من قمة جبل كليمانجارو في إفريقيا سنة 2011 وصولا إلى قمة جبل فانسون بأنتاركتيكا سنة 2018، أبانت بشرى،عن عزم وتصميم لا يلين لتسلق أصعب المرتفعات حتى اضحى يطلق عليها “سيدة القمم” التي لم يقهرها لا جبل شامخ ولا قمة مستعصية على مستوى القارات السبع، فأضحت بحق منبع فخر واعتزاز لكل نساء الأرض.
لامست بشرى “خطر الموت” في أكثر من مناسبة، لكنها كانت دائما لهذا الخطر هازمة. تقول هذه البطلة المغربية وابتسامة عريضة تعلو محياها، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ” مضيفة ان أصعب قمة تسلقتها من بين كل القمم هي قمة إيفريست سنة 2017، التي يبلغ ارتفاعها 8848 مترا، وهي أعلى قمة في العالم، لأنه بعد تجاوز ارتفاع 8000 متر تجد نفسك في منطقة الموت التي يتقلص فيها الأوكسجين إلى الثلث ما يؤدي الى صعوبة كبيرة في التنفس … وأنا أتسلق هذه القمة التي لا تنسى، وجدت في طريقي العديد من الأشخاص الذين فارقوا الحياة قبل تحقيق حلم الوصول إلى القمة”.
تتذكر بشرى قمما أخرى تميزت بصعوبتها كذلك، كقمة جبل فانسون بأنتاركتيكا، التي وإن كانت أقل علوا من قمم أخرى تسلقتها من قبل، “لكنها معروفة بخصوصيتها المناخية الصعبة، بوصفها أبرد قارة في العالم تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما بين 30 و40 درجة تحت الصفر، كما أنها قمة نائية لا يزورها أحد باستثناء بعض العلماء والباحثين (…) الامتياز الوحيد الذي وفرته لنا هذه القمة هو شروق الشمس طيلة اليوم وغياب فترة الليل، وهذا كان يحفزنا كثيرا على الاستمرار”، تضيف سيدة الجبال بثقة كبيرة .
وهي تحكي عن ذكرياتها مع مغامرة تسلق الجبال الشاهقة، في الفترة ما بين 2011 و2018، تتذكر بشرى بحنين وشوق غزيرين، أول تجربة لها مع تسلق قمة جبل كليمانجارو في إفريقيا، والتي تعتبرها “القمة الأكثر متعة، بحيث التقيت فيها مع السكان الأوائل والقبائل البدائية لهذه المنطقة، كما أعجبت كثيرا بالخصوصية الإفريقية المحلية”.
تألق بشرى بايبانو أو قاهرة الجبال، كما يحلو للكثيرين تسميتها، لم يذهب سدى، فقد حظيت بالعديد من الجوائز والتكريمات والاعترافات وطنيا ودوليا، على رأسها توشيحها من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالوسام العلوي من درجة ضابط.
من يعرف بشرى التي تألقت ايضا في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية،حيث تخرجت من المعهد الوطني للبريد والمواصلات بالرباط سنة 1995، والتحقت كمهندسة دولة بوزارة التجهيز والنقل بدرجة إطار عال، وتعد بشهادة زملائها وزميلاتها إضافة كبيرة لهذا القطاع الحيوي، يشهد لها كذلك بكونها زوجة وأم مثالية لا يثنيها أي انشغال أو تفصيل عن الاهتمام بعائلتها والوفاء بالتزاماتها الأسرية، التي تعتبرها محفزا قويا لتحقيق نجاحاتها المتوالية.
تؤكد سيدة القمم، التي تشغل حاليا منصب رئيسة اللجنة النسوية بالجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضات الجبل وعضو المكتب الفيدرالي لنفس الجامعة، “طالما شجعتني عائلتي وخاصة زوجي على رفع تحدي تسلق أعلى القمم في القارات السبع، بفضله حققت حلم التسلق الذي راودني منذ سنوات طويلة، حتى أنه رافقني في تسلق مجموعة من القمم كقمة جبل توبقال وقمة جبل كليمانجارو (…)”.
وفي رسالتها إلى المرأة المغربية، وهي تخلد عيدها العالمي، تدعو بشرى بايبانو النساء المغربيات إلى مزيد من الكد والمثابرة في سبيل تحقيق مكتسبات أكبر وأهم لصالحهن، داعية الرجل المغربي إلى مساندة المرأة في هذا الاتجاه، سواء من موقع الزوج أو الأب أو الأخ أو الرئيس أو الزميل في العمل، باعتبار المرأة نصف المجتمع والرجل نصفه الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرى بايبانو.. قاهرة قمم جبال المغرب والعالم
9/12/2018
حجم الخط طباعة
بشرى بايبانو فوق قمة جبل إفريست سنة 2017 (الجزيرة)
سناء القويطي-الرباط
وهي في سن الثامنة والأربعين تستعد المغربية بشرى بايبانو لتلتحف علم بلادها في آخر محطة من مشروعها وهو جبل “فانسون” أعلى قمة في القطب الجنوبي (4892 مترا)، لتكون أول مغربية تنهي تحدي القمم السبع.
وكان جبل كليمانجارو (5895 مترا) بأفريقيا أول قمة قارية تتسلقها بشرى عام 2011، وبعدها “مون بلان” (4810 أمتار) أعلى نقطة في سلسلة جبال الألب، ثم جبل “أكونكاغوا” (6962 مترا) أعلى قمة بأميركا الجنوبية، و”ماكنلي” (6194 مترا) أعلى قمة بأميركا الشمالية، وجبل “ألبروز” (5642 مترا) أعلى قمة في أوروبا، وعام 2017 وطئت قدماها أعلى قمة في العالم “إفريست” (8848 مترا).
البداية توبقال
يحلو للبعض وصفها بقاهرة الجبال، لكن المغربية بشرى بايبانو لا ترى نفسها سوى امرأة عادية، آمنت بحلمها، وتبعت قلبها المولع بالمغامرة، حتى صارت أول مغربية ومغاربية تصل سقف العالم في “أفريست”.
هناك على علو 4000 متر، شعرت بشرى بالحرية ونبت لها جناحان في جبل توبقال أعلى قمة بالمغرب، تملكها الشغف بتسلق الجبال وهيمن على وجدانها وهي في السادسة والعشرين من عمرها، فحلقت بهما من قمة إلى أخرى متحدية المخاطر والصعاب.
القمم السبع
لم تهن أمام قسوة الجبال ووعورتها وعواصفها وبردها، بل تسلحت بعزيمتها وتمسكت بحلمها، ومضت خطوة خطوة في مشروعها لتسلق أعلى القمم في القارات السبع، التي تشكل تحديا لمتسلقي الجبال.
اعلان
تحكي بشرى بايبانو مهندسة الاتصالات السلكية واللاسلكية للجزيرة نت الإحساس الذي سكنها لحظة وقوفها أول مرة على قمة جبل توبقال بالمغرب، وتقول “أحسست بالحرية وبالنشوة والسعادة”، ومنذ ذلك الحين لم تستطع التخلي عن هذا الإحساس وسعت لعيشه مرات ومرات.
هذه المرأة والأم والناشطة الاجتماعية والحافظة للقرآن الكريم اعتمدت على نفسها في تمويل رحلاتها، لكنها لفتت أنظار المحتضنين إليها بعدما قطعت أشواطا مهمة في مشروعها، فدعموها ماديا للمضي في طريقها. واستقبلها الملك محمد السادس سنة 2015 ووشحها بوسام الاستحقاق الوطني من درجة ضابط.
زوج داعم
وتحظى بشرى بدعم كبير من زوجها الحسين أبو مالك، الذي شاركها رحلاتها الجبلية الأولى. يقول الحسين للجزيرة نت إن شخصية زوجته القوية وإصرارها جعلاها تنجح في الطريق الذي اختارته.
ولا تترك بشرى الأشياء للصدفة كما يقول زوجها، بل إنها قبل خوض أي تحد جديد تخطط بجدية، وتقوم بدراسة مستفيضة تشمل النواحي المالية والجسدية والنفسية، وهذا -بحسبه- ميزتها وسر نجاحها.
ولا يخفي الحسين قلقه على زوجته بسبب المخاطر والصعوبات التي تواجهها في أسفارها، لكنه يجد بعض العزاء في معرفته بتراكم تجاربها وتخطيطها المسبق، وإيمانه بقدرتها على المضي حتى النهاية في التحديات.
عبور منطقة الموت
وكان سقف العالم “إفريست” بعلوه الذي يبلغ 8848 مترا أصعب القمم التي تسلقتها بشرى، تتذكر والابتسامة لا تفارق شفتيها تلك الأيام كما لو أنها بالأمس، فالصعود إلى القمة احتاج منها تقنيات خاصة بالنظر للممرات الصعبة التي واجهتها، وعبورها ما يسمى منطقة الموت بعد علو 8000 متر حيث يقل الأوكسجين بنسبة 30%.
هناك تجمدت أصابع بشرى واحتاجت رعاية خاصة، لكنها لم تخش الموت ولم تندم على خوض المغامرة، تقول إن الموت قد يدهمها في بيتها وبجانب أسرتها “فلم يحرم المرء نفسه من الحياة بسبب خوفه من الموت” تتساءل.
ورغم المخاطر والعوائق، فإن الطريق إلى القمم كان في نظرها مدرسة غيرت مجرى حياتها، فما تعلمته لم يفدها في تسلق الجبال فقط بل في الحياة أيضا. لقد اكتشفت بشرى قدرات كامنة في ذاتها، وتعلمت الصبر والتقبل والرضا والاستسلام والتركيز، وهي مهارات ساعدتها على تخطي الصعاب التي تواجهها في يومياتها.
تجربة ملهمة
“على قمة “إفريست” أحسست بالحرية والانبهار، كنت فخورة بنفسي وأحسست بالتواضع أمام عظمة الكون” ليس ذلك فقط، بل إن هذه المغامرة غيرت الكثير في حياة بشرى بايبانو، وجعلتها تواجه نفسها بأسئلة حارقة حول جدوى ما تفعله ورسالتها في الحياة، فكان ما بعدها ميلاد جديد.
بعد عودتها من رحلة إفريست، شاركت بشرى في عدد من اللقاءات والفعاليات التحفيزية للشباب، تحدثت عن تجربتها التي ألهمت الكثيرين، ورأى فيها الناس امرأة تشبههم تمكنت بإمكانيات بسيطة من تحقيق أحلامها، فتصيبهم عدوى الإصرار والمثابرة والإيمان بذواتهم والعزم على ملاحقة أحلامهم.
ووجدت بشرى في تأطير الفتيات في رياضة التسلق ضالتها ورسالتها في الحياة، فخاضت فيها بكل جوارحها، وهكذا تمكنت الصيف الماضي من إيصال أول مجموعة من الفتيات اليافعات إلى قمة توبقال.
هذه القمة بالنسبة لها هي رمز لتحديات الحياة، أرادت أن تعلم الفتيات أن نجاحهن في الوصول إليها يعني أنهن قادرات على النجاح في جميع التحديات التي تواجههن في حياتهن، إنها درس عملي سيصنع منهن نساء قويات ومؤثرات كما ترى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترى بشرى بايبانو نفسها “امرأة عادية استطاعت تحقيق أحلامها”، وتفخر بكونها “الوحيدة في المغرب، بين النساء كما الرجال، التي استطاعت تسلق القمم السبع الأعلى في العالم”.
وتعبر بشرى (50 عاما) عن إيمانها بـ”القدرة على تحقيق الأهداف بفضل المثابرة”.
وتعمل هذه المغامرة التي تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الخمسين مهندسة معلوماتية في إحدى الوزارات.
تمكنّت بشرة بايبانو في 16 كانون الأول/ديسمبر من بلوغ قمة جبل فينسون في انتركتيكا (القطب الجنوبي) حيث تتدنى الحرارة إلى 40 درجة تحت الصفر. فاستكملت بذلك ما يسميه هواة تسلق الجبال “تحدي القمم السبع” وهو إنجاز كبير.
وتوضح بايبانو التي تزن 54 كيلوغراما ويبلغ طولها مترا و52 سنتيمترا “استطعت تحقيق ما لم يحققه رجال أقوى مني بدنيا”. وتعتز بكونها أضحت “واحدة من بين 400 شخص” في العالم رفعوا تحدي الوصول للقمم الأعلى في القارات السبع.
وتشمل هذه القمم هرم كارستنز في أوقيانيا بجنوبي المحيط الهادئ (4884 مترا) وجبل فينسون في أنتركتيكا (4897 مترا) والبروز في أوروبا (5642 مترا) وكيلمنجارو في إفريقيا (5895 مترا) وماكنلي في أميركا الشمالية (6194 مترا)، وأكونكاغوا في أميركا الجنوبية (6962 مترا) ثم إيفرست في آسيا (8848 مترا).
