قدّم الأساطير بطريقته التشكيلية الخاصة “سموقان أسعد”: مشروعي الفني الحالي دراسة الوجه الإنساني السوري بعد الحرب
المؤسسة الثقافية ليس لديها مشروع ثقافي فهمّها الكم لا الكيف!
Photo of Rawaa Yones- 2019-12-12
– الوسط …
إعداد وحوار: روعة يونس
كيفما أجلت النظر بين أعماله الفنية، تشعر كأن صالة عرض لوحاته، إنما هي صالة انتظار سفر، تحملك قافلاً إلى آلاف السنين، حيث الأساطير السورية والآلهة وأنصافها. وحيث كل ما في الكون من بشر وحجر وحيوان؛ تدب فيه الروح..إنما روح جديدة خلّقتها ريشة الفنان المبدع سموقان أسعد، عبر طريقة “ثنائية الضوء والظل”.
لا غرابة أبداً في سيطرة الميثولوجيا على لوحاته أو تأثره الشديد بالأساطير السورية وأساطير بلاد ما بين النهرين. ففناننا سموقان ابن حضارة أوغاريت، وأيضاً ابن الابتكار الفني، والإبداع الأدبي في الشعر والقصة.
الجميل في حوار “الوسط” مع سموقان أسعد، أننا إنما نحاور عقوداً من التجربة الثقافية والفنية لديه، بكل ما فيها من بدايات ومحاولات ومواجهات وذكريات ومعارض وندوات ومحاضرات وأمسيات وعطاءات وإنجازات، شكّلت له مكانة مشهودة محلياً وعربياً وغربياً.
الضوء والظل
فيما يخص تجربتك –وبالطبع يصعب اختزالها- إنما أتحدث عن السنوات الفترة الأخيرة، أو لنقل جديدك، أراه يتسم بسمتين الأولى: الضوء والظل. لمَ هذا الاشتغال على هذه الثنائية؟
صحيح، قصة الضوء والظل موجودة في أغلب أعمالي. الضوء يمثل في أعمالي كما الكومبارس في المسرح، فكل عنصر يبث الضوء من خلاله فنرى للضوء ألوانه المختلفة، حسب اختلاف العنصر. بالنسبة لي الضوء هو الروح المخفية للعنصر الذي يظهر مرافقاً ظله.. طبعاً كل العناصر التشكيلية في العمل هي مهمة لكن الضوء يصير هو البطل وخاصة وقت اكتشافه من قبل المشاهد. ولعل دراستي النظرية هي التي تساعدني على إعطاء الأهمية الكبيرة للضوء والظل حيث أني أعمل على الجانب اللامرئي في العمل ومن ثم أجعل اللامرئي مرئياً جداً.
قدرات روحية
السمة الثانية، وبحسب تذوقي للوحاتك، أجد قاعدة مغايرة لأنسنة الجماد والحيوان. هل بإمكاني القول “حيونة الأنسنة” دون أن أُفهم على نحو خاطئ؟ ثمة “حيوانات” كثيرة، توحي أننا أمام “كليلة ودمنة” جديدة!
بالنسبة لي أتناول جميع العناصر بنفس السوية التشكيلية إن كانت بشراً أم حيوانات أو جماد. فهي تحس تتألم وتفرح كما الإنسان لها شكلها الجمالي المتعدد الدلالات فأغلب العناصر التي أرسمها تؤدي فعلها الأسطوري. ففي أعمال قصة البعل، نرى الأشخاص والأشجار والحيوانات تمارس قدراتها الروحية، ومُحَّرضة بفعل الضوء الذي ينبعث من داخل الشكل المرسوم. فللضوء دلالات تساعد المشاهد على الدخول في هذا العالم البصري.. في حركة اللون وقوة الخط ومحبة الأشكال لبعضها.
دفعني إلى سؤالي السابق، الإحساس أيضاً بأن لشخوص لوحاتك ملامح الآلهة القديمة، أو مثلاً شيدو لاموسو!
نعم، نعم. أنا لا أرسم لمجرد الرسم وكما تقولين إن الأشخاص هم في الغالب آلهة أو أنصاف آلهة. لقد درست أوغاريت وأساطيرها وجلجامش وأساطير بلاد الرافدين نظرياً وتشكيلياً. وأقمت مجموعة معارض فردية وجماعية خاصة بالأسطورة. كان أهمها تلك التي كانت في فترة الثمانينات مع التشكيلي السوري المرحوم عيسى بعجانو هيشون. لذلك أقول إن الأشكال لديٌ -خاصة الأشخاص- متأثرة لاشعورياً بالأساطير السورية القديمة، لكني أنا قدمتها بطريقتي الخاصة.
