ولد أحمد البشر الرومي المؤرخ و الأديب الراحل في الكويت التي فيها وري الثرى ، وخلال فترة حياته عاش هذا الأديب العديد من الصولات و الجولات إثر ميلاده في منطقة حي الشرق بالعاصمة الكويت في سنة 1905.
من تلميذ إلى أستاذ
عند سن السابعة قام والده بترسيمه في المدرسة المباركية لينتهل منها المعارف خلال الأعوام العديدة التي قضاها هناك ليقوم فيما بعد بإلحاقه بكتاب الملا عبد الوهاب الحنيان الذي يعتبر من بين المدارس الشعبية المخصصة لتلاوة و حفظ القرآن الكريم و تعلم قواعد الدين الإسلامي الحنيف ليسجله مرة أخرى بالمدرسة المباركية التي كانت تقدم تعليما مجانيا ليواصل التعلم فيها إلى حدود سنة 1921م، أين واصل التعلم والدراسة إلى أن جاءته الفرصة ليبتدئ رحلة تكوينه العصامي و التثقف بالمطالعة و الجلوس مع النخبة المثقفة و خيرة القوم ليأتي الزمن الذي يصبح فيه أحمد البشر الرومي معلما في نفس المدرسة تكون و تعلم فيها، إلى أن جاء يوم 25 سبتمبر 1939 ليصبح فيها الأديب الراحل أستاذا في المدرسة الشرقية الإبتدائية .
الشاعر الغواص
و في نظارة العمر عند سن السابعة عشر صعد الأديب أحمد البشر الرومي الأمواج بحثا عن رزقه الحلال كغواص في الأزرق العميق دون أن يخاف المخاطر و أن يتوجع من آلام هذه الحرفة المضنية ، بل تجاوز هذا الأمر و غاص في بحار الكلمات و المطالعة منغمسا في أبيات الشعر القديم و الحديث النبوي الشريف الذي قام بحفظه عن ظهر قلب لينكب كذلك على قراءة كتب الأدب و التاريخ على الرغم من عدم توفر الإمكانيات التي تسمح له بإقتناء الدواوين الشعرية و الكتب لقلة ذات اليد، مواصلا في تحصيل العلم والتشبع من الجماليات و الأدب عن طريق إستعارة الكتب من رفاقه و الأشخاص اللذين يعرفهم و إرجاعها بعد الإطلاع عليها مستفيدا أيضا من العلاقة التي كانت تجمعه بصقر الشبيب شاعر الكويت الكفيف الذي كان يلقي أمامه في الأشعار مما حرك فيه الحس الإبداعي ليقوم بحفظ الآلاف من الأبيات الشعرية .
و حول المؤرخ و الأديب الراحل أحمد البشر الرومي ، قال مؤلف كتاب شخصيات كويتية الكاتب عادل محمد العبد المغني أنه عند بداية أفول حرفة صيد اللؤلؤ في بحر ثلاثينات القرن الماضي ، إشتغل الأديب أحمد البشر الرومي في الجمارك البرية التي كانت تتمركز داخل السور في منطقة بوابة الشامية لمدة سنة وحيدة لينضم فيما بعد بدار معارف الكويت و ليضطلع إثر ذلك بخطة معلم في المدرسة الشرقية مستمرا في تعليم الكويتيين لما يناهز الست أعوام .
تاريخه الوظيفي
ومع إنطلاق الأربعينات ، دخل الأديب الراحل ميدان التجارة و ذلك بتدشينه لمحل تجاري متواجد في السوق الداخلية بالعاصمة الكويت ليحقق أرباحا في عدة أعوام و يسجل خسائر في أعوام أخرى لتكون نهاية حقبة الأربعينات تاريخا لرجوعه للوظيفة العمومية ليشتغل في البلدية لمدة سنة و من ثم تم إدراجه بالمصالح العدلية للمحاكم أين تم تكليفه بخطة ضمن لجنة تتكون من المرحوم عبد القادر الجاسم و المرحوم محمد يوسف النصف للبحث في نزاعات العقار في الكويت عند القيام ببعث مصلحة أملاك الحكومة التي تم توظيفه بها خلال سنة 1955م صاعدا في الرتب الوظيفية إلى أن تحصل على خطة وكيل مساعد ليتقاعد عن هذه الوظيفة في يوم 15/2/1969م .
المؤرخ والأديب
و يعتبر أحمد البشر الرومي المؤرخ والأديب الراحل أحد جهابذة الفكر والتأريخ والأدب في دولة الكويت و لم يصل لصفوة هذه المكانة العالية إلا بعد جهد كبير و تمحص في المخطوطات التاريخية النادرة و الإطلاع على الكتابات القيمة التي تلقى معرفها بشغف بهدف الإطلاع على خباياها و كينونتها و التناول بالنقد الأطروحات التي تقدمها بالغا ذروة فرحه و مجده الشخصي بالوصول لحقائق صعب حلها على عدد كبير من المؤرخين و الباحثين من زملائه ليقيم الدليل عليها بالحجج و القرائن القوية التي لا تقبل الدحض .
كما غاص الفقيد الرومي في بحار التاريخ والماضي معانقا روعة التراث الكويتي العريق فكتب المقالات عن ابن عرير و الفرزدق الكويتي و كاظمة و غيرها إذ كانت له الفرصة في إدراجها كتاب واحد تحت عنوان مقالات عن الكويت تم نشره خلال عام 1966م، كما قام الرومي بتأليف مجلد كبير يتكون من أربعة أجزاء تناول فيه الأمثال الشعبية الكويتية بحجم صفحات إجمالي يبلغ 2393 صفحة تحتوي على ما يناهز 2392 مثلا شعبيا ، في إنجاز كبير و عظيم تطلب وقتا طويلا بلغ حوالي الثلاثين سنة قام من خلالها الرومي بجمع و تمحص و التمعن في الأمثال الشعبية بالكويت و مقارنتها مع نظيرتها في بقية الدول العربية، كما ألف كتابا جمع فيه الأبيات الشعرية المتفرقة للشاعر صقر الشبيب خلال عام 1970م ضمنه بمقدمة رائعة بسبب العلاقة الوطيدة التي جمعته بهذا الشاعر في ريعان الشباب .
و إضافة لذلك، يعد أحمد البشر الرومي أحد المراجع الجوهرية في التراث و تاريخ دولة الكويت نظرا لكونه يملك مكتبة ثرية بها عدد كبير المخطوطات والكتب و المراجع الثمينة و الرسائل القديمة و نواخذة الرحلات و الغوص و الدفاتر الخاصة بحسابات التجار الكويتيين موفرا في مكتبته آلة ميكرو فيلم يقوم من خلالها بتقديم الكتب الثمينة و المخطوطات النادرة للتمعن فيها و تحليلها إضافة لكونه يحتفظ في هذه المكتبة الفريدة بالعديد من المخطوطات المتعلقة بالتراث و التاريخ الكويتي على غرار مخطوطة أسماء المراكب البحرية و مكوناتها و مخطوطة الألعاب الشعبية و أيضا تسجيلات فنية رائعة و فريدة للفن الشعبي في دولة الكويت منها لأول مطرب في تاريخ الكويت الفنان يوسف البكر، إضافة لما يملكه من إضافات و مشاركات قيمة في عدد كبير من الملتقيات و الندوات الفكرية ، و أيضا مشاركته في نادي المعلمين و مجلس المعارف كعضو مع بداية حقبة الخمسينات إضافة لكونه كان أعضاء لجنة الفنون الشعبية و رابطة الأدباء الكويتيين و لجنة التراث و التاريخ العربي .
لقد كانت حياة الراحل و فقيد الساحة الفكرية الكويتية أحمد البشر الرومي حافلة بالإنجازات و متسمة بتركه لطابعه الخاص في الحياة الثقافية و محل إعجاب و دراسة من قبل العديد من النخب المثقفة الكويتية و العربية إلا أنه من أول الأدباء الذين قاموا بتأليف كتاب عن حياتهم الشخصية و ذلك خلال سنة 1939م إضافة لكونه من المدافعين بشراسة على حق المرأة الكويتية في الدراسة في مجتمع محافظ لم يستسغ دراسة المرأة في بعض المجالات التي تعتبر حكرا على الرجال كما أنه كان من أشرس المدافعين على عبد العزيز الرشيد الذي تم إهدار دمه، ليأتي المحتوم بمشيئة الله عز جلاله ليرحل هذا الأديب العملاق عن هذه الدنيا إلى حياة الخلود تاركا بصمته في الكويت و الكويتيين ليسجل إسمه في سجل الأدب الكويتي و العربي و ينحت طابعه و عبق رائحته في أوراق الكتب و بحار الأشعار و يرحل عن هذه الحياة ذات يوم أربعاء من سنة 1982م (6 يناير 1982م)، و قد قامت رابطة أدباء الكويت بمناسبة هذه الذكرى التي هزت أوساط الثقافة الكويتية في ذلك الوقت بمراسلة وزارة المواصلات بتاريخ 18 فبراير 2009م للقيام إصدار طابع بريدي تذكاري يحمل إسم الأديب الرومي ليخلد ذكراه كأحد أعلام الحركة الثقافية الكويتية .
و يذكر أن وزارة التربية الكويتية كانت على الموعد وقامت بإطلاق إسم أحمد البشر الرومي على أحد المدارس الكويتية للذكور ليظل إسم هذا الأديب يرفرف في سماء الأدب وا لتراث الكويتي تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل .