدمة فيها:
1- التحريك الكلاسيكي (التقليدي) ثنائي الأبعاد Traditional Animation
مثل كلاسيكيات ديزني، توم وجيري … إلخ، ويعتبر من أقدم أنواع التحريك، وفيه يقوم المحرّك برسم عدد من الرسومات المتتالية والمتشابهة مع وضع إختلاف بين كل رسمة والتي تليها مما يوحي بالحركة عند عرض تلك الرسومات بشكل متتابع.
قديماً كان يتم الرسم على لوح رسم مضاء من الأسفل يسمى Lightbox، حيث يتم وضع الرسمة السابقة وفوقها ورقة جديدة يرسم فيها المحرّك التغييرات اللازمة لصُنع الحركة.
بالطبع يتميز هذا النوع من التحريك بأن القائم عليه لابد وأن يكون متقناً لفن الرسم، ومتقناً لفن التحريك كذلك!
الأفلام الكرتونية المرسومة يدوياً يتم رسمها عادة بمعدّل إطارات 12 إطار في الثانية وربما أقل، قد تزيد إلى 24 إطار في الثانية في بعض الأفلام الكبيرة أو في حالة وجود مشهد أو أكثر يتطلب ذلك، وقد تقل عن ذلك كما في حالة أفلام الأنيمي اليابانية.
الفيديو التالي فيديو كلاسيكي يتناول الطريقة التي تصنع بها ديزني أفلامها الكلاسيكية، فيديو ممتع للغاية أنصحكم بمشاهدته:
2- التحريك الكمبيوتري ثنائي الأبعاد 2D Vector Based / Digital Animation
وهي الطريقة التي تستخدمها الكثير من مسلسلات الأطفال اليوم مثل المسلسلات التي تعرض على قنوات Cartoon Network و Disney وغيرها، وفيها يتم التحريك بإستخدام برامج كمبيوترمثل فلاش Adobe Flash والمسمّى الآن باسم Adobe Animate، أو برنامج After Effect أو غيرها من البرامج، وهو أسهل كثيراً من التحريك التقليدي ثنائي الأبعاد، حيث لا يضطر القائم على التحريك لإعادة رسم المشهد كاملاً كل مرة بكل تفاصيله مع إحداث تغيير الحركة، ولكن – وبفضل البرامج المذكورة – يمكنه فقط عمل التغيير اللازم للحركة مع نسخ بقية ثوابت المشهد كاملة (النوافذ والديكور وغيرها).
بالإضافة لما سبق، تعطي البرامج للقائم على التحريك إمكانية عمل عظام وهمية Rigging للشخصيات وبالتالي يكون تحريكها أسهل كثيراً وقد لا يحتاج لعملية الرسم لعمل الحركة المطلوبة إلا فيما ندر.
3-التحريك ثلاثي الأبعاد 3D Animation
ويسمى أيضاً (Animation) فقط حيث أنه هو الأكثر شهرة في يومنا هذا، وهو يختلف بشكل تام عن التحريك التقليدي ويختلف كثيراً عن التحريك الكمبيوتري ثنائي الأبعاد، ففيه لا تتم الحركة بتتابع الرسومات، وإنما الأمر أشبه بتحريك دمية بين يديك، حيث يتم ضبط الوضع المطلوب في لحظة ما للشخصيّة على البرنامج ثم عمل (مفتاح حركة Key Frame) ليقوم البرنامج بتسجيل الوضع الحالي، ثم يتم تغيير الوضع لوضع آخر وتسجيل مفتاح حركة جديد بعد الأول وهكذا، ويقوم البرنامج المسئول عن الحركة بعد ذلك بالإنتقال من وضع لوضع من خلال مفاتيح الحركة وعلى مدار الزمن الذي قمت أنت بتحديده.
يمكنك مشاهدة الفيديو التالي لتحريك إطار سيارة ولاحظ حركة المؤشر على خط الوقت في الجزء السفلي من البرنامج:
التحريك الثلاثي الأبعاد يجب أن يكون ناعماً، لذلك يتم دائماً على 24 إطار لكل ثانية إلا في الحالات التي يُقصد فيها غير ذلك (مثل فيلم Wreck It Ralph حيث تطلب الأمر تحريك بعض الشخصيّات بمعدّل إطارات أقل لأنها تمثّل شخصيات ألعاب فيديو قديمة).
الأمر هنا لا يتطلب فناناً رسّاماً، فقط شخص ملم بتفاصيل التحريك يأخذ الشخصية ثلاثية الأبعاد وينفّذ عليها الحركات المطلوبة، هل تظن أن هذا يجعل التحريك ثلاثي الأبعاد سهل؟
بالطبع لا، فبالرغم من كل ما سبق توجد عوائق كبيرة يواجهها المحرّك في هذا النوع، ففي الأنواع السابقة يوم المحرّك بعمل الحركات اللازمة على الأجزاء الظاهرة من جسم الشخصية، أمّا الأجزاء الغير ظاهرة فهي غير مرسومة وبالتالي غير موجودة أصلاً ولا تشغل بال المحرّك في شيء.
الأمر مختلف في التحريك ثلاثي الأبعاد، فكل جزء من أجزاء الشخصية موجود دائما ويجب تحريكه في كل مرة يتم عمل الحركة فيها، ففي حالة سير الشخصية يجب أن تضع دائماً في الإعتبار حركة اليدين مع الأرجل والأقدام وكف اليد، ولا تنس حركة الرأس، إضافة لهذا نجد أنه من القواعد الهامّة في التحريك ثلاثي الأبعاد وجوب وجود حركة دائماً كمؤشر على الحياة مهما كان المشهد ثابتاً، فمثلاً تم إعادة مشهد في فيلم (البحث عن نيمو Finding Nemo) عندما كان نيمو يتحدّث مع أبيه بعد أن أنقذه، وذلك لأن القائم على التحريك جعل نيمو يستمع لأبيه لفترة دون أن يحرّك ساكناً، وبرغم من أن هذا يعتبر شيء طبيعي لأن نيمو مُنهك، إلا أنه يعتبر كذلك غير مقبول في حالة الرسوم المتحرّكة ثلاثية الأبعاد على الرغم من إمكانية حدوثه دون أن تشعر في بعض الأفلام ثنائية الأبعاد ومنها بعض أفلام ديزني.
يمكنك مشاهدة المشهد التالي والذي تكلّمنا عنه في الفقرة السابقة وسترى بنفسك أن نيمو في حالة حركة دائمة لأي جزء منه ولو كان عينيه وذلك حتى في أثناء الإستماع لأبيه:
4- الموشن جرافيك Motion Graphics
هو دمج لمختلف طرق التحريك الثلاثي والثنائي الأبعاد وبإستخدام نفس البرامج، ويكون الهدف منه غالباً دعائي أو تجاري أو إعلامي، نراه بشكل يومي في مقدّمات البرامج والإعلانات الدعائية للشركات وغيرها، الفيديو التالي مثال لهذه الطريقة من التحريك:
5- الحركة المتقطّعة Stop Motion
السهل الممتنع، أعمال رائعة تمت بإستخدام هذه الطريقة، وهي طريقة تستخدم مواد حقيقية كالصلصال أو الطين أو الدمي في التحريك، وبدون الدخول في تفاصيل تعتمد هذه الطريقة على تحريك الدميّة ثم إلتقاط لقطة ثم تحريكها مرة أخرى وإلتقاط لقطة أخرى وهكذا، لا دخل للكمبيوتر هاهنا في الحركة.
يمكنك مشاهدة الفيديو التالي للتعرّف هذا النوع من الحركة: