بدأت قصة سلسلة «جست فلافل» (Just Falafel) كقصة أي مطعم صغير أما قصة طموحه الذي تخطى المنطقة العربية وصولاً إلى أطراف العالم فهي قصةٌ فاقت كل التوقعات. منذ اليوم الأول، وضع مؤسسا «جست فلافل» نصب أعينهم هدفاً كان قد يبدو جنونياً للآخرين وهو أن يجعلوا من الفلافل طبقاً عالمياً وأن يجعلوا اسم «جست فلافل» مرادفاً للفلافل في أي مكان بنفس الطريقة التي اقترن فيها اسم «ماكدونالدز» بشطيرة البرغر واسم «ستاربكس» بالقهوة
بدأت قصة سلسلة «جست فلافل» (Just Falafel) كقصة أي مطعم صغير أما قصة طموحه الذي تخطى المنطقة العربية وصولاً إلى أطراف العالم فهي قصةٌ فاقت كل التوقعات. منذ اليوم الأول، وضع مؤسسا «جست فلافل» نصب أعينهم هدفاً كان قد يبدو جنونياً للآخرين وهو أن يجعلوا من الفلافل طبقاً عالمياً وأن يجعلوا اسم «جست فلافل» مرادفاً للفلافل في أي مكان بنفس الطريقة التي اقترن فيها اسم «ماكدونالدز» بشطيرة البرغر واسم «ستاربكس» بالقهوة. وهذا ما حصل فعلاً، فبعد مرور حوالي 7 سنوات على إطلاق الفرع الأول لـ جست فلافل، أصبحت هذه السلسلة موجودة في أكثر من 8 بلدان مع أكثر من 53 فرعاً مع خطط إطلاق أكثر من 900 فرع حول العالم مع نهاية العقد الحالي. تحدثنا إلى الرئيس التنفيذي، فادي ملص، لاكتشاف أسرار وخفايا تطوير العلامات التجارية المحلية وتحضيرها للانطلاق إلى العالمية.
نشأة فكرة
يعرف العالم العربي بأطباقه الشهية والتي تتميز بالعراقة والنكهات الفريدة. وقد اشتهر المطبخ العربي في الآونة الأخيرة حتى أصبح توجهاً أساسياً في المطابخ العالمية. إحدى هذه الأطباق الشهيرة هي «الفلافل» وهي طبق متواضع عُرف بأكلة الفقراء كونه يعتمد على مكونات منخفضة الكلفة كحبوب الفول والحمص. إلا أن هذا الطبق وجد طريقه إلى الموائد الفاخرة وأصبح من أهم فواتح الشهية في المطاعم الفخمة وغيرها.
غالباً ما تعكس الأطباق الشعبية ثقافة بلد المنشأ ومع زيادة عدد المغتربين، يزداد الحنين إلى هذه الأطباق. أحد هؤلاء المغتربين هو محمد بيطار الذي وجد نفسه عام 2007 في إمارة أبو ظبي بعيداً عن بلده الأم، لبنان، يبحث عن مكان يقدم سندويش الفلافل الذي يحمل طعم الطفولة والوطن ولكنه لم يجد أي مكان يحضر هذا الطبق بشكلٍ مناسب. وكلما تعمق بالفكرة، ازداد استغرابه لعدم انتشار هذا الطبق كحال طبق السوشي الطبق الوطني لليابان والباستا الطبق الوطني لإيطاليا خاصة أن الفلافل هو طبق نباتي وبالتالي فهو يشبع حاجة معنية في السوق حيث لا يوجد الكثير من المطاعم أو المقاهي التي تقدم المأكولات النباتية حصراً.
هكذا ارتأى أن يؤسس محلا متخصصا ببيع الفلافل. في عام 2007، قام بيطار مع شركائه علياء المزروعي وهي امرأة أعمال إماراتية تعرف بكونها رائدة أعمال متسلسلة وتتمتع بشغف حقيقي لإطلاق الأعمال الناشئة ودعمها حتى النجاح وريما شتي خريجة جامعة بوسطن وعضو مجلس إدارة في «المركز الطبي الحديث» وصديقة للمزروعي بافتتاح أول فرع لمطعم «جست فلافل» المتخصص ببيع سندويش الفلافل في شارع حمدان في أبو ظبي.
