ولد الشاعر والأديب الكويتي عبد الله زكريّا الأنصاري لأسرة كويتية أصيلة ومتدينة عرف عنها الثقافة والأدب والعلم وكثير من الإلتزام بالدين الإسلامي الحنيف ، وهذا ما دفع بالأديب عبد الله ليعمل مع والده الشيخ زكريا الأنصاري في تدريس آي الذكر الحكيم وتعاليم الشرع الكريم، والكثير من الفنون في اللغة العربية والمهارات الحسابية مثل الجمع والطرح وغيره ، وكان والده الشيخ زكريا قد أسس مدرسة حملت أسمه ولاقت الكثير من الرواج والإقبال في تلك الفترة .
مع مرور الزمن وتحديدًا في 1946 ميلادي وبعد مضي نحو 46 عامًا على إفتتاحها تطورت مدرسة والده الشيخ زكريا الأنصاري ، لتصبح مدرسة الفلاح، ومن ثم تم إدراج مساقات جديدة للتدريس فيها من بينها مواد التاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية الجديدة على التعليم الكويتي في ذلك الحين المعتمد أساسا على الكتاتيب ، وبقي والده يعمل في تلك المدرسة حتى إغلاقها فتنقل في عدد من الوظائف في مجال التعليم، وقد كرّمت دولة الكويت المربي الكبير زكريّا الأنصاري، وأطلقت اسمه على أحد المدارس .مسار عبد الله زكريا الأنصاري المهني
في ذلك المحيط التعليمي كانت بدايات الكاتب والشاعر والأديب الكبير عبد الله الأنصاري فقد ولد في العام 1922 ومن خلال والده المعلّم والأستاذ نهل الكثير من العلوم والآداب والأخلاق .
إنتسب عبد الله إلى المدرسة المباركية لنحو سبعة سنوات وتخرّج منها ليمتهن هو حرفة التدريس وعمل في مدرسة الفلاح ومن ثم عمل أستاذًا في المدرسة الشرقية ، وكان في بداياته ذو ميول سياسية تقدّمية تدعو للإصلاح وتطالب الحكومة به ، مالم يعجب السلطات الحاكمة في ذلك الوقت فتم إبعاده عن التدريس ووصل الأمر الى سجنه فترةً من الزمن .
غير أن مهاراته التي تعلمها من والده في مجال الرياضيات أهّلته لدخول المجال الإقتصادي ردهًا من الزمن، حيث عمل مشرفًا ماليًا على بيت الكويت ومن ثم أنتدب للعمل في العاصمة المصرية القاهرة هناك ، وكان ذلك في العام 1950 م ، وتدرج هناك في المناصب الدبلوماسية ثم عمل مدير إدارة الصحافة والثقافة بوزارة الخارجية الكويتية إلى العام 1978 حتى تقاعد.
عبد الله زكريا الأنصاري رائد الحركة الأدبية
كتب الأنصاري الشعر مبكرًا وتحديدًا في العام السابع عشرة من العمر وواظب على نظمه بالفعل ، ولازم شعره البعد القومي والسياسي لذلك كانت تتلقفه الصحف السورية والعراقية وكذلك مجلة البعثة في القاهرة، ولكن سطع نجمه كثيرًا حين عرّف العالم العربي والكويت على وجه الخصوص بكتابات الشاعر فهد العسكر ، وكتب عنه كتابًا جميع فيه شعره وبيوته التي لم يكن يعرفها أحد في ذلك الوقت لما فيها من جرأة وتعدي على كثير من حدود المجتمع وقيمه آنذاك.
إستمر الأنصاري في تعلم أساس اللغة العربية ومفاصلها ، حيث يوسم بأنه أحد روّاد الحركة الأدبية في الكويت، ومن الذين أسهموا في النهضة الشعرية في فترة الخمسينيات وقبلها بقليل، وتنوعت صنوف الشعر التي كانت يكتبها سواءً في الغزل أو السياسة أو الوطنيات والقوميات وتطرق كذلك للهموم الاجتماعية وغيرها ، وكان محبًا وقريبا من خاله الشاعر محمود شوقي الأيوبي وطبع له ستة دواوين ، غير أن الأنصاري ذاته لم يطبع له أي ديوان شعر رغم غزارة شعره .
تحدث الكاتب الأنصاري ذات مرة عن نفسه خلال لقاء صحفي ، فأكد أنه قارئ نهم من الدرجة الأولى ، وصاحب هواية إقتناء الكتب والعمل على إبتياعها من مختلف الصنوف والأشكال، لدرجة أنه أحصى أن كتبه تجاوزت ال 10 آلاف كتاب وهو رقم مهول في تلك الفترة .
ولشهرته في تلك المسألة بات بيته أيام حياته في القاهرة أشبه بالمكتبة العامة أو المزار الذي من خلاله بات المثقفون يهرعون إليه ويستعيرون منها ما يشاءون من كتب وقد أكد ذلك هو أكثر من مرة وقال “من مكتبتي هذه يستفيد معظم الأخوة الأدباء والشعراء والزملاء الباحثين وفقدت بعض الكتب من جرّاء إعارتها لمن يحتاج إلى الاطلاع عليها “
وخلال عمله في مصر لمدة تزيد على عشر سنوات أمينا لبيت الكويت بالقاهرة، قرأ الأنصاري للكثير من الكتاب سواءً من الإسلاميين كأمثال كتب محمد الغزالي أو سيد قطب و تمكّن من معاصرة عمالقة الأدب والفكر في مصر مثل طه حسين والعقاد، إضافةً إلى علاقته مع الرعيل المتميز من أدباء الكويت، مثل فهد العسكر وغيره من أدباء وطنه، وكذلك رئاسته لتحرير مجلة البعثة منحته فرصة الاحتكاك بالأدباء من كل أقطار العرب.
كما عمل على الاطلاع على أدب الأطفال ، فيما قني الكثير من المجلات الثقافية والأدبية التي حرص دومًا على أن يحوزها مثل مجلة الرسالة والثقافة ومجلة أبوللو لأحمد زكي أبو شادي ومجلة اللسان العربي والكثير من الدوريات الكويتية كمجلة العربي وعالم المعرفة وغيرها .
وأشار الكاتب ذات مرة أن من الكتب التي أثرت تفكيره وقوّت لغته وجوّدت من أسلوبه وعملت على تشكيل شخصيته الفكرية والثقافية كل من كتب المنفلوطي وخاصة كتاب “النظرات” وكذلك كتب مصطفى صادق الرافعي وخاصةً وحي القلم، بالإضافة إلى أنه كان متابعًا نهمًا لمجلة الرسالة التي عمل على الاشتراك فيها ومتابعة كل أعدادها.
موقف عبد الله زكريا الأنصاري من الشعر
يرى الأنصاري أن مصطلح الحداثة الشعرية ما هو إلا كالضجيج الذي يملأ الحياة الثقافية ، ويوضح النقاد أن نظرته من تلك الكتابة مستريبة ، مشيرًا إلى أن القصيدة الحق هي تلك التي تستمد جذورها من التراث العربي وهو بهذا يخالف تماماً المفاهيم التي تطرحها القصيدة الحداثية .
وبذلك يؤكد الأدباء والنقاد أن المرجعية الثقافية للأديب عبد الله الأنصاري واسعة ومثيرة للجدل وتلزمها جملة من الدراسات التوثيقية الرصينة، بيد أنه ورغم ذلك تبقى مسيرة الأنصاري الشعرية على وجه التحديد حاضرة وبقوة وتتسم بالإبداع الكبير ، وما يدل على ذلك انتظار المجلات الثقافية والصحف التي كانت تصدر في ذلك الوقت لإنتاجه الشعري سواءً في داخل موطنه الكويت أو خارجه، ويصف المراقبون أن شعر الأنصاري كان يفوق أبناء جيله بكثير على المستويين المحلي والعربي، لكنّ شعر الأنصاري بقي حبيس نفسه والأدراج لتمنعه من إصدار دواوين خاصةً به ، ما جعله يغيب عن المشهد النقدي برغم قوة وفصاحة وجزالة أسلوبه بأشعاره فأبقاها حبيسة صدره ووجدانه، وبين خبايا مكتبته الخاصة بمنزله، فيما كان النتاج النثري للأنصاري أوفر حظا من نتاجه الشعري .
مؤلفات عبد الله زكريا الأنصاري
وتمتد موهبة الأنصاري إلى كتابة القصّة التي دخلها مجالها في سن متأخر نسبيا ، فكتب قصة ” رغبة ” وعمل على الدخول بها في مسابقة جامعة الكويت الثقافية للعام 1994 وحصلت على المركز الأول فيها وكانت هذه المسابقات تدور حول القضايا الاجتماعية في ذلك العام.
أما مقالات الأنصاري فكانت تدور في ثلاثة مستويات وهي السياسة والمجتمع والأدب ، وكذلك كتب العديد من الكتب والمؤلفات تم حصرها في 11 مؤلفًا وهي :
- فهد العسكر حياته وشعره.
- مع الكتب والمجلات.
- الشعر العربي بين العامية والفصحى.
- صقر الشبيب.
- الساسة والسياسة، والوحدة الضائعة بينهما.
- خواطر في عصر القلم.
- روح القلم.
- حوار المفكرين.
- البحث عن السلام
- مع الشعراء.
- حوار في مجتمع صغير.
وتم تكريمه في يوم 18 فبراير 2009 حيث أعلنت رابطة الأدباء الكويتيين عن إتفاقها مع وزارة المواصلات على إصدار طوابع بريدية تذكارية تخليدا لذكرى روّاد الحركة الثقافية وكان هو من ضمن الأسماء المطروحة.
علامة بارزة في الأدب الكويتي
ويضاف لذكر الأديب عبد الله الأنصاري دوره كبير في حماية اللغة العربية والدفاع عن الثقافة الرصينة ، لقد كان الأنصاري مدرسة ثقافية حقيقية من خلال مؤلفاته وحواراته ومن خلال المكتبة القيمة التي حرص على أن يجمع فيها نفائس الكتب من كل مكان ، إمّا اسهامات الأنصاري في مجالات الشعر والأدب ستظل علامات بارزة في الأدب الكويتي .