تشمل الثورة العلميّة تطوّرًا كبيرًا في جميع المجالات الثقافيّة وحتّى التقنيّة منها، وباتت تطرح على الصعيد الإعلامي جملة من الأسئلة من قبيل: هل نجحت الصورة في وأد الكلمة؟ وهل تبدّلت وسائل صنع الوعي وإيصال المعلومة؟ وهل تمكّنت اللغة البصريّة من اقتحام المجال الإبداعي؟ وأسئلةٌ أخرى كثيرة تضعنا أمام تحدّيات كبيرة عن أهمية الصورة، ودورها في تكوين الوعي.
إذ بات الواحد منّا يقيس مقدار ثقافته بمقدار ذاكرته الصوريّة، فقد امتصت الصورة الطاقة الإبداعيّة للّغة، وتحوّلت بحد ذاتها إلى لغة قادرة على الإفصاح عن ذاتها.
وباختبار سريع لمكنونات ذاكرتنا الصوريّة، نتذكّر محمد الدرّة، شارون، الانتفاضة، إعصار كاترينا، تسونامي، مجزرة قانا، عناقيد الغضب، برجي التجارة، ابن لادن، مجزرة حماه 1982م، مجزرة الخالديّة، مجزرة البيّاضة، وحديثّا مجزرة الحولة، وأوّل ما يقفز إلى ذاكرتنا جملة صور عن هذه الأحداث أكبر بكثير من حجم المعلومات التي نتذكّرها عن الحادثة نفسها.
وقد تصنع الصورة أحيانًا واقعًا مختلفًا عن الحقيقة في محاولة من مروّجيها لصنع حقيقة مضادّة، إذ أن حضور الصورة الّلحظوي أسبغ عليها مشروعيّة واقعيّة بعيدًا عن المحاولة للتحرّر منها، والبحث عن الحقيقة، كما حصل في 17 تشرين الأوّل 2006م، إذ نشرت على الشبكة الالكترونيّة مجموعة صور مختلفة بفعل برنامج الفوتوشوب، ونسبت إلى شركة ليجو (LEGO) المتخصّصة في ألعاب الأطفال، في محاولة نها أن تستغل الثورة التقنيّة، وأن تروّج للصورة، في محاولة منها الإساءة لشخص الرسول الكريم، مستهينة بالمشاعر الدينيّة لدى المسلمين، ولتحوّل الزيف إلى حقيقة دامغة، لا تترك لمشاهديها ولو لحظة لتوضح الحقيقة، والتأكّد من مصداقيّتها.
وكذلك تُستعمل الصورة لتغطية الكلمات الهابطة، إذ انتشر ما يعرف باسم»الفيديو كليب»، لتكون الصورة بشكلها الافتضاحي ممثّلًا شرعيًّا للصوت، فتُبعد ذهن القارئ عن معاني الكلمات، وليختبئ المغنّي وراء الصورة، بدلًا من أن يستعير حروفًا ويلملمها كلمات ذات معنى.
كما وبرز دور الصورة في تأثيرها الكبير على الأطفال، إذ نلاحظ ارتفاع قيام أطفال بجرائم معيّنة متأثرين ببطلهم المفضّل في أفلام الرعب التي باتوا يتابعونها.
والسؤال الذي يطرح نفسه، تُرى كم ساهمت الصورة في نقل الحقيقة خلال يسمى الربيع العربي، بل وكم ساهمت في تحويل الحقيقة إلى صور تصل إلى الملايين من الناس، وخاصّة الجماهير المصابين بالعدوى التقنيّة، إذ يكفي تمرير صورة عبر قوائم العناوين الالكترونيّة (الإيميل)، لتصل وفي لحظة واحدة إلى هؤلاء المتجمهرين، ثم لينقلوها بدورهم إلى آخرين، فيضمنون بذلك رأيًا عالميًا، وانطباعًا جماعيًّا عن حقيقة واحدة، تاركين صاحب الصورة ينتظر ردود أفعال المشاهدين.