– الوسط …إعداد وحوار : روعـة يـونـس
الكاتبة الصحفية عزيزة الحبسي: الرغد الذي يعيشه الجيل العُماني الحالي نتاج كفاح وجهود المؤسسين
أسفرت تجربتي عن تعاطف أكبر مع الإنسان، بغض النظر عن دينه ولونه وجنسيته ..
أن تكون المرأة رائدة مؤسسة في مجتمعها، وتحظى بمكانة متقدمة، ويُنظر إليها باحترام وتقدير، فهذا يعيدنا إلى الوراء عدة عقود، لنقف على جهدها في المجال الذي خاضته. فكيف إذا كان مجال الكاتبة الصحافية الرائدة عزيزة سليم الحبسي هو مجال العمل النسائي والصحافي والثقافي!
ثلاثة عوالم كل منها تحفه متاعب وصعوبات وتباين بين رفض وقبول، يتطلب جهوداً مضاعفة متواصلة، خاضتها ببسالة ولم تتوقف عن الفعل الثقافي حيث كانت؛ سواء في وطنها سلطنة عُمان، أو في بريطانيا حيث تقيم وتستكمل دراسة الدكتوراه، وتطمح بمزيد من المؤلفات والإصدارات التي تُخبر الأجيال الجديدة، كيف قيض لهم أن ينعموا بالتطور والازدهار، بفضل فريق رائد مؤسس (ضيفتنا عزيزة الحبسي من أبرزهن).
الصحافية الطموحة ..
لاشك بأن رائدة عربية في العمل الإعلامي والنسوي الاجتماعي بسلطنة عُمان، سيكون سؤالنا الأول لها، عن عزيزة الحبسي قبل عقود من الزمن، وكيف كانت بداياتها؟
- جئت إلى “جريدة عمان” وهي الجريدة الرسمية للدولة مع بدايات (التعمين- التوطين) عندما اتخذت عمان توطين الوظائف نهجاً وعملت أن يتحقق ذلك في الصحافة والإعلام. كذلك لوجود القناعة بأن عين البلد تستطيع أن ترى ما لا يراه الوافد، كقضايا صحافية وإعلامية. كان ذلك في نهاية الثمانينات، كنت حينها خريجة ثانوية عامة كل مؤهلاتي هي لغتي العربية ورغبتي في حمل الرسالة لقناعتي بها. امتحنت على كتابة الخبر وإجراء المقابلات ونجحت، فكنت من أوائل العمانيات اللاتي عملن بالصحافة المكتوبة.
حينها كان مشهد فتاة تحمل مسجلاً وكاميرا لتجري لقاء في الشارع منظراً غير مألوف. بدأت في قسم المرأة والطفل، ثم عملت في مختلف أقسام التحرير بالجريدة، كقسم التحقيقات والأخبار والمحليات والاقتصادي. فكنت من أوائل الفتيات العمانيات اللاتي كتبن في الاقتصاد المحلي لسلطنة عمان.
وكيف كانت المرحلة التالية من مسيرتك الصحافية ؟
- واكب تنقلي في أقسام الجريدة مع دراستي الجامعية في جامعة بيروت. ثم دراسة الماجستير في الإدارة ببريطانيا جامعة “استراث كلايد في سكوتلند”. كانت فترة غنية بكل المقاييس بالنسبة لامرأة مثلي واكبت تحولات على صعيد عمان في الداخل وعلى صعيد الخليج العربي وعلى صعيد العالم العربي كذلك.
وتوجت مسيرتي الصحافية –آنذاك- برئاستي قسم “المرأة والطفل” في “جريدة عمان” وتناولت حينها العديد من الندوات التي ركزت على البعد السياسي والقانوني والتنموي والاجتماعي على صعيد مشاركة المرأة والعقبات التى تحول دون تقدمها ودون مزيد من المشاركة النسوية في عمان. ولاقت هذه الندوات كثير من ردود الأفعال على الصعيد الحكومي ومن جانب الجمهور في عمان.
عين على الشورى ..
تعلمين أنني أقمت لسنوات طويلة في الخليج، وتابعت تجربتك كرائدة عن قرب، وأذكر أنكِ ترشحتِ لمجلس الشورى، بل ولديك كتاب “عين على الشورى”. ماذا عن تفاصيل تلك التجربة ؟
- صحيح، كنت من ضمن الصحافيين العمانيين الذين ركزوا في الكتابة عن التجربة البرلمانية وتجربة الانتخابات في السلطنة منذ بداياتها، وكذلك خضت الانتخابات وترشحت لمجلس الشورى لفترتين، اعتقاداً وإيماناً بأن الصحافي هو ذاك المواطن الواعي بقضايا وطنه. والتجربة تصقل رؤيته التى سيقدمها للمجتمع لذلك أصدرت كتابي “عين على الشورى” وكانت أهمية هذا الإصدار تتمثل بأن السلطنة على مشارف انتخابات الشورى للفترة التاسعة. وقد دشن حفل الكتاب برعاية سعادة الشيخ رئيس مجلس الشورى خالد بن هلال المعولي وجمعية الصحفيين العمانية. ويرصد الكتاب قضايا ورؤى وحلول وطموحات تتصل بالمجلس.
هنّ الرائدات ..
أيضاً أصدرتِ كتاب “هنّ” ومن عنوانه يتضح أنه ذاكرة تاريخية تتعلق بالرائدات؟
- نعم كتاب “هنّ” هو محصلة لقاءاتي الصحافية مع القيادات النسوية العمانية اللاتي، ممن لهن بصماتهن في البناء التنموي الاجتماعي والثقافي في عمان في بدايات نهضتها العصرية. إضافة إلى حوارات مع قيادات
نسوية من العالم العربي للوقوف على رؤى مختلفة للعالم. والتجربة أسفرت عن عرض قناعات وآراء ورؤى وتعاطف أكبر مع العالم والإنسان، بغض النظر عن دينه ولونه وجنسيته.
إنجازات العمانية ..
استثماراً للقائنا بك، بودنا أن تضعينا في صورة الإنجازات التي تحققت للمرأة العمانية ؟
- حقيقة سلطنة عمان كانت ولا تزال بلد ولادة للنساء المبدعات القياديات منذ عهد السبعينيات وفي وقتنا الحاضر. وهذه الخاصية القيادية لم تأتي من فراغ حيث كانت القدوة للنساء العمانيات والدة السلطان قابوس -رحمها الله- السيدة ميزون، والتي كانت نموذج للعطاء والأخذ بيد العمانيات وتشجيعهن. لذا فالعمانية بخاصة في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات حظيت باهتمام بالغ من قبل الحكومة التي وضعت فيها الثقة لتكون شريكاً في البناء والتأسيس ونجحت العمانية في ذلك. والمتصفح لإصدار “هنّ” سيستكشف بين دفتيه أمجاد إنجازات العمانية التي كان لها السبق ليس فقط على المستوى المحلي وإنما أيضاً الخليجي في تقلد بعض المناصب هي إنجازات تعبت العمانية لبلوغها وتحقيقها، سواء كان ذلك على مستوى قطاع الإعلام أو الطب أو التمريض أو السياحة أو قطاع النفط والغاز أو التعليم أو الهندسة أو الاجتماعي والخيري أو الشرطي، وحتى في مجال الطيران.
يهيأ لي أن الزواج وتكوين أسرة، أبعدك عن عالم الصحافة ؟
- لم يكن الزواج أبداً سبب انقطاعي عن المهنة. ربما الجو العام الذي كانت تعيشه الصحافة عموماً على الصعيد المحلي رغم هامش الحرية الموجود نوعاً ما، هو السبب الذي جعلني أراجع حساباتي مع الكتابة الصحافية! فالصحافة والإعلام عموما بدأت رسالته بالانحدار! في تلك الفترة التي تركت فيها الجريدة. ربما أكون من ضمن من دفعوا الثمن بسبب دخول كوادر لم تكن مؤهلة وبعيدة عن الجو الصحافي لتدير العمل الصحافي وتشكل قراراته اليومية الخطيرة (!) ما انعكس على الأداء والإنتاجية بالنسبة لي لم يكن التواجد ضمن هذه البيئة مريحاً.
الانفتاح على الآخر ..
إنما وعلى الرغم من المكانة التي تحظين بها في بلدك، آثرتِ الإقامة في بريطانيا! أليس هذا غريباً ؟
- لا، لا.. سبب إقامتي لفترات طويلة في بريطانيا هو أسري بحت، مرافقة زوجي أثناء دراسته العليا كانت بداية ذلك. ثم دراستي هناك أيضاً وبعدها جاءت دراسة ابني. ثم ما يهم في هذا الاغتراب كله أنه شكّل هذا الانفتاح والحب للعالم، وقلص المسافات والحواجز التي كانت موجودة مع الآخر.
رسالة مهمة ..
واليوم بينما أنتِ على أبواب الدكتوراه، ماذا عن طموحاتك ؟
- طموحاتي ككاتبة في الوقت الراهن منصبّة على توثيق كتاباتي ومواضيعي وجهد عقود مضت في مهنة المتاعب؛ في إصدارات كي يتم تأريخها لأبنائي (هميم، غفران، أبهى) ولكل الجيل الحديث.
لقد أصبح لزاماً علينا نحن “جيل المؤسسين” تعريف وإطلاع الجميع على جهود الأجيال السابقة التي كان لها دوراً بارزاً وأساسياً في التنمية العمانية في كل المجالات. كي تصلهم رسالة مهمة وهي أن الرغد الذي يعيشون فيه اليوم لم يأتي من فراغ وإنما هناك صف أول وثاني وثالث وراء كل هذا التأسيس الذي يفترش أرضية حياتهم، حتى يعرفوا قيمة كل مجد وصل إليهم جاهزاً، كان نتاج جهود وكفاح من سبقهم.
أيضاً، لدي طموح أيضاً أن يكتب لي ربي إكمال دراستي والحصول على درجة الدكتوراه. هذا الطموح يراودني منذ فترة لأنني مؤمنة أن التعليم أسلوب حياة لتجديد حياة الانسان نحو الأفضل.