يرى أن الناقد ليس لديه قوات ردع أو دعم! أديب مخزوم: أشباه الفنانين والنقاد يعيشون اليوم في عصرهم الذهبي!
الحركة التشكيلية شهدت محاولات نقدية تزويرية بالغة التشويه!
Photo of Rawaa Yones – 2019-11-24
|| Midline-news || – الوسط
روعة يونس
يمكن ببساطة كتابة مقدمة حوار للتعريف بضيف “الوسط”. لكن اليوم ضيفنا الفنان والناقد الأستاذ أديب مخزوم، الذي يُعدّ أحد أهم الشخصيات حضوراً في الفعاليات الفنية- الثقافية. لكنه في الوقت عينه يعتبر إحدى الشخصيات الخلافية أو الجدلية! ما بين أتباع لآرائه ونقده، وما بين غير المؤيدين أو الرافضين لنتاجه ونقده!
لكنني خلال إعداد مادة الحوار معه، تبينت من عدد علامات التعجب التي اضطررت لوضعها! ومن نار الضيق والغضب التي أشعلها، والآراء الساخطة التي فجّرها، والتصريحات الصاخبة التي أطلقها، لمَ هو محبوب في الساحة الفنية التشكيلية، وأيضاً لمَ منبره يتحول أحياناً إلى مرمى يتلقى الهجوم!
بين هؤلاء وأولئك.. علينا الاعتراف بأن مخزوم سخّر نفسه ومعلوماته ودراساته وطاقته لخدمة الفن التشكيلي. وتفرّغ للبحث والكتابة وتقديم العون لأي مستجد/ة في عالم التشكيل. بل أخبرني في ختام الحوار “أنا جاهز ومتوفر بكل ود وطيب وإيجابية، لكل فنان/ة لم أقم بتغطية تجربته أو نتاجه الفني في موسوعتي السابقة أو مقالاتي وكتاباتي، كي أُضمّنها إصداراتي القادمة، أو دراساتي ومقالاتي”.
الطيّب رغم شراسة الحوار.. اللطيف رغم قلبِه الطاولة.. أديب مخزوم في حوار “الوسط” معه.
تيارات الحداثة
صدر لك في بداية عام 2010 مجلد موسوعي تحت عنوان (تيارات الحداثة في التشكيل السوري) كيف تختزل الموسوعة لنتعرف على أبوابها؟
وثقت في مجلدي الموسوعي لمئة سنة من الفن التشكيلي السوري الحديث، وجاء بمبادرة فردية مني وبتعاون كلي مع الناشر المهندس المعماري باسم حلواني الذي آمن بمشروعي، معتبراً الفن التشكيلي جزءاً من العمارة. وحاز الكتاب على قبول وإعجاب وتقدير كبار الفنانين والمتابعين والمهتمين في سورية والخارج، كونه يعطى صورة حقيقية عن الفن التشكيلي السوري، كما كُتبت مقالات عديدة حوله، وكانت إيجابية.
وخلال توقيعي للكتاب في عمان حضر عدد من الفنانين الأردنيين الذين أبدوا إعجابهم به، وقالوا لنا لا يوجد في الأردن كتاب عن الفن التشكيلي بهذه الضخامة والشمولية والأهمية.
استعان بعض طلاب الدراسات العليا، في كليات الفنون الجميلة، بمؤلفاتك ودراساتك ومقالاتك، في خطوات إعداد أطروحات، درجتي الماجستير والدكتوراه، في الفن التشكيلي. وثمة من استغرب أمامي! أنك لم تتقدم للحصول على دكتوراه?
كثيرون قالوا أنني أستحق درجة دكتوراه على كتابي الموسوعي، لكن تخلف نظرة المجتمع للفن، هي أزمة الأزمات، والظروف الصعبة التي مررت بها حالت دون تحقيق هذا الهدف، مع العلم أنني قادر على محاورة عشرين أستاذاً للفنون في وقت واحد! وفي الندوات التي أشارك بها، يكون بجانبي دائما أساتذة ودكاترة في كلية الفنون.
رسالة حضارية
لديك مئات اللقاءات والإطلالات والمشاركات النقدية، في برامج تلفزيونية وإذاعية، ومحاضرات ومشاركات في مؤتمرات ومهرجانات وندوات فنية، هل هذا الرصيد شخصي، أم مجير لخدمة الفن السوري أم كلاهما معاً؟
منذ طفولتي الأولى (أنا من مواليد طرطوس عام 1962) خضت غمار تجربة طويلة في الرسم، رغم أنني وجد ت نفسي في واقع ريفي، لم يتقبل أن أكون فناناً. هكذا كانت مشاعري بجمالية اللوحة الفنية التشكيلية، تدفعني وباستمرار نحو اختبار قدراتي في الرسم والتلوين، حيث أنجزت مئات اللوحات الكبيرة. وتدرجت في صياغاتها من الرسم الواقعي، إلى أقصى حالات التجريد اللوني الانفعالي مروراً بكل الاتجاهات الفنية.
وقال عني الفنان والناقد التشكيلي أسعد عرابي “عرفت أديب مخزوم ناقداً مجتهداً مخلصاً ومتابعاً لوقائع التشكيل السوري، أميناً في رصد الأحداث والمعارض الفنية عبر الصحافة، متواضعاً وبسيطاً دون تعقيد أو تنظير، ولعل أبرز خصائصه هو أنه تعددي غير متعصب لاتجاه أو اسم دون آخر” وثمة أقوال مشابهة لكبار النقاد والفنانين العرب، وفي مقدمتهم الناقد والفنان اللبناني الكبير فيصل سلطان، كلها كفيلة بالرد على سؤالك، والتأكيد أن الفن والنقد بالنسبة لي رسالة حضارية قبل أي شيء آخر.
احتفاء بالسارقين والفاسدين!
أن تكون فناناً وناقداً ولديك كل هذه الأنشطة والعطاءات، والمقام الجميل، ينتظر منك أن تقدم آراء ومبادرات لصالح الفن والفنانين التشكيليين؟
لقد كتبت مقالات وملفات وزوايا لا تحصى، عن إشكاليات الفن والنقد وفوضى الحياة الفنية التشكيلية في سورية، كما ألقيت محاضرات عديدة في هذا الإطار، من ضمنها محاضرة في ثقافي أبو رمانة عام 2016 عن “إشكاليات الفن وأخطاء النقد” سلطت من خلالها الضوء على بعض الأخطاء والمغالطات والمفارقات الحادة، التي تتكرس في كتابات وأحاديث الفنانين والنقاد والمتابعين، مؤكداً أن النقد الجاد في تفرعاته وتشعباته وعناصره، ليس له ضفاف أو فواصل أو حدود، وأبعد بكثير من أن يكون مجرد تحديد نقاط القوة والضعف في العمل الفني، فهناك النقد التعريفي، ولو كان غير موجود -كما يدعون- لكنا في صحراء ثقافية! وهناك النقد التصويبي، والنقد التحليلي ولولا وجود الأخير، لما استطعنا التمييز بين من يكتب نقد عام ينطبق على كل فنان، في كل زمان ومكان، وبين من يوضح خصوصيات كل تجربة فنية على حده . ووضحت أن النظرة التقليدية والضيقة والمحدودة والمؤطرة للنقد أساءت إليه، وقوضت أو حدت من قوته وفعاليته وحضوره، وأوصلتنا في نهاية المطاف إلى المزيد من التعقيد والتقوقع والجهل! والاستمرار في إطلاق العبارات الجاهزة والمستهلكة والبائدة! التي يتحدث أصحابها عن غياب النقد، دون أن تتوفر لديهم القدرة، في حدودها الدنيا للإحاطة بماهية النقد! كما تطرقت إلى العديد من الأخطاء الموجودة في بعض الكتب المتخصصة بالفن التشكيلي، ومن ضمنها لوحات ومنحوتات، منشورة في صفحات كاملة، ومنسوبة لغير أصحابها، منوهاً إلى أن غياب المتابعة والمساءلة والمحاسبة، أدت إلى تفاقم هذه الفوضى واللامبالاة والأخطاء، التي باتت مهيأة للانتقال الى الكتب القادمة والمقالات والبرامج والأطروحات وغيرها، كونها أصبحت مراجع في أيدي الباحثين والدارسين.
لقد طرحت أيضاً تساؤلات عن الجدوى من صدور قانون حماية حقوق المؤلف، اذا كانت بعض مؤسساتنا الإعلامية والثقافية تحتفي بشكل يومي بالسارقين والفاسدين والمقصرين، وتمنح بعضهم أرفع الأوسمة وشهادات التقدير!
محاولات نقدية تزويرية
لديك العديد من الدراسات والمقالات المنشورة في الدوريات العربية والغربية، كما أنك محرر في مجلة “الحياة التشكيلية” السورية؟ لماذا إذاً لا نجد لديك نقداً جاداً وحاداً؟ هل تترك المقاربات والمباعدات والمكاشفات النقدية لتضمها في كتاب؟
في زاويتي الاسبوعية الثابتة في صحيفة الثورة، والمستمرة مند سنوات طويلة، لم أترك ثغرة في حياتنا الفنية والثقافية إلا وتحدثت عنها، لكن الفوضى تتفاقم يوماً بعد آخر، لعدم وجود مساءلة ومحاسبة. كما نوهت مرات عديدة إلى أن حركتنا التشكيلية شهدت محاولات نقدية تزويرية بالغة الخطورة والتشويه! تمر كل مرة في صحافتنا دون أن يتصدى لها أحد! حتى المعنيين من النقاد المتخصصين, لا يقرؤون ليتاح لهم الرد والقيام بالخطوات القادرة على إثارة الجدل وجذب جمهور القراء.
تعاطف وتشجيع
الحقيقة، يشار إلى كونك لطيف رقيق محبوب في وسط الفن التشكيلي. هل تسعى للحفاظ على مكانتك في القلوب، عوضاً عن النقد والتوجيه والتصويب؟ أم أن مشاعر الزملاء والزميلات أكبر من سعة صدورهم؟
عندما أتلقى هذا الكلام من زملائي وزميلاتي أشعر أنني أخذت حقي، وتأكدت أنه ثمرة أكثر من ثلاثين عاماً في خدمة الفن والفنانين, فالشباب والشابات يتعاطفون معي، لأنني أشجعهم وأدعيهم للمشاركة في المعارض التكريمية التي تقام بمبادرتي وتحت إشرافي، كما أنني أركز في كتاباتي النقدية على الجيل الجديد، وأكتب عن أصحاب المواهب الجديدة، بشكل هادف لا جارح، لأن الجيل السابق كتبت عنه كثيراً، ويجب أن نعطي فرصة للرعيل الجديد. لقد احتفينا بالمعارض التكريمية، التي نظمتها بمشاركة الفنانين وخاصة الشباب، بقامات فنية، وهي على التوالي (ممتاز البحرة 2016ـ زياد زكاري 2017ـ صلاح الدين محمد 2017ـ جبران خليل جبران 2018ـ علي الكفري 2019ـ سوسن جلال 2019).
انتشار المافيات!
هل لديك أفكار أو مشاريع تصطدم بمعوقات البيروقراطية؟
المعوقات كثيرة وفي مقدمتها أن البعض (وعن جهل مطلق) يحملون النقد كل ما يعتري حياتنا الفنية والثقافية من أزمات ومنغصات! وكأن الناقد لديه قوات ردع ومتابعة لما يكتب وجهات داعمة له! لقد قلت مراراً “ما الفائدة من نقد الواقع، إذا كنا غير قادرين على تغييره نحو الأفضل؟ وما قيمة النقد اذا كان سيبقى مجرد حبر على ورق”؟.
يشار إلى أن الحركة التشكيلية خلال الحرب على سورية، شهدت حراكاً برصدها الفعّال الدؤوب. وفي المقابل يقال إن الحركة النقدية لم تكن مواكبة لهذا الحراك الفعّال؟
مجمل الذين يطلقون هده العبارات الجاهزة عن عدم وجود مواكبة، لا تكون عندهم أدنى درجة من المتابعة أو القراءة لما يكتب من نقد موضوعي وبناء! والأخطر من ذلك عمل بعض أدعياء الإعلام على خلط الأوراق والوقوف عقبة في وجه الناجحين! فأشباه الفنانين والنقاد والصحفيين والفاشلين والفاسدين يعيشون اليوم في عصرهم الذهبي، في ظل وجود وانتشار المافيات المحمية تحت ذرائع وهمية، تدّعي أنهم شرفاء ويحاربون الإرهاب، مع العلم أن المواطنة والتدين يكونان بالممارسة والفعل والعمل المتواصل، وليس بالكلام والإدعاء وإيذاء الآخرين.
اهتمامات وطموحات
حسناً، لنذهب إلى هدنة وهدوء وأجواء لطيفة.. فقد سبقَ أن التقيتَ مع بعض كبار نجوم الموسيقى والغناء في عالمنا العربي في حوارات مطولة، ولديك اهتمامات تأريخية للموسيقى. لا أدري ربما نحن أمام شخصية جامعة للتشكيل والموسيقى والكتابة والصحافة؟ أين تجد أديب مخزوم؟
أجد نفسي في التشكيل والموسيقى على حد سواء، انطلاقاً من مقولة لبول كلي “من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقى” وثقافة العين (لاسيما المتعلقة بالموسيقى البصرية التي تحددها فروقات لونية وخطية شديدة الحساسية) لا تتعمق إلا من خلال تربيتها على الرؤية السليمة، واللغة التشكيلية المعاصرة تمتلك القدرة على امتصاص رحيق المعرفة المتجددة والمتفاعلة مع ثقافة فنون العصر. وفي مقدمتها ثقافة توأمة الفن التشكيلي بالفن الموسيقي. وفي الواقع لا تكاد توجد حدود تتوقف عندها الحساسية البصرية و الحساسية السمعية، خاصة عند الذين استطاعوا التحرر من أميتهم البصرية والسمعية على حد سواء.
أقمت عدة معارض فردية، وشاركت بمعارض ومهرجانات داخلية وخارجية، وحزت على العديد من الجوائز، عدا عن فيلم وثائقي تكريمي. فإلام تطمح بعد؟
طموح الفنان والناقد والكاتب وكل عامل في مجال الإبداع ليس له حدود، وكتاباتي المنشورة في الصحافة الورقية التي أنتمي إليها، تتعدى 10آلاف من (ملفات ومقالات وزوايا وحوارت مع كبار الفنانين والنقاد العرب في التشكيل والموسيقى) وأنا أطمح إلى جمعها، في كتب قادمة، ولقد صنفتها تحت العناوين التالية: المناخ اللوني في اللوحة السورية المعاصـرة. تأويلات جديدة في الإبداع التشكيلي. سجالات تشكيلية في محترفات سورية. فريد الأطرش قيثارة السماء. صلاح الدين محمد عراب النقد التشكيلي. بين السمعي والبصري. جدل الموسيقى والغناء. مقاربات ومباعدات نقدية.