مع حلول العام 2010، كان لـ «جست فلافل» فرعان في إمارة أبو ظبي وكان نموه لا يشفي غليل المؤسسين. وفي ذلك الحين، التقى بيطار بصديقه فادي ملص وناقش معه فكرة التوسع ليس من خلال افتتاح فروع أخرى بل من خلال منحهم حقوق الامتياز التجاري الذي يفتح الطريق أمام هذه العلامة التجارية للوصول إلى أكبر قدر من المستهلكين وبأكبر قدر من المواقع الجغرافية. وهكذا بدأ الرجلان سعيهما لتحقيق حلمهم الكبير فانكبوا على دراسة كيفية الارتقاء بـ جست فلافل والانتقال إلى المرحلة القادمة. ويذكر ملص بوضوحٍ كبير كيف عمل مع بيطار بشكل مكثف وحتى آخر ساعات النهار يجمعون الإحصائيات والدراسات والخطط المالية واستراتيجيات الأعمال والوثائق القانونية والاجتماع بمستشارين اقتصاديين للتحضير لهذه الخطوة.
كما قاموا بدراسة مناهج عمل أكبر سلالات المقاهي والمطاعم كـ «صب واي» الذي يشغل 40.000 فرع و «ماكدونالدز» الذي يشغل 36.000 فرع و»ستاربكس» الذي يشغل 18.000 فرع حول العالم. وخلصوا إلى نتيجة هامة والتي أصبحت فلسفة الشركة وهي: إن أرادوا بناء علامة تجارية قوية، فيجب أن يقوموا بطرحٍ متخصص ومفهوم مميز.
يعتقد ملص أن الثقة الكبيرة في العلامات التجارية الغربية تعود إلى كون هذه العلامات التجارية موجودة منذ وقت طويلة وقد تخطت اختبار الزمن وهي متواجدة في أي مكان حول العالم. سلسلة «ماكدونالدز» على سبيل المثال موجودة منذ أكثر من 70 عاماً وهي تطعم حوالي 70 مليون شخص يومياً أي ما يعادل 1% من مجمل السكان في العالم. كما تتميز هذه العلامات التجارية في عالم المأكولات السريعة بكونها الرائدة في مجال فئة الطعام التي تقدمها وتخصصها يجعلها تفهم هذا الجزء من السوق بعمق وبالتالي تعرف كيف تتجاوب مع طلبات وأذواق المستهلكين أفضل من أي مطعمٍ آخر.
إذا نظرنا إلى كيفية عمل «جست فلافل»، فهم يتبعون نفس المنهج التي تتبعه العلامات التجارية الكبيرة والرائدة في فئة الطعام التي تقدمها. ويقول ملص: «كانت خطوتنا الأولى الحرص على تقديم سندويش الفلافل بأفضل طريقة فقمنا بتطوير وصفة نباتية ١٠٠٪ التي نعدها بطريقة صحية باستخدام زيت دوار الشمس الخالي من الكولسترول. ومن ثم أضفينا نفحة مميزة على هذه الوصفة الشرق أوسطية التقليدية لابتكار أصناف متعددة من سندويش الفلافل بنكهات عالمية منها سندويش الفلافل اليوناني والياباني والهندي والاماراتي والأميركي وغيرها. ومع نمو وانتشار «جست فلافل»، تستمر لائحة الطعام تستمر بالتطور والتنوع.»
بالإضافة إلى ذلك، فإن اختيار المؤسسين لفئة الطعام هذه ساعدهم على أخذ شريحة مستهليكن خاصة بهم وعوضاً عن أن يتنافسوا مع الاعبين الكبار في السوق، أصبحوا يلعبون دوراً مكملاً لهم من خلال تقديمهم لفئة طعام جديدة فهم ليسوا مطعم برغر آخر أو مطعم بيتزا آخر أو مقهى آخر. كما تمكنوا من جعل «جست فلافل» جزءاً أساسياً من قاعات المطاعم في المولات. وأصبح تركيزهم يصب على الحصول على أفضل المواقع عوضاً عن استنفاذ طاقتهم في القضاء على المنافسة.
أما من ناحية اجتياز اختبار الزمن بالنسبة لهذه السلسلة الحديثة السن، فيرى ملص أن زمننا الحالي يختلف عن زمن تلك العلامات التجارية التي نشأت قبل الثورة الإلكترونية والشبكات الاجتماعية بحيث استغرقت هذه الشركات أكثر من 50 أو 60 عاماً لبناء علاماتها التجارية وزيادة الوعي حولها والرفع من ثقة وولاء المستهلك والانتشار عالمياً. أما اليوم، وبفضل الشبكات الاجتماعية أصبح الأمر أسهل بكثير وبات بإمكان الشركات الناشئة الآن الدخول إلى السوق وتحقيق الكثير خلال وقت قصير نسبياً نظراً لسهولة التواصل وبناء استراتيجيات تسويقية على مستوى عالمي والوصول إلى أكبر قدر من الأشخاص بجهدٍ بسيط بالمقارنة مع العقود السابقة. كما اختارت «جست فلافل» الشبكات الاجتماعية على غيرها من وسائل التسويق التقليدية نظراً لفعاليتها من حيث سهولة النشر والعوائد على الاستثمار وقامت بإنتاج مقاطع الفيديو المميزة لجذب والتواصل مع قاعدة كبيرة من المعجبين وتحميلها على موقع الفيسبوك الذي يعتبر المنصة المثالية التي تلائم استراتيجية النمو الخاصة بـ “جست فلافل».
التوسع وحقوق الامتيازات التجارية
عندما قام المؤسسين الأوائل بتوحيد قواهم مع ملص، بدأ العمل الجدي باتجاه تحقيق هدف كان يبدو بعيد المنال وهو أن يجعلوا اسم «جست فلافل» مرادفاً للفلافل حول العالم بنفس الطريقة التي اقترن فيها اسم «ماكدونالدز» بشطيرة البرغر واسم «ستاربكس» بالقهوة.
واليوم، تتواجد مطاعم «جست فلافل» في أكثر من 8 بلدان مع 53 فرع. وقد تم افتتاح أول فرع لهم في لندن في كانون الثاني من عام 2013 وفرعهم الأول في سدني، أستراليا في شهر مارس (آذار) الماضي. كما باعت الشركة حتى الآن 900 حق امتياز في العالم لـ 60 مالك مختلف. وسيفتتح 14 مطعم جديد هذا العام والباقي خلال النصف الثاني من العقد الحالي.
في الحديث عن أهدافهم الطويلة الأمد، وضع المؤسسين نصب أعينهم رقماً يعتبر قياسياً خاصة بالنسبة لشركة فتية وهو افتتاح 15,000 فرع حول العالم. «لما لا؟» يقول ملص بابتسامةٍ عريضة وثقة وإصرار شديدين. «عندما بدأنا، لم يتوقع أحد أن يتواجد «جست فلافل» في أربع قارات بعد 7 أعوام من تأسيسه، وها نحن اليوم في الإمارات ولبنان وقطر وعمان والسعودية وتركيا ومصر وبريطانيا وأستراليا.» ويضيف: «لقد تلقينا حتى الآن أكثر من 7,000 طلب للحصول على حقوق الامتياز من الهند وحدها.» ويعتبر ملص أن السوق الهندي هو بمثابة السوق المثالي بالنسبة لـ “جست فلافل» حيث أن الهند هي بلد نباتي بطبيعة الحال مما يعطينهم نقطة قوة إضافية ويعزز طرحهم.
أما عن سبب عدم منحهم حقوق الامتياز في الهند حتى الآن، فذلك يعود إلى فلسفة الشركة التي تعتمد على البحث عن الشريك المناسب الذي لن يقدم البنية التحتية المناسبة للمطعم والمال لشراء حق الامتياز والموقع الأنسب فحسب، بل الذي سيقوم بالرفع من مستوى العلامة التجارية والقدوم بالكثير من المعرفة والخبرة التي ستساعد «جست فلافل» على النمو والتطور. هذا الحذر بالتعامل مع السوق الهندي هو نتيجة التوقعات الكبيرة التي يضعها المؤسسين على هذا البلد خاصةً أن الهند تبعد أقل من ساعتين عن مقر الشركة الرئيسي في دبي.
