القاهرة ـ تعد الرسوم المتحركة أحد الفنون المجهولة والمهضوم حقها. هذا الفن الذي ينافس الأفلام المصورة في القفز الحر إلى أعلى درجات الخيال، وفي كمية التشويق، وفي إنطاق الحيوان بما لا ينطق به في الحالات العادية، وفي صناعة أبطال من عالم غير مألوف، عالم الحيوانات والجماد بشكل طفولي عذب، تحل فيه أرواحنا في حالة براءاتها الأولى بشكل مذهل تستكين أمامه الحواس وتتجلى روح الطبيعة البكر في أصفى وأندر حالاتها، حيث نصغي إلى وشوشة الكائنات التي تملأ الكون، ولكن بشكل مسموع وذي مغزى جوهري يبيّن لنا أننا لسنا وحدنا العقلاء في هذا العالم، ولسنا وحدنا الذي نعيش فيه.
هذا الفن له سطوته على خيال الصغار والكبار معا إذا آمنا أن كل كبير داخله طفله الصغير، الذي يتربع على عرش شخصيته دون أن يدري، هناك في عقله الباطن، يختلس لحظات المرح من حين إلى آخر دون أن يدري أحد، وسط صرامة الحياة وجفافها وشدة قوانينها.
إنه فن راق يستخدم لأكثر من هدف، موجود على القنوات الأجنبية وعلى القنوات العربية المحلية، وعلى القنوات الدينية أيضا.
وهو يُستخدم إما للتسلية أو لتفريغ طاقات الصغار بشكل منظم أو لإشعال الخيال وتوليد الطاقات الفكرية الكامنة من عقولهم، أو لتعليمهم أمور دينهم بشكل حديث يتماشى مع لغة العصر دون وقوع في المحاذير المختلفة.
هذا الفن البسيط إلى أقصى حد يستلزم جهودا عملاقة وراءه، وتمويلا ضخما جماعيا يتبناه كمشروع نهضوي بسيط، ومن كل هذا تأتي أزمته .
كان ظهور أول فيلم كارتوني روائي طويل عام 1937 وهو “سنو وايت والأقزام السبعة”. أما عن طبيعته فيقول علي مهيب والذي يعد رائدا من رواد الرسوم المتحركة في مصر رسما وتصميما “إن فن الرسوم المتحركة ينقسم إلى نوعين من الناحية التقنية وهما: المسطحة.. أي التي لها بعدان فقط الطول في العرض وليس لها سمك، وهي بدورها تنقسم إلى رسوم متحركة مسطحة مرسومة يدويا، ويطلق عليها تقليدية ورسوم متحركة مرسومة بالكمبيوتر.
أما النوع الثاني فيطلق عليه الرسوم المجسمة، وهي أيضا تنقسم إلى قسمين: التجسيم بتصوير الأحجام مثل العرائس، وهي مجسمات حقيقية في الواقع يتم تصويرها صورا متعددة بالكاميرا ليتم إحداث ما يسمى بالتتابع الحركي.
القسم الآخر وهي المجسمة رقميا أي الرسوم ثلاثية الابعاد.
ويسهل أن نقول عن الرسوم المتحركة إنها ليست فقط رسومات، وإنما أيضا أحجاما، والذي يجمع بينها لكي يطلق عليها رسوم متحركة، هو أسلوب التصوير وإضفاء الحركة، والذي يتم عن طريق التقاط الصور المتعددة لتعرض بتتابع، بينما الرسم الذي يتم لأي شخصية يقوم على أساس جعل هذه الشخصية في وضع حركي له بداية ونهاية، ثم يحرك ما بينهما فيحدث انطلاقا من ذلك التتابع الحركي الذي نشاهده على الشاشة، وذلك وفقا لنظرة اعتماد العين على الرؤية.
أما عن تكاليف العمل فلا يمكن تحديدها منذ البداية، لأن ذلك يعتمد على المخرج والسيناريست المحرك، بالإضافة إلى مدة عرض الفيلم وعدد الشخصيات، وطبيعة رسم الشخصيات، فالنمر المنقط على سبيل المثال يتكلف أكثر من الدب؛ وذلك لتكرار رسم تفاصيل جسم النمر في كل لقطة، فبعض الأفلام الأمريكية الطويلة على سبيل المثال تتراوح تكلفتها ما بين 50 إلى 120 ألف دولار، فالإنتاج يعتمد على هوية الفيلم وطبيعته وفكر المنتج نفسه، وعامة تستغرق الأفلام الطويلة مثل “الأسد الملك” على سبيل المثال قرابة الثلاث سنوات، أي إن إمكانية إنتاج كارتون محلي يتطلب مبالغ طائلة وإمكانات كبيرة، إضافة إلى أهمية التغبر عن تراثنا في أفلام الكارتون، فقد أنتجت مصر أفلامًا كارتونية للأطفال مثل “بكار”، و”السندباد”، وغيرهما إلا إنها لم تلقَ الانتشار الذي تلقاه مثيلتها الغربية، وذلك بالرغم من جودتها وقدرتها على المنافسة؛ ويرجع ذلك بصفة أساسية لقصور التوزيع.