استلهام أسطوري
قبل الانتقال إلى محور آخر، لدي سؤال يتصل بلوحتك أو جداريتك “القطط” هل ثمة اسقاط تراثي، أو استلهام أسطوري؟ خاصة مع وجود تحولات للقطط في جداريتك فمرة تشبه الحمامة ومرة الوردة الجورية؟
طبعاً. جدارية القطط لها دلالات أسطورية في العالم وفي الأساطير المصرية. وأيضاً في الأساطير السورية.. أقول عندما أرسم أي شكل سواء قطة أو شجرة فهي تنتمي لما أسميه “اللوحة السورية” بشكل عام ولوحتي بشكل خاص. ففي لوحتي بعدين بعد تاريخي أو أسطوري يخص المكان أو الأرض التي عشت بها وعشقتها. ويخص سوريا. كما أن اللوحة تخصني وحدي، كوني أعمل بأدوات تعطي أداءً مختلفاً أي: أسلوب الفنان. والقطط رسمتها كثيراً كبقية العناصر التي لا تدخل إلى لغتي التشكيلية إلا بعد استخدامها الكثير والعميق.. فلا أرسم القطة وإنما روحها التي أدخلتها في الأسطورة السورية التي أعشق.
هل يزعجك أن أسألك لماذا اخترت لقب “سموقان”؟ وأعرف أن سموقان إله في الأسطورة. أريد منك المزيد من الإيضاح؟
هذا الاسم “سموقان” جاء نتيجة البحث الطويل في الأساطير السورية وأساطير بلاد الرافدين نظرياً وتشكيلياً، وأقمت معارض تترافق بندوات ثقافية. ثم أخذ موضوع الغابة فترة طويلة من تجربتي حتى أنني عرفت بفنان الغابة! رسمت غابة الأشجار والمدن والبشر والحيوانات بأسلوب يخصني وحدي ضمن جو أسطوري. فكان “سموقان” هو الاسم الذي يعبر عن حركتي التشكيلية.
بدايات وذكريات
حسناً.. حدثنا عن محمد أسعد، كيف ولج عالم الفن التشكيلي، وكيف خاض المعارض الفنية، وأي حصيلة خرج بها؟
كانت بدايتي من معرضي الأول على كورنيش البحر في اللاذقية عام 1972 في الهواء الطلق كان المعرض حدثاً ثقافياً في تلك الآونة. أتى من مواجهة جميع الشرائح الاجتماعية أمام اللوحة! لكن التجربة المهمة في حياتي التشكيلية كانت مع التشكيلي السوري هيشون حيث أقمنا ستة عشر معرضاً مشتركاً، عدا عن المعارض الجماعية الكثيرة في سورية وخارجها. ثم أقمنا مجموعتين تشكيليتين هما “الأبابيل التشكيلية” و”أوغاريت” كان في هذه المجموعة أهم الباحثين السوريين منهم جبرائيل سعادة وراؤول فيتالي..لكن تجربتي المهمة الفردية كانت تتوزع ضمن مراحل ثلاثة هما الغابة، أبجدية الأزرق، وأبجدية الشكل. وبالطبع لم تكن الغابة هي غابة أشجار فقط وإنما أصبحت غابة من المدن والبشر والشجر، أما تجربة أبجدية الأزرق كانت بحث فلسفي بقدر ماهو بصري. والشيء المهم أيضاً في تجربتي مع الفنان هيشون كانت جميع معرضنا الثنائية تترافق بندوات ثقافية حول التشكيل والأسطورة.
نحو العالمية
دُعيت لعرض لوحتك “أبجدية الأزرق” في متحف اللوفر. فصرّحت بأن دعوتك لم تكن (فقط) لكونك فنان تشكيلي، بل لأنك شاعر وقاص، لماذا لا يعرفك القارئ السوري! ربما لأنك متحيز للتشكيل أكثر؟
بالنسبة للمعارض في “كاروسيل اللوفر” عرضت فيه ثلاث مرات للأعوام 2016 – 2017- 2018 والدعوة جاءت من أكاديمية “ديفيني للآداب والفنون” التي تحتفي سنوياً بتأسيسها، وتقيم معرضاً لفنانين من العالم. وكنت أنا ممثلاً لسوريا لثلاث سنوات، والعرض يكون لوحة واحدة لكل فنان. أما لماذا تمت دعوتي؟ طبعاً لمحبتهم وإعجابهم بأعمالي أولاً ولاهتمامي بالثقافة والآداب والكتابة والتشكيل.
