مريم التايدي-شفشاون
يقول الشاعر محمود درويش “الهُوية ما نُورث لا ما نَرِث، ما نخترع لا ما نتذكر، الهوية هي فساد المرآة التي يجب أن نكسرها كلما أعجبتنا الصورة. لا أخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف”.
بهذا المعنى قد يشكل بيت الفنان المغربي محمد حقون هويته وهوية مدينة بأكملها، يعمل على أن يورثها مصونة في صورة عشقها ولم يخجل منها، ولا يزال يرسم تفاصلها في لوحة مسترسلة.
سكن الفنان التشكيلي والمصور حقون مدينة شفشاون المغربية، يحفظ تفاصيلها في لوحاته وصوره، قبل أن يقرر اختزانها فوق جدران بيته.
بيت فريد
هو من موالد شفشاون 1946، عرض لوحاته حول مدينته داخل المملكة وخارجها، وعرف بها في الماضي والحاضر، قبل أن يقرر تحويل بيته لتحفة نادرة، عمل على استكمال تفاصيلها بيده.
فهو النجار واللحام والكهربائي والرسام والمصور، وهو الأب والزوج والجد، والمعلم لجيل كامل من فناني المدينة، شغله الشاغل تحفته وحلم طفولته. يقول للجزيرة نت “كل ما ترونه، من صنع يدي، حرصت على أدق تفاصيله بنفسي”.
كان حلم طفولته أن يكون بيته مختلفا لا يشبه البيوت، وقال إنه في صغره كان يجد البيوت متشابهة، لا توجد فيها بصمة صاحبها، فقرر أن يجعل له بيتا فريدا، وعمل على ذلك.
حقون حوّل بيته لتحفة فنية فريدة وفتحه للزوار (الجزيرة) |
تحفة ومتحف
أعد حقون بيته ليكون تحفة نادرة، كسا جدرانه وسقفه بصور شفشاون طيلة وجوده بها بالأبيض والأسود، وقسمه لمتاحف مصغرة حسب المواضيع، بها أوان وتحف صغيرة جمعها من زياراته لدول مختلفة، وساعات بمختلف الأشكال والأحجام والموديلات، يبرمج كل واحدة منها على توقيت دولتها، ومتحف لآلات التصوير يؤرخ لتطورها، ومكتبة وورش للاشتغال.
أعطى لكل جناح في بيته خصوصية، فغرفة الأحفاد تزين بصورهم وصور أمهم في مختلف سنين حياتها، وغرفة نومه على جدرانها صوره مع زوجته طيلة مشوار حياتهما معا، وقاعات الاستقبال والصالون تؤثثه رسوماته وشهاداته.
ولكي تصل ورش الرسم ستمر عبر ممر جمع فيه مختلف أدوات الاشتغال، وأدفأه بمدفأة من صنعه، يشغلها بكل ما يمكن حرقه من بقايا الاستعمال اليومي، حتى المطبخ والحمام ودورة المياه في بيت حقون لا تشبه أي بيت آخر.
يقطن الفنان المغربي رفقة زوجته التي تدمع عيناه حين الحديث عنها وعن دورها في نجاحه، ويقول عنها “هي كل شيء”.
يفتح بيته للزوار محبي الجمال، ومحبي شفشاون، ومحبي الرسم والتحف، بالمجان، ويعتبره لوحة من لوحاته تحكي بدلا عنه.
توثيق بالرسم والصورة
يعتبر حقون اليوم أيقونة الفن بشفشاون، وواحد من رجالها المشهورين، وممن يؤرخون جمال مدينة ذاع صيتها، يوثق بالفرشاة والألوان، ويوقف الزمن المتعاقب عليها في صور تحفظ ذاكرتها وذاكرة أبنائها.
ينتقد تحول المدينة، ويخاف على فقدان خصوصيتها، مما جعله حريصا على توثيق كل تفاصيلها وكتابات أبنائها وصورهم ومحاضراتهم، كما يحتفظ بأرشيف مصور ورقمي، وتسجيلات وكتابات في مؤسسة “الفنان محمد حقون” للحفاظ على الإرث التاريخي لشفشاون، الذي يجاور بيته في المدينة العتيقة، وهو مكان مفتوح للباحثين في تاريخها، يقول عنه إنه شهد زيارات من جنسيات مختلفة، من مختلف العالم.
يحفظ حقون صورا يومية لأبنائه، وصورا توثيقية لأعلام المدينة وروادها وفنانيها، ويستمر في رسم الحكاية ووضع قطع “بازل” الهوية لمدينة صغرت في حجمها وكبرت في قلوب عشاقها، ويقول “كل ما ترونه هنا لم يعد ملكي، إنه ملك للمستقبل من بعدي”.
المصدر : الجزيرة