- دبي – رشا المالح
يدرك الزائر منذ الدقائق الأولى أن زيارته للمعرض الفردي الأول للفنان السوري المخضرم سعد يكن في دبي، أنه أمام أعمال فنية تتطلب منه إعادة برمجة علاقته مع اللوحة قبل بدء جولته، التي ستقوده إلى عالم أحد رواد حركة الفن المعاصر في سوريا، والذي افتتح معرضه الذي يضم 15 لوحة ومجموعة من رسومات السيراميك، أول أمس في غاليري «آرت سبيس» بقرية البوابة في مركز دبي المالي العالمي.
إعادة البرمجة تعني المزيد من التركيز والبحث المتأمل في تفاصيلها عن بعد وقرب، كي يكتمل في بصيرته ومخيلته معاني مشهد اللوحة وجماليات أبعادها، ويختار الزائر البدء باللوحتين الضخمتين اللتين تحتل كل منهما مساحة جدار بأكمله.
أبعاد مسرحية
يبدأ بلوحة «المايسترو» التي تضم على عرض ثلاثة أمتار وارتفاع متر و60 سنتمتر، فرقة أوركسترا ، وسرعان ما يدخل المشاهد في أجواء الحالة المسرحية ليكون المايسترو الثاني أمام اللوحة، وبعد اكتسابه المتعة البصرية من تناغم الألوان وتداخل المساحات وتقاطع الخطوط بين العازفين وآلاتهم الموسيقية، يقترب أكثر من العمل ليبدأ بقراءة التفاصيل البارزة، التي ركز فيها يكن على لغة الجسد ليستوقفه تعبير الأسى في العيون الغائرة والانكفاء الداخلي لشخوص رمادية بروحها وفكرها.
الرجل الأخير
يعيش الزائر حالة مشابهة أمام اللوحة الثانية «الرجل الأخير» ذاك الرجل المعذب بأصداء وحدته، الحائر بعزلته، القلق من الجلوس في مكانه كمن يهرب من نفسه إليها، وبدخوله البعد الثاني يجد حالات التفكر والانزواء، حتى يدرك أنه بات كائناً ضبابياً غير مرئي.
على صعيد الأسلوب تتميز شخوص سعد يكن أنهم دائماً حفاة مع عناية مرهفة برسم تفاصيل اليدين والقدمين كلغة تعبيرية يقابلها تغييب لملامح الوجه، وبناء هندسي معماري للوحاته بأبعاد متباينة في العمق، واختزال تفاصيل الجسد بخطوط ومساحات لونية، مع عناية بلعبة الظل والنور. ويتجلى في تداخلاته تشكيلات عناصره الفوضوية بانضباط، أجواء تيار التكعيبية إنما بمنظور الفنان الخاص، مع إيقاعات لونية ديناميكية عبر لعبه بالظل والنور.
يقول سعد يكن لـ «البيان» عن أسلوبه: «أنا أبني اللوحة طبقة تلو الأخرى، أي أبدأ بمساحات لونية تغطي سطح اللوحة ثم أرسم مرحلة لأعود وأبني عليها مرحلة جديدة من التفاصيل وهكذا، لتصل في بعض اللوحات إلى أكثر من 12 مرحلة، علماً أني بدأت بهذا الأسلوب بعد توقفي عن الرسم الواقعي عام 1970، لأؤسس اللوحة من التصور المرسوم لها في ذهني، ولأدخل فيما يشبه المغامرة مترقباً الكثير من المفاجآت التي تغير مسار تصوري السابق».
ويضيف يكن عن خصوصية شخوصه: «يستوقفني دائما الإنسان المهمش الذي يمتلك العلم والوعي مع إدراك ألمه وعجزه عن تغيير محيطه مما يدفعه إلى انكفاء داخلي. ومقاهينا العامة تضم الكثير من هؤلاء المهمشين الذين يكتمون بوحهم الداخلي عن أقرب الناس إليهم، والذي يتجلى في تعابير وجوههم».
لوحة المطرب صبري مدلل للمايسترو saad yagan. 170-300. cm