سطوة الرقمي في تكنولوجيا
العرض أربكت السينما التقليدية
بروكسل- ارتبط الفيلم السينمائي بوسائل العرض التقليدية التي بدأت من الفيلم سريع الحركة مع بدايات السينما، وصولا إلى إدخال الصوت في ثلاثينات القرن الماضي، وليس انتهاء بدخول عنصر اللون الذي شكل قفزة هائلة في الشكل المرئي للفيلم.
بموازاة كل ما تقدّم ظل الجدل متواصلا في الصلة العضوية بين الفيلم والشكل الذي يعرض به، فالجهود الإنتاجية الجبارة والتكاليف الضخمة، قد لا تتناسب أحيانا مع الشكل الذي يظهر عليه الفيلم، وهي إشكالية مركبة تواجه الفيلم، وظلت تؤرق المنتجين والهدف بكل تأكيد هو المشاهد الذي يجب اجتذابه بشتى السبل إلى الشاشة، واليوم تتطوّر تقنيات ووسائل العرض الفيلمي محققة قفزات هائلة مع النوع الرقمي لتكنولوجيا العرض.
لقد بقي الاعتماد على عنصر الضوء الذي يمرّ عبر الفيلم، هو الأداة الأكثر شيوعا، وكان الفيلم خلال رحلته إلى أماكن العرض يواجه شتى المشاكل التقنية، كخروج الفيلم عن مساره أثناء العرض، أو الانقطاع والقفز على بعض المشاهد، فضلا عن أن كثرة عرض الفيلم تؤدّي أحيانا إلى إلحاق أضرار به.
لكن الانتقال إلى العرض الرقمي صار يدفع السينما إلى مستويات غير مسبوقة من جودة الصورة والصوت. هذا الحرص على هذين العنصرين ظلّ الشغل الشاغل في وسائل العرض، وهي تلاحق المستحدثات المتعلقة بالتكنولوجيات الحديثة، حيث تراوح العرض الفيلمي بين نظامين أساسيين يعرفان اختصارا DLP وSXRD في النموذج الأول لم تخرج الصورة عن نقاء وقياس نقطي يبلغ مليون ونصف المليون نقطة، أما في النظام الثاني فقد تحققت قفزة هائلة في جودة الصورة بما لا يقارن بأضعاف هائلة عن النظام السابق.
وصارت دور العرض تتسابق في التجهّز بهذه المعدات المذهلة، التي تزامنت مع العرض عن طريق الملفات الرقمية المخزونة، بديلا عن العرض التقليدي بأشكال شتى من الأشرطة.
لقد بدأت دور العرض تتخلص بالتدريج من أشكال وتقنيات العرض السابقة وتستبدلها بهذا النوع، وعلى صعيد أوروبا وأميركا فإن آلافا من دور العرض، تتحوّل سنويا إلى هذه الأنظمة الرقمية الحديثة السهلة والعملية التي ضاعفت من جودة الصورة، ومنحت صانعي الأفلام إحساسا بالراحة التامة، لما يشاهدونه من جودة عالية صوتا وصورة على الشاشات، حيث لا تفقد الأفلام جودتها التي صوّرت بها. لقد رافق هذا التحوّلَ خلال السنوات الخمس الأخيرة ازدهارٌ ملحوظ في تجارة وصناعة السينما، وتضاعفت إيرادات دور العرض ممثلة في الشركات الكبرى التي تمتلك مئات من دور العرض في أنحاء العالم، إذ تضاعفت مداخيلها إلى بلايين إضافية من الدولارات، وهي قفزات غير مسبوقة عززها الانشغال بجودة المشاهدة وراحة المشاهد، إلى نوع من الرفاهية الكاملة من نواحي تجهيز الصالات بنوع الأثاث وكراسي المشاهدين، فضلا عن الديكور الداخلي للصالات.
لقد أفسح هذا النوع من العرض ذو الجودة الرقمية العالية، الطريق نحو الأفلام الرقمية، لتزحف بالتدريج على أنظمة العرض ثنائية الأبعاد التي طالما استحوذت على أنظمة العرض السينمائي السابقة.
لقد أثارت هذه التحوّلات في مجال المشاهدة كثيرا من الجدل، حول الشكل التقليدي للسينما ثنائية الأبعاد القائمة على جماليات التعبير والشكل، في مقابل الاستغراق الكامل في تدفق التكنولوجيا الرقمية، وكيف تداخلت مع الصورة، وأحيانا أضعفت الموضوع إلى الاستغراق في الإبهار الرقمي الذي تحوّل شيئا فشيئا إلى إشكالية مركبة حقيقية.
فالمدافعون عن أنظمة العرض التقليدية، ظلوا يفترضون أن الشكل السينمائي ليس إلاّ أداة من أدوات الأسلوب السينمائي، الذي تطوّر عبر مراحل طويلة ومخاضات في مسار السينما، خلال المئة سنة الماضية، مما جعل السينما على رأس الأنواع الفنية في قدرتها على إدماج ما يعرف بالفنون المجاورة.
ولهذا فإن فتح الأبواب على مصاريعها لمستحدثات التكنولوجيا الرقمية، لم يبق مساحة كبيرة للجدل، بسبب تمكن تلك الأنظمة الرقمية من صنع جمهورها الخاص بها، الذي لم يعد يرضي فضوله ولا عطشه الدائم، تلك السينما التي شغفت بها أجيال بأكملها.
ولعله من الملفت للنظر اليوم هذا الاستغراق في السينما الرقمية ثلاثية الأبعاد الذي غذّى الشاشات بمزيد من الأساليب البديلة، ممثلة في مرونة عالية وغير مسبوقة في الخدع السينمائية، والحلول والمؤثرات البصرية التي أغرقت الفيلم بمزيد ومزيد من الإبهار البصري والجودة غير المسبوقة في المادة الفيلمية المعروضة، وهو ما شكل تدريجيا علامات فارقة في مسار السينما اليوم.
وإذا عدنا إلى النظام الرقمي SXRD فإننا أمام منجز تكنولوجي مذهل، جاءت به شركة “سوني” في شكل تدفق لحبيبات الكريستال الدقيقة، تم استخدامها من خلال نوع من المعالجات الرقمية التي تمرّر الصورة عبر مراحل، تتحقق منها أعلى درجات التباين النقطي غير المسبوق في تاريخ العرض المرئي.
لقد منح هذا النوع من المعالجات الصورة الشكل الصوري HD مميزات فريدة، جعلت من الفيلم وفق هذه التقنيات حالة بصرية- سمعية مميزة، غيّرت مسارات التلقي التقليدية، وأتت بسينما جديدة، ربما يغالي البعض في القول أنها ثورة هائلة في الأشكال السمعية البصرية، ومغادرة شبه كاملة لزمن السينما التقليدية إلى الزمن الرقمي ثلاثي الأبعاد، ذي الجودة المذهلة والنقاء الصوري- الصوتي غير المسبوق.