اثرالثقافة فى العمل الفنى التشكيلى خاصة “الجزء الثانى”
ولان اعمال الفنان تصل الينا من خلال مراياه الابداعية العاكسة . فان لحظة الابداع تحمل داخل بنائياتها تكوينه الثقافى الذاتى متداخله بتالف مع رؤيا للواقع . فمرايا الفنان العاكسة دائمة مصبوغة بثقافته وخبراته السابقة … نتلمس ذلك فى كم الرموز و الاسقاطات والاشارات والعلامات المبتكرة متحولا لراصد وناقد ومشارك وفعال للحياة من حوله طارحا رؤياة الخاصة على الاخرين .
ندرك المناخ الثقافى فى ابداعات الفنانين او ما يطلق عليه البيئة الثقافيه او ثقافة العصر فالخطاب الثقافى فى العصر الاموى والعباسى كان فن القول وما وما به من شعر وخطابه ثم تاتى فنون مرتبطه بالثقافه الاسلاميه كتجميل المخطوطات المصاحف ونسخها ثم فنون العماره الدينية والدنيوية فالفنون التطبيقيه المنقولة وتظهر اهمية علوم الحساب والفلك والمواقيت اليومية لارتباطها بالعقيده الاسلاميه من تحديد نسب المواريث واتجاة القبله ومواقيت الصلوات والصوم والحج من خلال ثقافة العصر الاسلامى فعندما تغير الواقع الحياتى تغير الخطاب الثقافى فمثلا فى اوروبا باكتشاف الشعور ولا شعور ودوافع السلوك الانسانى للعالم (سيجموند فرويد)ظهرت اثار ذلك فى اعمال الفنانين الالمان (كيرشنر /اريك هيكل –روتلوف-نولد-اتوموللر-ماكس بيكان –اوسكار كوكوشكا)مظهرين البعد الداخلى والدراما النفسية للانسان البسيط داخل مجتمع التحولات الصناعية وضغوط القهر العسكرى والانظمه السياسيه المستبدة فى ما بين الحربين العالميين .
وندرك اثر ثقافة العصر فى اعمال (حامد ندا)ابن رجل الدين المولود بحى الخليفة بالقاهره (1924-1990)وذهابه يوميا لكلية الفنون الجميلة وعند عودته فى المساء يجد الناس كما تركهم على مقاعدهم بالمقاهى الشعبية فظهرت شخوصه لها ارجل و اكف ضخمه ملتصقه بالمقاعد وتدلت من ايديهم المسابح الضخمه وتاتى لنا لازمات خياله فى حيوان القط وسحرة الليلى والديك الشقى والنساء الفارعات واسقطات نفسية من عالمه شديد الخصوصية وعندما يدرك البيئة الشعبية وينتقل للاقامة بضاحية مصر الجديدة ويصاب بضعف السمع تتأثر اعماله فى تلك المرحله بثقافة البيئة الجديدة وايضا بحالتة الصحيه .
وندرك ثقافة العصر لدى (عبد الهادى الجزار -1952-1966)مع تطوره الثقافى فى مرحلة القواقع واعتقاده بأن الحياه بدأت من البحر ثم المرحلة الشعبية وما بها من سحر وغيبيات وطقوس غامضة ورصد البسطاء والفقراء والمهمشين والهامشين فى تلك البيئة بحى السيدة زينب ثم مرحلة التركيب والتفكيك الميكانيكى بخلفية سريالية تجريدية تتأثربثورة 23 يوليو 1952 فظهرت فى اعماله صدى الخطاب الثقافى الثورى الموجه واحلام العصر الحديث للتواصل مع مخلوقات الفضاء الخارجى والالات الحديثة المعقدة .
اما جاذبية سري الفنانة المعاصرة والمولوده بالقاهرة (1952)ندرك تحولاتها فى المرحلة الاجتماعية وظهور الاطفال الفقراء وارجوحات البنات الصغيرات ثم حلم غزو الصحراء والناس والبيوت ثم تبعث الى الولايات المتحده فى التسعينات من هذا القرن للاقامه هناك واقامة معارض ندرك التأثر الثقافى الامريكى فأبدعت اعمالا فنية بها ظلال و روح وايقاع الخطاب الثقافى لهذة البلاد فى اعمالها من خلال معرضها الذى اقيم بعد عودتها فى قاعة اخناتون بمجمع الفنون بالزمالك ومع الحفاظ على اصالة شخصيتها المصرية ندرك التاثر الثقافى الامريكى على سطح اعمالها إذا قورنت بأعمال مراحلها السابقة عن الناس والنيل والمراكب وأزمة الاسكان بعد هزيمة 1967 فأعمالها فى تلك المرحلة تأثرت بإيقاع العصر هناك لانها أبدعت من خلال مرآياها العاكسة … فظهرت سمات بيئة ذلك العصر داخل بنائيات أعمالها .
