اقترن فن الباليه منذ نشأته الاولي اقتراناً وثيقاً ببعض الفنون الاخري مثل الموسيقي والفنون التشكيلية ومع مراحل التطور العديدة التي مرت بها الفنون بشكل عام وفن الباليه بشكل خاص كانت هناك دائماً علاقة من التأثير المتبادل بين الفنون وبعضها البعض بحيث يصبح من الصعب تحديد التأثير ومن المفيد هنا أن تقول الباحثة وفي صدر البحث إن التأثيرات كيفما كانت طبيعتها لا تفسر إلا قليل إن لم نقل إنها لاتفسر شيئاً في تاريخ المجتمعات ففي أغلب الفترات التاريخية يجد الباحث والمجموعات الاجتماعية كافة عددا معينا من الافكار والمواقف الدينية والاخلاقية والسياسية وهي تشكل أكبر قدر ممكن من التاثيرات المحتملة ويختار الباحث منها واحداًأو عدداً معينا من الانساق التي تخضع لتأثيرها الواقعي فالمشكلة التي تطرح علي الباحث ليس اذا هو معرفة ما إذا كانت الفنون التشكيلية والموسيقي قد خضعت لتأثير الباليه ، وما اذا كان فن الباليه قد تلقي تاثير الفنون التشكيلية والموسيقي ، او ما اذا كانت عامة الفنون قد خضعت لتأثي متبادل ،بل المشكلة مشكلة البحث هو لماذا تلقي فن الباليه تأثير الموسيقي والفنون التشكيلية في التاريخ ؟
حين نبحث في تاثير الفنون التشكيلية والموسيقي في الباليه او تاثير الباليه في الموسيقي والفنون التشكيلية فان ذلك لا يتعلق بالفنون الحقيقية التاريخية انما بفن الباليه نفسه كما استلهم الفنون الاخري وفهمها واستفاد منها في تطوير نفسه .
إذن فداخل البنية الفنية التي تتلقي التاثير ، لابد لنا ان نبحث عن الاسباب الاساسية للتأثير حيث لابد للتحليلات ان تفسر التاثيرات وليس علي التاثيرات أن تعوض فعل العوامل في التفسير.
مر فن الباليه بالعديد من مراحل التطور بدءا من ظهور مدارس الباليه الكلاسيكية المعروفة لدي المتخصصين مرورا بالمرحلة الرومانسية إلي ان ظهرت الإرهاصات الاولي التي نادت بضرورة تحديثِ هذا الفن والخروج علي القوالب الكلاسيكية المعروفة سواء في الاداء أو في الشكل الفن العام.
وظهرت في القرن العشرين العديد من عروض الباليه المعاصرة التي بشكل مباشر علي الاداء الكلاسيكي ولكن في شكل متطور غير مألوف للدراسين .نذكر منها علي سبيل المثال باليه ” بتروشكا” موسيقي ايجور سترافنسكي وتصميم ميشيل فوكين حيث عرض لأول مرة علي مسرح الشاتليية بباريس في يونيو 1911 وباليه روميو وجوليت موسيقي سيرجي بروكو فييف وإخراج لفروفسكي وقدم علي مسرح كيروف عام 1940 وأعيد تقديمه بأكثر من شكل في العديد من مسارح الباليه العالمية وباليه سبارتا كوس موسيقي أرام خا تشادوريان وتصميم يوري جريجور وفيتش وقدم أول عرض علي مسرح البولشوي في ابريل1968.
وعلي الرغم من الشكل الغير مألوف الذي قدمت من خلاله تلك الاعمال إلا أنها احتفظت إلي حد كبير بالقواعد الاساسية للرقص الكلاسيكي ولقد لفت نظر الباحثة ظاهرة حديثة وهي إعادة تقديم روائع الباليه الكلاسيكي بشكل حديث وغير مألوف تم فيه الخروج عن القواعد الكلاسيكية المعروفة في فن الباليه سواء في الاداء الحركي أو رؤية المخرج التي تلتزم بالمضمون الدرامي وتعبر عنه من خلال التسلسل الموسيقي المعروف وتكررت تلك الظاهرة في العديد من العروض الحديثة لبعض فرق الرقص الحديث في اوربا وعلي الاخص فرقة الفنان موريس بيجار الذي اشتهر بأسلوب خاص في تصميم الرقص تميزا عن العديد من مصممي الرقص الحديث في القرن العشرين قدم باليه كسارة البندق علي اوبرا باريس في شتاء 1996 موسيقي تشايكوفسكي فمؤلفاته العدييدة للباليه هي من اهم إن لم تكن الأهم علي الاطلاق في مجال الموسيقي الكلاسيكية التي كتبت خصيصا لفن الباليه وارتبطت به منذ ميلادها الاول.
وقد لفت نظر الباحثة والقائمين علي فن الباليه الخصوصية الشديدة التي تتمتع بها الباليهات الكلاسيكية والتي تكتب موسيقاها تشايكوفسكي يعتبر ذلك كما هو معروف من تراث فن الباليه وتتساءل الباحثة هل إعادة تقديم روائع التراث المعروف للباليه الكلاسيكي بشكل حديث يعتبر إبداعا أم تشويهاً لتلك الروائع؟ هل أضافت جديداً؟ إذا كان من الجائز تقديم الرؤي العديدة لمصممي الرقص وترك العنان لهذا الاتجاه فهل من اللائق مثلا أو من المقبول تعديل أو تغيير بعض المقطوعات الموسيقية والسيمفونيات الكلاسيكية العالمية أو الأعمال الاوبرالية الخالدة وإدخال بعض المقطوعات الموسيقية الحديثة عليها انطلاقا من مبدأ حرية الابداع؟
يمثل ذلك كسرا للقوالب الفنية التي ظهرت في فترة زمنية محددة ومعروفة بينما القوالب هي جزء لا يتجزأ من تاريخ الفن والتراث الفني يجب إن يحفظ كما هو كأمانه تتوارثها الأجيال وتستفيد الأجيال منها ويعتبر أى تغيير تشويهاً لتلك الروائع.
وتكمن أهداف البحث في دراسة ظاهرة إعادة تقديم الروائع الباليه الكلاسيكي العالمية في إطار الرقص الحديث وتحليلها ونقدها لبيان مدي أهميتها من حيث اثر تلك الظاهرة في عروض الباليه الكلاسيكي بشكل عام وفي دراسة وتعلم الرقص الكلاسيكي بشكل خاص.
وتفترض الباحثة وجود بعض الايجابيات تتلخص في كيفية تطويع تلك الظاهرة للاستفادة منها في تطوير عروض الباليه الكلاسيكي مع الاحتفاظ بالملامح الأساسية لها وتلافي السلبيات التي قد تنشأ عن ظهور ذلك الاتجاه التي قد يؤثر علي ثمار أربعة قرون من الرقص هي عمر فن الباليه الكوميدي للملكة تسيرتسا ويعتبر الميلاد الحقيقي لفن الباليه مع نشأة الاكاديمية الملكية للرقص في باريس علي يد لويس الرابع عشر الذي كان راعيا للفنون وعاشقا لفن الرقص بصفة خاصة ومؤديا له في حفلات البلاط الملكي وذلك في العام 1661.
أعقب ذلك ظهور العديد من الشخصيات النابغة والتي كان لها بصمة واضحة في إرساء قواعد وأسس هذا الفن أمثال جياتانو فستريس الرقص الايطالي الذائع الصيت في ذلك الوقت وجاء من بعده ابنه اوجست الذي استكمل ما بدأه والده واهتم بحركات القفز والدوران” كان الرجال يلعبون ادوار انساء إلي أن جاء لوللي جان باتيست وأدخل العنصر النسائي في الباليه وذذلك في باليه انتصار الحب عام 1681 وأدت الراقصة لافونتين فيه مجموعة من الرقصات الصغيرة.
وتوالى ظهور العنصر النسائى على مسرح الباليه مواكبا التطورات التى طرأت عليه سواء من جهة الاداء الحركى لاوضاع القدمين وظهور العديد من العناصر الحركية التى تؤدى فى الهواء من مجموعة او من ناحية تطور الازياء الخاصة بالنساء لتتناسب مع التطور الحركى وتسمح بحرية اكبر فى الحركة .
تم استبدال اثواب الرقص الثقيلة والطويلة بأخرى قصيرة وخفيفة تسمح بظهور حركات الجسد وبحيث تحد من الانحناءات فى اثناء الرقص على يد الراقصة مارى سالية 1707-1756 وبظهور جان جورج نوفير 1728-1810 اكتمل التناسق بين الدراما والحركة فى فن الباليه بأسلوب جديد .
لم يكن ذلك موجودا من قبل نوفير .
ووضع نوفير العديد من القواعد والنظريات فى أسلوب الرقص .
ودعا الى الكثير من الاصلاحات التى ساهمت الى حد كبير فى انقاذ الوضع المتدهور الذى لحق بفن الباليه فى تلك الفترة الزمنية .
