حيث العلاقة بين الإنسان والبحر فهو ليس ذاك الامتداد الذي لا يحده نظر ولا هو تلك القصيدة في كتاب شعر. إنما هو عنوان الانتقال والنجاة والبقاء ومصدر الخيرات.
فعندما نتحدث عن الخير نتحدث في الوقت نفسه عن الخلاص والبقاء، لأن غياب الخيرات يؤدي إلى الهلاك والفناء. فمن المطر إلى السواقي والأنهار التي تسير إلى مصبها في البحار والمحيطات وإلى تبخرها فهطولها مرة تلو المرة قصة حياة تستمر.
فخيرات الأرض تحتاج إلى المياه حتى لا يقضي الجفاف عليها. السمك لا يعيش بلا ماء. الجنين في رحم الأم يسبح في الماء. جسم الإنسان يحتوي على كميات كبيرة من الماء .
ولو عدنا إلى العصور القديمة لتذكرنا أن البحر كان باب الرزق الأول والأساسي سواء من خلال الثروة السمكيّة أو من خلال كونه الوسيلة التجاريّة الأولى في زمن لم يعرف وسائل نقل أخرى كالقطارات والطائرات والسيارات. لذا قيل إن رزق البحر واسع لا يشح ولا يجف، ولا تتأثر ثروته السمكية بتغيّر الفصول. كما لم تتغيّر أهميته من حيث أنه وسيلة النقل التجاريّة الأولى والمصدر الرئيسي للانتعاش الاقتصادي في العديد من دول العالم.
من جهة أخرى تشكّل البحار والمحيطات المساحة الأكبر جغرافيًا من الأرض. وهي همزة الوصل بين البلدان. من هنا وُلدت العلاقة بين الإنسان وكل عناصر الطبيعة لأن الماء هو الجامع المشترك بينها. ولهذا السبب فرض البحر نفسه كمسيطر على كلّ ما تحتويه الأرض من عناصر.
فهناك أوجه شبه كبيرة بين والإنسان فالبحر عالم من المتناقضات والغموض. هدوء وعاصفة سكينة وصخب كرم وبخل خير وشر لين وقسوة أمان وخوف وغدر ووفاء… وكلّ هذه المعاني لا تختلف عن صراع الإنسان مع داخله ونفسه ومع الآخرين. ففي صراعه مع ذاته نرى الإنسان أحيانا هادئا للغاية تظهر ملامح وجه صفاء وضبطا انفعاليا يخفي صراعات مخيفة لا يعرف متى تنفجر فيكون بذلك أشبه بهدوء البحر الذي قد يخرج منه تسونامي مدمر.
من جهة ثانية يحتوي البحر على عناصر حية مختلفة الأشكال والألوان لا تختلف عن البشر من حيث اختلاف الجنس والولادة والموت والتضامن والتقاتل وافتراس الكبير للصغير. وانطلاقا من كل هذا جسد البحر، بالنسبة للإنسان، صورة واضحة عن علاقته بهذا الكل الذي هو الكون. وبما أن الكون يحتوي على الكثير من الغموض والأسرار، صار البحر إنعكاسا لهذا الغموض وهذه الأسرار، وبالتالي وجد الإنسان شبها كبيرا بينه وبين البحر فخلق بالتالي تواصلاً وثيقا معه طالما أن الشبه سبب أساسي للتلاقي.
أما اكتشاف عمق البحر فلا يختلف عن اكتشاف الإنسان لأخيه الإنسان. فعندما يتجاوز الفرد صراعاته وأحقاده ويتوقف عن مقاتلة الآخر ويغوص داخله يكتشف جوهره وقيمته، تمامًا كالبحر الذي يكشف الغوص فيه عن ثرواته الدفينة.
وفي الحديث عن العمق نشير إلى أن العمق والغوص صفتان يكتشفهما الإنسان في نفسه عندما يتأمل البحر لا سيما عندما يكون حزينا أو مرهقا. فلأنه يشبه البحر يصبح قادرا على الغوص داخل نفسه ليكتشف أنه عميق ومهم لكنه لم ينتبه لأهميته ومما يساهم في هذا الاكتشاف استنشاق مادة اليود المنشطة واستنشاق الهواء النقي والذي تشعر بتشبعه بالاكسجين الذي يؤدي إلى رفع الطاقة وتغيير عمل كيمياء المخّ.
ومن أوجه الشبه أيضا بين البحر والإنسان كتمان السر. فهو ليس من باب المصادفة بمكان أن يطلق على البحر تسمية “كاتم الأسرار“. لأنه عندما يواجه الإنسان مشكلة أو أزمة ما يصبح بأمس الحاجة إلى آخر يفرغ عنده همومه يسمعه من دون أن ينتقده وبدون أن يقاطعه و يفصح عنده عمّا يعذّبه ويزعجه وهو متأكد من أن أسراره ستبقى طيّ الكتمان ولن يُكشف واحد منها.
و لقد أصبح معروفًا أن التأمل علاج سحري للباحثين عن الراحة والتخلص من التوتر. لذلك أصبح البحر ملجأ متمنين راحة النفس والجسد. ذلك أن الامتداد اللامحدود الذي لا تحده جدران ولا حواجز ينعش العين ويؤثر بشكل إيجابي على الجهاز العصبي فيشعر المشاهد بالراحة النفسية. من جهة أخرى تأكد، علميا وجود علاقة وثيقة بين الالوان والحالات النفسية أسهم في نشوء وتطوير العلاج بالألوان. فاللون الأزرق يساعد على سحب الطاقة السلبية من الجسم واستبدالها بالطاقة الإيجابية ويزيل التوتر العصبي والاكتئاب والإحباط. فعندما يتعرض الجسم للون الأزرق من المحيط الخارجي يتلقى اللون الأزرق الكامن داخل جسم الإنسان الإشارة الخارجية للون نفسه من خلال عملية تشبه الموجات المغناطيسية الكهربائية أي أن ما يحصل هو نوع من الاتصال غير المنظور يتعدى حاسة البصر فتتقوى خصائص نفس اللون داخل الجسم البشري لتؤمن له الراحة والهدوء، الأمر الذي يساعده على مقاومة الحالة العصبية الناتجة عن ضعف المناعة الداخلية.
فعندما يمرّ الإنسان بحالة من التوتر والإحباط يضعف جهاز مناعته الجسدية إلى حدود التلاشي، فتضعف المقاومة وتتأثر الحالة النفسية بشكل سلبي أما إذا حاول الإنسان تقوية عنصر المقاومة بأعضائه الداخلية فسيفشل أي عامل سلبي باختراق الجسم.
ولو راقبنا إنسانا يشعر بالتعب الشديد والإرهاق والتوتر لوجدناه يلجأ إلى الطبيعة أو إلى البحر كرد فعل طبيعي للبحث عن الهدوء من دون ان يعرف لماذا البحر والطبيعة. لكنه يكون قد سمع أن اللجوء إلى هذَين المكانين علاج طبيعي أو اختبر بنفسه هذا الأمر. لكن التفسير العلمي للراحة والهدوء أن ذبذبات اللونين الأزرق والأخضر هي التي تمد الجسم بالهدوء والراحة فيقاوم الحالة العصبية السلبية ويسترجع هدوءه واتزانه. ناهيك عن أن اللون الأزرق يساعد الإنسان على الإحساس بالصفاء واسترجاع ثقته بنفسه. وفي دراسة عالميّة شملت العديد من السكان الذين يعيشون على الشواطئ وسكان الجزر تبين وجود جوامع مشتركة بينهم هي الهدوء والتهذيب والتعاون والتضامن وكلّها تدلّ على الصفاء النفسيّ الذي يؤمنه اللون الأزرق.
لذلك فعلى كل إنسان يحتاج أن يكشف عن ألمه من دون خجل، أن ينسى كل ما يحيط به، أن يعيش لحظة صمت، أن يتفاعل مع الهمس و يسافر إلى عالم من الجماليات التي يتمنى أن لا يعود منه أن يجلس أمام البحر يتأمل. فالعلاقة الاتحادية مع المكان الذي يشكل مصدرا للراحة تضعف علاقة الحواس بالأشياء المحيطة فتتحقق الراحة النفسية.
لا شك ان إمتداد البحر واتصاله بالأفق جسدا العلاقة العاطفية الحميمة التي يعيشها الإنسان العاشق.
إلتقاء البحر بالسماء أشبه بالحضن بين حبيبين. وسحر الغروب والشمس تذوب في الماء أشبه بصورة عاشق يضم حبيبته الغافية بين يديه. ثم تصحو فتتركه لتطل عليه من الشروق ثم ينتظر المغيب لتعود إليه وتغفو بين يديه من جديد.
إنها صور جمالية حالمة تؤكد على أن الإنسان وجد في البحر كل الحب والرومانسية والحلم وبنى معه علاقة كانت نوعا من إسقاط عاطفي نتلمسه من خلال كون البحر ملهم الأحبة والشعراء.
الجمال سر من اسرار الوجود واصله شعور واستقبال للجمال و كذلك كدليل على العلاقة الدائمة القوية بين الإنسان والبحر تراها على بحر اسكندرية وكم من فتيات ورجال يقفون ينظرون لتوالي الأمواج و تكسرها على الصخور بلا حراك تماما وينظرون للموجة التالية وينتظرون وبهذه المشاعر تم اختيار البحر وكل ما يتعلق به بأن يصبح مادة للجمال والصور الفنية الجمالية لمدة أسبوع على صفحات مجلتنا عشنا وشفنا…..
-
-
Hala Maher اسكندريه ماريا وترابها زعفران حياه ثانيه
-