القاص والشاعر
منذ كنتُ قبل عقود في صحيفة الثورة وأنا أقرأ لم في أدب القصة والمقال الأدبي. ماذا عن هذا الجانب لديك المتصل بكتابة القصة؟
نعم أكتب القصة والشعر، ونشرت العديد منها في الصحف السورية منها –كما ذكرتِ- صحيفة الثورة، تشرين، الأسبوع الأدبي، وصحيفة الوحدة في اللاذقية. ومعظم قصصي وكتاباتي منشورة في موقعي “صوت العقل” و”مشارف” الذي يشرف عليه الناقد والمترجم المعروف محمد صالح بن عمر.
أستغرب مع حضورك الثقافي- الأدبي، واهتمامك بكتابة الشعر، وأمسياتك الشعرية العديدة، لماذا لم تصدر ديواناً بعد؟
صحيح أنني نشرت العديد من قصائد الشعر، وأقمت عدة أمسيات شعرية منها بالمركز الثقافي في (الحفة عام 1981) وأمسية مع الصديق عيسى على مدرج كلية العلوم في جامعة تشرين عام .1982 ثم أمسية أمسية مع عدنان زينة وعيسى بعجانو في جامعة تشرين عام عام 1983. وأيضاً في المركز الثقافي العربي فرع أبو رمانة عام 1983. وأمسية شعرية بدعوة من اتحاد الكتاب العرب باللاذقية مع الشاعر رياض بركات عام 1987. ثم أمسيات عديدة في أماكن مختلفة بسورية في اللاذقية وحمص وطرطوس وجبلة، أغلبها كانت ضمن مهرجانات شعرية، هذا باختصار لكني بصراحة أجيبك إنني في السنوات العشر الأخيرة كرست معظم كل وقتي للتشكيل، ولم أصدر كتاباً أدبياً بسبب انشغالي الفني، لكن ربما قريباً من يدري!
سورية التشكيلية
في معظم حواراتي مع التشكيليين، أسأل عن رأيهم في الحركة التشكيلية. لكن سؤالي لك عن واقع الحركة التشكيلية في سورية يتصل بكونك مؤسس لموقع إلكتروني فني يعرض نتاج التشكيليين؟
بالنسبة للتشكيل السوري أراه متطوراً بين فنون العالم على الصعيد الفردي. لكنه بتراجع مستمر على صعيد المؤسسات الثقافية! فنانون كثر لهم حضورهم على الصعيد العربي والدولي! لكن للأسف المؤسسة الثقافية تعرض من أجل العرض فقط ليس لها مشروع ثقافي همها الكم لا الكيف وتبحث عن من يصفق لها!
بالنسبة للموقع الإلكتروني “سورية التشكيلية” نعم هو للفن السوري أولاً. لكن أردتُ من خلاله أن يتواصل الفنان السوري مع فناني العالم وهو ما يحصل في “سورية التشكيلية” كما أننا لا ننشر فيه إلاّ الأعمال ذات السوية الجيدة.
أجد الموقع منفتحاً على فنون وثقافات العالم. ثمة فنانون من مختلف الجنسيات تنشر لوحاتهم. هل تعتقد أن الآخر بدوره يطّلع على نتاج الفنان السوري في الموقع؟
نعم، التفاعل كبير في هذا الموقع من فنانين سوريين وعرب وأجانب من مختلف الجنسيات في العالم.. هكذا أردنا هذا الموقع لقناعتنا أن التشكيل لغة بصرية يمكن من خلالها التواصل مع العالم أجمع المحب للسلام والجمال.
بورتريه السوري
فنان دون مشروع ودون طموح، تنتفي عنه صفة المبدع. ماذا عن مشاريعك الفنية المقبلة يا مبدع؟
أوافقك.. أنا مع هذا الرأي. ومن الذين يعملون على مشاريع، والمعرض هو عبارة عن مشروع مدروس وله فلسفته الخاصة ويجب أن يكون له هدف. حالياً أعمل على دراسة للوجه الإنساني البورتريه “بورتريه السوري” بعد الحرب محاولاً إبراز الحالات التعبيرية على الشكل.
وأود أخيراً أن أشكر موقع “الوسط” لاهتمامه الواضح بالثقافة والفنون عامة، والتشكيل بوجه خاص.