فكل عصر له ثقافته التى تتلبس بأعمال فنانيه … اى عندما يتغير الواقع المعيش يعدل الفنان من رؤياه ليتوائم مع ذلك التغيير برؤايا استشرافيه فنية ابداعية … اى تؤثر فى اعماله ثقافة العصر من مكتشفات علمية من ضوء – اللون – علم النفس – التكنولوجيا والتقنيات الحديثة … الخ .
فتصبغ اعماله بثقافة عصرة برؤيا ابداعية … فى حالة من اتصال وانفصال فى آن واحد – اى يتصل بواقعه المعيش المعاصر بشدة ليدركه عن قرب ومن جهة اخرى يكون منفصلا عنه لحظة ابداعه الفنى حتى تأتى اعماله برؤياه الابداعية الخاصة والناقدة للواقع والمستشرفة للمستقبل …. ومنذ ظهور المدارس الفنية الحديثة من تأثيريه ورومانسية ووحشية وتعبيرية وتجريدية ودادية وسريالية وفنون الخداع البصرى op art وفنون الاداء performance والفن المفاهى conceptual art وفن الارض land art وفن المنمنات minimalists وفن الفوق واقعى supea realism وفنون الكمبيوتر computer art وفنون التجهيز فى الفراغ installations وفن الفيديو vedio art والفن الحركى kinetic art وفن الهولوجراف .ندرك ان التيارات الفنيه الحديثه وما بعد الحداثه لها الاطار والقيمه والاثر الثقافى لافرازات العصر فى جميع انجازاته البشريه نتلمسها داخل تلك الاعمال المشبعه بالروح الثقافيه المتوافقه مع هذه الانجازات –فالبشريه تحيا حاليا عصر (ثقافة الصوره)وخاصة المتحركة الموثرة فنيا وبالتالى لها قوة تأثير افضل من الواقع الحقيقى – اى توارت الحقيقة واصبحت الصورة هى الحقيقة الفاعلة فى عصر تدفق المعلومات والسماوات المفتوحة والاقمار الصناعية التى تغطى الكرة الارضية ليل نهار .
(د) تأتى اهمية الثقافة للفنان التشكيلى –لان عملية الابداع يأتى جزء كبير منها بالجمع بين حالتي الشعور في ان واحد كما يطلق عليها الحالة الوجدانية الكاملة … فالمبدع يستدعي ويستجلب لا اراديا من مستودع ذكرياتة و احلامة و مخيلتة لازمات الخيال و علاقات مطمورة في عقلة الباطن …ممتزجة بقيم عقلية تجاة بنائيات عملة الفنى لتاتى كنمط ابداعي مبتكر و اصيل بة صفة المرونة و الطلاقة و المعايير و القيم الجمالية محملة بافكار ثفافة العصر .
فالثقافة الذاتية للفنان التشكيلى تمده برؤي و علاقات لا نهائيه لرصد وادراك الواقع وما به من سلبيات و ايجابيات مكونه لديه الرؤيا المستشرفه للغد الافضل متحولا الي رائدا تنويريا باراء مخصبه بثقافته الذاتية …
حيث يقول الناقد الفرنسى (سانت بوف)ان عمل اى مبدع لا يفسر الا بحياته ورفع شعار لتفسير اعمال الفنان ب(عود الى الانسان ).
وفى حالة ضحالة الثقافة او غيابها تسقط قيم الابداع وتجف ينابيعه ولا يجد الفنان الرؤيا والرؤى للواقع لان الفن التشكيلى هو فن بصرى غالبا له صفة الثبات اى التفاعل بلغة الاشكال الثابتة البصريه سواء مسطحه او متشكلة داخل او خارج فراغ ما لابد ان تتميز بخلفية ثقافية لدى المبدع من جهة والمتذوق لها من خلال مستوى ثقافي تشكيلى وندرك كيف سقطت سريعا الحركة الوحشية فى باريس لافتقادها للمضمون
الثقافى وايضا نالت نفس المصير الحركة الدادية فى زيورخ لنفس السبب .ولكنها مهدت لظهور مدارس فنية بعدها كالسريالية وفنون ما بعد الحداثة .
فثقافة الفنان التشكيلى هى دافعيته المستمرة لابداع وابتكار اعمال لها الرؤيا المعاصرة بلغة العصر محققا من خلال التواصل الثقافى مع المتلقين المتذوقين من جهه وايضا ايجاد المعادل التشكيلى لاحساسه برؤيا لها الحداثة الفنية .فثقافة الفنان تمده دائما بالافكار فى داخل بنايات اعماله الفنية وتلك الافكار والرؤى تبقى وتستقر بعدوى المشاهدة والتلقى والتذوق واختلاف مستويات التذوق لديهم .مثيرة للدهشة وشاحذة للخيال لرؤيه علاقات جديدة للحياة بلغة تشكيلية راقية .
فالاعمال المخصبة بالافكار الثقافية الراقية تبقى والاخرى التى يغلب عليها الخطاب الزمنى الموجه الانشائى تنتهى سريعا فالاعمال الابداعية الراقية كما ذكرت تبقى امام متغيرات العصور لما بها من توازن بين الافكار الثقافية والقيم التشكيلية الجمالية .
فمازلنا نتذوق وتؤثر فينا اعمال الحضارات القديمة ومايكل انجلو وجويا بيكاسو فان جوخ ومن مصر رمسيس يونان .محمود سعيد .عبد الهادى الجزار .حامد ندا .محمود مختار .
ومن المعاصرين .جاذبية سري .ادم حنين .جورج البهجوري .احمد شيحا ود.مصطفى الرزاز .د.صبرى منصور .د.احمد نوار .د.فتحى احمد .د.رمزى مصطفى .د.رضا عبد السلام .د.عمر النجدى .د.طه حسين , عصمت داوستاشى واخرين .
فالثقافة بجانب دافعيتها الابداعية للفنان تساعده على التوازن النفسى والثقة بالنفس
فى المقدرة على مخاطبة الاخرين من خلال اعماله الفنية بلغة العصر متوصلا معهم بلغته التشكيلية مستشرفا لرؤى مستقبلبة لها سمة الارتقاء الثقافى الفنى .
النتائج والتوصيات
1. الاعمال الفنية عبر تاريخ البشرية تسكنها وتوجهها قيم ثقافية تتوائم وتترقى قيمها مع عصرها من البدائى حتى ما بعد الحداثة…..
2. العمل الفنى لفنان مثقف / شعبيا / فطري / بدائى حديث / معاصر اكاديمى / او غير اكاديمى تبدو به الاثر الثقافى داخل التعددية الثقافية ((multiculturalism
3. ثقافة العصر لها السطوة الفكرية على بنيات الابداع داخل العمل الفنى تحت مفهوم عصر ثقافة الصورة فى زمن العولمة الثقافية ونهاية المسافات والازمات التقليدية مع التواصل مع الثقافات المتعددة عبر تقنيات العصر .
4. الفنان التشكيلى لدية الحرية المطلقة فى التثاقف مع الاخرين مع الحفاظ على هويته الثقافية القومية لمواجهة حالة سيوله الثقافة لطمس التراث المحلى بدعوى انسانية وديمقراطية الفنون والثقافة .
المــــــــــراجـــــــــع
1. د. اكرم قانصوة – التصوير الشعبى العربى – عالم المعرفة – الكويت – العدد 160 لسنة 1995
2. الكسندرو روشكا – الابداع العام والخاص – عالم المعرفة 144 الكويت .
3. الموسوعة المصرية المجلد 1 الجزء 1 – وزارة الثقافة والاعلام – بدون تاريخ
4. جيروم ستولينيز- النقد الفنى – دراسة جمالية وفلسفية – ت . فؤاد زكريا مطبعة جامعة عين شمس سنة 1974.
5. سعد الخادم – معالم فنونا الشعبية – دار المعارف – لسنة 1961 .
6. سوسن عامر – الرسوم التعبيرية فى الفن الشعبى – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981 .
7. د. عبد اللطيف خليفة – ارتقاء القيم – دراسة نفسية – عالم المعرفة 160 الكويت .
8. د. لطفى ذكى – التلقائية فى فن الكبار – دار المعارف – القاهرة لسنة 1961
9. مارتن اسلن – مجال الدراما – ت . سباعى السيد – وزارة الثقافة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى الرابع – القاهرة لسنة 1992 .
10. مايكل كاريذرس – لماذا ينفرد الانسان بالثقافة – عالم المعرفة 229 الكويت .
11. د.مصرى حنورة . سيكولوجية التذوق الفنى – دار المعارف 1985
12. د.مصطفى يحيى – القيم التشكيلية قبل وبعد التعبيرية – دار المعارف 1993
13. د. مصطفى يحيى – الفراغ فى الفنون الاسلامية – مجلة المسرح – الهيئة العامة للكتاب – بحث منشور – العدد (85) 1995 .
14. د. مصطفى يحيى – التذوق الفنى والسينما – دار غريب 1991 .
15. هارولد بيك وجون فيلد – الازمنة والامكنة – ت. محمد غلاب – الالف كتاب – موسوعة سجل العرب – القاهرة – بدون تاريخ .
الدوريات
1.د. علبه حنفى – مزيد من الحاجة نحو توضيح مفهوم سيكولوجية الفن – مجلة علم النفس فصيله العدد 14 السنة الرابعة – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990
2.صفوت كمال – التواصل الثقافى فى الابداع الشعبى المصرى – مجلة الفن المعاصر – اكاديمية الفنون – المجلد الاول العدد الاول – القاهرة – خريف 1986 .
3.صفوت كمال – التصور الاسطورى فى التراث العربى – مجلة المأثورات الشعبية فصليه –مركز التراث الشعبى لدول الخليج العربية – الدوحه – قطر السنة الاولى – العدد (4) اكتوبر 1986 .
بقلم / ا.د مصطفى يحيى المعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون