|| Midline-news || – الوسط …
إعداد وحوار: روعة يونس
رباب أحمد: شغفي بالفن وضعني ضمن النسيج الثقافي العام.. ونجاح فعاليات مركز أبورمانة يكمن في تنوعها
مسؤولياتي ودوامي فترتين يومياً شغلاني عن مزاولة الرسم
من أين تأتي بكل هذا النشاط والحماس والاندفاع والقدرة على العطاء؟ وكيف تكفيها ساعات اليوم الـ 24، لتنجز برامجها الثقافية الكثيرة والمتنوعة والثرية في ذات الوقت؟
رباب أحمد.. شمعة الثقافة التي لا تنطفئ في “مركز ثقافي أبورمانة” الذي تديره بقوة ومرونة، وإقدام وتريث، وحسم وسماحة، وقول وفعل. والأهم بعين وأذن ورأي، فترى وتسمع وتناقش وتقف على اقتراحات الآخر، برحابة صدر وأفق واسع.
تتصف الأستاذة رباب أحمد -الفنانة التشكيلية التي نأت عن التشكيل بسبب عملها اليومي كمديرة مركز ثقافي- بشهادة القامات ضيوف المركز، والجمهور المتلقي أصدقاء المركز، بنشاط وسعي دؤوب. وقد تجلّت براعتها وحرصها على مفاعيل الثقافة، خلال سنوات الحرب، فلم تكل أو تملّ من خدمة الثقافة بشغف وحب. ولم تتبق فعالية أدبية أو فنية أو علمية، لكافة الفئات العمرية إلاّ استضافها المركز، كما استضاف نخبة من المبدعين العرب والمستشرقين، وكرّم العشرات من مبدعينا السوريين والعرب أحياء وأموات.
في حوار “الوسط” معها، أجابت الأحمد على أسئلتنا بترحاب وحب وصبر، كعادتها دائماً
توارث الشغف
لا شك سنصل في حوارنا معك إلى العمل الثقافي الذي تخوضين غماره باقتدار، لكن بداية سنضيء على عالمك كفنانة تشكيلية. متى ظهرت الموهبة وكيف تبلورت؟
- بدأت الموهبة منذ الطفولة الاولى اذ اكتشفت والدتي موهبتي مبكراً، والتي كانت هي المشجع الاول لي للاستمرار في محبة الفن. خاصة أنها فنانة تشكيلية. لذلك حرصت أن تسجلنا كل عام أنا وأخواتي في دورات الأطفال في مركز “أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية” الذي واظبت على التدرب فيه حتى بلغت سن اليفاعة، فخضت مسابقة “رواد الطلائع” في صف السادس الإبتدائي، حيث أصبحت رائدة طليعية على مستوى القطر في مجال الرسم. فأوفدتنا المنظمة إلى المانيا الديمقراطية. بعدها أصبح الانضمام إلى كلية الفنون الجميلة هو هدف وحلم جميل استطعت تحقيقه، وتخصصت في قسم التصوير الزيتي الذي أحببته.
معارض ومشاركات فنية
سنقف أيضاً عند مشاركاتك في المعارض وأعمالك الفنية، قبيل مرحلة العمل الثقافي الرسمي؟ فماذا عنها؟
- بعد التخرج أتاح لي معدلي متابعة الدراسات العليا في نفس الاختصاص وحصلت على دبلوم الدراسات العليا بعد سنة من التخرج، وسجلت في الماجستير إلا أنني لم أكمل لأسباب شخصية! ففي ذات الفترة كنت أدرس اللغة الإنكليزية في المدرسة الأميركية بدمشق. وأقمت أول معرض فردي لي هناك بعد تخرجي مباشرة. ومن ثم توظفت في وزارة الثقافة في مديرية الفنون الجميلة، وبعدها انتقلت للتدريس في مركز “أدهم إسماعيل” وفي تلك الأثناء كانت لي مشاركات عديدة في معارض داخل القطر وخارجه. ومن أهم مشاركاتي معرض مشترك في “صالة عشتار” حيث تقاسمت جدران الصالة أنا وإحدى الفنانات التشكيليات بالإضافة إلى باقة من فنانات النحت. وسرني أن وزارة الثقافة اقتنت عدة أعمال لي من خلال مشاركاتي في المعرض السنوي.
نشاط دائم
ألا ترين معي أن العمل رئيسة مركز ثقافي أبو رمانة أخذك كلياً من الفن التشكيلي؟
- طبعآ الفنان بحاجة إلى الوقت الكافي والتفرغ للفن كي يتابع مسيرته الفنية. لكن بعد تعييني “مديرة المركز الثقافي بأبو رمانة” والذي يحتاج الكثير من الاهتمام والوقت والجهد، إضافة لاضطراري الدوام فترتين في اليوم جعلني أنقطع عن مزاولة الفن.
بصراحة، ألا ترين أنك دفعتِ ثمن انشغالك بالعمل الثقافي على حساب إبداعك التشكيلي؟ لا أدري لعلك ترجئين الفن التشكيلي إلى فترة لاحقة؟
- نعم صحيح، لكن لدي هدف من خلال تنشيط العمل الثقافي العام في المركز أن يكون للمشهد التشكيلي حصته التي يستحقها أسوة ببقية الطيف الثقافي العام والحمدلله منذ خمس سنوات وكل اسبوع هناك معرض جديد، وفي بعض الأحيان تستقبل الصالة أكثر من معرض، فنحن في نشاط دائم، مع الحرص على سوية الأعمال بالتوازن مع عملية التشجيع للمواهب كافة. وهو يشعرني بالرضا رغم غيابي –تقريباً- كفنانة تشكيلية.
إدارة وثقافة
المتابع لنشاط مركز ثقافي أبو رمانة، يلاحظ كمّ النشاط ونوعيته، وحجم العطاء المبذول ليظل المركز رائداً. اكشفي سر شغفك ونشاطك لقراء “الوسط”- فمن حق الجميع الاستماع إلى تجربتك الإدارية ونجاحها؟
- لا أخفيك أنني تأثرت بشغف والدي في السياسة، رغم أنني فقدته بعمر مبكر، إنما وجود غرفة كاملة في منزل الأهل هي غرفة المكتبة التي كانت ومازلت ذخيرة وزاد ثقافي ثر وقيم وكبير، فقد تنوعت الكتب مابين الأدب والسياسة وعلم النفس. ولنقل استوفت جميع المجالات. كما كانت تصلنا بشكل يومي الصحف المحلية والعربية بالإضافة إلى أهم الإصدارات من وزارة الثقافة، وكل ذلك جعلني ضمن النسيج الثقافي العام، ما بين شغفي بالرسم وحب الإطلاع على كتب السياسة، والإبحار الجميل والممتع بين الكتب الأدبية. كل ذلك كان سبباً لأن أحضر جميع الفعاليات المسائية ليس كواجب إداري ولكن كوجبة ثقافية مجانية يومية. فأنا وبكل شفافية أستمتع بكامل الطيف الثقافي ولا أملّ مطلقاً من النهل من معينه يومياً.
ثوابت إنسانية
نجاح برامج وفعاليات أي مؤسسة ثقافية، يُعزى إلى استهدافها كافة الفئات العمرية، فضلاً عن تنوعها لتغطي كافة أنماط الآداب والفنون؟ إلى أي حدّ تُعنى برامج المركز في هذين الجانبين؟
- طبعآ المركز لم يتوقف يومآ خلال السنوات الماضية رغم كل الظروف الأمنية التي تعرضت لها العاصمة. ولاشك بعد الاستقرار وعودة الأمان لمحيط دمشق أصبح الإقبال أكبر على المركز.
وحرصآ على إقبال رواد المركز سعيت جادة إلى أن تشمل البرامج جميع الفئات العمرية، بدءاً من فعاليات الأطفال الأسبوعية والمجانية إلى استقبال مبادرات شبابية أوجدت لها بصمة ثقافية في المشهد الثقافي الشبابي.
هل ثمة ثوابت في خطة المركز، بخصوص بعض الفئات؟
- سرني كثيرآ أنه أصبح لذوي الاحتياجات الخاصة نحو 4 فعاليات في الأسبوع بالتعاون مع فريق “لمة أمل” فضلاً عن وجود فعاليتين “أطفال التسول” بالتعاون مع مشروع “سيار” أعتبرهما من أهم ثوابت المركز الأساسية. وفي الحقيقة يطول الحديث عن الفعاليات المنوعة سواء كانت ثابتة أو متجددة ومنوعة.
دعوات ودية
اللافت أن مركز أبو رمانة، يعمل على التعريف وتغطية إصدارات وأنشطة العديد من المبدعين السوريين. هل تضعين “الجغرافيا” في حساباتك، أم الإبداع والاستحقاق- بغض النظر عن مدينة الضيف؟
- أحببت أن تتغير النظرة النمطية لبرنامج المراكز الثقافية لذلك تواصلت مع عدد من الأصدقاء الوسطاء، لاستضافة شخصيات من خارج القطر ممن يشهد لهم بمواقفهم المؤيدة للدولة السورية طيلة أيام الحرب، لذلك يوشح البرنامج بين الحين والآخر باستضافة ودعوة لبعض تلك الشخصيات من مشارب ثقافية وسياسية وفنية.
تكريم السيرة والمسيرة
مئات من الضيوف العرب، والمستشرقين، والمفكرين، عدا عن جمعيات ثقافية وإنسانية، يستضيفها المركز. هذا حجم عمل يتطلب وجود فريق كبير بجوارك، أو أن ثمة عثرات ومطبات ستصادفك!؟
- لا أخفيك أن من أهدافي بعد استلامي -بوقت قليل- لإدارة المركز هو تكريم قامات من كل طيف المشهد الثقافي وهم على قيد الحياة. لأنني كنت أستغرب دائماً، التأخر في تكريمهم إلى ما بعد وفاتهم. وكانت لدي قائمة ببعض الأسماء وكلها مهمة وفاعلة، والحمدلله استطعت تكريم الكثر ممن يستحقون، فأسعدنا قلوبهم بالتكريم والتقدير. ويشرفني حقيقة بأن مركز أبو رمانة كان السباق في تكريم واستضافة تلك الشخصيات المهمة. كما يسعدني أيضاً أن تلك المبادرات التكريمية قد انتشرت وتبنتها كل المراكز. وبالطبع فإن كل عمل قد يصادف صعوبات أو عثرات ما. ولم أجد سوى “الإخلاص والالتزام والعمل الجاد” حلاً لكل صعوبة نصادفها.
ابنة الوزير
لا نجامل حين نقول إنك شخصية محبوبة في الإعلام ومحل تقديرهم. وأنا لا أبخسك حقك. لكن ألا تعتقدين أن كونك ابنة الوزير المؤسس للإعلام السوري الراحل أحمد اسكندر أحمد، ساهم في هذا الود والتقدير؟
- بالتأكيد هي أمانة أن أحمل اسم ابنة وزير الإعلام الراحل أحمد اسكندر أحمد. ومسؤولية كبيرة، وبقدر اعتزازي باسمه الكبير إلاّ أنني كنت حريصة أن أقدم عملي أولآ حتى أستحق حمل ذلك الاسم. وكان يلومني البعض أنني لم أُعرّف عن نفسي مسبقآ بأنني ابنته! بل أُسعد عندما يكتشفون ذلك صدفة! فمن أجمل ما حصل خلال السنوات السابقة أنني تعرفت على أصدقاء لوالدي، كانوا ممن عاصروه في ذلك الزمن الجميل. لذا فأن يحبني الإعلام -وأنتِ إعلامية مطلعة- هذا مرده إلى العمل والجهد والنشاط الذي أقدمه بحب، كما كثر غيري. وأستثمر وجودي في “الوسط” لأثمّن جهودكم، ومن خلالكم أدعو الجميع (المبدع والمتلقي) أن يضعوني في صورة آرائهم واقتراحاتهم، فمركز ثقافي أبو رمانة، من الناس وإليهم، والنجاح يكمن في الوقوف على متطلبات الثقافة والمثقفين والمتلقين.