“البوكر 2019” للبنانية هدى بركات عن “بريد الليل”… انتصار مصادفات القدر
بعد منافسة بين ستّ روايات لروائيين عرب من لبنان، الأردن، سوريا، مصر، العراق والمغرب، فازت الروائية اللبنانية هدى بركات بـ“الجائزة العالمية للرواية العربية” (“البوكر” العربية 2019)، عن روايتها “بريد الليل” (“دار الآداب”)، في حفلٍ أقيم في أبو ظبي، عشيّة افتتاح معرض أبو ظبي الدولي للكتاب.
كأنّها سخرية القدر، حين رفضت بركات الترشّح للجائزة سابقاً، إلّا أنّ لجنة التحكيم أصرّت على ترشيحها، بعد استئذان “دار الآداب” التي بادر إلى اقناعها بضرورة الترشّح.
اللبنانية هدى بركات تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2019
مع الإعلان عن القائمة الطويلة ومن بعدها القائمة القصيرة لـ الجائزة العالمية للرواية العربية، يبدأ ترقّب القراء والكتاب العرب لمعرفة اسم الرواية المتوّجة بالجائزة، قبيل افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب، كما جرت العادة كل عام. حركة هامة في مستوى النصوص الروائية فعّلتها الجائزة منذ تأسيسها عام 2007، حركة يثبتها كمّ ونوعية الإصدارات الروائية العربية التي باتت تصدر كل عام.
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية، التي تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة “بوكر” في لندن وبدعم من دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، عن الفائز بالجائزة لدورتها لهذا العام، حيث آلت نتائج تصويت لجنة التحكيم إلى الروائية اللبنانية هدى بركات وروايتها “بريد الليل”.
وتكونت لجنة تحكيم الجائزة هذا العام من خمسة أعضاء، برئاسة شرف الدين ماجدولين، وهو أكاديمي وناقد مغربي مختص في الجماليات والسرديات اللفظية والبصرية والدراسات المقارنة. وبعضوية كل من فوزية أبوخالد، شاعرة وكاتبة وأكاديمية وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية. وزليخة أبوريشة، شاعرة وكاتبة عمود وباحثة وناشطة في قضايا المرأة وحقوق الإنسان من الأردن، ولطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني مختص في السرديات، ختاما بتشانغ هونغ يي، أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية.
رسائل لا تصل
كشف شرف الدين ماجدولين، عن فوز رواية “بريد الليل” للكاتبة هدى بركات بالجائزة العالمية للرواية العربية 2019 في دورتها الثانية عشرة، خلال الحفل الرسمي الذي أقيم أمس بأحد فنادق العاصمة الإماراتية أبوظبي، وشهد نخبة من المثقفين والإعلاميين وذلك بحضور عبدالله ماجد آل علي مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
الرواية الفائزة بالجائزة والصادرة عن دار الآداب، حصلت هدى بركات بموجبها على جائزة نقدية قيمتها 50 ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايتها إلى اللغة الإنكليزية، لتصدر عن دار وانورلد في المملكة المتحدة عام 2020.
وقال ماجدولين “في رواية ‘بريد الليل’ تحكي الشخصيات حكاياتها الفردية عبر رسائل توجه لأقارب في لبنان الذي أضحى بعيدا بعد مغادرته هروبا من واقع شديد التعقيد، لم تكن الحرب وحدها سببه بل أيضا المدينة المنطوية على مواعيدها وأقدارها المنهمكة. تحكي الرسائل حكايات سقوط وتفاصيل جرائم لم تكن مقصودة، هي وليدة هشاشة الوجود في المنفى، حيث الحياة تقتضي شراسة في مكابدة العيش. وتقدم للقارئ رواية تتخايل مثل مجموعة قصص منفصلة بينما هي تتراسل متشابكة بخيط سردي يجعلها تحيل على بعضها”.
وأكد رئيس لجنة التحكيم أن “بريد الليل” تعبّر عن تجربة في الكتابة الروائية شديدة الخصوصية بتكثيفها واقتصادها اللغوي وبنائها السردي وقدرتها على تصوير العمق الإنساني، ويتمثل تحدّيها الكبير في أنها استخدمت وسائل روائية شائعة وأفلحت في أن تبدع داخلها وأن تقنع القارئ بها”.
وبدوره، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، “في مجموعة مقننة من الرسائل، تتناول ‘بريد الليل’ موضوعها الرئيس باقتصاد لغوي بالغ، يجعل كل كلمة من كلماتها لبنة محكمة تؤدي دورها في بناء فضاءات من المعاني المتقاربة – المتباعدة في آن واحد. يتابع القارئ مسارات السرد في الرواية بأحاسيس متداخلة، تحول دون التسطيح، على الرغم من تمركزها حول موضوع اللجوء والتهجير الذي طالما شغل أهل الأدب في عالمنا الهش. تسبر الرواية ثيماتها في هذا الفضاء بتمعن ومساءلة، ينمّان عن صنعة روائية محكمة. إن تتويج ‘بريد الليل’ بالجائزة العالمية للرواية العربية هو اعتراف بتميزها، وتقدير لهدى بركات التي نحتفي بها روائية عربية مبدعة”.
وتتضمن رواية “بريد الليل” حكايات أصحاب الرسائل الذين كتبوها وضاعت مثلهم. لكنها تستدعي رسائل أخرى، وتتقاطع معها مثل مصائر هؤلاء الغرباء من المهاجرين أو المهجّرين، أو المنفيّين المشردين، يتامى بلدانهم التي كسرتها الأيام. ليس في هذه الرواية من يقين، إنها، كما زمننا، منطقة الشك الكبير، والالتباس، وامحاء الحدود، وضياع الأمكنة والبيوت الأولى.
أصوات المطرودين
ولدت هدى بركات في بيروت عام 1952، وعملت في التدريس والصحافة وتعيش حاليا في باريس، حيث أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية بالإضافة إلى كتاب يوميات. وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية، وتُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات.
وكانت الجمهورية الفرنسية قد منحت هدى بركات وسامين رفيعين، ومن أعمالها الروائية “حجر الضحك” (1990)، و“أهل الهوى” (1993)، و“حارث المياه” (2000) التي فازت بجائزة نجيب محفوظ لتلك السنة، و“سيدي وحبيبي” (2004).
ووصلت روايتها الخامسة “ملكوت هذه الأرض” (2012) إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013، وترشحت هدى بركات لجائزة المان بوكر العالمية للعام 2015 التي كانت تمنح، آنذاك، مرة كل سنتين عن مجمل أعمال الكتاب.
وكانت هدى بركات في حوار حصري للجائزة العالمية للرواية العربية عقب ترشيحها للقائمة القصيرة، قد قالت “إن ما دفعني إلى الشكل الأخير للرواية كان نفاذ مشاهد المهاجرين الهاربين من بلدانهم إلى وساوسي. هؤلاء المشردين في الأرض، المستقلين قوارب الموت ولا يريد العالم النظر إليهم إلا ككتلة غير مرغوب فيها أو كفيروس يهدد الحضارة، في حين رحنا نكتشف تراجع البعد الإنساني لتلك الحضارة وتحصّن القوميات بإقفال الأبواب. هذا لا يعني أني أريد للبلدان الغربية أن تشرع الحدود أو النظر إلى هؤلاء كملائكة. أردت فقط الإنصات إلى حيوات تهيم في صحراء هذا العالم”.
وأضافت “آمل أن تكون هذه الرواية قد أسمعت بهذا القدر أو ذاك أصوات حيوات هشة يتم إصدار الأحكام عليها دون فهمها أو استفتاء ما أوصلها إلى ما صارت إليه”.
واختيرت رواية “بريد الليل” من قبل لجنة التحكيم باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين يوليو 2017 ويونيو 2018، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر والمغرب.
وتم تكريم الكتّاب الخمسة المرشحين في القائمة القصيرة للجائزة في حفل خاص، وهم إنعام كجه جي، وشهلا العجيلي، وعادل عصمت، وكفى الزعبي، ومحمد معزوز. وتلقى المرشحون جائزة تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار أميركي.