“امرأة حرة”
وتسلّقت بشرى هذه القمم السبع في غضون ثماني سنوات اعتبارا من العام 2011 حتى نهاية 2018، بما يمثل في المجموع “43000 كيلومتر عن سطح البحر، ومليوني درهم (حوالى 180 ألف يورو) مصاريف الرحلات”. وهي تملك شهادة رسمية بكل عملية تسلق ولا تزال تنتظر وصول شهادة جبل فيسنون لتستكمل مجموعتها.
وتزين الألقاب التي راكمتها غرفة الجلوس في بيتها في مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط.
وتؤكد بنبرتها الواثقة الهادئة “يمنحني ذلك شعورا بالافتخار كوني مغربية وامرأة (…). هذا دليل على أن النساء بمقدورهن تحقيق مثل هذه الإنجازات”. لكنها تفضل أن تقدّم نفسها على أنها “امرأة حرة”، وليس بالضرورة “مناضلة نسائية” في مجتمع تسوده ثقافة محافظة.
في غيابها، يتولى زوجها الحسين، الموظف هو الآخر، رعاية ابنتهما البالغة 14 عاما، كما يشرف على إدارة صفحتها على موقع “فيسبوك”.
وتأمل بشرى، الناشطة في هيئات رياضية وجمعيات عدة، في أن “تكون مثالا للثقة في الذات والإيمان بالأحلام بالنسبة للفتيات الشابات على الخصوص”.
وتأسف لأنّ “الكثير من الفتيات لا ينهين دراستهن” في المغرب، “علما أنهن يملكن القدرة على ذلك لو تتاح لهن الفرصة”.
وتمثل ممارسة رياضات التحدي، الذكورية في الغالب، الوسيلة الفضلى “للتغلب على الخوف”، في رأي بشرى التي تعتبر الجبل بمثابة “مدرسة عظيمة”. وترى أن بلوغ القمم يتطلب التحلي بقيم “الشجاعة والتفاؤل والمثابرة والإقدام والإصرار والتواضع”.
وتضيف المغامِرة التي تحبّ السفر وحيدة وملاقاة الناس “جلت العالم وتسلقت العديد من القمم، تعلمت أشياء كثيرة أريد تقاسمها”. ولا تتردد بشرى في لقاء الطلبة للحديث عن إنجازاتها. وقد نظمت السنة الماضية رحلة شارك فيها ثلاثون شابة يتحدرن من وسط قروي، نحو قمة جبل توبقال الأعلى في المغرب (4167 متر) في منطقة مراكش (جنوب). ولاحظت أنهن “كنّ مترددات في البداية قبل أن يصرن فخورات” بعد الرحلة.
تجربة 20 سنة
وتتذكر بشرى كيف اكتشفت متعة ارتياد الجبال في سن الخامسة عشرة خلال مشاركتها في مخيم في عطلة دراسية، بينما لم تكن ممارسة الرياضة ولا ارتياد الطبيعة سائدين في وسطها العائلي حيث ترعرعت في كنف أب ميكانيكي وأم ربة بيت.
وكان جبل توبقال أول قمة تتسلقها في سن السادسة والعشرين في تجربة ألهبت حماسها للتدرب على تسلق الجبال في منطقة شاموني حيث قمة مون بلان الشهيرة في فرنسا.
وتمكنت من الوصول الى ممولين لمغامراتها الأخيرة، على الرغم من أن “تسلق الجبال ليس من الرياضات التي لها قيمة مادية في المغرب”. فحصلت على 60 ألف يورو لتسلق جبل فينسون و80 ألف يورو لرحلتها نحو إيفرست.
وتناضل لكي تصبح السياحة الجبلية قطاعا منظما في المغرب، مستثمرة في ذلك تجربة 20 سنة قضتها بين المسالك النائية في مرتفعات بلادها. وتأمل على الخصوص أن يتم إيلاء اهتمام أكبر بالمنتزه الوطني لتوبقال، الأشهر على الصعيد الدولي، وتحسين شروط النظافة في المواقع الطبيعية و”تقوية الأمن” فيها.
وتعرب عن تأثرها الشديد لمقتل سائحتين اسكندنافيتين شابتين كانتا في طريقهما نحو قمة جبل توبقال منتصف كانون الأول/ديسمبر من طرف متطرفين مغاربة، قائلة “هذا العمل الإرهابي لا يمثل بلدنا حيث السلم والتسامح”.