وبينما قوبلت اراءه بمعارضة شديدة فى وقته الا أنها ساهمت فيما بعد وبقوة فى الابداعات التى ظهرت على يد فوكين بعد اكثر من مائة عام حيث دعا نوفير الى
– تحرير الراقصين من الملابس الثقيلة التى تعوق الحركة .
– ضرورة إخراج فن الباليه من عروض الاوبرا واعتباره فنا منفصلا قائما بذاته .
– حارب الافكار القديمة فى الموضوعات التى تعتمد عليها دراما الباليه وطالب بالتحديد فى الموضوعات .
– ألف العديد من كتب الباليه أهمها (رسائل فى فن الرقص ).كان لنوفير الفضل فى تقسيم العناصر الحركية فى منهج الباليه الكلاسيكى الى مجموعات الثنى والمد.
بعد ذلك ظهرت فترة المرحلة الرومانتيكية فى الفنون بشكل عام.
ونظرا لارتباط الفنون ببعضها البعض فقد اثر ظهور الحركة الرومانتيكية فى الادب والشعر والرسم والموسيقى بشكل مباشر فى فن الباليه الذى يجمع بين طياته العديد من الفنون .فظهرت العائلة التاليونية فى تاريخ فن الباليه .تبنت الاتجاه الرومانتيكى من خلال تقديم العديد من الباليهات .ويقوم موضوعها على المزج بين الواقع والخيال .ويعد من ابرز سمات الاتجاه الرومانتيكى فى الفنون.فقدمت مارى تاليونى 1804-1884 باليه لاسلفيد على مسرح أوبرا باريس فى مارس عام 1832وعلى الرغم من أن الرقص على أطراف الاصابع قد ظهر قبل ظهورها بفترة الا انها جعلت هذا الاسلوب جزءا لا يتجزأمن الاداء الكلاسيكى الراقصات الباليه .وقدمت العديد من الادوار الناجحة بعد دورها فى باليه لاسلفيد مثل بنت الدانوب ولا بايادير .وتنقلت بنجاح ما بين أوربا وأمريكا
مر فن الباليه بمرحلة انحدار فيما بعد المرحلة الرومانتيكية .وقد حددها المؤرخون فيما بين 1870-1909.
ظهر اتجاه فن رافض لهذا النوع من الرقص .
وظهرت الباليهات ذات الموضوع المتكرر والشبيه ببعضه البعض تفتقر الى التجديد والابداع .
وعلى الرغم من تلك الاراء التى رصدت حالة التدهور والانحدار فى فن الباليه الا انه واكب تلك الفترة ظهور بعض الشخصيات المؤثرة فى تاريخ هذا الفن وصاحبته بصمة واضحة لا يمكن تجاهلها مثل ماريوس بتى باه 1822-1910 الذى قدم العديد من روائع الباليه الكلاسيكى .ومن علامات إلهامه فى تاريخ هذا الفن ومن اشهرها دون كيشوت – موسيقى مينكوس وقدم العرض الاول على المسرح البولشوى بموسكو فى ديسمبر 1869 ولا بايادير –موسيقى مينكوس وقد العرض الاول على مسرح المارينسكى بسان بطر سبرج فى فبراير 1877 وباليه سندريلا موسيقى ب-شل قدم العرض الاول على مسرح لما رينسكى بسان بطر سبرج فى ديسمبر عام 1893 وقد اشترك ماريوس بتى باة فى تصميم الرقص لهذا العمل مع كل من تشيكيتى وايفانوف .وقدم الروائع لتشايكو فسكى فى فن البالية مثل بحيرة البجع .
فقد قدم أول عرض الباليه بأكمله على مسرح المارنسكى بسان بطرسبرج فى يناير 1895 وشاركه فى تصميم الرقصات ايفانوف .
وواكب ظهور ماريوس يتى ياه العديد من الشخصيات المؤثرة وذات البصمة الواضحة فى تاريخ فن الباليه أمثال ميشيل فوكين 1880-1942 .
درس ميشيل فوكين فن الباليه فى المدرسة الامبراطورية فى سان بطرسبرج .
وكان راقصا متميزا فى فرقة ديا جيليف الروسية .
وكان صاحب بعض الاراء المتطورة التى واكبت تطورات القرن العشرين .
وكان اول من نادى بضرورة تحرير تصميم واخراج الباليه من قيد الدراما اى الرقص لمجرد التعبير عن المشاعر والافكار من دون التقيد بقالب درامى يحمل مقومات الدراما المعروفة فى ذلك الوقت من حبكة وتصاعد وذروة الخ….
ولذلك ظهر الفكر المتطور الى الوجود فى باليه شوينيانا والذى عرف فيما بعد باسم الحوريات .
وهو باليه من فصل واحد موسيقى شوبان .
وقدم اول عرض على مسرح الشاتيليية بباريس فى يونيو 1909.
وعلى الرغم من حداثة الفكرة فى ذلك الوقت الا انها قدمت فى شكل يميل الى القالب الرومانتيكى .
اعتمد فوكين على افكار خالية من وحى بعض المقطوعات للبيانو كان شوبان قد كتبها وكان لكل منها فكرة تدور حولها كما عبرت تلك الملابس عن اللمسة الخيالية فى العمل والتى تظهر من خلال اسمه وهو الحوريات .
إن هذا يعتبر أول مزج للافكار الحديثة فى فن الباليه مع بعض التقاليد التى اعتمد عليها هذا الفن لسنوات طويلة حيث امتزجت حداثة الفكرة مع كلاسيكية الاداء .فظهرت إحدى روائع الباليه الكلاسيكى فى القرن العشرين ضمن التراث الكلاسيكى العالمى على مسارح الباليه الى الان من دون المساس بالخط الكوريوجرافى الذى بنيت عليه منذ ظهورها .
وتبنى تحديث وتطوير الباليه الكلاسيكى فيما بعد جورج بالانشين 1904-1983 استكمالا لمسيرة ديا جيليف التى بدأها حيث عمل معه بالانشين فى الفترة ما بين عامى 1919-1929 ثم انتقل الى الولايات المتحدة.
وتلخص اسلوبه فى تبسيط الافكار والابتعاد عن الحبكات الدرامية المعقدة والاهتمام بالموسيقى التى اعتبرها اهم العناصر التى بنى عليها تصميم الباليه .
وبرع فى تصميم الرقصات الثنائية الكبرى وتنسيقها تبعا لاربعة اجزاء .
وعلى الرغم من وجود الرقصات الثنائية فى الباليهات الكلاسيكية التى قدمت قبل ظهور بلانشن بفترة زمنية طويلة وكان وجودها اساسيا ولايمكن الاستغناء عنه داخل عرض الباليه الكلاسيكى الا إن بلاشين فى تلك المرحلة دعم وجود الرقصات الثنائية فى الاتجاه الجديد الذى ظهر فى فن الباليه فى تلك الفترة وهو ما عرف بالكلاسيكية الجديدة .وقدمها فى قالب جديد .ففتح بابا للابداع .ظهر فى العديد من عروض الباليه التى واكبت التطورات المتلاحقة فى الفنون بشكل عام وفى فن الباليه بشكل خاص.
فلا نجد باليها قدم فى تلك الفترة الا وتضمن رقصة ثنائية كبرى على الاقل تكون بمثابة إضافه فنيه تحسب للمصمم وللقائمين على هذا العمل.
وبظهور موريس بيجار الذى ولد بمدينة مرسيليا عام 1927 اتضحت معالم جديدة لمرحلة من مراحل تطور فن الباليه .تبلور فيها اقتراح الرقص الكلاسيكى بالرقص الحديث مرورا بالكلاسيكية الجديدة .
وهو ما اقترن بعجز موريس بيجار الدائم عن التكيف مع النظام الاكاديمى .فهو يحمل فى داخله ثورة على القيود.
وعلى الرغم من جرأة تناول المصمم والمبدع موريس بيجار الفكرة فى شكل تصميمات حركية غير مألوفة الا إن العناصر الفنية التى يتكون منها العمل مثل الديكور والاضاءة والملابس والموسيقى فى مجملها تخدم الحركة الراقصة التى هى العنصر الرئيسى فى عرض الباليه فى مجال الرقص الحديث على مدار الخمسين عاما الاخيرة بدءا بأولى أعماله الفنيه بتصميم باليه ترويض النمرة عام 1954 وبروميثيوس عام 1956 وبعض الاعمال الراقصة من اوبرا اورفيون عام 1958. وتوالت إبداعاته وفى شتاء عام 1996 اختار موريس بيجار ان يقدم بالية كسارة البندق .وجرت تلك العادة منذ أن قدم أول مرة عام 1892 على مسرح المارنسكى بسان بطرسبرج بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد .
وقدمته فرقة الباليه ضمن الربرتوار الخاص بها فى الشتاء احتفالا بهذة المناسبة .
وقصة باليه كسارة البندق معروفة .تدور احداثها داخل منزل الطفلة كلارا خلال الاحتفال بليلة عيد الميلاد .وتتلقى كلارا هدية هى عبارة عن كسارة البندق .وتحلم بتحول تلك اللعبة الى فتى وسيم يدعوها الى الذهاب الى مملكة الحلوى .
ومن خلال تلك الفكرة البسيطة المستوحاة من قصة للاطفال للكاتب هو فمان بعنوان كسارة البندق وملك الفئران قدم الباليه معتمدا بالدرجة الاولى على الاحتفال بأمسية عيد الميلاد وهو الاطار الزمنى الذى تدور فيه إحداث العرض فى شهر ديسمبر احتفالا بعيد الميلاد المجيد مع اختلاف الرؤى الفنية لمخرجى الباليه الا انها لم تخرج من الاطار الكلاسيكى الذى قدمه ايفانوف فى العرض الاول اعتمد الرقص فى المقام الاول على الرقص الكلاسيكى المعروف .
وذلك من خلال العديد من الرقصات الكلاسيكية والتى يعد أشهرها على الاطلاق الرقصة الثنائية فى الفصل الثانى بين الفارس وحورية الحلوى .
شملت تكوينات حركية لرقصة الفالس للحوريات فى مشهد الثلج .
وتلى ذلك المشهد الختامى الذى احتوى على نوعية اخرى من الرقصات ذات الطابع الشعبى .
تدل على القوميات المختلفة لبعض الدول مثل الرقصة الاسبانية والصينية والروسية والشرقية .
وقد اختلف المضمون فى الاسلوب الذى قدمت به هذة الرقصات فى العديد من العروض المختلفة لباليه كسارة البندق بين الالتزام بالمفردات الحركية للطابع الشعبى للدولة التى تبعد عنها الرقصات وبين مزج الرقص الكلاسيكى بالرقص الشعبى من خلال تقديم بعض التكوينات الحركية الكلاسيكية فى اطار الطابع الشعبى للرقصة مع الاستعانه بحذاء الباليه الكلاسيكى المعروف لاداء تلك المفردات الحركية مثل الرقصة الاسبانية مما صعب فى الاداء .تتفاوت بتفاوت المستوى الادائى للراقصة وان كان لا ضرورة للربط بين صعوبة المفردات الحركية والشكل الجمالى .
فمن الممكن تقديم رقصة تحتوى على تكوينات حركية بسيطة وتؤدى بإتقان يظهر الشكل الجمالى وتؤدى دورها فى سياق المضمون الدرامى .
أما الرؤية الجديدة التى قدمها موريس بيجار لباليه كسارة البندق فقد جاءت بشكل غير مألوف تماما لما هو متعارف عليه عند تقديم عروض الباليه ذات الطابع الكلاسيكى الخالص.
فمن ناحية الموضوع تنازل الفنان موريس بيجار عن فكرة السرد الدرامى للاحداث .
ولم يكن فى العرض الذى قدمه تسلسل او تصاعد درامى يدل على موضوع الباليه الاصلى وانما قدم فلسفته ورؤيته الخاصة باعتبار إن هذا الاحتفال فى تلك الليلة يهديه الى والدته التى توفيت وكان شديد التعلق بها والتى كانت بالنسبة له بمثابة الشجرة التى وهبته الحياة ورعته الى إن نضج كإحدى ثمارها .
ويظهر موريس بيجار بنفسه فى الجزء الاول من العرض ويقول ذلك للجمهور .
مع ذلك فباليه كسارة البندق هو باليه اطفال تدور احداثه فى ليلة عيد الميلاد المجيد .
ويعتمد على السرد القصصى .
ويتشكل فى شكل مبهر لعقلية الطفل .
وذلك من خلال ظهور بعض الشخصيات الخيالية ودور الساحر الذى دائما ما يجذب خيال الاطفال بألعابه فى المناسبات السعيدة وموسيقى المبدع تشايكو فسكى التى كتبت خصيصا لهذا العمل والتى اعتمد عليها موريس بيجار فى تقديم هذا العمل .
الا انه لم يلتزم بالترتيب المتعارف عليه سواء للمقطوعات الموسيقية المختلفة او حتى الرقصات اغلتى اشتهر بها هذا الباليه فى الفصل الثانى وكانت علامة من علاماته المميزة وهى الرقصات الاسبانية والروسية والشرقية والصينية كما ادخل بعض المقطوعات الموسيقية والتى لم تكن اصلا مكتوبة ضمن موسيقى باليه كسارة البندق مثل موسيقى التانجو .
قدمها عازف يقف على جانب المسرح.
ويقوم بعزفها على اله الاوكورديون مما اعطى انطباعا بانتقال المتفرج الى احد الاحياء الفرنسية القديمة التى يقوم فيها الفنانون بعزف الالحان الشعبية الفرنسية فى الشوارع .
اما بالنسبة للديكور والاضاءة والازياء وهى من عناصر الفن التشكيلى التى تاتى مجتمعة ومكملة للعناصر الاساسية لعرض الباليه الكلاسيكى فقد قدمها موريس بيجار فى هذا العرض بشكل حداثى تماما .
لم يعتمد على الديكور او الازياء على الاطلاق فى تحديد الاطار الزمنى والاجتماعى الذى تدور فيه احداث كما هو متعارف عليه فى الباليه الكلاسيكى وانما تخلى موريس بيجار عن شجرة عيد الميلاد والتى تعتبر الاساس للديكور فى هذا العرض .
ووضع بدلا منها فى منتصف المسرح تمثالا ضخما لوالدته .
واستخدمه فيما بعد ضمن التصميم الحركى.
وتقدم الى النصف الامامى من خشبية المسرح فى الجزء الخاص بالرقصات الفردية .
واستخدمها لدخول وخروج الراقصين كما فى الصورة الموجودة.
استغنى موريس بيجار من جهة اخرى عن الستائر .
واكتفى بستارة خلفية سوداء تماما مما اعطى انطباعا للمتفرج بلا نهائية مساحة المسرح .
واعتمد على الاضاءة فى تحديد المساحة التى يتحرك فيها الراقصين والتى دائما ما كانت الجزء الامامى من منتصف خشبة المسرح .
واستكمالا لتلك العناصر الفنية شديدة الحداثة وغير المألوفة فى تقديم الباليه الكلاسيكى جاءت ملابس الراقصين شديدة الوقعية .
ارتدى بعضهم القميص والبنطلون المتعارف عليه.
وارتدت الراقصات فى رقصة الفالس فساتين قصيرة تنتمى الى احدث خطوط الازياء الفرنسية المعروفة بينما جاءت الملابس الخاصة برقصات الفصل الثانى معبرة عن القومية المميزة لكل بلد على حدة ولكن فى شكل عصرى تماما .
اختفى منه عنصر الابهار المعروف عن الازياء الباليه الكلاسيكى .
فألبس الراقصين فى الرقصة الصينية السروال الازرق الخاص بالعمال . ودخلوا الى المسرح راكبين الدراجات . وهو ما نراه فى شوارع المدن الصينية لافراد الشعب .
وفى الرقصة الروسية اكتفى بأداء راقص منفرد ألبسه أزياء عروسه شعبية روسية مع رفع علم الاتحاد السوفيتى من خلال راقص اخر يقف على درجة عالية فى خلفية المسرح .
ثم يحتضن العلم فى نهاية الرقصة .
وينكسه باتجاه الارض للدلالة على انهيار الشيوعية .
اما الرقصة الثنائية الكبرى المعروفة بالاسم الفرنسى والتى اشتهر بها باليه كسارة البندق فقد قدمها موريس بيجار فى صورة راقص وراقصة يرتديان الملابس التقليدية الكلاسيكية ومستخدما الموسيقى نفسها من دون تغيير .
ومن خلال الفلسفة نفسها والرؤية الحداثية لبيجار فى تقديم هذا العرض لم تسلم بالطبع المفردات الحركية من تلك الرؤية الحداثية المتقدمة التى تميز بها هذا العمل .
فمنذ اللحظة الاولى ومع بداية اول خطوة للراقصين على المسرح يستطيع المتفرج المتخصص من تحديد الاتجاه الذى سوف يسير فيه الخط الكوريوجرافى للعمل .
وهو المزج بين اساسيات الرقص الكلاسيكى والاسلوب الحديث الذى عرف به موريس بيجار .
وهنا تظهر بشدة خاصية التأثير والتأثر بين الرقص الحديث والرقص الكلاسيكى .
فتارة نرى بعض الحركات التى تنتمى الى الرقص الحديث وخاصة فى المشهد الاول للعرض .
يدخل الراقصون حفاة يرتدون السلوبيت والقمصان الطويلة .
ويقومون بأداء بعض الخطوات التى تأخذ شكل الاستعداد لاداء تدريبات راقصة .
وذلك على الموسيقى الخاصة بدخول المدعوين الى منزل كلارا .
ثم فجأة يدخل موريس بيجار مرتديا عباءة طويلة سوداء وفى يده عصا طويلة ويقع المشاهد للحظات فى حيرة هل يقوم بدور الساحر .
يفاجأالمتفرج بتوقف الموسيقى .
ويتحدث بيجار عن دور معلم الباليه القديم والذى نراه فى لوحات الفن التشكيلى القديمة للفنان مونييه ممسكا بعصا غليظة .
يخبط بها الارض لضبط الايقاع للراقصين .
ويقدم بيجار جزءا كلاسيكيا خالصا من خلال قيلدته للراقصين كمدرب بينما ارتدت الراقصات حذاء البوانت .
وادخل الراقصين البار على جانب المسرح.
وتحولت خشبة المسرح الى قاعة من قاعات التدريب المتعارف عليها.
وتحل مراة كبيرة محل التمثال فى منتصف المسرح .
ويقوم الراقصون بتقديم تكوينات حركية .
تدل على مستوى عال من اداء مفردات الرقص الكلاسيكى من خلال تكوينات للراقصين .
تتألف من مجموعة من القفزات العالية والطويلة مثل الكابريول وتوران لير وجران جوتى وجراندبادى شاه وبعض التكوينات للرقص المزدوج .
وتتوالى المشاهد لهذا العرض .تأتى فى شكل لوحات منفصلة .تتكون من اثنى عشر لوحة متتالية من دون توقف فى عرض مدته لا تتجاوز خمسة واربعين دقيقة .
يدخل فيها موريس بيجار بين بعض اللوحات مرتين ليتحدث فى المرة الاولى عن مدرب الباليه وذلك بعد اللوحة الاولى ومرة اخرى فى اللوحة السادسة ليتحدث عن فرنسا التى يعتبرها بمثابة الام بالنسبة اليه.
ويأتى بعد ذلك الجزء الخاص بالرقصات التى تعبر عن القوميات المختلفة والذى فى السيناريو الاصلى لبالية كسارة البندق يعتبر الجزء الخاص برحلة كلارا الى مملكة الحلوى .
فنجد الرقصات القومية ولكن برؤية شديدة الخصوصية .
تحمل العديد من الافكار الفلسفية .
فالرقصة الروسية خلت من اى مفردات حركية شعبية كما هو متعارف عليه.
واقتصر موريس بيجار على ادخال راقص ضخم يرتدى ملابس العروسة الشعبية الروسية المعروفة .يقف فى منتصف المسرح ضاما ذراعيه فى الوضع الرابع للرقص الشعبى الروسى ومتجها الى الزاوية رقم 8 بينما يلوح راقص يرتدى القميص الابيض والبنطلون الاسود بالعلم الخاص بالاتحاد السوفيتى قبل انهيار الشيوعية .
وفى النصف الثانى من الموسيقى يدخل بعض الاطفال .
يجرون الى منتصف المسرح فى شكل ارتجالى .
ويقعون خلف بعضهم على الارض .
وتنتهى الموسيقى بخروجهم جميعا من على المسرح وتنكيس العلم .
ان تلك الرقصة تحمل نقدا للنظام الشيوعى القديم ودلالات سياسية خاصة بالمخرج لا تتضمنها الفكرة الاساسية للعرض سواء كانت الفكرة الاساسية للاحتفال بعيد الميلاد او الفكرة الخاصة بالمخرج وهى تمجيد والدته .
وعلى هذا المنوال تاتى باقى الرقصات .
فالرقصة الاسبانية عبارة عن مصارع للثيران واربعة راقصين من خلال بعض الخطوات العادية والقفزات الصغيرة مثل فى شكل مناورة بين المصارع والفئران والرقصة الصينية قدمت فى شكل مجموعة تتكون من اربعة راقصين يرتدون البدلة الزرقاء الخاصة بالعمال .
وتؤدى الرقصة فى شكل تكوينات دائرية بالدراجات على المسرح للدلالة على الحياة الصينية فى القرن العشرين بينما جاءت الرقصة الشرقية شديدة البدائية على شكل راقص منفرد يرتدى سروالا ابيض كاشفا صدره وعارى القدمين .
ويضع على رأسه غطاء الرأس الخاص بالبدو فى المنطقة العربية .
ولا يقوم بشىء الا ببعض الحركات الاكروباتية منبطحا على الارض فى اغلب الوقت مظهرا قوته العضلية
يبدو ان تلك النظرة من الغرب تجاه الحضارة العربية لم تتغير او لم تأت بجديد .
ومع انتهاء الرقصات يقدم بيجار مفاجاة .
يظهر على المسرح متحدثا عن الحضارة الفرنسية العريقة .
ويأخذ على تشايكوفسكى وايفانوف تجاهل فرنسا فى عرضهما .
لم يدخلا اى رقصة تدل على عظمة ذلك البلد .
وعرفانا منه وتقديرا لفرنسا يقدم لها التحية (هكذا يتحدث بيجار).
وذلك من خلال تقديم رقصة ذات طابع فرنسى على لحن من الحان التانجو القديم
يقوم به عازف على الة الاكورديون .
يقف على يمين المسرح مرتدين احدث صيحات الازياء الفرنسية المبهجة .
وتسطع خشبة المسرح بالاضاءة الكاملة .
ويأخذ الرقص طابع الرقص الاحتفالى للصالونات فى اوائل القرن العشرين .
وتوازنا مع الرؤية الحداثية المتقدمة لباليه كسارة البندق فى بعض المشاهد تأتى مشاهد اخرى التزم فيها بيجار بالكلاسيكية الشديدة خاصة فى الاداء الحركى. ويظهر ذلك جلياً في الرقصة الثنائية لكلارا والأمير التزم فيها بيجار بكل القواعد الكلاسيكية المعروفة في الرقص المزدوج إلي جانب المستوي الادائي المتمكن الرفيع المستوي للراقص والراقصة إلا إنها لم تخل من الرؤية الحداثيه في الازياء ارتدت الراقصة سالوبيت الرقص الحديث.
أما رقصة الفالس التي اشتهر بها باليه ” كسارة البندق” فقد قدمت بشكل كلاسيكي متطور في التصميم الحركي. جاءت الموسيقي كما هي من حذف أو تغيير وارتدت الراقصات التوتو القصير المعروف في الباليه الكلاسيكي وأحذية البوانت وقدمت المفردات الحركية المعتادة والمعروفة في الباليه الكلاسيكي والخاصة بالراقصات في تكوينات بسيطة pas de baurree echape – arabesque وبعض القفزات الصغيرة للانتقال من جهة إلي أخري مثل sissonne tombe sissonne ferme.
مع اتجاه الحداثة المتقدمة الذي تبناه موريس بيجار في أعماله إلا انه يؤثر دائما العودة إلي أصول الاشياء كأنه يريد ان يقول لا تطور من دون جذور ويحسب له هذا التمكن الرائع في الاداء الكلاسيكي بجانب المزج المتميز بينه وبين الرقص الحديث.
إن التراث الكلاسيكي الخالد لا يجب المساس فهي قيمة فنية تتعلم منها الاجيال القادمة ولا ينفي هذا بالطبع ترك العنان للابداع فالابداع الفني لا سقف له ولكن علي الرغم من الفكرة الفلسفية للمبدع موريس بيجار إلا أنها لا تعبر من قريب أو بعيد عن الفكرة الاساسية لباليه “كسارة البندق” فلماذا لم تسم بأي اسم آخر وتعتمد علي موسيقي أخري من اختياره غير تلك التي ارتبطت في الاذهان عبر الاجيال بقصة هوفمان وموسيقي تشايكوفسكي وتصميم ايفانوف؟
لابد من الحفاظ علي التراث الكلاسيكي من دون المساس به كقيمة فنية للاجيال القادمة ويقدم المبدعون ما يرونه من رؤي حديثة من دون المساس بالتراث.
مراجع البحث
1.ج.ب.ل ولسون- معجم الباليه / ترجمة محمود خليل النحاس وأحمد رضا- دار الكتاب العربي – القاهرة
2.راجية عاشور – تذوق فن الباليه – دار الشروق – القاهرة2000
3.روائع الباليه واعلامه- ترجمة أحمد رضا- محمد رضا – الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة 2000
4.فيراكراسوفيسكايا- شكسبير في مملكة الباليه- ترجمة د. أحمد النعمان – عن المجلة الثقافية العالمية – الكويت- يوليو2002
5.موريس بيجار وأثر الثقافة الشرقية في بعض إبداعاته- رسالة ماجستير- القاهرة 1995
6. مجدي فرج-جماليات فن الرقص – الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي- القاهرة2000.
د.نيفين يوسف الكيلانياستاذ مساعد بالمعهد العالي للنقد الفنيقسم نقد الباليهاكاديمية الفنون