ويشرح د. علي سعد مهيب أستاذ الرسوم المتحركة مراحل تحريك الرسوم المتحركة التقليدية قائلًا: يبدأ العمل بفكرة لدى الجهة الإنتاجية التي تنوي تمويل الفيلم، ثم تذهب بهذه الفكرة إلى المخرج الذي غالبًا ما تكون له رؤية خاصة، وغالبًا ما يكون فنانًا تشكيليًا، ولكن في الآونة الأخيرة لم يعد بالضرورة أن يكون المخرج فنانًا تشكيلياً، ولكنه يجب على الأقل أن يعي بصورة جيدة قيمة التشكيل، ثم يأتي دور السيناريست أو كاتب السيناريو ليحول هذه اللقطة القصيرة إلى مشاهد، على سبيل المثال يبدأ الفيلم باستعراض عام للشارع قطعا. وهكذا، ويقوم السيناريست بتحويل السيناريو المكتوب إلى سيناريو مرسوم إلى أن نصل لما يسمى بـ”ستوري بورد” أو لوحة القصة المرسومة، أي أن السيناريو المرسوم للفيلم، وكل فيلم يقسم إلى مشاهد، وكل مشهد إلى لقطات متتابعة، ثم توضع على الحائط في وضع تتابعي للقطات الفيلم، ليكون في متناول المخرج الذي يستطيع إضافة ملاحظاته وتعديلاته إلى أن تكتمل الفكرة.
ويجب الإشارة إلى أن دور المخرج مصاحب للعمل من البداية للنهاية، ولا يتوقف إلا بتسليم العمل للجهة الإنتاجية، وعلى هذا فبعد كتابة السيناريو يأتي دور المخرج ورؤيته الخاصة، حيث إن له رؤية تشكيلية ورؤية فكرية تتعامل مع الكلمات، وتحوّلها إلى صورة وصوت، فالمخرج يمثل الإبداع في العمل الفني، فهو الذي يحدد طبيعة الشخصيات وعددها وملابسها لإضافة مزيد من التأثير للفكرة.
ويضيف د. علي سعد مهيب إن دور مدير الإنتاج يختلف عن دور المنتج، فالأخير ينحصر دوره في تمويل العمل، أما مدير الإنتاج فهو الذي يتابع إنفاق الأموال، وهو المسئول أمام المخرج بتجهيز كل ما يطلبه المخرج ويحتاج إليه لإتمام عمله، وبعد الوصول لمرحلة “الستوري بورد” أو التصميم المبدئي للسيناريو كما تم الإشارة إليه مسبقا.
ويبدأ انتقال العمل إلى مصمم الشخصيات، وراسمي الخلفيات، ويقوم مصمم الشخصية بدوره بناء على السيناريو.. فمثلا لو ذكر في السيناريو دور لولد شقي، فيجب أن تظهر ملامح الشقاوة شكلا ورؤية على وجه هذا الطفل، وكلما نجحت في رسم الشخصية وتصميمها أثرت في المشاهد، ثم تأتي أهمية تصميم المكان الذي يحوي هذه الشخصية، ويجب مراعاة جانب على قدر كبير من الأهمية عند تصميم المكان، وهو عدم تغليب تفاصيل المكان على الشخصية، بل يجب أن يغلب حضور الشخصية على المكان، مع مراعاة ألا ننتقص من تفاصيل المكان؛ حتى لا تجذب العين لإحداهما وتترك الأخرى.
وفي الأعمال الروائية الطويلة، تختلف مجموعة راسمي الشخصيات عن مجموعة راسمي الخلفيات، وقد استحدثت في العصر الحديث بعض الوظائف؛ لمنع ظهور أيِّ اختلاف بين الشخصية أو تصرفاتها أو ألوانها بين اللقطات المختلفة على مدى العمل الفني، ثم يأتي دور المحرك وهو تحريك الشخصية على سبيل المثال من اليمين إلى اليسار، فهذه الحركة لها مدلول درامي، فكل شخصية يجب أن تؤدي وليس فقط أن تظهر وتتحرك على الشاشة، فمثلا تحريك طفل يمر عبر الشاشة يبلغ من العمر 7 سنوات يختلف عن تحريك شيخ يبلغ 60 عاما.
لتفريغ طاقات الصغار |
ولذلك فدور المحرك هو كيف يحرك الشخصيات بناء على فكرة المخرج والسيناريو المبدئي الذي تم تصميمه، إذ أن الحركة في ذاتها لها مضمون، فلو ربت شخص على كتف آخر في بطء تعني الحنان والطمأنينة، أما إذا ظهرت هذه الضربات بشكل سريع فهي تحيل إلى الضرب والتوبيخ، أي أن سرعة الحركة قد غيّرت مدلولها، وهذا التوقيت يتم الاستقرار عليه مع المخرج. فكلما تم رسم العديد من اللقطات لمشهد معين، كلما ظهر هذا المشهد في صورة بطيئة، حيث إنه يظهر على الشاشة مدة أطول، وكلما رسمت أقل يكون المشهد سريعا؛ لأنه يظهر على الشاشة مدة أقصر.ويضيف علي سعد: بعد الحركة الجميلة المرسومة بالرصاص، يأتي دور تلوين هذه الشخصيات وامتزاج الألوان مع بعضها، حيث يقومون بإجراء اختبارات لونية حتى لا تطغى الشخصية على الخلفية والعكس صحيح، وكذلك لإضفاء جو درامي معين على المشهد “مثلا المشاهد الليلية” تكون غامقة، والمشاهد المتوترة يستخدم لها مشتقات الأحمر. فكل لون وكل خط له مدلول معين، ثم يبدأ التصوير بكاميرا الرسوم المتحركة، وهي كاميرا ذات طبيعة خاصة، حيث إن التصوير يتم لقطة.. لقطة أي صورة.. صورة، وفي النهاية تنطبع على الفيلم صور متتابعة ليأتي في دور مسؤولي الصوت ليختاروا المؤثرات الصوتية المناسبة للشخصية، والمؤثرات الموسيقية التي تؤثر بشكل أساسي في مضمون العمل، هذا غير الموسيقى العامة للفيلم، وأخيرا الحوار المنطوق الذي تتحدث به الشخصيات.
كما تنبغي الإشارة إلى أن مستويات الصوت لها تقنياتها التي قد تتساوى مع تقنيات الصورة.
وينتج عن العملية السابقة وجود شريط للصورة، وشريط للصوت منفصلين ليبقى الدور لـ”المونتاج” أو “التلوين”، الذي يدمجهما معا في شريط واحد. وهذه هي النسخة التي تعرض في صالات العرض.
ويرى حسن عنبر الفنان التشكيلي المصري أن أسباب ضعف مستوى الرسوم المتحركة في الوطن العربي ترجع بصفة أساسية إلى التكاليف المادية.
وبالرغم من أن الإنتاج العربي قد تميز في بعض الأعمال مثل “الكابتن ماجد” و”عدنان ولينا” فإن إنتاجاته لم تلقَ الانتشار الكافي الذي تلاقيه مثيلتها الأميركية والغربية بصفة عامة. والسبب الرئيسي لذلك في رأيه يرجع لعاملين: أولهما عدم متابعة صناعة الأفلام بصورة جيدة، والقصور في تسويقها في البلاد العربية والإسلامية الأخرى بل والغربية أيضا، أما العامل الثاني فهو التكاليف المادية العالية التي تحتاجها هذه الأعمال الفنية لتخرج للجمهور في صورة تماثل الأفلام الغربية، حيث إن أفلام الرسوم المتحركة تحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية كبيرة جدا لا تستطيع الشركات الخاصة القيام بها، كما أنها تمثل مخاطرة شديدة، وبالتالي فإنتاج أفلام على مستوى عال من التقنية والجودة يحتاج إلى اتحاد للفنانين القائمين على فن الرسوم المتحركة، وتوفر استديوهات كبيرة، وتضافر خبرات جميع الفنانين لإنتاج عمل متميز ولا حرج في الاستعانة بخبراء أجانب.
ويضيف عنبر أنه سيكون من المستحيل على الجهد الفردي القائم في بلادنا العربية إنتاج عمل كارتوني قوي. وهو بذلك يدعو إلى تعاون عربي شامل للنهوض بصناعة الرسوم المتحركة في البلاد العربية.