جامع الصالح طلائع….
إذا كان الجامع الأزهر هو أول المساجد الجامعة التي بنيت في القاهرة في العصر الفاطمي، فإن جامع الصالح طلائع هو آخر هذه الجوامع. ورغم أن الجامع فرغ من بنائه سنة 555 هـ (1160م) إلا أنه لم يصبح مسجداً جامعا إلا بعد بنائه بحوالي مائة سنة حين أقيمت فيه أول صلاة للجمعة أيام السلطان المملوكي عز الدين أيبك 1250 1257م
أمر بإنشاء الجامع الوزير الصالح طلائع بن رزيك سنة 555 (1160م)، وكان وزيراً للخليفة الفاطمي الفائز ثم للخليفة العاضد من بعده، ليدفن فيه رأس الامام الحسين ولكن الخليفة الفاطمي الفائز لم يمكنه من ذلك حيث أشار عليه خواصه بأن رأس الأمام الشهيد جد الفاطميين يجب أن تكون في القصر، فأعّد له الفائز مشهدا خاصا داخل باب الديلم أحد أبواب القصر الفاطمي.. وهو المشهد القائم حالياً.
والجامع من المساجد الكبيرة تبلغ مساحته 1522م2 . وهو من الجوامع المعلقة، فكانت أرضيته عند بنائه ترتفع عن مستوى الشارع بنحو أربعة أمتار، وله أربع وجهات مبينة بالحجر أسفل ثلاث منها حوانيت. والوجهة الغربية أهم وجهات الجامع وبها الباب العمومي أمامه رواق محمول على أربعة أعمدة من الرخام تحمل عقوداً مزخرفة عليها أفاريز من كتابات قرآنية بالخط الكوفي المزهر. وكان مركباً على المدخل العمومي للجامع باب كبير من الخشب بمصراعين سطحهما مغشى بطبقة من النحاس بزخارف هندسية. وظهر الباب تغطية زخارف نباتية محفورة فاطمية الطراز. وتغشيه وجه الباب بالنحاس ترجع إلى أعمال التجديد التي أجريت على الجامع في العصر المملوكي. وقد نقلت لجنة حفظ الآثار العربية الباب إلى متحف الفن الإسلامي وهو معروض به حالياً . وجامع الصالح طلائع غنى بزخارفه المتنوعة التي ملأت مسطحات الجامع الداخلية والخارجية وتمتاز بنضوج ودقة عناصرها الهندسية، والكتابات القرآنية الكوفية المزهرة التي تدور حول عقود رواق القبلة ونوافذ الجامع. عن حياة الصالح طلائع .
والجامع مستطيل يتوسطه صحن مكشوف مساحته 454.54م2 به صهريح أرضي كان يُملأ وقت الفيضان من الخليج. يحيط بالصحن أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي يتكون من ثلاث بائكات.. والأروقة الثلاثة الأخرى يتكون كل منها من بائكة واحدة فقط? والأروقة ذات عقود محمولة على اعمدة من الرخام ويعلو كل عقد شباك صغير مفرغ بزخارف نباتية. وللجامع ثلاثة مداخل محوريّة. المحراب تسوده البساطة مكتنفة عمودان من الرحام الأحمر والمنبر الكائن على يمين المحراب من أعمال بكتمر الجركندار في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. وكانت المئذنة تعلو الباب الغربي الرئيسي.. وقد هُدمت في وقت غير معلوم، وبنى مكانها مئذنة حديثة أزيلت سنة 1926 لحدوث خلل في مبانيها، والجامع حاليا بدون مئذنة. وقد جدد الجامع سنة 699 هـ (1299م) الأمير بكتمر الجوكندار خلال السلطنة الثانية للناصر محمد بن قلاوون. وكان من ضمن أعماله المحراب والمنبر. وفي سنة 702 هـ (1302م) أصاب مصر زلزال تسبب في تصدع الجامع، فقام بإصلاحه الأمير بكتمر الجوكندار الذي كان يحمل الصولجان مع السلطان في لعب الكرة. كما جدده في سنة 844هـ عبد الوهاب العيني أحد تجار القاهرة. كما جدده الأمير يشبك من مهدى داوادار الملك الأشرف قايتباى سنة 882هـ (1477م).
وذكر علي مبارك أن جامع الصالح طلائع من المساجد الشهيرة ولم تزل شعائره مقامة بالجمعة والجماعة- وكان بوسط صحنه حنفية وصهريج وميضأة. وبعد عصر علي مبارك – أواخر القرن 199 – ساءت حال الجامع فتوقفت الصلاة فيه واحتلته الأهالي وأقاموا حوله المباني من دور ودكاكين وتداعى ما عدا رواق القبلة، وتهدمت الإيوانات الثلاث الأخرى حول الصحن . وجامع الصالح طلائع هو آخر الجوامع التي بنيت في العصر الفاطمي قبل سقوط الدولة الفاطمية بإحدى عشرة سنة. الجامع كائن حاليا في ميدان بوابة المتولى في باب زويلة بقسم الدرب الأحمر.