الإمارات مفتاح النجاح
تحتضن الإمارات العربية 20 فرعاً لـ جست فلافل وستشهد على افتتاح المزيد في السنوات المقبلة. ويعود تاريخ هذه الدولة مع «جست فلافل» إلى البداية مع افتتاح المؤسسين لأول فرع لهم في شارع حمدان في أبو ظبي ومن هناك بدأ التوسع. ويقول ملص أن الحظ قد حالفهم حيث كانت الإمارات نقطة الانطلاق الأمثل لبدء مشروعهم بفضل عدة عوامل أبرزها كون الإمارات دولةً تعج بالمغتربين الذين أتوا من كافة أنحاء العالم مما يجعلها المنصة الأفضل لإطلاق المشاريع التي تطمح إلى العالمية حيث تساهم تشكيلتها الديمغرافية في زيادة الوعي حول العلامات التجارية وتدعم انتشارها. ومع استحواذ «جست فلافل» على مواقع استراتيجية في المولات الضخمة والتي تجذب أعداد من الزوار على مدار السنة كـ دبي مول ومول الإمارات ومول ابن بطوطة، استطاعت هذه السلسلة أن تلفت أنظار المستهلكين والمستثمرين على حد سواء. ويشعر المؤسسان بالفخر كون «جست فلافل» شركة إماراتية المنشأ وعالمية المنال.
الفريق اللامع
عندما انتقل الحديث مع ملص إلى شركائه، كبرت تلك الابتسامة التي اعتلت وجهه طوال حديثه عن «جست فلافل» وعلت نبرة الحماسة في صوته وهذا من دون شك أحد أهم أسباب نجاح «جست فلافل». ويبدأ بالكلام عن بيطار قائلاً: «محمد بيطار هو أحد رواد عالم الإنترنت. هو رجل عصامي علم نفسه بنفسه ويتمتع بشغف كبير لكل جديد. محمد هو من نوادر الأشخاص في المنطقة الذين يفهمون المشهد الإلكتروني بعمقه ومعرفته ساهمت إلى حدٍّ كبير في نجاح «جست فلافل». لدينا أكثر من 1.8 مليون معجب على صفحة الفيسبوك وذلك بفضل استراتيجيتنا التي طورها محمد وفريقه. ويدرس محمد خوارزميات ومعطيات مختلف المنصات الإلكترونية والشبكات الاجتماعية عن كثب لتحديد أفضل وسائل التواصل ولضمان نجاح أنشطتنا التي نقوم بها عبر هذه المنصات.»
ولربما أفضل شاهد على نجاح الممارسات التي طبقها بيطار هو عندما قامت شركة «فيسبوك» العالمية بالقيام بأول دراسة حالة في منطقة الشرق الأوسط في نهاية عام 2012 بعد إطلاق «جست فلافل» تطبيق خاص بطلبات الامتياز على صفحتها الخاصة على فيسبوك وتلقيها أكثر من 3500 طلب من 70 بلد كما تسلمت أكثر من 90 طلب امتياز عبر البريد الإلكتروني في يوم واحد. يضيف ملص: «تعكس صفحتنا على الفيسبوك ثقافتنا وطريقة عملنا في «جست فلافل». صفحتنا ليست صفحة ترويجية فحسب، بل هي صفحة تهدف لإلهام وتحفيز الشبان والشابات ودعمهم من خلال المسابقات المختلفة التي نطلقها.»
أما عن علياء المزروعي فيقول: « علياء رائدة أعمال بالفطرة وهي تعمل على العديد من المشاريع. وقد خصّت علياء «جست فلافل» باهتمامها منذ البداية وقامت بدعمنا بشكلٍ كبير خاصة من ناحية زيادة الوعي حول علامتنا التجارية خاصةٍ من موقعها كامرأة أعمال إماراتية. ولكان من الصعب جداً أن ننجز ما أنجزناه من دونها.»
ولا يتوقف ملص بالحديث عند الشركاء المؤسسين فحسب، فيذهب لذكر كل الموظفين سواء كانوا إداريين أو غيرهم حيث أن لـ جست فلافل ثقافةٍ مميزة وهم يرون أن كل العاملين في المقر الرئيسي كشركاء ويعاملونهم على هذا الأساس. وقد قامت الشركة بمنح 20 من موظفي «جست فلافل» أسهم في الشركة وذلك لإيمانهم بالأفراد ولاعتقادهم أنه من خلال جعلهم شركاء سيشعرون بمسؤولية أكبر وسيقومون بتقديم أفضل ما عندهم.