كيف تساهم الهند في تشكيل صناعة السينما في هوليوود؟
لم يعد الحضور الهندي في السينما العالمية يقتصر على نجوم السينما الهندية مثل “بريانكا شوبرا” فحسب، فقد ساهمت شركة هندية أيضا في إنتاج فيلم “لينكولن”. لكن كبرى شركات الإنتاج السينمائى في هوليوود، واجهت الكثير من العثرات، بالمقابل، في شبه القارة الهندية.
كثيرا ما يواجه الفيلم في الهند عثرات قبل عرضه في السينما، فربما يستاء جهاز الرقابة على المصنفات من بعض المشاهد، أو تنظم إحدى الفئات الاجتماعية احتجاجات على تشويه الفيلم لصورة من ينتمون إليها، أو قد ترغم إحدى الأحزاب السياسية المنتج على التبرع بمبلغ للقوات المسلحة إذا تجرأ على التعاقد مع ممثل باكستاني.
وقد أثار الكثير من الأفلام الهندية جدلا واسعا لأسباب مختلفة، ولكن قصة الفيلم الرومانسي الهندي “شوري شوري شوبكي شوبكي”، حظيت بنصيب وافر من الانتقادات.
وفي عام 2001، قبل بضعة أشهر من عرض هذا الفيلم، الذي أدى فيه دور البطولة باقة من أشهر نجوم السينما الهندية، منهم سلمان خان وبريتي زينتا وراني موخرجي، صادر مكتب التحقيقات المركزي نسخ الفيلم وألقى القبض على اثنين من منتجيه، والسبب أن هذا الفيلم ممول من شبكة إجرامية سيئة السمعة في مومباي.
لكن الأفلام السينمائية الهندية، التي يقال إنها أهم الصادرات الثقافية وأكثرها تأثيرا، هي أيضا مرتعا للتدفقات المالية غير المشروعة والصفقات غير المعلنة، ولعل هذا السر من أسوأ أسرار الهند التي ظلت طي الكتمان لفترة طويلة.
إذ تحول عصابات المافيا الأموال الناتجة عن أنشطة إجرامية، عبر وسطاء، إلى الأنشطة الترفيهية العائلية، ويوجهون تهديدات لأصحاب النفوذ على الساحة السينمائية لإرغامهم على العمل في مشاريعهم، وإن لم يفعلوا قد يتأخر عرض الفيلم عن موعده ليسبقه الفيلم المنافس، وربما يشنون هجوما على الممثلين وفرق عمل الأفلام، إذا لزم الأمر.
وقد ساهم في زيادة ارتباط السينما الهندية بغسيل الأموال والعصابات أن السينما الهندية لم تكن تصنف كصناعة في القانون الهندي قبل عام 2001. ولهذا لم يكن يحق للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية الرسمية أن تقرضها المال، وقد ظلت صناعة الأفلام في الهند منكفئة على ذاتها وتحوم حولها شبهات الفساد.
وبحسب تقارير استخباراتية، مولت عصابات المافيا في الهند، في وقت من الأوقات، نحو 60 في المئة من أفلام السينما. لكن كل هذا تغير في عام 2001، حين منح القانون الهندي للسينما الهندية صفة “صناعة”، وفتح الباب على مصراعية أمام القنوات المالية والشراكات القانونية لتمويل الأفلام في الدولة الأكثر إنتاجا للأفلام السينمائية في العالم.
وكل هذا لم يغب عن أنظار هوليوود. وقد اشتهرت السينما الهندية، قبل عام 2001، بالأفلام الغنائية الممتعة، ولكنها اشتهرت أيضا بسرقة المصنفات الفنية علانية. إلا أن حجم مبيعات تذاكر الأفلام الهندية (التي طالما فاقت مبيعات تذاكر هوليوود)، وذيوع صيتها في مناطق واسعة من العالم، ساعدا في جذب أنظار شركات الإنتاج في هوليوود لتدشن فروعا جديدة في الهند أو تشارك اللاعبين الحاليين فيها.
وبحلول عام 2008، أبرمت شركات “ديزني” و”فياكوم” و”توينتيث سينشوري فوكس”، و”سوني بيكتشرز” صفقات لإقامة مشروعات في الهند.
وقد أعلنت هذه الشركات العملاقة في المجال الإعلامي، بخبرتها العالمية، عن بدء عصر جديد في صناعة السينما الهندية، كان من أهم ملامحه ارتفاع الميزانيات، واتساع نطاق الدعاية الترويجية للأفلام وزيادة كلفتها، والحصول على تراخيص قبل اقتباس الأفلام والألحان الموسيقية بدلا من سرقتها دون إذن، وغير ذلك.
بدايات متعثرة
لم تسر الأمور في البداية على ما يرام. فقد أزيح الستار عن الفصل الجديد من فصول السينما الهندية في عام 2007، بعرض فيلم “سواريا” من إنتاج شركة “سوني بيكتشرز إنترتينمنت”، وهو فيلم رومانسي عاطفي تطغى عليه نبرة الحزن، وقد اقتُبس الفيلم من قصة “وايت نايتس” (الليالي البيضاء) للكاتب فيودور دوستوفسكي.
وكان فيلم “سواريا” من إخراج سانجاي ليلا بانسالي، المخرج المتمرد الذي أثرى السينما الهندية بالكثير من الأفلام، ولكنه كما يتضح من سجل أعماله، لا يلتفت إلى فرص نجاح الفيلم أو إخفاقه.
لكن العامل الحاسم في إخفاق هذا الفيلم هو أن عرضه قد تزامن مع عطلة عيد الأنوار “الديفالي” الهندوسي، الذي تتنافس فيه شركات الإنتاج على عرض الأفلام، وقد تعارض مع عرض فيلم “أوم شانتي أوم”، وهو الفيلم الذي كان الأكثر انتظارا في الهند، كما كان اسم النجم اللامع في بوليوود “شاروخان” كبطل للفيلم كفيلا بضمان نجاحه.
لم يكن قرار عرض الفيلم في هذا التوقيت خاطئا فحسب، بل إن أحدا من العاملين في شركة “سوني” لم يشاهد الفيلم الكامل إلا قبل عرضه بأيام معدودات. وبعد انتهاء الفيلم في شاشات العرض بالشركة، أدرك المديرون التنفيذيون في القاعة أن الفيلم الذي بين أيديهم بطيء وطويل وممل أحيانا ويتناقض مع بهجة العيد الذي من المفترض أن يعرض فيه.
فشل فيلم “سواريا” في تحقيق إيرادات تذكر، ولم يكد يمضي وقت طويل حتى أغلقت شركة سوني ذراعها الإنتاجي في الهند، لتكون قصة الفيلم على صفحة الإنترنت واحدة من القصص الأكثر كآبة على الإطلاق.
وعُرض فيلم “روميو على الطريق”، وهو فيلم رسوم متحركة كوميدي، في عام 2008، وكان ثمرة إنتاج مشترك بين شركة “ديزني” وشركة “ياش راج بيكتشرز” الهندية العملاقة في مجال الإنتاج، ويعد أول فيلم تنتجه “ديزني” يحمل عنوانا هنديا. ولكنه فشل فشلا ذريعا.
ولم تكن حظوظ شركة “وارنر بروس” من النجاح في الهند أعلى من حظوظ شركة “ديزني”، فلم يحظ عرض فيلم “من سوق شاندني شوك إلى الصين”، وهو من نوعية أفلام الفنون القتالية الكوميدية، في عام 2009، بإقبال يذكر. فلماذا أخفقت هذه التجربة الكبرى؟
ويعزى هذا الإخفاق إلى أسباب عديدة. في البداية، يختلف الفن تعريفا عن العلوم، ولهذا فإن الطرف الأكبر حجما ليس هو الأفضل بالضرورة. وتعد صناعة الأفلام في الهند من الصناعات المتقلّبة، وتخضع أرباح بوليوود بشكل خاص للحالة المزاجية للطبقة الوسطى الهندية.
وعندما جاءت شركات الإنتاج الأجنبية إلى الهند جلبت معها نموذجا تجاريا معينا قد لا يتفق مع اتجاهات شباك التذاكر الهندي، ووضعت أناس في مناصب قيادية لم يكن لديهم حسن تقدير للأمور واستباق للأحداث، واستثمرت أموالا طائلة فاقت قدرة السوق الهندية على الاستيعاب.
وقد أفضى تدفق هذه الأموال الوفيرة إلى ظهور حالة التسابق والتباهي في سوق الأفلام الهندية من خلال الاستحواذ على أكبر قدر من الممتلكات أو المغالاة في الأجور أو تخصيص ميزانيات غير منطقية للدعاية للأفلام في بلد يبلغ فيه ثمن تذكرة السينما في مجمع قاعات السينما نحو ثلاثة دولارات.
ولكن هذا لا يعني أن شركات الإنتاج الأجنبية فشلت على طول الخط، أو أن المنتجين المحليين كانوا يهيمنون على سوق الأفلام السينمائية. فقد تكبدت شركات الإنتاج المحلية خسائر فادحة أيضا.
لكن شركات الإنتاج المحلية مثل “ياش راج بيكتشرز”، أو شركة “دارما برودكشنز”، جمعت ثروات طائلة من أفلام عديدة، وربما يعزى ذلك إلى اكتشافها لمواهب سطع نجمها في السينما الهندية أو تعاقدها مع مخرجين واعدين لإخراج عدة أفلام أو اتباع الأساليب التي أثبتت نجاحا في السابق، ولكن ببراعة ومهارة.
تصدير المواهب
وفي الوقت الحالي، أغلقت شركة “وارنر بروس” فرعها للإنتاج في الهند، وصرفت شركة “ديزني” نظرها عن إنتاج الأفلام في الهند أيضا.
والمفارقة أن فيلم “دانغال” أو المصارعة، وهو آخر فيلم هندي من إنتاج ديزني عام 2016، والذي جاء بعد سلسلة من الإخفاقات في الهند، حقق إيرادات تتجاوز 300 مليون دولار على مستوى العالم، ليصبح الفيلم الهندي الأعلى من حيث الإيرادات.
وقد حقق فيلم “دانغال” في الصين ضعف الإيرادات التي حققها في الهند، ولعل هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها فيلم هندي هذا النجاح في دولة أخرى.
ولا تزال شركة “فوكس” تمارس نشاطها الإنتاجي في الهند، ولكنها، كما يتضح، اتخذت قرارا كان الأصوب والأكثر دهاء حين أبرمت صفقة مع شركة “دارما بروداكشنز” لإنتاج عشرة أفلام مشتركة.
وهذه الشراكات، شأنها كشأن أي تعاقدات ذات الصلة بالمجال الابتكاري، لا تصب في مصلحة طرف واحد فقط دون الآخر. إذ يستعرض الممولون الهنود قدراتهم أيضا أمام الشركات الأجنبية للتوسع خارج الهند من أجل المشاركة في إنتاج الأفلام الأمريكية والبريطانية.
وأبرز مثال على ذلك، مجموعة “ريلاينس إنترتينمنت” الهندية، التي شاركت ستيفن سبيلبرغ في تأسيس شركة “أمبلين بارتنرز”، التي تتضم شركة “دريمويركس بيكتشرز”، وتمتلك 20 في المئة من أسهمها.
وعلى مدار السنوات الثماني التي عملت فيها شركة “ريلايانس” مع سبيلبرغ، جنيا معا مزايا الفوز والترشح لجوائز الأوسكار عن فيلم “لينكولن”، وواجها معا السقوط المدوي لفيلم “ذا بي إف جي”.
لكن حجم إسهامات شركات الإنتاج الهندية في الأفلام العالمية، رغم بعض الشراكات من هذا النوع، لا تقارن بإسهامات شركات الإنتاج الصينية في نفس المضمار.
لعل وجه للتشابه الأكبر بين السينما الهندية وهوليوود الآن هو أن كليهما يستقطب اهتمام الشركات الصينية. إلا أن السينما الهندية صدرت شيئا آخر أكثر وفرة من المال ويقال إنه أكثر تأثيرا، وهو المواهب الهندية.
فلا أحد ينكر أن هوليوود تعاني من مشاكل في التنوع العرقي، ولكنها قد تداركت أخطاءها وطورت من نفسها في السنوات الأخيرة. وكان أحد ثمار هذا الاتجاه زيادة عدد الوجوه والأسماء الهندية في الإعلام الغربي.
فقد لمع نجم ممثلين من السينما الهندية في سماء الأفلام الأمريكية أكثر من أي وقت مضى، من نجمة بوليوود ديبيكا بادوكون، التي أدت دور البطولة في الجزء الأخير من فيلم “إكس إكس إكس”، إلى عرفان خان الذي شارك في أفلام متنوعة، مثل “مايتي هارت” و”ذا دارجيلينغ ليمتد”، وعلي فازال الذي أدى دور البطولة في فيلم “فيكتوريا أند أبدول”، وهو الفيلم الذي بدا وكأنه أنتج خصيصا للترشح لجائزة أوسكار.
ولا ننسى بالطبع “بريانكا شوبرا”، أبرز سفراء السينما الهندية في الأفلام العالمية. إذ تلعب دور غريمة البطل واسعة النفوذ في فيلم “بايووتش”، المقتبس من مسلسل تليفزيوني يحمل الإسم نفسه، وتؤدي دور البطولة في مسلسل “كوانتيكو”، على قناة “أيه بي سي”، في الموسم الثالث له.
وتنتج في الوقت الحالي مسلسل من نوع كوميديا الموقف حول حياة نجمة أخرى لامعة في السينما الهندية “مادوري ديكسيت”.
إذا كنا نتحدث عن قصص التواجد الهندي على ساحة الأفلام العالمية، فقد قطع الفنانون الهنود شوطا طويلا في الأفلام العالمية، بعد أن كانت مشاركتهم تقتصر على مسلسل “بند إت لايك بيكهام” (لف الكرة مثل بيكهام).
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture .